أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سليمان جبران - يرم التونسي















المزيد.....

يرم التونسي


سليمان جبران

الحوار المتمدن-العدد: 7645 - 2023 / 6 / 17 - 17:19
المحور: الادب والفن
    


، سليمان جبران: بيرم التونسي:
زعيم الزجل المصري ( 1893 - 1963 )
لم نعدْ في عصرنا هذا نحتمل كلّ ألقاب الماضي ومفاهيمه، حتّى في الأدب. إذا كان شوقي شاعرا كبيرا، وهو كذلك فعلا، فلماذا نلقّبه في عصرنا هذا " أمير الشعراء " ؟ لماذا لا ندعوه زعيم أو كبير الشعراء المصريّين، أو العرب، في عصره؟!
بيرم التونسي أيضا لقّبه الإخوة المصريّون "أمير الزجل المصري"، والرجل أبعد ما يمكن عن الأمراء والملوك ، والحكّام أيضا! لذا جعلناه في العنوان أعلاه "زعيم الزجل المصري" لا أميره، خشية شكواه منّا في قبره. فالرجل أبعد ما يمكن عن الأُمراء، شعرا وحياة! على كلّ حال، ليس التونسي أوّل مَن كتب شعر الزجل في مصر. كثيرون سبقوه في ذلك، لكنّه أشهر الأوائل ربّما.
لا بدّ لي من الاعتراف أنّ الشاعر أحمد فؤاد نجم، وفاته بالذات، كان نافذتي المباركة إلى عالم الزجل المصري. لم يكنْ بيرم التونسي اسما غريبا على أذني طبعا. تكفيني الأغنيات التي كتبها لأم كلثوم. لكنّي بعد وفاة الشاعر نجم انصرفت إلى حياة هذا الشاعر وشعره، فكان المقال الذي كتبته عنه. بفضله تعرّفتُ شعراء مصر الكبار في المحكيّة، سابقيه ولاحقيه، وعلى رأسهم الشاعر بيرم التونسي طبعا. ولو بدأتُ اليوم حياتي من جديد، في البحث والدراسة، لجعلتُ الزجل بالذات، في مصر ولبنان، مجال اهتمامي ودراساتي!
قبل تناولي حياة هذه الشاعر المعروف، لا بدّ لي مِن طرح مسألة عامّة لفتتِ اهتمامي: ما هو السبب في غلبة الوطنيّة على الزجل المصري، قديمه وجديده، بحيث يمكن اعتبارها أبرز ملمح مضموني في هذا الشعر؟ بينما أنصرف الزجل اللبناني، في معظمه، إلى رومانسيّة طاغية مِن وصف القرية، وحكايات أهلها ومواسمها، بحيث يمكن لأغاني فيروز وحدها أن تشكّل مصدرا لمنْ يرغب في تعرّف هذه الحياة بكلّ نواحيها؟!
قد يكون السبب المركزي في هذا الاختلاف المضموني البيّن، بين شعر المحكيّة في هذين القطرين المركزيّين في النهضة الفكريّة والأدبيّة، هو "الليبراليّة" النسبيّة التي كانتْ في ظلّ الحكم الإنجليزي في مصر، إذا قورن بالحكم التركي الجائر في بلاد الشام كلّها. ألم يهاجر كثيرون من اللبنانيّين، مفكّرين وأُدباء وشعراء وصحفيّين ومترجمين، إلى مصر في أواخر القرن التاسع عشر وبداية العشرين، فيشكّلوا رافدا هامّا في نهضة مصر الحديثة، فكريّا وأدبيّا؟!
إذا رجعنا إلى بيرم التونسي، موضوعة مقالتنا هذه، فهو مصريّ المولد والنشأة والوفاة، رغم "التونسيّة" هذه التي لازمته في اسمه طوال حياته، بل بعد وفاته أيضا! ذلك أنّ جدّه هو مَن هاجر من تونس إلى مصر، حيث تزوّج وأنجب أولادا ثلاثة كان من بينهم والد بيرم. أمّا بيرم نفسه فقد وُلد في مصر، وفيها عاش حتى آخر أيّامه.
