الوعي بالعقل ، من سلسلة الوعي المجتمعي ، الكتاب الثاني ح 20 (الوعي والتنقيب لدى الكاتب)

ياسر جاسم قاسم
(Yaser Jasem Qasem)

الحوار المتمدن-العدد: 7488 - 2023 / 1 / 11 - 12:31
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

الوعي والتنقيب لدى الكاتب:
في هذا المبحث اجد لزاما ان اتطرق لاراء هامة في طريقة الكتابة واساسياتها لاني تكلمت في الكتاب الاول من سلسلة الوعي المجتمعي عن قضية اساسية مفادها :الدور التنويري للكاتب ولكن كان من المفترض ان اناقش موضوع الكتابة وطريقتها قبل التحدث عن الدور التنويري للكاتب سانطلق للتحدث عن اساسيات الكتابة وطرقها المؤثرة من ان طريق الابداع في الكتابة يحتاج الى مراحل من اهمها ما اشار اليه الوردي في ثلاث مراحل هي:
1- في البحث الواعي والتنقيب وجمع المعلومات وتصنيفها ، ان هذه المرحلة لا تكفي وحدها للابداع انما هي ضرورية احيانا، ومن الممكن تسميتها بمرحلة الخزن فالعقل الباطن لا يعمل وهو فارغ انما يجب ان يملا اولا بالمحتويات المتنوعة فتكون هذه المحتويات بمثابة المواد الخام التي يصنع منها البضاعة النهائية .
ويضرب الوردي مثالا بما ورد عن المازني قوله: ان الكاتب كسيارة الرش لا بد ان يقرأ لكي يكتب.
ويعتبر قوله صحيح الى حد بعيد ويا ويل القراء من اولئك الكتاب الذين لا يقرؤون فالكاتب الذي لا يجمع المعلومات ويخزنها في عقله الباطن يكون بمثابة القربة المنفوخة ينتظر الضمان منها الماء فتدفع في وجهه الهواء مع الاسف.
2- مرحلة الانبثاق اللاشعوري كما يسميها الوردي فالكاتب بعد ان يخزن المعلومات في عقله الباطن ويتركها هناك لكي تختمر وتتلاقح يجد نفسه مدفوعا بدافع لايدري كنهه الى الكتابة فهو يريد ان يكتب ولو يلقى في سبيل ذلك حتفه ، انه يصبح عبدا لحوافزه اللاشعورية ولايجد مناصا من الانصياع اليها ويكون قلمه انذاك هو السيد المطاع فهو يجري معه انى جرى .
3- مرحلة التنسيق والتزويق والحذلقة المنطقية ، ان ساعة الالهام كثيرا ما تكون مستبدة بحيث لا تدع لصاحبها مجالا ان يفكر بما تقتضيه مالوفات الناس وما يستسيغه منطقهم ففي المرحلة النهائية يجب على الكاتب ان يراجع ما كتب في ساعة الالهام فيشطب منه قسما ويزوق القسم الاخر وهو في هذه المرحلة يخرج من عالم اللاشعور الى عالم الشعور فيكون اجتماعيا بعدما كان عبقريا (علي الوردي ،ص104-105) خوارق اللاشعور ، دار الوراق ،لندن، ط2، 1996م)
والملاحظ لكلام الراحل الوردي يتبين انه اوجد خطة متكاملة في الكتابة تنطلق من جمع المعلومات وخزنها وملا العقل بها وليحذر من عدم خزن المعلومات بالعقل ثم الكتابة ويعتبر ان الكتابة الناشئة عن عدم خزن المعلومات هي كتابة فارغة عن محتواها ، لذلك نجده يركز على مرحلة الخزن وتلاقح المعلومات حيث ان المعلومات المخزونة تتلاقح وتختمر وتدفع الكاتب الى ابراز مكنوناته ثم يكتب وينسق ويزوق تلك الكتابات واجد من المهم ان اشير الى بعض التجارب الهامة التي قام بها كتاب مرموقون على الساحة المعرفية وقد شكلوا النقاط الثلاث التي طرحها الوردي في العصر الحديث من خلال كتاباتهم ومنهم احمد امين حيث اشار في كتابه (حياتي) الى طريقة كتابته كتابه المهم (فجر الاسلام) فيقول: " انه درس الحياة الاسلامية في العصور المتعاقبة من اول ظهور الاسلام واختص بالحياة العقلية فاخذت احضر الجزء الاول الذي سمي فيما بعد(فجر الاسلام) وصرفت فيه ما يقرب من سنتين فرسمت منهجه ورتبت موضوعاته وكنت اذا وصلت الى موضوع اجمع مضانه في الكتب واقرأ فيها ما كتب عن الموضوع وامعن النظر ثم اكتبه مستدلا بالنصوص التي عثرت عليها حتى افرغ منه وانتقل الى الموضوع الذي بعده وهكذا، وكانت اكثر الاوقات فائدة الاجازة الطويلة التي تبلغ اكثر من خمسة اشهر ، اذ كنت اجمع الكتب التي يظن انها تبحث في الموضوع واحملها على دفعتين او ثلاث الى مائدة وضعتها في حديقة خلف بيتي في مصر الجديدة" كما وصف جلساته مع الكتب بانه ينسى نفسه وكل شيء حوله.
