أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - سليمان جبران - من عدوّ لدود إلى . . صديق حميم! [ ورقة أخرى من - هذيك الأيام - ]














المزيد.....

من عدوّ لدود إلى . . صديق حميم! [ ورقة أخرى من - هذيك الأيام - ]


سليمان جبران

الحوار المتمدن-العدد: 7128 - 2022 / 1 / 6 - 13:15
المحور: سيرة ذاتية
    


من عدوّ لدود إلى . . صديق حميم!
[ ورقة أخرى من " هذيك الأيام " ]
سليمان جبران:
أحد الأصدقاء أتّصل بي مستغربا: هل رحل والدك فعلا إلى الرامة المجاورة، كما ذكرتَ في كلمتك عن أخيك حنّا؟ لماذا لا أعرف ولم أسمع عن هذه الرحلة القديمة الغريبة إلّا منكَ أنتَ ؟! ذكرتَها أنتَ غير مرّة ولم أسمع عنها يوما!
نعم. والدي رحل إلى الرامة المجاورة. قبل أن يتزوّج، وقبل ولادتنا طبعا. حكاية الرحيل عن قريته البقيعة إلى الرامة المجاورة سمعتها من الوالد غير مرّة، وأنا أرويها كما سمعتها منه، لا زيادة ولا نقصان.
في تلك الأيام السحيقة كان في قريتنا أفندي. لا أعرف كيف جاء الأفندي إلى قريتنا. في الحاكورة القريبة من بيته كان، كما أذكر، قبر أبيه حتّى. لكنّ عائلته كلّها كانتْ في ترشيحا المجاورة. أمّا الأفندي، وأبوه قبله؟ فعاش في قريتنا البقيعة بالذات!
الأفندي المذكور عرفتُهُ في صغري، في عهد الطفولة. ما زالتْ صورته مطبوعة في ذاكرتي، رغم مرور الأيّام والسنين. رجل أشبهي، طويل القامة، يرتدي قمبازا من الحرير، يبدو فيه أطول، رغم طوله الضافي! وعلى عينيه نظّارة لا تفارقهما. كان له صبيّاانِ، أذكر، وبنات كثيرات لم أعرفهننّ ولا أتذكّرهنّ طبعا. كان الأفندي المذكور فاضي الأشغال، بل عنده "أجير" يقوم بكلّ الأعمال، وخاصّة الأعمال الزراعيّة. في "البساتين" خاصّة، حيث كانت للأفندي قطعة أرض لاتقلّ عن ثلاثين دونما من الأرض الخصبة. لم يكنْ للأفندي أيّ عمل. غالبا ما كان يجلس في "الديوان" حيث يجتمع أعيان القرية عنده. لا أعرف كيف كان أبناء القرية جميعهم يقرّون بزعامته ونفوذه، كما لو كانت الزعامة ملكا شخصيا، ورثه عن آبائه وأجداده، لا ينافسه فيه أحد!
الأفندي، كما أسلفتُ، كان أشبهيّا، ولا شغلة ولا عملة. كان زعيما تقليديّا يجتمع في "الديوان" عنده الكثيرون من أبناء القرية، يسمعون الأخبار من الراديو، النادر في بيوت الآخرين في تلك الأيّام، وما تكتبه الصحيفتان "فلسطين" و"الدفاع" الصادرتان في مدينة يافا، زمن الانتداب. لا أعرف كيف كانت الجريدتان تصلانه يوميّا في الماضي السحيق ذاك!
لم يتزوّج الأفندي غير امرأة واحدة، وإنْ كان يستطيع أكثر، وفقا للسنّة، في الدين طبعا. ولم تكن نحلته تحطّ غير على الزهرات الرائعة. لذا لم يعرف سوى زهرتين رائعتين في القرية. واحدة منهما كانت في حارة الوالد الشابّ في أوّل طلعته.
الوالد الشاب، لا أعرف كم كان عمره يومها، لم يتحمّل زيارات الأفندي وغرامياته في حارتهم، عند جارتهم. اختلف مع الأفندي، وقد اعتدى على الحارة، فاختلف بذلك مع معظم أبناء القرية . أبناء القرية جميعهم عرفوا ما جرى للشابّ مع الأفندي، فكانت النتيجة أنْ "حاربوا" الشابّ المتحدّي سطوة الأفندي وزعامته . لم يكنْ أمام الشاب من طريقة سوى الانتقام من الأفندي. لكن كيف، وجميع أبناء القرية يؤيّدونه، في صراعه مع الشابّ الثائر؟!
طريقة الانتقام من الأفندي سمعتهُا بأذني، في طفولتي، وأذكر أنّها أعجبتني يومها. الأطفال تعجبهم المغامرات والخوارق. مغامرة دون كيشوتيّة مضحكة، لا تثير فيّ اليوم سوى الضحك والاستهجان!
لم يجد الشابّ من طريق أمامه سوى الرحيل عن تلك القرية إلى الرامة المجاورة. مجاورة بمفاهيمنا هذه الأيّام، لكنّها تبعد عن البقيعة حوالى تسعة كيلومترات. في الرامة كان للشابّ الثائر صديق حميم، اسمه حنّا، هو اسم اخي السادس كما ذكرتُ في الكلمة عن أخي حنّا، فكانتْ السبب المباشر لمقالتي هذه.
كانتْ خطّة الشابّ الثائر، بعد استقرار عائلته في الرامة، أنْ يرحل إلى لبنان، حيث يدخل أحد الأديرة، ويربّي ذقنه، ليجيء قريته من لبنان، ومعه فرده الذي لم يخذله يوما، فيقضي على الأفندي في رحلة خاطفة، يعود بعدها إلى الدير في لبنان، سالما غانما، ويا دار ما دخلك شرّ!
أمّ الأفندي كانت، كما سمعتُ من ذلك الشابّ، الكبيرة الحكيمة في ذلك البيت الكبير. ماذا تحسب نفسك؟، قالتْ لولدها الأفندي، يقتلك مثل شربة الماء، وبعد قتلك لا يعزّينا شيء في الدنيا كلّها! لماذا لا تضمّه إليكَ، فينقلب العدوّ اللدود صديقا حميما، ودعامة لزعامتكّ في هذه القرية؟!
كلام الأمّ وقع على آذان صاغية. بدتِ المسألة غاية في البساطة، لا تحتاج إلا إلى مبادرة مفاجئة، تقلب الأمور رأسا على عقب. لماذا لم تخطر هذه الخطّة على بال الأفندي، الديبلوماسي الداهية، قبل ذلك؟ لماذا لا يربح هذا الشابّ المغامر، فيجعله أحد مجالسيه في الديوان؟ لماذا لا يقرّبه إليه فيكون عضوا دائما في ديوانه العامر؟
خطّة الأمّ نجحتْ بحذافيرها! والشابّ الثائر انقلب صديقا مقرّبا في ديوان الأفندي. عاد من الرامة مع عائلته إلى قريته البقيعة مسرورا، وفي ديوان الغريم القديم سمع الأخبار من الراديو النادر، ومن "فلسطين" و"الدفاع"، وسمع أيضا روايات جرجي زيدان كلّها!



#سليمان_جبران (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حتّى حنّا؟!
- البقيعة مثالا!
- الترادف: غنى أم ثرثرة؟
- دور الشدياق في تطوير اللغة العربية
- -العامية- و-الفصحى- مرّة أخرى!
- لغتنا العربية؛ لا هي عاجزة ولا معجزة
- متى نؤلّف نحوا حديثا للغتنا الحديثة؟
- لاساميّة؟ ليش؟!
- أساسيّات في تشكيل النصّ
- بِشْرُ بْنُ عَوانَةَ وَحَبيبَتُهُ فاطِمَةُ
- عيوننا هي أسامينا؟
- موشَّح رحباني معاصر؟!
- السهل الممتنِع
- خواصّ الأسلوب العصري!
- أغنية / قصّة قصيرة!
- نعم، أنا مع ابن خلدون!
- على هامش العربيّة الحديثة – 1
- الأحياء أوّلًا!!حكايات - 2
- حكايات - 1 خَسِرَتْ دِرْهَمًا.. فَرَبِحَتْ دينارًا!!
- الحضارة لا تتجزّأ!!


المزيد.....




- شاهد.. رجل يشعل النار في نفسه خارج قاعة محاكمة ترامب في نيوي ...
- العراق يُعلق على الهجوم الإسرائيلي على أصفهان في إيران: لا ي ...
- مظاهرة شبابية من أجل المناخ في روما تدعو لوقف إطلاق النار في ...
- استهداف أصفهان - ما دلالة المكان وما الرسائل الموجهة لإيران؟ ...
- سياسي فرنسي: سرقة الأصول الروسية ستكلف الاتحاد الأوروبي غالي ...
- بعد تعليقاته على الهجوم على إيران.. انتقادات واسعة لبن غفير ...
- ليبرمان: نتنياهو مهتم بدولة فلسطينية وبرنامج نووي سعودي للته ...
- لماذا تجنبت إسرائيل تبني الهجوم على مواقع عسكرية إيرانية؟
- خبير بريطاني: الجيش الروسي يقترب من تطويق لواء نخبة أوكراني ...
- لافروف: تسليح النازيين بكييف يهدد أمننا


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - سليمان جبران - من عدوّ لدود إلى . . صديق حميم! [ ورقة أخرى من - هذيك الأيام - ]