أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - ياسر جاسم قاسم - التنمية في العراق وابعادها .... التخطيط والرؤى المستدامة















المزيد.....



التنمية في العراق وابعادها .... التخطيط والرؤى المستدامة


ياسر جاسم قاسم
(Yaser Jasem Qasem)


الحوار المتمدن-العدد: 7637 - 2023 / 6 / 9 - 15:59
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


التنمية في العراق وابعادها

لكي ندرس واقع التنمية في العراق يجب ان ننظر الى واقع ما اصاب المجتمع العراقي من فقر مدقع الم به ،لان للفقر ارتباط وثيق بالتنمية كما مر فيما سبق من الكتاب، حيث نجد ان مقارنة نتائج مسح ميزانية الاسر عام 1993 مع مثيلاتها عام 1988 تكشف تحولا في نسبة الاسر في كل الفئات الدخلية الثلاث وقد يتسائل سائل لماذا المقارنة ضمن هذه الاعوام؟ وللاجابة ان اعوام التسعينات من القرن الماضي شهدت حصارا اقتصاديا كبيرا الم بكل اطياف المجتمع العراقي واصابها بفقر مدقع يجعلنا نتناول هذه الفترة الحساسة حيث انخفضت نسبتها من 7,9% الى 6,3 % هذا التحول في التوزيع النسبي للاسر من فئة الدخل المتوسط وفوق المتوسط الى فئة الدخل دون المتوسط يعني ان هذه الفئة باتت تمثل 62,7% من مجموع الاسر قياسا الى 56% لعام 1988 ،فقد انخفض دخل الاسر ذات الدخل المتوسط باسعار عام 1988 من 418 دينار شهريا عام 1988 الى 145 دينار عام 1993 أي اصبح ما يقارب الثلث اما الاسر ذات الدخل دون المتوسط فقد كان الانخفاض شديدا حيث اصبح حوالي 74 دينار عام 1993 وهو ما يعادل 22% عما كان عليه عام 1988 وطبقا لهذه النتائج فان 31% من الاسر و34% من الافراد يعانون من الحرمان والفقر والسؤال المطروح هنا ما هي اسباب الفقر في العراق .وللجواب نقول:
1- السبب الرئيسي في نظرنا هو عدم وجود سياسة حقيقية تحكم البلد فكثرة الانقلابات العسكرية الدموية وكثرة الاستبداد وحكامه جعلت من الديمقراطية مسالة مفقودة في العراق وعدم اتاحة الحريات يجعل من التخطيط الاقتصادي والتنمية فيها والتنمية الاجتماعية والثقافية كلها مفتقدة في الاساس في حكم البلاد الديمقراطية التي تسهل التخطيط للتنمية وتتيحه في كافة المجالات مما يجعل البلد قادر اقتصاديا متمكنا بعيد عن المشاكل التي يتسبب بها الاستبداد ويختفي الفقر وتقل معدلاته في كافة الاصناف التي يدخل فيها ويحطمها اقتصادية كانت ام اجتماعية ام سياسية.
2- الحروب الداخلية والخارجية (حرب الشمال،الحرب العراقية الايرانية (1980-1988) ،حرب الخليج(1991)،حرب الخليج الثالثة(2003) فقد ادت هذه الحروب وكما هو مععلوم للجميع بانتشار مظاهر الفقر وواقع الفقر مما انتج مجتمعا مهزوما اقتتصاديا وبلدا مخترقا ،احدثت هذه الحروب شرخا اجتماعيا واقتصاديا واسعا اوصل البلد الى مهاوي لا يحسد عليها افقدته التنمية التي يبغي ايجادها ضمن خططه المستقبلية.
3- الحصار الاقتصادي(1990-2003) : وقد احدث هذا الحصار شرخا كبيرا حتى في العلاقات الاجتماعية داخل المجتمع العراقي وبالنتيجة اضحت الاخلاق العلائقية بينهم واقعا مفتقدا مما سبب نكوصا للتنمية لان الاخلاق اذا افتقدت ،معنى ذلك: افتقاد المعاني الانسانية وبالتالي افتقاد التنمية اذا عرفنا ان الانسان هو محور التنمية الاساس وسنتناول الاخلاق العلائقية ومفاهيمها التطبيقية في الواقع العراقي في مبحث خاص نهاية هذا الفصل .
4- طبيعة النظام السياسي ونمط تعامله مع مجتمعه وسوء تصرفه بموارد المجتمع الاقتصادية وفي كل تلك الظروف كان النظام السياسي يركز اكثر على حماية نفسه واتخاذ المزيد من اجراءات الوقاية ،وافضت تلك الاجواء الى تحول افراد المجتمع الى ما يشبه نزلاء المعسكرات الذين يتقدمون يوميا او شهريا لطلب الغذاء والدواء وهم محرومين من اي حقوق مدنية .
5- الخطط والسياسات الاقتصادية المتعثرة للاقتصاد العراقي منذ تاسيس الدولة العراقية حيث نلاحظ وعند استعراض التاريخ الاقتصادي للعراق لم يتم اتمام اي خطة تنمية اقتصادية موضوعة فمنذ تاسيس (هيئة تنمية) عام 1950 واعدادها لخطة تنموية لاربع فترات من 1951 الى 1961 من القرن الماضي لم تستطع هذه الخطة ان تحقق سوى 57% من المبلغ المحدد للانفاق على اتمام برامجها وبذلك كانت قاصرة عن بلوغ الاهداف ثم تلتها بعد ذلك الخطة الاقتصادية المؤقتة(CPEP) في ظل نظام حكم عبد الكريم قاسم بعد الانقلاب الذي قاده عام 1958 واعلان جمهورية العراق ، حيث عملت على زيادة التخصيصات لقطاعات الصناعة والاسكان محاولة منها لتقوية الصناعة كوسيلة لتقليص الفوارق الطبقية في الداخل والناتجة عن طبيعة الاقتصاد المعتمد على النفط ،ولكن بسبب مجموعة الانقلابات والتي مثلتها انقلابات عام 1963 الذي قام به عبد السلام عارف وقيام هذا النظام باستبدال هذه الخطة ب( خطة السنة الخمسية) (FYP) في سنة 1965م.حيث لم يكن لهذه الخطة مع قصور الخطط السابقة لتنفيذ نفس التاثير حيث لم يكن الانفاق الفعلي الا اقل من 55% من االاموال والاهداف المخصصة لها واخفقت جميع القطاعات في بلوغ اهدافها.
ومن ثم اطاح حزب البعث بالنظام العسكري عام 1968 ليجيء نظام الحزب الواحد حيث استغرقت حكومته سنتين حتى قامت بصياغة خطتها التنموية الاولى (NDP) التي غطت الفترة من عام 1970 -1974 وعلى الرغم من الخطاب الثوري والاجتماعي والتغيرات الجذرية التي كان يتبناها النظام الجديد الا ان الخطة كانت تمثل تواصلا لخطط التنمية السابقة وعلى الرغم من الزيادة في اسعار النفط من 26,4% عام 1970 الى 60,4 % مع حلول العام 1974م الا ان عجز عن الانفاق على الصناعات الاقتصادية الرئيسية وانحدر دور مساهمة القطاع الزراعي والصناعي في الانتاج الوطني الاجمالي بنسبة 6,9% ،5,2% على التوالي عام 1974 ثم انهى قرار حزب البعث القاضي بعرض التخطيط الاقتصادي على مجلس قيادة الثورة لغرض المصادقة على التقرير السنوي المتعدد وهذا الامر عنى في عناه ان التطبيقات الاقتصادية القيمة التي يديرها التكنوقراط تم استبدالها بقيادة حزب البعث التي تولت ادارة الاقتصاد العراقي ومنذ ذلك الحين توالت الحروب والازمات التي عصفت بالاقتصاد العراقي الى مصاف الاقتصاديات الهزيلة نتيجة الدخول في الحروب الواحدة بعد الاخرى ومن ثم فرض الحصار الاقتصادي على العراق بعدما ولدت هذه الحروب اقتصادا منهكا مثقلا باعباء الديون وزيادة معدلات التضخم والبطالة حيث عزل بموجبه الاقتصاد العراقي عن جميع انواع المعاملات التجارية الدولية وجر اقتصاد البلد هاوية الانهيار ليستمر هذا الحصار الى سقوط النظام ودخول قوات التحالف في 9/نيسان/2003 حيث رفع الحصار الاقتصادي بقرار الامم المتحدة 1483 في 22/ايار/2003 وليشهد العراق فوضى عارمة امتدت لكل البنى التحتية للاقتصاد العراقي.
ولقد اثر في الاقتصاد العراقي جملة من العوامل التي ادت الى فشله واخفاقه :
1- الافتقار الى الحكمة السياسية .
2- الحقبة الدكتاتورية السابقة التي ادخلت الاقتصاد في اتون حروب مدمرة لما يزال العراق يعاني من حيثياتها والفساد الاداري والمالي الذي تفاعلت معه حكومات ما بعد 2003 والتي يندى الجبين لافعالها في الفساد
3- فشل الحكومات المتعاقبة في تلبية الاحتياجات الاساسية في ميادين الصحة والتعليم والمياه والبيئة والصناعات النفطية .
4- توظيف معاناة الشعب العراقي للاغراض السياسية .