وُلد بيرم في الإسكندريّة، مثل الموسيقار المبدع سيّد درويش البحر، المعروف باسم سيّد درويش ( 1892 -1923). بل كان بين الِأثنين زمالة وتعاون فنّي أيضا. فقد كتب له بيرم أوّل قصيدة وطنيّة، ورواية شهرزاد يضا. يقول بيرم في ذلك: "لازمتُ الشيخ سيّد درويش وألّفتُ له رواية شهرزاد بعيدا عن النشاط السياسي، وتمّ عرضها بعد رحيلي الأوّل منفيّا إلى الخارج. وكان الاسم الذي اقترحناه للرواية هو شهرزاد إشارة إلى شهوات العائلة الحاكمة، ولكنّ الرقابة منعتْ ذلك الاسم فعدّلْتُه".
نُفي بيرم من مصر غير مرّة، بسبب مواقفه الوطنيّة. فقد نفي إلى تونس، بسبب مقالة ضدّ زوج الأميرة "فوقيّة" ابنة الملك فؤاد، وبسبب قصيدته الساخرة "البامية الملوكي والقرع السلطاني" ومن تونس سافر إلى فرنسا، إلى مرسيليا التي لم يحتمل البقاء فيها سوى أيّام، انتقل بعدها إلى باريس التي كتب فيها:
الفجر نايم وأهلك يا باريس صاحيينْ
معمّرين الطريق، داخلين على خارجين
ومنوّرين الظلام، راكبين على ماشيين
وعيال تروح المدارس، في الحقيقة رجالْ
ورجال ولاكن على كلّ الرجال أبطالْ
ولِسّه حامد وعيشة واسماعين نايمينْ
ومن باريس انتقل إلى ليون حيث عمل في مصانع الحديد، ولاقى الويلات. يصف بيرم حياة الشقاء والجوع في مدينة ليون فيقول: " كنتُ أثناء الجوع أمرّ بمراحل لا يشعر بها غيري من الشبعانين. كنتُ في البداية أتصوّر الأشياء، واستعرضها في ذاكرتي: هذا طبق فول مدمّس، وهذه منجاية مستويّة . . وهذه يا ربّي رائحة بفتيك تنبعث مِن عند الجيران، ثمّ أصل بعد ذلك إلى مرحلة التشهّي، أثناءها تتلوّى أمعائي، ويبدأ المغص، ويطوف الظلام حول عينيّ، وأتمنّى من الله أن ينقلني إلى الآخرة، فهي أفضل من هذا العذاب الأليم.. وأخيرا تبدأ مرحلة الذهول وخفّة العقل، فأطيل النظر إلى اللحاف الذي يغطّيني، وتُحدّثني نفسي أن آكل قطنه، أو أبحث عنْ بذرة للغذاء تحتوي على زيوت. وكان لا ينقذني من تلك الحال سوى معجزات، عندما أنهض كالمجنون أبحث في كلّ أركان الغرفة عن أيّ شيء فأعثر بالصدفة على كسرة خبز، أو بصلة مهجورة. . " ولم تنته غربته هذه لا بالعودة إلى مصربجواز سفر مزوّر. وإذ أُلقيَ القبض عليه نُفيَ ثانية، إلى فرنسة مباشرة هذه المرّة.
من المفارقات الغريبة في حياة بيرم أنّه لم ينلِ الجنسيّة المصريّة، رغم أنّه مولود في مصر، ورغم حبّه لها وأشعاره فيها وتضحياته في سبيلها، إلا في عهد الرئيس جمال عبد الناصرسنة 1960. لم يحصل على الجنسيّة المصريّة، رغم أنّه مصري وطني أكثر من جميع ملوكها وخديواتها، ورائد الزجل الوطني فيها. فهو كما كتب عنه فاروق شوشة" الأب. . فنيّا لكلّ هؤلاء المبدعين الذين حملتْ كتاباتهم تسمية شعراء العامّيّة".
وفي سنة 1961 تُوفّي هذا الشاعر الوطني الكبير في مرض الربو أو الأتسما. توفّي شاعر المحكيّة الذي قال فيه أحمد شوقي: لا أخاف على الفصحى إلا من أزجال بيرم".
ننشر أدناه بعض قصائد بيرم، للتعريف بهذا الشاعر العظيم، وبشعره المقاوم الخفيف الدم. فهو لم يكتب الأغاني لأُمّ كلثوم فحسب!!



