أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد المحسن - قصيدة -خلف مدينتك- للشاعرة التونسية القديرة نعيمة مناعي..صور مكسورة..تهتز لتنبض بالحياة وتهمس بالإبداع..















المزيد.....

قصيدة -خلف مدينتك- للشاعرة التونسية القديرة نعيمة مناعي..صور مكسورة..تهتز لتنبض بالحياة وتهمس بالإبداع..


محمد المحسن
كاتب


الحوار المتمدن-العدد: 7612 - 2023 / 5 / 15 - 12:47
المحور: الادب والفن
    


لعل من أبرز الخصائص المميزة للعمل الفني عموما والملفوظ الشعري خصوصا انه عمل يستفز المتلقي ويحمله على التفكير والتامل في كل حرف وكل كلمة بل يجعله يبحث عما خلف السطور وخلف الكلمات.
ومن هنا يمكننا القول أن الجمالية في الشعر جماليتان : هما جمالية الكتابة وجمالية التلقي .
فالطاقة الشعرية تتسع كلما اتسعت دائرة القرّاء لان كل واحد سيتناول النص من منظوره الخاص ويرى فيه ما لا يرى غيره .
ولا يفوتنا الإشارة الى أنه من شروط جمالية النص الشعري أن تكون المعاني والصور متمنعة مستفزة لا تسلم نفسها للمتلقي بيسر بل تحمله على أعمال فكره وقراءة القصيدة بترو،وبذلك يمكننا الإقرار بكثير من الإطمئنان أن النص الشعري نصان : نص مكتوب على ضوء رؤية صاحبه،ونص مقروء حسب رؤية المتلقي .
وهنا نستحضر قول تودوروف ”ان النظرة إلى الحدث الواحد من زاويتين مختلفتين يجعله حدثين منفصلين"
وقد لا أجانب الصواب إذا قلت أن للشعرية أساليبها البليغة،ومؤثراتها المهمة في تفعيل الرؤية الشعرية في القصائد الحداثية المعاصرة،لاسيما حين تمتلك قوة الدلالة المكتسبة من شعرية الأساليب وتنوعها وغناها الجمالي بالتقنيات الفنية المعاصرة،فالشعرية -بالتأكيد-تثيرها الأساليب الشعرية المتطورة،ومحفزاتها الإبداعية الفاعلة في تكثيف الرؤية الشعرية،وتعميق منتوجها الإيحائي المؤثر.
في هذا السياق بالتحديد،تتجلى الرؤيا الإبداعية الخلاقة التي ترتقي بالنسق الشعري،وترقى بمستويات مؤشراته الجمالية للشاعرة التونسية القديرة نعيمة مناعي،التي أكدت لي قصائدها (أزعم أني اطلعت على جلها) أن الرؤيا الجمالية لا ترتقي إلا بمنتوج جمالي،وشكل جمالي جذاب؛وهذا التفاعل والتضافر بين الإحساس الجمالي والشكل الجمالي هو الذي يرقى بالحدث الشعري،ومثيراته الجمالية..
وهذا ما تجلى بوضوح لا تخطئ العين نوره وإشعاعه في جل قصائد نعيمة مناعي :
وهذه واحدة من قصائدها المدهشة..فأضبطوا أنفاسكم قليلا :
خلف مدينتك...
من خلف أسوار مدينتك
يراجعون علاقتك بالله
يبحثون في أغراضك
عن عتاد لبناء جسر للعبور
يلبسون على بشرتهم وجوها شتى
يبتسمون لك،فتكشر الأنياب
من خلف الحروف تنبثق المعاني كاشفات
وتمتد أياد تصافح قلبك
والبعض من ورود نثرتها خارج الأسوار
يلتقطها الريح العذري،في ابتسامة المغوار
من داخل أسوار مدينتك،وبعد
أن حاولوا هدم الجدار
يبتسمون لك وفي القلب هزيمة
وفي العقل،عود على بدء
لإقتحام الجدار
من داخل مدينتك تتلقف الوشوشات
فتبتسم وتبارك العتاد المسروق
وتمر حذوهم..ترقب عبورهم الهش
والمعتاد للجسور
من داخل مدينتك تعيد غلق الأبواب
ومن علو تطل مبتسما
علهم ينفذون من بعض فجوات السماء
(نعيمة مناعي)
الشعر مشاعر،الشعر ترجمة فنية وجمالية لأحاسيس ليست بالضرورة كلها تهم الشاعر أو الشاعرة.فالشاعر(ة) لسان قومه ونبضه،فضلا عن كونه لسان حاله وذاته.
ألم تكن الخلفية التي أطرت تحرر الشعر من البحور الخليلية،هي توسيع مساحة التعبير الشعري،بدون تقيد أو ارتهان لروي أو قافية،مما رفع من منسوب دقته وصدقيته؟
قصيدة "خلف مدينتك" التي صيغت ببراعة واقتدار بأنامل الشاعرة التونسية المتمرسة نعيمة مناعي هي صرخة مدوية في وجه ما يعج به المحيط من أمراض اجتماعية خطيرة،تجد لها في المجتمعات المتخلفة مرتعا تعشش فيه وتبيض وتفرخ،من نفاق بشتى ألوانه،ومكر الثعالب والخديعة والخبث،عكستها الشاعرة بمهارة في ثنايا قصيدتها،فقصة قصير على مدى العصور تتكرر بألوان مختلفة “لأمر ما جدع قصير أنفه”. فالمخادع قد يؤذي نفسه للنيل من خصمه. الشاعرة-هنا-تقطع مع هؤلاء ممن “يلبسون على بشرتهم وجوها شتى/يبتسمون لك،فتكشر الأنياب ”.إنها تتبرأ من ذوي القلوب الموغلة في السواد...