5- تكريس الفساد منهجا بحكم الطائفية السياسية وسيادة الولاءات الرجعية دون الوطنية .
كل هذه العوامل ادت الى ان يلتبس على المواطن العراقي المفاهيم الاجتما اقتصادية من قيل الاعمار والتخطيط والتنمية والانماء والتنمية المستدامة ، . فمن دون تنمية مستدامة حقيقية في البلاد تتلخص في الارتقاء برفاهية الانسان والوفاء بالاحتياجات الاساسية للفقراء وحماية رفاهية الاجيال القادمة والحفاظ على الموارد البيئية ودعم انظمة الحياة على المستوى العالمي والعمل على ادخال الاطار الاقتصادي والبيئي وامن الانسان وبشكل يضمن حقوق المواطن.
وهذا كله يجب ان ينطلق من التخطيط الذي تحدثنا عنه فيما سبق، من الفصول والذي هو عبارة عن عملية شاملة تمس جوانب المجتمع الاجتماقتصادية والثقافية والعلمية ، وتسشتجيب الى قانون التطور المبرمج والنسبي للاقتصاد الوطني، واهمية التوازن بين الفروع الرئيسة للاقتصاد العراقي وتقليل اثر التقلبات الاقتصادية غير العادية ،واختلال التوازن غير الاعتيادي والازمات ، ويستند التخطيط على جملة مبادئ في مقدمتها:
1- ارتباط الجهة القلب في جهاز التخطيط بأعلى جهة في الجهاز التنفيذي وتضم في عضويتها الخبراء في الميادين السياسية والاجتماقتصادية .
2- وجوب اقرار مجلس التخطيط الممثل للشعب والمنتخب من قبله اقراره للخطط التنموية قبل المباشرة بالتنفيذ.
3- التخطيط عملية شاملة ولجهاز التخطيط الاسبقية على اجهزة الدولة كلها.
4- وجوب تواجد جهاز فني مركزي للتخطيط يضم الكادر الفني المدرب على اعمال التخطيط.
5- وجود الجهاز الاحصائي المحوسب القوي تحت تصرف الجهاز الفني المركزي.
6- وجوب تواجد جهاز متابعة ومراقبة ورصد لمتابعة تنفيذ الخطط التنموية .
7- المشاركة الحقيقية للجماهير في مناقشة ودراسة اوضاع التخطط وتعقيداته واشكالياته وتوفير مستلزمات نجاحه على اسس طوعية ديموقراطية .
8- الاحترام الكامل لحقوق الانسان المدنية والسياسية والاقتصادية ، والاجتماعية واحترام التعددية السياسية والابتعاد عن القهرية الحزبية والميكافيلية والتدخل في الحياة الشخصية للناس، كما ان جهاز المركزي للتخطيط يقوم بتحديد النسب الرئيسية في عملية التنمية اي: افضل النسب ين :الانتاج والاستهلاك والتراكم ، انتاج سلع الانتاج، وانتاج سلع الاستهلاك ، الانتاج في القطاعات الاقتصادية الرئيسية (الصناعة والزراعة والنقل) الصناعة الاستخراجية والصناعة التحويلية واحتياطي العمالة واحتياجات الانتاج في العمل، انتاجية العمل والاجور ، توزيع الانتاج اقليميا .
التنمية في العراق يجب ان تنطلق من فكرة ان النمو الاقتصادي يقود الى المساواة في الدخل وعليه فان مكاسب التطور الاقتصادي يجب ان تنعكس ايجابيا على المواطنين في تحسين نوعية حياتهم بما يشمل توفير الضروريات من الغذاء والعلاج والتعليم والامن ،وان يكون اول المستفيدين من هذا النمو الاقتصادي هم الفقراء والعاطلون عن العمل والمرضى والمجموعات العرقية الاكثر فقرا في المجتمع والاقاليم الاقل نموا.
ولاشك إن الإيمان بهذه الفلسفة دافعه الأول إن العلاقة بين زيادة النمو وتقليل الفقر طردية موجبة ،لان وصول الفقراء إلى تعليم أفضل والى صحة أفضل ساهما بفعالية في عملية تسريع وزيادة معدلات النمو الاقتصادي.
وقد ترجمت فلسفة التنمية في السياسات الاقتصادية التي وضعتها حكومة ماليزيا بين عامي (1971-1990) وركزت على هدفين :الأول تقليل الفقر .والثاني إعادة هيكلة المجتمع.
وحددت هذه السياسة استراتيجيات معينة لتقليل الفقر ،مثل زيادة امتلاك الفقراء للأراضي ورأس المال المادي ورفع مستويات تدريب العمالة وزيادة الرفاهية العامة وتم التركيز على تحسين الزيادة النوعية والكمية في عوامل الإنتاج المتاحة للفقراء ،وكانت هناك مجموعات عديدة من السكان الفقراء في الريف والحضر محل عناية خاصة بعدها الأشد فقرا.
ان المهاتيرية –نسبة الى مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا- تشكل من خلال عدد من التوجهات والتصورات الخاصة بالإسلام والغرب والديمقراطية والتنمية والنظام الاقتصادي العالمي والعولمة...الخ.بالإضافة الى بعض المنطلقات والافتراضات الخاصة بالعلاقة بين الدين والدولة والاسلام والتنمية والديمقراطية والتنمية ووفق بعض التعريفات فان المهاتيرية هي خليط من القومية –الراسمالية-الاسلام-الشعبية-السلطوية وهنالك عوامل عديدة لعبت دورها في تشكيل عناصر المهاتيرية كان في مقدمتها الخلفية العلمية لمهاتير محمد وزوجته فقد درس مهاتير الطب الى ان حصل على درجة الدكتوراه كما تخصصت زوجته في الفيزياء ،وقد لعبت تلك الخلفية دورها في تركيز مهاتير على اهمية العلوم الطبيعية والتطبيقية ذات الصلة بالتنمية التكنولوجية بشكل خاص.
وتركيزنا على المهاتيرية هنا لغرض ان نعرف مدى استفادتنا من تجارب الشعوب في التنمية ومدى قدرة تطبيقها داخل العراق,وان قيم ما يمكن تسميته بالمهاتيرية يقوم تصورها على اولوية قضية التنمية على التطور الديمقراطي في المراحل الاولى من التطور الاقتصادي ،وان التعجيل بالتحول الديمقراطي قد يؤدي الى تداعيات سلبية ،وقام مهاتير محمد بصوغ التنمية الماليزية وفق هذا التصور ،الامر الذي ادى الى تاجيل عملية التطور الديمقراطي الى الان على الرغم من النجاح الذي حققه المشروع التنموي ،أي ان التصور المهاتيري يرى ان فكرة المستبد العادل ربما تكون هي الانسب بالنسبة الى بعض الشعوب والمجتمعات خلال مرحلة معينة من التطور السياسي والاقتصادي .
في محاضرة القاها في جامعة دمشق ،اوضح مهاتير ان تجربة ماليزيا قامت بالاستفادة من تجارب اليابان وكوريا ،يقول مهاتير: صحيح اننا لم نستطع تكرار ذات التجربة لان وضعنا يختلف عن تلك الدول نتيجة لوجود العديد من الاعراق والاديان والثقافات المختلفة التي يقوم عليها الشعب لاماليزي ،من الصعب ان يكون مستوى التطور واحدا لدى تلك الاعراق وهذا المزيج من الثقافات يخلق عدم استقرار وحتى يتم التطور لا بد من وجود علاقات وائتلاف فيما بينها الملايون(السكان الاصليون لماليزيا) يحترفون السياسة بينما الصينيون والهنود يهتمون بالاقتصاد، وازدهار البلاد مرتبط بالاستقرار الاقتصادي والسياسي وقد استطعنا التغلب على ذلك بتقاسم السلطة بمشاركة الجميع.واكد دكتور مهاتير انه باعتماد التخطيط الاقتصادي الصحيح يمكن مواجهة المخاطر والصعوبات التي تعترضنا والتخطيط الاقتصادي الصحيح لدينا جيد ولا يرتبط باقتصاد السوق ولا يلتزم بأي نهج ايدولوجي معين بحيث يمكننا الاستفادة من كل التجارب الجيدة ،ويستند بالأساس الى توجيه تفكير الناس وإقناعهم من اجل تطوير البلاد والمساهمة في الانجازات وهو يتطلب الكثير اذ ليس من السهل ان تقنع الناس بضرورة التغيير ،وأوضح كان قرارنا باللجوء الى التصنيع لتامين فرص العمل حين لم يكن لدينا خبرات لا في التصنيع ولا في الأسواق اعتمدنا على المستثمرين ورؤوس الأموال الأجنبية ودعونا الأجانب ليأتونا ويستثمروا في الصناعة ،قدمنا لهم كل ما يلزم من إعفاءات الضرائب على الاستيراد ،قمنا ببناء بنية تحتية قوية تؤمن مستلزمات الصناعة كشبكة نقل متطورة في مجالات النقل المختلفة ،ركزنا على الصناعات التي تأخذ عددا كبيرا من الموظفين لم نتخوف من المستثمرين ان يسيطروا على كل شيء في البلاد .

1- النزاع والإرهاب في العراق وأثره على مشاريع التنمية :
النزاع او الأزمة بشكل مبسط هي الحالة عندما يمر من يواجهها (بلد،شخص،مجموعة سياسية،اجتماعية أو غير ذلك)بظروف غير طبيعية أو غير معتادة تحمل عناصر جديدة وقد تكون غير معروفة وتختلف في أوجه عديدة من عناصر الظروف الطبيعية التي يتعامل بها من يواجهها حين يحلل أي قضية تحتاج إلى حل.
إن الجهات المانحة والسلطات العراقية تعتبر بحق إن الوضع الأمني عائق خطير يقف في وجه إعادة الأعمار الاقتصادي، كما تقر بان الافتقار لإعادة التأهيل الاقتصادي يشكل عاملا مساهما في إذكاء النزاع العنيف . وفي تزايد الخطر الكامن وراء انتشار العنف ،اذا لم يلمس الشعب تحسنا حقيقيا في ظروفه الاقتصادية فالتسريع في إعادة الأعمار الاقتصادي ،وفي الإصلاح،من شانه أن يسرع في عملية التنمية وان يخفف من غلواء المعاناة ، ويخفض من الميل إلى العنف ،خاصة لدى أولئك الذين لا تستهويهم السياسات /الايدولوجيات،ويضعف بالتالي من قواعد الدعم الشعبي لأولئك الذين يسعون إلى حشد الدعم للعنف عبر استغلال المعاناة الاقتصادية والإحباط.ان الوضع الاقتصادي العراقي العام يعتبر غير جيد فبعد الحروب والعقوبات الدولية والقمع السياسي والتسليح المكلف والتخل الكلي للدولة والإرهاب الذي اجتاح العراق بعد 2003م انتهى الأمر إلى زعزعة الاقتصاد العراقي وبالنتيجة تدهورت مؤشرات التنمية البشرية في العراق تدهورا حادا فاق المعدل الذي كان سائدا قبل عقدين في المنطقة (هبط إجمالي الناتج الفردي من 4000 دولار في بداية 1980 إلى 200 دولار في منتصف التسعينات) ومنذ الثمانينيات تحددت بنية الاقتصاد العراقي بتزايد اعتماده على قطاع النفط والتوسيع غير المستدام لقطاع الخدمات غير المنتجة خاصة الجهاز العسكري وإهمال القطاعات المنتجة كالزراعة والصناعة على نحو متواصل وانهيار الاستثمار الإنتاجي في النشاطات الاقتصادية غير العسكرية وتزايد السيطرة السياسية البيروقراطية غير خاضعة للمحاسبة ،والإفراط في تقييم العملة العراقية،هذه الأمور مجتمعة أدت إلى تعميق السمات الريعية للاقتصاد العراقي ويختلف الاقتصاد العراقي عن الاقتصاد الاوامري في النموذج السوفيتي ،فهو اقتصاد مختلط يتميز بقطاع خاص حقيقي يوظف اكثر من 70% من اليد العاملة . غير إن معظم الوظائف كانت في اقتصاد الظل الذي تطور بسرعة خلال التسعينات ،اما في الاقتصاد الرسمي ،فاعتمد القطاع الخاص بقوة على نفقات الحكومة ومعوناتها فكان قطاع الدولة يسيطر على عائدات النفط وعلى حوالي 200 شركة تابعة للقطاع العام ،ويتحكم بأسعار المنتجات النفطية المكررة وبالحصص الغذائية الموزعة كإجراء استرضائي للعراقيين كلهم عمليا، فيمتص بالتالي قسما مهما من ميزانية الدولة.كان الاقتصاد العراقي عشية الحرب في اسوا حالاته :بطالة عالية (18%) بحسب ارقام رسمية غير دقيقة في العام 1997م ،بنية تحتية متهاوية ذهنية خدمات زهيدة لدولة ريعية شركات قطاع عام عاجزة معدات متقادمة ،بيروقراطية غير كفوءة يقوضها فساد واسع النطاق ،ايد عاملة ماهرة تتقلص بسبب انخفاض مستوى النظام التعليمي وهجرة الاشخاص المؤهلين ،انعدام التوازن الاقتصادي الاقليمي ،ديون خارجية غير مستدامة ،وشبه غياب لبنية محددة للتحكم بالشركات وحفظ حقوق الملكية، ومع ان العمليات العسكرية لقوات التحالف بدات في ربيع 2003 وتسببت بالتالي بضرر محدود للبنية التحتية ،مقارنة بحرب العامين 1990-1991 ،الا ان النهب الذي تلا الحرب والتخريب المتواصل في امدادات النفط والكهرباء والماء ،قد قضيا فعليا على الجهود الرامية الى تفادي الضرر بالبنى التحتية (فضلا عن التقدم الذي كان متوقعا نتيجة تحسين تلك الخدمات ما بعد اذار /مارس2003).
وفي ظل الظروف الصعبة التي برزت بعد الحرب مباشرة اعدت سلطة التحالف المؤقتة والحكومة العراقية المؤقتة تصورا لاعادة الاعمار يرتكز على هدفين: اعادة بناء القدرات الانتاجية في قطاعات السلع والخدمات ،وادخال اصلاحات اقتصادية بنيوية على اساس ارساء اقتصاد السوق وتزداد حساسية الاصلاحات الاقتصادية بشكل كبير بسبب مسالة الديون والتعويضات الملزم العراق بدفعها للسنوات القادمة لاطراف كانت متضررة من الحروب السابقة للنظام السابق.
وقد حاول قرار مجلس الامن الدولي رقم 1483 تحييد عائدات واصول النفط العراقي من جميع الديون حتى 31/كانون الاول/2007 .لكن هذا القرار لا يذكر او يواجه مسالة الفوائد المتراكمة على الديون المتعلقة فالعراق يشكل اكبر مدين في العالم من حيث عدد سكانه اذ بلغت ديونه حوالي 120 مليار دولار ،كما لا يزال يدفع تعويضات عن حرب الكويت في العام 1991 يبلغ الرقم الحالي للديون حتى كتابتنا لهذا الكتاب 33 مليار دولار لكن ثمة 71,6 مليار دولار اضافي من دعاوى تنتظر الاقرار او الدراسة وتبرز مسالة الديون المتعلقة كمشكلة حيوية اذا ما اردنا ضمان التنمية المستدامة سواء داخل او خارج العراق أي في أي بلد من البلاد.
كما اضحى النقص في المنتوجات النفطية والفساد في توزيعها مصدرين اساسيين للسخط الشعبي ،وقد خصصت مبالغ ضخمة لتمويل استيرادها من الدول المجاورة وذلك تلبية للطلب الداخلي المتزايد على البنزين ،بعدما رفعت القيود عن استيراد السيارات من دون ان تتمكن مصافي التكرير الممحلية وانابيب التغذية والتوزيع من تلبية حاجات الاستهلاك المتزايد نتيجة للتخريب المتكرر.
ان اشراك القطاع الخاص المحلي والاجنبي في الاقتصاد سيرتدي ،ككل اهمية خاصة نظرا لان الموارد الحكومية غير كافية لتامين حجم الاستثمار الضروري في المستقبل المنظور غير ان مدى مساهمة الرساميل الخاصة بجدية في اعادة تجديد البنى التحتية العراقية في المستقبل المنظور ما يزال مجهولا.
ويؤثر الوضع الامني بصورة عامة على تنمية الاقتصاد سواء كان في العراق ام في غيره من الدول وبالشكل التالي:
1- يرفع كلف الانتاج ويحول موارد اعادة الاعمار في اي دولة الى نشاطات غير منتجة.
2- يسدد ضربات موجعة الى جهود اعادة الاعمار فيجبر الشركات الاجنبية او شركات الاستثمار والمنظمات غير الحكومية على مغادرة البلاد التي تكون اوضاعها الامنية غير مستقرة ويثني مستثمرين اجانب محتملين عن جلب الرساميل اللازمة والمشاركة في مخاطر اعادة الاعمار مما يعيق عملية اعادة تاهيل قدرات الانتاج الموجودة ويدمر تلك الوليدة حديثا ،وبالتالي فان انعدام الامن يضع عائقا ماديا امام دخول المقاولين الاجانب الى البلاد ،ويعيق استئناف النشاط الاقتصادي الطبيعي.
3- يتسبب انعدام الامن في احداث نقص حاد في انتاج الخدمات العامة وخصوصا الكهرباء وانتاج المواد النفطية ،مما يؤدي الى انتشار السوق السوداء والنشاطات الاخرى غير الشرعية ،ويؤدي هذا النقص كما تؤدي عواقبه الى تدهور شروط العيش وانخفاض القدرة الشرائية وتزايد السخط ،مما يقوض الثقة العامة بالحكومة وبالعملية السياسية ،وهذا ما يريح مجموعات المعارضة الاصولية والمتطرفة ويعزز رسالتها.
ورغم ان المشكلات الامنية تبقى جدية ،فان الاقتصاد العراقي لم يتعطل كليا من جراء العنف ،فقد تمكنت الاعمال التجارية الصغيرة من النمو والازدهار رغم الاضطرابات المحلية ،هذا الامر يعزى بجزئه الاكبر الى الاصلاحات التي جرت مناقشتها ذلك ان الزيادة الملموسة في رواتب الموظفين حسنت ظروف حوالي مليون موظف ومليون متقاعد فقد كان متوسط الراتب الاساسي لموظفي الحكومة يبلغ خمسة دولارات في الشهر الا انه تخطى الان 80 دولارا في الشهر ويظهر البحث الميداني على سبيل المثال ان موظفي الحكومة استطاعوا للمرة الاولى منذ عشرين عاما زيارة محال المجوهرات حتى في المحافظات الفقيرة كالعمارة ،اما اساتذة الجامعة الذين كانوا يتلقون حوالي 8دولار في لشهر في العام 2002 اصبحوا يتلقون اليوم حوالي 500 دولار كما ينطبق تحسن المدخول على المتقاعدين ايضا ومن بين الاصلاحات الموجهة للسوق ،التي دشنتها سلطة التحالف المؤقتة في العراق واكملتها الحكومتان المؤقتة والانتقالية والحكومة المنتخبة كان لاصلاح العملة واصلاح النظام المالي نتائج ايجابية بنجاح استبدال العملة واستقرارها وادخال معايير مقبولة في القطاع المصرفي من جهة اخرى ،تبقى استقلالية المصرف المركزي مقبولة على مضض من جانب السلطة التنفيذية ،وقد اقتصرت معظم الاصلاحات على المؤسسات وابتعدت عن المعالجة بالصدمة المقوضة للاستقرار.
كما تميزت المرحلة التي تلت النزاع ،من نيسان/ابريل2003 الى ايلول/سبتمبر2004 ،بارتفاع معدلات النمو (بحدود 55 الى 65%) ويعود الفضل في ذلك بشكل كبير الى ارتفاع مفاجئ في اسعار النفط، والى الاستقرار النقدي وازدياد التبادل التجاري.غير ان صندوق النقد الدولي يقدر النمو في العام 2004 بحوالي 52% مع احتمال ان يهبط الى حوالي 17% في العام 2005 وبينما انخفضت معدلات البطالة نسبيا في العام 2004 عما كانت عليه في العام 2003 ،الا ان المعدلات المحلية المتباينة تظهر فروقات مقلقة بين المحافظات ،فالفروقات وعدم المساواة بين المناطق هي اكثر خطورة من انعدام المساواة بين الطبقات الاجتماعية في مرحلة انتقالية عنيفة ،تبرز اعلى مستويات البطالة المحلية في محافظة ذي قار (46,2%) وادناها في كربلاء والنجف(14%و18%)على التوالي وبالانتقال الى المناطق السنية ،فان اكثر المحافظات تضررا هي الانبار والموصل وديالى :33%،31,2%, 31،2%على التوالي بالنسبة لهذه الارقام نذكرها هنا فقط لكي يكون هنالك تصور لدى القارئ لان الكتاب يهتم باعطاء الاسس العامة والتفاصيل لكيفيات التنمية واسسها وكيفيات التخلص من المساوئ والاضرار التي تعترض طريقها اما الارقام نسوقها كامثلة ليس اكثر من ذلك.
ومن شان هذا الوضع الاقتصادي المزري ان يغذي سياسات التطرف، ويشجع التمرد ويولد المعاناة الطائفية.
والفساد الاداري والمالي كبير جدا وشامل وهو يستنزف الموارد ويقوض الثقة بالسلطات في هذه المرحلة من تاريخ العراق .
ان ريعية النفط العراقي والاقتصاد الاوامري –المختلط يولدان نتائج متناقضة لجهة النزاع ،فبنية اقتصاد العراق الاوامري مرتبطة بالتنمية الحكومية المركزية ،في ظل هيمنة نخب طائفية وسيادة عقد اجتماعي يقوم على مبادلة الرضى لقاء توفير الخدمات الرخيصة والوظائف ،كانت الدولة وستبقى لبعض الوقت اكبر مالك رب عمل واكبر مستثمر منتج منفرد، لكنها لن تستطيع ان تواصل هذا الدور لفترات اطول وهذا ما يضمر خطرا استراتيجيا بشكل عام فان العراقيين يحتاجون الى ان تتم تلبية حاجاتهم في مجالات الخدمات الاجتماعية والرفاه الاجتماعي والازدهار الاقتصادي واذا لم تتم التلبية لهذه الامور فسوف تتشكل على الارجح الدوافع القوية للسخط الشعبي الذي سيعمد الى استغلاله اولئك الذين يناصرون العنف ،ويشاركون في الاعتراضات السياسية المتطرفة.