ويتكلم احمد امين عن طريقة تاليفه لكتاب ضحى الاسلام كلاما موضوعيا " فاستمررت انا في اخراج ضحى الاسلام، في ثلاثة اجزاء وترقيت في منهج التاليف في ضحى الاسلام فقد رتبت موضوعاته التي تستغرق ثلاثة اجزاء واحضرت ملفات كتبت على كل ملف اسم الموضوع ، ملف عليه اسم المعتزلة واخر الخوارج، وثالث اثر الجواري في الادب ، ورابع الثقافة الهندية ، ثم احضرت امات الكتب التي تبحث في هذه الموضوعات كالاغاني والحيوان للجاحظ وابن قتيبة ورسائل الجاحظ وكتب ابن المقفع ونحو ذلك اقرؤها كلها فاذا وصلت الى نص يتعلق بالمعتزلة كتبت في ورقة صغيرة مغزى النص ورقم الصفحة في الكتاب ووضعتها في ملف الموضوع وهكذا حتى افرغ من هذه الكتب كلها وهذا دور التحضير فاذا جاء دور الكتابة استخرجت ملف الموضوع واعدت النظر في الجذاذات ورتبتها حسب الترتيب المنطقي وفكرت فيها وبدات اكتب وكلما عنت فكرة جديدة رجعت اليها في مظانها" (احمد امين ، حياتي، ص162-163، المدى ، سلسلة الكتاب للجميع، 1، بغداد، 2004) .
وهكذا يتبين لنا اهمية وضع الخطط الكفيلة بانجاح عملية القراءة الصحيحة والتي تنتج عنها كتابة صحيحة تماما، فالكتابة حسب تجربة احمد امين، هي وعاء يصاغ من خلاله الواقع الفكري او المجال الذي تتم الكتابة فيه وفق خطوات اساسية كي يكون صحيحا، فلكل كاتب طريقته في الكتابة ولكننا ضربنا مثلا بطريقة (احمد امين) لاهميتها، وواقعها الحقيقي المهم الذي جعل منه كاتبا يشار اليه من خلال كتابه ضحى الاسلام وفجر الاسلام وغيرهما، فعملية التحضير من خلال قراءة هادفة وحقيقية هي مسالة يركز عليها امين لاهميتها، اما اليوم فالكتاب يتخذون من بعض المنافذ اماكنا ينطلقون منها فالانترنت جعل من الكتابة امرا مستسهلا من قبل البعض للاسف حيث بالنقل المباشر من المواقع دون حتى الاشارة الى كتابها ، في حين بالامكان ان نعتبر الانترنت مرتعا خصبا للمصادر فامات الكتب التي كان احمد امين وغيره يسهر الليالي في استخراج المصادر منها ،اليوم الباحث وبضغطة زر يقوم بانزالها من الانترنت وعند فتح الكتاب المنزل من خلال برامج قراءة الكتب pdf او word يتم البحث حول المعلومة بسهولة ، في حين كان كتاب الازمنة السابقة يقرا الكتاب من بدايته حتى نهايته كي يحصل على معلومة تخص المعتزلة او غيرهم ولكن اليوم بضغطة زر (بحث، search) حول كلمة الاعتزال على سبيل المثال في برامج pdf او word يستخرج لك كل الصفحات التي فيها هذه الاسماء وتستطيع اخذ المعلومة بكل راحة ونقلها عبر جهازك بثواني دون عناء الكتابة والاشارة الى مصدرها ولكن ما يحصل اليوم هو عدم استخدام النت بهذه الطريقة من قبل الكثير من الباحثين بل يتم نقل بحوث متكاملة لباحثين عرب او ترجمة بحوث متكاملة مع مصادرها لباحثين اجانب ونقلها تماما لذلك ترى في مجتمعاتنا حملة دكتوراه وماستر كثر جدا لكنهم لا يعلمون في اختصاصهم سوى مقتطفات مما ورد في رسائلهم للاسف الشديد.

#ياسر_جاسم_قاسم (هاشتاغ)       Yaser_Jasem_Qasem#          

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل