أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالكريم ابراهيم - عندما يَسرقُ الجفافُ من ميسان اسمها














المزيد.....

عندما يَسرقُ الجفافُ من ميسان اسمها


عبدالكريم ابراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 7613 - 2023 / 5 / 16 - 22:19
المحور: الادب والفن
    


ثنائيةُ الماء والإنسان تتحول إلى أبهى صورها، وهي تعانق ارضَ الخضراء في مشهدٍ تتناغم فيه كل المشاعر والأحاسيس البشرية، لتكوَّنَ معها ضدية الحقيقيةِ المطلقةِ: الحياة والموت ، الليل والنهار في مقابلةِ قدّ نلمسُ بعضَ إرهاصاتِها، وهي تُلهبُ المكانَ وجداً وحماسةً وتحدي، وتعطيه قدسيته التي يتغنى بها أهله، ويحسده أعداؤه على الهبةِ الإلهيةِ من دون غيرهِ من الأمكنةِ .
خصوصية المكان تجعل سكانه يصابون بهوس الانتماء الروحي إليه،كأنهم على اتصال من نوعٍ خاص، لا نجدهُ سوى في الميثولوجيا القديمة، حيث يُصاب إنسان هذا المكان بالانبعاث والهيجان والثورة، وهو يريد أن يرسم ملامحهُ وأفكارهُ بمداد القصب على ألواح الطين وزرقة المياه الدافئ. تشدهُ متعة المكان الأسر الذي وفر له طقساً فردوسياً طالما حلم به وبحث عنه گلگامش.
ميسان واحدة من مدن المياه الجنوبية التي كوّنتْ علاقة وطيدة مع الماء، لأنها من دونه تفقد هويتها واسمها وكينونتها التي أخذتها عبر الأزمنة الطويلة، ليكون الماء والإنسان على علاقة تصالح دائمة قلّما نجدها في عالمٍ قد يُثيرهُ الماءُ ويزرع فيه الرهبةَ ولاسيماً عندما يتحول هذا الغول الفاتك الذي لا يرحم إلى أداة لقتل وسلب أرواح الأحبة واقتلاع الزرع والبيوت، لذا استطاع السومريون الأوائل أن يروضوا هذا المارد بعبقرتيهم، ويطوّعونه بحرفية الماهر والعارف للطبيعة، فبنوا معابدهم على أماكن مرتفعة كي يكونوا على صلح دائم معه. ربما يكون سكان الأهوار، وأهل ميسان أكثر من غيرهم ذكاءً، فعقدوا اتفاقاً مع الماء الذي لا يرحم، أن يجعلوا منه صديقاً يشاركهم أدقَ تفاصيل حياتِهم، فكانت بيوت القصب الطافيةُ التي كأنّها سفينةُ جدهم نوح (عليه السلام)، هي الحلَ، فاستطاعتْ هذه البيوت المائية تطويع الماء ارتفاعاً وانخفاضاً. ارتضى الاثنان العيشَ مجاورةً وهما يحيكان للطيور المهاجرة قصصاً من لحاء القصب والبردي المعطرة برائحة (الخرّيط) الأصفر و (طابگ التمن) و(السياح) مُداف بالدهن الحر.
اعتادَ الميساني أنْ يردّ بعض هبات المكان والماء تقديراً واحتراماً، ليعيش مأسوراً بهذا الكرم الإلهي، فعاش يشدو لحياة الهور الصافية كي تجود عليه من عطائها الوفير عافيةً وسمكاً وشمساً دفيئةً، وطرّزَ بعض آلامه بحصير قصب صاغتها أنامل (زهرون الصبي) وهو يداعب الحلي والقلائد بنات حواء اللاتي طالما اسمعن حفيف القصب والماء والهور سمفونية بطورها (المحمداوي) ورعشة (نسيم عودة) وحزن (المنكوب). وحاول المعيدي المغرم بجاموسته أن يفك رمز معادلة الماء على أنها (H2O) وتفاعلات (عبد الجبار عبد الله) الفيزياوية وكيف أدهش أستاذه إنيشتاين .
هكذا عاشتْ ميسان مع هذا العنصر الذي أعطى للمدينة كل شيء: الالم، العنوان، الوجود، التاريخ، الموت والحياة، ولكن اليوم قد يكون يخون الماء مدينته التي انتمى إليها، وتحول علاقة الصداقة إلى المخاصمة والجفاء، فلمْ يعد من الماء سوى تلك الأيام الخوالي وأحاديث الأجداد وهم يطرّون بـ(مشاحيفهم) عباب الهور منشدين "مشحوفي ، طرّ الهور والفاله بيدي" . وقد يتفاخر أهل ميسان على غيرهم من أبناء سومر بأن ماءَهم مختلف بلذته وطعمه، وربما يبلغ فيهم الطرب مأخذاً عظيماً وهم يهجعون بأغنية طالما كان يرددها الناس حتى اليوم "اسمر وين امربه، شارب ماي عماره". سمرة البشرة زادت ملوحة مع صبخة الأرض، ولكن الماء بخِل بجوده المعروف، وانقطعت صلته بأهل العاشقين له، فقد سلب الجفاف من ميسان اسمها الذي طالما تفاخرت به على بنات سومر وأكد.
• گلگامش: بطل أسطوري سومري.
• الخرّيط: حلوى تستخرج من القصب.
• طابگ التمن والسياح : أكلتان جنوبيتان تُصنعان من الرز.
• زهرون الصبي: صائع ذهب صابئي معروف.
• المحمداوي: من اطوار الغناء الريفي العراقي.
• نسيم عودة والمنكوب: مطربان ريفيان من محافظة ميسان.
• عبد الجبار عبد الله: عالم عراقي من الطائفة الصابئة تتلمذ على يد انيشتاين .
• المشحوف: من المراكب المائية.
• مشحوفي طر.....: اغنية ريفية .
• اسمر وين مربه : أهزوجة ميسانية .
• صبخة : ارض بائرة .