6- معدلات الفقر في العراق تزداد كذلك بسبب وجود البطالة وهنالك علاقة واضحة بينن البطالة والفقر ،وذلك ان الاسباب الهيكلية في البطالة في البلد تكمن في :/
أ‌- نمط النمو الاقتصادي المتمحور حول استغلال النفط حيث يوفر النفط اكثر من 90% من الايرادات العامة ،واكثر من 70% من الناتج المحليي الاجمالي، الا انه لا يشغل سوى 1% من القوى العاملة، فالاقتصاد العراقي يقدم صورة متطرفة للكيفية التي ادت فيها عائدات النفط في زيادة تخلف بينية القطاعات الاقتصادية الاخرى.
ب‌- خصائص قوة العمل التي ترتفع ضمنها نسبة الشباب في وقت تفتقر الى التدريب اللازم لتلبية احتياجات سوق العمل .
ت‌- اثار الحرب وفقدان الامن، وتوقف عمل الاقتصاد وتدهور النشاط الخاص ،فالتدمير الهائل الذي اصاب الاقتصاد بفعل الحروب وسنوات الحصار العجاف كلها اثرت سلبا على نشاط الاعمال في الاقتصاد.
وفي ادناه جدول يوضح معدلات البطالة في العراق مقارنة بالمعدل العام حسب البيئة والجنس للسنوات (2003-2006)