فقصيدتها صرخة أنثى.صرخة عبرت عنها بمختلف الصيغ التركيبية والصرفية.
قصيدة مفعمة حتى الثمالة بالخيبات والتوجّس والأوجاع (ولئن أخفتها)..
ويبقى النفاق أخطر أنواع الأمراض الاجتماعية (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصير) س النساء 145.
لكن يبقى الإبداع مهما كانت قوة معانيه،ومهما تضمنه من رسائل لمن يهمه الأمر،لن ينال شرف الأدبية الشعرية،تضمن له وسام الانتماء لهذا الجنس الراقي المتميز،من خلال تفجير لغته بتعبير أدونيس،وانسيابيتها وانزياحها عن المألوف.إنها الوظيفة المفروض فيها الهيمنة على ما سواها،بتعبير ياكبسون.إنه مجموعة من القواعد الجمالية.إنه قدرة الشاعر على ما تبدعه أنامله من فن تعبيري وما ترسمه من جمال صور بلاغية،في انسجام تام بين مستويات قوله الصوتية والإيقاعية والتركيبية والصرفية والدلالية.
الشاعرة-نعيمة-بمهارة المتمكن من صرة صنعته،استطاعت بلغة شفيفة رائقة،و بجمالية شاعرية راقية،و ببلاغة مائزة،أن تجعل القارئ يتناغم مع ايقاع قصيدتها بجرسها الموسيقي وبعدها الفني والسوسيولوجي.
قاموس يحضر بكله وكلكله،فنجد
(الخديعة،الخداع،الغدر،الخيانة،الكذب،المكر،النفاق،الحربائية..)
سياقات مختلفة على امتداد طول القصيدة وعرضها.قاموس يعكس مدى مقت الشاعرة لما بات يهيمن على كل جنبات مدينتها..وخلف أبوابها المسترابة.
وإذن؟
ونحن نلامس إذا،مسار الشاعرة نعيمة،عبر ما تنشره على حساباتها الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي،نجدها وقد راكمت تجربة إبداعية مستنيرة ومتميزة،تجبرنا أن نقر بكل تجرد،أننا في هذه الورقة لا نسعى إلى تحليل مختبري لمعالم هذه التجربة الخلاقة،أو نقتفي الأثر لتحديد سماتها،أومساءلة حمولتها الدلالية مبنى ومعنى والتوقف عند صورها البصرية والرمزية جماليا وأسلوبيا بالمعنى النقدي للكلمة،بالقدر الذي نسمح فيه لأنفسنا بقنص الانطباعات الجميلة،ورصد المشاهد البصرية والرؤى المذهلة الأكثر التصاقا بالذات والمحيط حولها،تلك الترسانة من المشاعر والاحاسيس التي تحدثها بصريات-نعيمة-،إحالاتها ورمزياتها وصورها الشعرية الدالة والمسعفة.تدفعنا للإغتراف من هامش نتلمس فيه حس الإبداع الشعري كقراء عاشقين للقصيدة الحديثة في بعدها التنويري.ذلك أن قراءة قصائد الشاعرة،والغوص في أعماق أقاليم المعاني الرئيفة،والمشاهد المتجاذبة التي تزرعها في أقاليم النفس البشرية المعاصرة،كفيلة بإحداث التأثير المتوقع،والتأشير على الفارق الزمني والنفسي في أفق لذة النص واقتراف جنحة المتعة في بياضاته .
وبهذا وذاك،يمكن اعتبار قصيدة“خلف مدينتك”إطلالة ذاتية واعية من شرفة الراهن على واقع يتوهج وتتعنتر أحداثه وتتبعثر وقائعه لحظة بعد أخرى،قراءة مرهفة الصلابة في الذات وفي المجتمع.ترتج بحنان على مرآة الشاعرة،لتستقر صورا مكسورة تهتز لتنبض بالحياة هامسة بالإبداع..
قصيدة في واقع أمرها بغناها المعرفي،وبشاعريتها المائزة،تحتاج لأكثر من مقاربة نقدية ولأكثر من قراءة من زوايا مختلفة.إنها حافلة بالإشارات،أسعفت الشاعرة قوة لغتها واشتغالها على نصوص ابداعية مختلفة،وسعة معرفتها التراثية والحديثة،وانكبابها المتواصل على الإبداع في مختلف تجلياته الخلاقة شعرا ونثرا،بالقراءة الفاحصة والتحليل العميق،فضلا عن تجربة حياتية زاخرة،كلها عوامل تضافرت خيوطها،لتكون قصيدتها بما هي عليه من عمق..فالقصيدة على قتامة هذه المعاني تنز كمدا وألما وتحسرا على زمن ضللنا فيه الطريق إلى الحكمة وصفاء السريرة..!!
لوحة شعرية بديعة تنبض بالحياة والجمال،وترفض الزيف والخديعة..أراها حافلة بجمال المباني،تشبيهات،استعارات وكنايات وغيرها.
لوحة فنية ذات أسلوب شعريّ،تُرجم بلغة ساحرة لإيصالِ الرسالةِ..تدعو في جوهرها للتأمل والتفسير،وتحتوي على رموز ذات دلالات تجسد أفكارا عميقة،ورؤى حكيمة لتعبر عن موضوع يستدعي المراجعة والتبصر..
أخيرا..
تكفي الإشارة إلى ما استلهمته الشاعرة في إطار التناص من حقول معرفية متنوعة ومن أزمنة متباعدة بين ماض سحيق وحاضر.
تجربة تتميز بكونها إشعار رفيع الجودة عن مخاض ابداعي عسير ستتولد عنه رؤية إبداعية أخرى للعالم وللذات وكشف موجع ولطيف لتفاصيلها المريعة.