1) سي المجلس البلدي

قد أوقعَ القلبَ في الأشجانِ والكمدِ
هوى حبيبٍ يُسمّى المجلسَ البلدي
أمشي وأكتمُ أنفاسي مَخافةَ أنْ
يعُدَّها عاملٌ في المجلس البلدي
ما شرّد النومَ مِن جفني القريحِ سوى
طَيفِ الخيال، خيالِ المجلس البلدي
إذا الرغيفُ أتى فالنصفُ آكلُهُ
والنصفُ اتركُهُ للمجلس البلدي
وان جلستُ فجيبي لستُ اتركُهُ
خوفَ اللصوصِ وخوفَ المجلسِ البلدي
وما كسوتُ عيالي في الشتاءِ ولا
في الصيفِ الا كسوتُ المجلسَ البلدي
كأنّ أمّيَ، بلّ اللّه تربتها
اوصتْ فقالتْ اخوك المجلسُ البلدي
اخشى الزواجَ إذا يومُ الزواجِ اتى
ان ينبري لِعروسي المجلسُ البلدي
وربّما وهبَ الرحمنُ لي ولدًا
في بطنِها يدّعيهِ المجلسُ البلدي

وانْ اقمتُ صلاتي قلتُ مفتتِحٌا
اللّه أكبرُ باسمِ لبمجلس البلدي
استغفرُ اللّه حتّى في الصلاةِ غدتْ
عبادتي نصفُها للمجلسِ البلدي
يا بائعَ الفجلِ، بالملّيمِ واحدةٌ
كم للعيالِ وكم للمجلسِ البلدي؟!

2) العامل المصري:

ليه امشي حافي، وانا / منبت مراكبكم
ليه فرشي عريان، وانا / منجد مراتبكم
ليه بيتي خربان، وانا / نجّار دواليبكم
هيَ كده قسمتي؟/ اللّه يحاسبكم!

ساكنين علالي العُتبْ / ونا اللي بانيها
فارشين مفارش قصب / ناسج حواشيها
قانيين سواقي دهب / وانا اللي ادور فيها
يا رب ما هوش حسد / لكن بعاتبكم


من الصباح للمسا / والمطرقة ف ايدي
صابر على دي الأسى / حتى نهار عيدي
ابن السبيل انكسى / واسحب هرابيدي
تتعروّ من مشيتي / واخجل اخاطبكم

ليه تهدموني وانا / اللي عزكم باني
انا اللي فوق جسمكم / قطني وكتاني
عيلتي في يوم دفتني / ما لقيتش اكفاني
حتى الاسية ونا / راحل وسايبكم !

3) بخمسين قرش:
بخمسين قرش ترفع ميكروفونك / لوش الفجر وزيادة شويّة
خمسين قرش توضع نص درهم/ في جيب خصمك وترميه في بليّة
وخمسين قرش تنهب اجزخانه / من المسشفيات القاهريّة
وخمسين قرش يعطيك المفتش /من الغرامات ويشطب لك قضيّة
وخمسين تتبدل محاضر / بتهمة عليك وتتحوّل عليّه
وخمسين قرش شيخ حارتك يخلي/ ولادك يهربوا من العسكريّة
وخمسين قرش محفظتك تعود لك/ من النشّال بالواسطه القويّه
وخمسين قرش اكتب لك مقاله / بأنّك من رجال العبقريّه!





#سليمان_جبران (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المقوّمات الفنّيّة في شعر الأطفال
- الرحيل الافتراضي!
- الحلّ التاريخي؟!
- السهل الممتنع
- كرة القدم - مرض؟!
- الشقّ الآسيوي الإفريقي!
- عن التاريخ الشفهي!
- حِيَل الجواهري الشعرية!
- دولة ديمقراطيّة؟!
- هويّة حمراء؟!
- من أخطاء المطربين!
- الحبّ الأوّل، وَهْم؟!
- من عدوّ لدود إلى . . صديق حميم! [ ورقة أخرى من - هذ ...
- حتّى حنّا؟!
- البقيعة مثالا!
- الترادف: غنى أم ثرثرة؟
- دور الشدياق في تطوير اللغة العربية
- -العامية- و-الفصحى- مرّة أخرى!
- لغتنا العربية؛ لا هي عاجزة ولا معجزة
- متى نؤلّف نحوا حديثا للغتنا الحديثة؟


المزيد.....




- تحية لروح الكاتب فؤاد حميرة.. إضاءات عبثية على مفردات الحياة ...
- الكاتب المسرحي الإسرائيلي يهوشع سوبول: التعصب ورم خبيث يهدد ...
- من قال إن الفكر لا يقتل؟ قصة عبد الرحمن الكواكبي صاحب -طبائع ...
- أروى صالح.. صوت انتحر حين صمت الجميع
- السعودية تخطط لشراء 48 فدانا في مصر لإقامة مدينة ترفيهية
- هل يشهد العالم -انحسار القوة الأميركية-؟ تحليل فالرشتاين يكش ...
- التمثيل النقابي والبحث عن دور مفقود
- الفنان التونسي محمد علي بالحارث.. صوت درامي امتد نصف قرن
- تسمية مصارعة جديدة باسم نجمة أفلام إباحية عن طريق الخطأ يثير ...
- سفارة روسيا في باكو تؤكد إجلاء المخرج بوندارتشوك وطاقمه السي ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سليمان جبران - يرم التونسي