السنة حضر
ذكور
اناث
مجموع ريف
ذكور
اناث
مجموع المجموع
ذكور
اناث
مجموع
2003 31
22,3
30 28,9
6,7
25،4 30,2
26
28,1
2004 28,3
22,4
27,7 31,2
3,1
25,7 29,4
15
26,8
2005 18.6
22,68
19,27 20,18
2,55
16,09 19.22
14,15
17,97
2006 19,74
37,35
22,91 15,04
8,04
13,17 16,16
22,65
17,50

• السنة 2003 والسنة 2004 تشمل كل العراق ضمن الاحصائيات عدا اقليم كوردستان.
• السنة 2005 تستثني من احصائياتها الانبار واربيل ودهوك.
• والسنة 2006 بينات الحضر للمراكز الحضرية.
وهذه الارقام نذكرها على سبيل المثال فقط لانها متغيرة بطبيعة الحال بين يوم وليلة لذلك هي ليست خالدة كما بقيت الكتاب وانما تقرب النظرة للقارئ وليس للاعتماد عليها .
بالنتيجة فان معدلات البطالة المرعبة هذه تنبئ بتعثر كبير في مسير التنمية يشهده العراق وهذا التعثر تشكل فيه البطالة النسبة الاكبر لان وجود اعداد كبير من العاطلين عن العمل يساعد على تفاقم مشاكل كثيرة تقف حائلا بوجه التنمية وعلى راسها الارهاب الذي يعاني منه العراق،والعنف فاحد اهم الاسباب هو انخراط اعداد كبيرة من الشباب بسلك العنف الارهابي نتيجة وجود الفراغ الكبير في حياتهم وعدم وجود مصدر مالي يعتاشوا منه مما يسبب وبشكل كبير ازمة في حياتهم تدفعهم للانخراط بمسالك العنف والجريمة وهذه هي اشكالية كبرى على الحكومات ومعالجتها ووضع خطط استراتيجية لاجل علاجها بشكل دقيق.كما لا يفوتني ان اذكر ان البطالة ليست هي السبب الوحيد للعنف في العراق فالعنف في هذا البلد احد اسبابه هو الوضع الاقتصادي الراهن وعدم وجود تنمية حقيقية والسبب الاخر للعنف هو تخريب الثقافة العراقية وعدم وجود تنمية حقيقية فيها ،فبالتالي تحتاج الثقافة العراقية الى اعادة اعمار لها مما لحقها نتيجة سيادة عصور الاستبداد والدكتاتورية التي كانت تريد ننمط ثقافي واحد هوثقافة الحزب الواحد او الحزب الحاكم وغيره من الثقافات والاتجاهات تقصى ويمارس ضدها العنف ،فبالتالي ولابعاد شبح العنف والدمار عن العراق يجب توفير فرص عمل للشباب وابعاد شبح البطالة عنهم وايجاد اقتصاد متين للبلد يستند عليه ، ابناؤه بالاضافة الى ذلك يجب ان يكون هناك اعمار للثقافة العراقية وتنمية لها وعبر عدد من النقاط نشير اليها:
1- ضبط الثقافة :اي تحقيق الثقافة الضابطة، اي تلك الثقافة التي توفر للمجتمع العراقي اداء الفعاليات المختلفة.
2- اعادة تفسير دلالات المكونات الثقافية: وهي عملية ثقافية تنطوي على تكوين علاقات جديدة للعناصر الثقافية ،الامر الذي يؤول الى فهم جديد متناسب مع تغيرات الحياة الحاضرة والمقبلة.
3- اعادة ترتيب القيم والعناصر الثقافية :ان الثقافة هي اكبر من كونها مجموعة من العناصر ،اذ هي الطريقة التي تنتظم بها تلك العناصر في سلالم لتؤلف كلا متكاملا ،وبذا فان اكتساب الثقافة لا يقتصر على امتصاص عناصرها ،بل يتعدى ذلك الى انتظام تدرج تلك العناصر .
4- توفير الحق في الاتصال الثقافي: حيث احاطت العراقيين في الداخل ظروف حياة حرموا فيها من مجمل جوانب الحق في الاتصال ،اذ حيل بينهم وبين التعرض للاتصال العربي والدولي ، ومن هنا فان اعادة اعمار الثقافة تتطلب اتاحة الاتصال للانسان العراقي، من خلال توفير فرص كاملة للتعبير والتلقي ،هذا سيجعل من المجتمع منفتح وبانفتاحه يستطيع ان يستفيد حتى من خطط التنمية المرسومة له او التي يرسمها لنفسه.
5- الانفتاح على ثقافات العالم: كانت السنين التي حكم فيها العراق بالاستبداد قد شهدت تضييقا على الانسان العراقي ،من هنا فان الثقافة اليوم في اشد الحاجة الى ان تنفتح على الثقافات الاخرى ،وهنا سيكون للمرونة دور اساس في انفتاح الشعب العراقي على ثقافات العالم ويتيح له دراسة مشاريعها النهضوية والتنموية والاستفادة منها وكذلك فان الانفتاح يسبب مرونة فكرية لدى الشعب تجعله ينبذ ثقافة العنف ويكون منفتحا ومتسامحا كذلك.
6- اتاحة الايحاء المركزي: من هنا يترتب في عملية اعمار الثقافة ان تتاح الضروف لنشوء النخب الثقافية وارتقائها، وان تمارس دورها بحرية، وان تتوافر لديها أسس التعبير عن نفسها ، والاتصال بالجمهور ،وان تتاح لها اجواء المنافسة الحرة.
7- تحقيق المشاركة الثقافية: حيث تعنى المشاركة الثقافية مجمل الفرص المتاحة للافراد والجماعات والقوى في الاسهام الثقافي بمجمل متطلباته الفكرية وفعالياته السلوكية بما فيها الفرص المتكافئة في التعبير عن الاختيارات.
8- تصحيح الانطباعات: تتشكل في كل ثقافة ادراكات وتصورات اي انطباعات عن الافكار والاشخاص والجماعات ،وكثيرا ما تنجم عنها مواقف واتجاهات وقرارات ،ولما كان الكثير من الانطباعات قد نشأ في اطار ثقافة غير متوازنة، لذا فان من تلك الانطباعات ما كان يعبر عن دلالات شوهاء ، ومنها ما اتخذ تعميمات متميزة على شكل انطباعات جامدة ، من هنا يترتب –كما يقول الهيتي- ان تعمد عملية اعمار الثقافة الى اتاحة الفرص لتصحيح الانطباعات عن الجماعات والطوائف والافكار
9- اقصاء الثقافات الفرعية المقحمة : وهذه الثقافات على راسها ثقافة العنف وثقافة الارهاب وثقافة الطائفية وثقافة التعصب.وعند اقصاء هذه الثقافات ستقصى ثقافة التخلف والتراجع بالنتيجة ستزول اهم عقبة تقف امام التنمية الا وهي عقبة العنف والتطرف.
10- التقريب بين الثقافات الفرعية: الى جانب الثقافات الفرعية المقحمة ، هناك ثقافات فرعية ،هي انساق في الثقافة العامة تتشكل عادة بسبب توزع الانشطة الاجتماعية على صور متعددة ،اذ تعبر كل ثقافة فرعية عن اسلوب حياة شريحة في المجتمع العراقي ،حيث اتسعت الفجوات بين الثقافات الفرعية ،وخرج الكثير منها على روح الثقافة العامة بحيث ظهررت ملامح التناحر بين الكثير من الثقافات ،ومن هنا يتطلب اعمار الثقافة التقريب بين هذه الثقافات الفرعية عبر العمل على ايجاد محاور وقواسم مشتركة ،بحيث يتحقق قدر من التناغم بين هذه الثقافات الفرعية ،فالناظر لهذه المسالة يتبين له ظرورة الانفتاح على الاخر من جهة وبين اطراف المجتمع العراقي من جهة اخرى لغرض ايجاد تنمية حقيقية في البلد.