#عبدالكريم_ابراهيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بلد الرطب في زمن طباخات الرطب
- قوطية حليب النيدو خزانة ذاكرة الطفولة
- حسين كصبة وسترة رابح درياسة
- من (دمعة ساري) إلى ( حريم السلطان)
- من (دمعة ساري) الى ( حريم السلطان)
- يا عيد يا بو نمنمه ،خذنا وياك للسينما
- رقعة المشاكسة على دشداشة وبجامة (البازة)
- ألفاظ الألعاب الأطفال الشعبية العراقية
- الألعاب الشعبية تودع ذاكرة الأطفال
- أفلام كارتون من ( السندباد ) إلى (غامبول )
- سحر (فرح فاوست) وقصة (دلاس) وبساطة (البيت الصغير)
- (خياط الفرفوري ) يصلح الأواني الخزفية وهموم نساء الحي
- (هدية قطن ) و بعير (أبو ملح)
- (الكاريه ) و(بوردا ) وتسريحة عبدالحليم حافظ
- تقاليد الزواج على أهازيج الماضي
- عيون زبيدة ثروت وغمزة سميرة توفيق
- سمفونية (جمالة العمية) على أنغام (يا أم عيون حراقه )
- بائعو الحلويات .. ذكرى من الزمن الجميل
- مقاهي الثورة ومقرات فرق كرة القدم الشعبية
- النوم على السطح .. ذكريات الطفولة الباحثة عن صيد نجوم السماء


المزيد.....




- إلغاء حفل النجمة الروسية -السوبرانو- آنا نيتريبكو بسبب -مؤتم ...
- حضور وازن للتراث الموسيقي الإفريقي والعربي في مهرجان -كناوة- ...
- رواية -سماء القدس السابعة-.. المكان بوصفه حكايات متوالدة بلا ...
- فنانون إسرائيليون يرفضون جنون القتل في غزة
- “شاهد قبل أي حد أهم الأحداث المثيرة” من مسلسل طائر الرفراف ا ...
- تطهير المصطلحات.. في قاموس الشأن الفلسطيني!
- رحيل -الترجمان الثقافي-.. أبرز إصدارات الناشر السعودي يوسف ا ...
- “فرح عيالك ونزلها خليهم يزقططوا” .. تردد قناة طيور الجنة بيب ...
- إنتفاضة طلاب جامعات-أمريكا والعالم-تهدم الرواية الإسرائيلية ...
- في مهرجان بردية السينمائي.. تقدير من الفنانين للدعم الروسي ل ...


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالكريم ابراهيم - عندما يَسرقُ الجفافُ من ميسان اسمها