#محمد_المحسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من لا يعرف الروائي التونسي الكبير عامر بشة..أقول
- تمظهرات التناص..روعة البناء الفني وتمثلات الوجع الإنساني في ...
- الكاتب الصحفي الدولي-محمد المحسن-يثمّن رجالا ما هادنوا الدهر ...
- الشاعر التونسي الكبير د-طاهر مشي.. يرثي الشهيدة-شيرين أبوعاق ...
- قراءة في قصيدة (لست صالحة للرسكلة) للشاعرة التونسية المتميزة ...
- تمظهرات البعد الفلسفي..في قصيدة الشاعرة التونسية القديرة نعي ...
- تجليات الذاتِ الأنثوية..في أفق قصيدة النثر النسوية العربية و ...
- تجليات الخيال الإبداعي..وتمظهرات قوة البصيرة الفكرية لدى الش ...
- الشاعرة التونسية السامقة فائزة بنمسعود:- الأدب النسوي يحمل ف ...
- على هامش يوم العمال العالمي *: الإتحاد العام التونسي للشغل.. ...
- قراءة-متعجلة-في قصيدة مذهلة للشاعر التونسي الكبير جلال باباي ...
- قراءة سيميائية أنتروبولوجية* لقصيدة الشاعر التونسي الكبير د- ...
- على هامش يوم الأسير الفلسطيني : قصيدة الشاعر التونسي القدير ...
- قراءة فنية في قصيدة الشاعرة التونسية المتميزة فائزة بنمسعود ...
- حين يرسم الشاعر التونسي القدير جلال باباي بالكلمات لوحاته ال ...
- قصائد الشاعر التونسي المدهش-د-طاهر مشي-تلج عتباتها المزدحمة ...
- الشاعر التونسي القدير جلال باباي : شاعرٌ يشبه شعاع الشمس الذ ...
- قراءة في قصيدة (” هذا الهوى..يطربني”) للشاعر التونسي القدير: ...
- حين ترتقي الكاتبة/الشاعرة التونسية السامقة فائزة بنمسعود بخط ...
- المبدعة التونسية السامقة فائزة بنمسعود تتنفّس شعرا..وتؤسس-لن ...


المزيد.....




- أفلام كرتون على مدار اليوم …. تردد قناة توم وجيري الجديد 202 ...
- الفيديو الإعلاني لجهاز -آي باد برو- اللوحي الجديد يثير سخط ا ...
- متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا ...
- فرنسا: مهرجان كان السينمائي يعتمد على الذكاء الاصطناعي في تد ...
- رئيس الحكومة المغربية يفتتح المعرض الدولي للنشر والكتاب بالر ...
- تقرير يبرز هيمنة -الورقي-و-العربية-وتراجع -الفرنسية- في المغ ...
- مصر.. الفنانة إسعاد يونس تعيد -الزعيم- عادل إمام للشاشات من ...
- فيلم -بين الرمال- يفوز بالنخلة الذهبية لمهرجان أفلام السعودي ...
- “ثبتها للأولاد” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد لمشاهدة أفلام ...
- محامية ترامب تستجوب الممثلة الإباحية وتتهمها بالتربح من قصة ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد المحسن - قصيدة -خلف مدينتك- للشاعرة التونسية القديرة نعيمة مناعي..صور مكسورة..تهتز لتنبض بالحياة وتهمس بالإبداع..