كما لا ننسى نقطة مهمة في مسالة التنمية في العراق تتشكل هذه النقطة في القدرة الكامنة لنمو الاقتصاد والتي تعتمد على مستويات الاستثمار المناسبة والتي بدورها تتطلب تدفقات عالية وكافية من الادخار الوطني وعلى اية حال فان انخفاض مستوى الادخارات الوطنية يمكن رده الى القطاع العام فالافراط والتبذير في الاستهلاك العام والدعم قد اضعف الاستثمارات العامة وزاد من عجز القطاع العام الممول عن طريق طبع النقود واضعف الاستثمار الخاص وزاد من التضخم وعليه فان تحقيق توازن افضل يعتبر عنصرا اساسيا في استراتيجية النمو على الامد المتوسط.
ويمكن القول ان استراتيجية التنمية الوطنية في العراق يمكن ان ترتكز على عدد من القضايا ومنها زيادة الاستثمار في البلد والقضاء على الفساد الاداري والمالي وضمن استراتيجية يمكن تلخيصها بالشكل التالي:
7- وضع ضوابط رئيسة للسلوك والاخلاق والتي تتطلب قيام الموظفين الرسميين بالافصاح عن ثرواتهم.
8- تقويم هيئة النزاهة العامة ونشر نشاطاتها الى المناطق الاخرى بغية القضاء على الفساد.
9- الاستمرار بتعزيز وتقوية دور المفتش العام وتوسيع نشاطاته .
10- تحسين المبادء المألوفة للاخلاق والشفافية.
11- تنفيذ مبادئ التدبير العامة الجديدة للوزارات والوكالات العامة من خلال الاستخدام الفعال والمناسب لاموال الحكومة.
12- وضع ضوابط حكومية من شانها زيادة عنصر الشفافية وتحديث انماط العمل الحكومي.
كما يمكن ان ترتكز استراتيجية التنمية الوطنية في العراق على ما يعرف باقتصاد السوق الاجتماعي حيث تتمتع تسمية اقتصاد السوق الاجتماعي بجاذبية اكيدة لانها تجمع قطبي السوق والمجتمع ، وهذا النمط من الاقتصاد يعزز استخدامه لشعوب تعيش تحولات اقتصادية عميقة وتواجه مطالب اجتماعية شتى وقد خرجت من معاناة حروب وانظمة شمولية وقد نجحت المانيا في ادارة بلادها بهذا النوع من الاقتصاد بعد الحرب المدمرة التي خاضتها بما يعرف بالحرب العالمية الثانية .
وعلى المستوى الاجرائي ترجم رواد اقتصاد السوق الاجتماعي نظريتهم الى نهج محكم يمكن التعرف الى اثاره ليس في المانيا فقط وانما ايضا في المدرسات الاوربية وهو يرتكز على دستور اقتصادي يتضمنه الدستور السياسي وقوامه تحقيق المنافسة معيارا اساسيا لكل سياسة اقتصادية ويقوم على عدد من المبادئ التأسيسية التي يضعها اهل العلم /
1- ثبات النقد
2- حرية دخول الاسواق .
3- الملكية الفردية.
4- حرية التعاقد وتوكيد المسؤولية المدنية للمتعاقدين.
5- استقرار السياسات الاقتصادية لتسهيل الاستشراف والاستثمار

المصادر
-وزارة التخطيط والتعاون الانمائي ،الجهاز المركزي للاحصاء وتكنولوجيا المعلومات ،نتائج المسح السريع لميزانية الاسرة المنفذ عام 2005.
-علي حنوش، العراق:مشكلات الحاضر وخيارات المستقبل ،دراسة تحليلية عن مستويات تلوث البيئة الطببيعية والبيئة الاجتماعية ،دار االكنوز الادبية، بيروت،2000،ص206
- محمد ابو رغيف، الفقر في العراق بعد9/4/2003 الاسباب والنتائج ،ط1، بغداد،2007، ص20 .
-عادل اليابس، المهاتيرية الفلسفة الأمثل للتنمية في العراق، جريدة الزمان الدولية،العدد 2879،30/كانون الأول/2007 ،ص15
- كلمة مهاتير محمد في جامعة دمشق، المصدر السابق نفسه.
- مقابلات مع مدير برنامج الامم المتحدة للتنمية حول لاحكم، مدير برنامج IDP مدير مركز منع النزاع الاقليمي ،عمان الاردن، تشرين الثاني/نوفمبر/2004.
- عباس نصراوي،اقتصاد العراق، The Economy of Iraq ,Oil Wars,Destruction of Development and prospects 1950-2000,Wwstport Connecticut,Greenwood Press,1994 ص35،136،153
-وثيقة البنك الدولي:Interim Strategy Note of the World Bank Group for Iraq,Report No.27602,January 14 ,2004.paragraphs 14 and15,p.5. And:IMF report,Iraq:Macroeconomic Assessment,21October 2003.World Bank Report:The IraqiStrategic Review Board,National Development Strategy ,2005-2007,September 2004.
بول بريمر، Operation Iraqi prosperity ,Wall Street Journal,20 June 2003
-المصدر: Jubilee Iraq websiteParisClub website: "press releases" of July 10,2003 and November 21,2004:MEES,June 21,2004.
- فريق ابحاث، ديناميكيات النزاع في العراق(تقييم استراتيجي) ، معهد الدراسات الاستراتيجية ،بيروت، ط1، 2007، ص37
- الارقام الاولى هي من البنك الدولي ،الثانية من مسح اعدته وزارة التخطيط في بغداد.

-نتائج مسح عن العمالة والبطالة ،2003، وزارة التخطيط والشعبة المركزية للاحصاءات ،ايار/2004، رسم3و4ص19-20 ،راجع ايضا التقرير حول نتائج مسح العمالة والبطالة 2003 ،وزارة التخطيط العراقية /وزارة العمل،كانون الثاني/2004 ، نظرا لضعف وشبه غياب أي معلومات موثوق بها ،يجب التعامل مع هذه الارقام على انها مؤشر للوضع ليس الا .
-ديناميكيات النزاع في العراق، فريق ابحاث،مصدر سابق،ص39
-حسن لطيف كاظم، الفقر وسط الغنى في العراق، مدارك(مجلة)، العدد(9-10) ،السنة الرابعة، بغداد، 2008، ص12
- جمهورية العراق، وزارة التخطيط والتعاون الانمائي، وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ،تقرير حول نتائج مسح التشغيل والبطالة لسنة 2003،كانون الثاني 2004جدول 1 ،ص16، وزارة االتخطيط والتعاون الانمائي العراقية، الجهاز المركزي للاحصاء وتكنولوجيا المعلومات ،مديرية الاحصاء الاجتماعي ،نتائج مسح التشغيل والبطالة المرحلة الثانية، النصف الاول السنة 2004،كانون الاول 2004، جدول 1 ، ص12 ، الجهاز المركزي للاحصاء وتكنولوجيا المعلومات ،مسح التشغيل والبطالة في العراق لسنة 2006 ،تموز/2007 ، جدول (3-1) ص25
-هادي نعمان الهيتي ، العراق،هل يمكن اعمار الثقافة ، مجلة العربي، اكتوبر، العدد551، ص18-19
-المصدر السابق نفسه.
- احمد كاظم حبي، فكر (مجلة فكرية) العدد 8 ، بغداد، 2010 ، ص 111



#ياسر_جاسم_قاسم (هاشتاغ)       Yaser_Jasem_Qasem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المثقف ليس حارسا للقيم ..... وهو يعيش وسط مجتمع منافق عفن .. ...
- العلم وحرية الارادة
- دفاعا عن التنوير .ح 21 صدام الحضارات وصدام المحليات
- حكمة ادارة الموارد وفق مفاهيم التنمية المستدامة العراق أنموذ ...
- • عندما يخالف المصلح حقوق العقل .. احمد امين أنموذجا ...
- ابن خلدون بين: علي الوردي ،عبدالرزاق مسلم الماجد، فالح عبدال ...
- الزهويون السياسيون في نظر الوردي
- متى يأخذ المثقف زمام المبادرة؟
- قيس سعيّد وعلمانية الدولة ...... الدولة – الأمة أ ...
- من سينقذ دجلة الخالد من سد أليسو؟ قراءة في كتاب -المفاوض الع ...
- الى المسؤولين في البصرة لماذا لا نحتفي بعلمائنا ؟نوري جعفر أ ...
- مفاهيم في الثقافة
- مقاربة لسمات التحديث في فكر رفاعة الطهطاوي الحداثة تشتبك مع ...
- الوعي بالعقل ، من سلسلة الوعي المجتمعي ، الكتاب الثاني ح 20 ...
- الوعي بالعقل ، دفاعا عن التنوير ح 19 من سلسلة الوعي المجتمعي ...
- الوعي بالاخر المختلف ، دفاعا عن التنوير ، ح 17 ، من سلسلة ال ...
- دفاعا عن التنوير ح 16 الوعي بالفلسفة وممارساتها
- دفاعا عن التنوير ح16 من سلسلة الوعي المجتمعي ك 2 - الوعي بال ...
- دفاعا عن التنوير ح 15 من سلسلة الوعي المجتمعي ، الكتاب الثان ...
- الوعي بالنص الديني دفاعا عن التنوير ح 14 من سلسلة الوعي المج ...


المزيد.....




- أبو عبيدة وما قاله عن سيناريو -رون آراد- يثير تفاعلا.. من هو ...
- مجلس الشيوخ الأميركي يوافق بأغلبية ساحقة على تقديم مساعدات أ ...
- ما هي أسباب وفاة سجناء فلسطينيين داخل السجون الإسرائيلية؟
- استعدادات عسكرية لاجتياح رفح ومجلس الشيوخ الأميركي يصادق على ...
- يوميات الواقع الفلسطيني الأليم: جنازة في الضفة الغربية وقصف ...
- الخارجية الروسية تعلق على مناورات -الناتو- في فنلندا
- ABC: الخدمة السرية تباشر وضع خطة لحماية ترامب إذا انتهى به ا ...
- باحث في العلاقات الدولية يكشف سر تبدل موقف الحزب الجمهوري ال ...
- الهجوم الكيميائي الأول.. -أطراف متشنجة ووجوه مشوهة بالموت-! ...
- تحذير صارم من واشنطن إلى Tiktok: طلاق مع بكين أو الحظر!


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - ياسر جاسم قاسم - التنمية في العراق وابعادها .... التخطيط والرؤى المستدامة