أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد المحسن - تجليات الخيال الإبداعي..وتمظهرات قوة البصيرة الفكرية لدى الشاعرالتونسي القدير د-طاهر مشي. (قصائد تتنسم عبير الحرية)















المزيد.....

تجليات الخيال الإبداعي..وتمظهرات قوة البصيرة الفكرية لدى الشاعرالتونسي القدير د-طاهر مشي. (قصائد تتنسم عبير الحرية)


محمد المحسن
كاتب


الحوار المتمدن-العدد: 7604 - 2023 / 5 / 7 - 18:07
المحور: الادب والفن
    


قد لا يحيد القول عن جادة الصواب إذا قلت أن الشعر (فن قولي) وهو بهذا يعتمد اللغة كوسيلة في إيصال رسالته،لذا فهو كما يراه «مالارميه»تعبير باللغة البشرية التي أرجعت إلى إيقاعها الأساس،إيقاع المعنى الغامض لمظاهر الوجود،بمعنى أن شرط الشعر ينبع من اكتساب لغته إيقاعاً خاصاً يتشكل من قوة الغموض في الطبقات العميقة للمعنى،تلك التي تحاول تفسير مظاهر الوجود المعقدة تفسيراً شعرياً،ينتظم في بنية إيقاعية داخل النص الشعري،وهو بهذا يوصف على انه بنية رمزية تفتح أبوابها من داخل شبكة الدلالات التي تمتزج بها،ضمن ارتباط حيوي بين الشعر والموسيقى والعلاقة العضوية بينهما.
وقد لا أجانب الصواب أيضا إذا قلت للشعرية أساليبها البليغة،ومؤثراتها المهمة في تفعيل الرؤية الشعرية في القصائد الحداثية المعاصرة،لاسيما حين تمتلك قوة الدلالة المكتسبة من شعرية الأساليب وتنوعها وغناها الجمالي بالتقنيات الفنية المعاصرة،فالشعرية-بالتأكيد-تثيرها الأساليب الشعرية المتطورة،ومحفزاتها الإبداعية الفاعلة في تكثيف الرؤية الشعرية،وتعميق منتوجها الإيحائي المؤثر.
كما أن المبدع-في تقديري-جزء من بناء اجتماعي وتاريخي وسياسي واقتصادي،له سماته التكوينية التي تميزه من أي نموذج آخر،ووجود المبدع في البيئة الاجتماعية المتشكلة من سياقات معرفية يكون وجوداً خاصاً،وهذه الخصوصية تنبع من تراثه واكتناز قيمته البنائية عبر السياق العام للبنية الاجتماعية الشاملة.
في هذا السياق بالتحديد،تتجلى الرؤيا الإبداعية الخلاقة التي ترتقي بالنسق الشعري،وترقى بمستويات مؤشراته الجمالية للشاعر التونسي الكبير د-طاهر مشي،الذي -ينحت-نصوصه الشعرية بحبر الروح ودم القصيدة..
هذا الشاعر التونسي الكبير (د-طاهر مشي ) استطاع-ببراعة واقتدار-التمكن من تفعيل آليات كتابية رائعة في النص الشعري،من خلال الصياغة الراقية له والتي بلاشك تعتبر نقلة ثقافية حديثه للنص الشعري من التقليدية الماضية،إلى التجديد الراقي الذي يواكب ذائقة المتلقي.
شاعر يدهشنا بتراكيبه اللغوية وتفاصيل الحياة،حيث عمل على منجزه الابداعي بروية منفرداً بصوته الخاص وصوره المتدفقة و إيقاعه المختلف.
أغلب النصوص الشعرية لهذا الشاعر الخلاق،مفعمَة بخيال خصب ولغة بصرية،إذ أن الشاعر (د-طاهر مشي) يضعنا أمام مشهديات بصرية تتداخل فيها الدراما الإنسانية بتشكيلات لغوية منسابة،ويروي لنا لوحات فنية رسمها بعين لاقطة متبصرة للأشياء وتمثل لقطات سينمائية تتخللها حوارات ومحاورات للروح القلقة على عتبة الحياة وجدلية الموت ضمن رؤيته الفكرية العميقة مشتبكاً-أحيانا-مع الواقع الأكثر وحشة واغتراباً.
ومن هنا،فالنص الشعري عند -الطاهر-وكما أسلفت-يشد المتلقي برائحة الإيقاع والموسيقى التي تتوالد من تقارب المفردات وجرسها الموسيقي،فتمتزج مع إيقاع الكلمة بروح مفعمة بشعرية عالية تنفذ إلى الروح المسكونة بنبض الحرف وإيقاع الحياة.
وهذه واحدة من قصائده المدهشة..فأضبطوا أنفاسكم قليلا :
يا طارق الباب أهل الدار
قد رحلوا
يا مُهْرِق الدمع
فالأشواق تبتهل
كلّت سواعدنا
من هول محنتنا
والباب موصود بالأصفاد
يكتحل
يا خل دربي
كفى نوحٌ ولا عتب
إن المآقي لمنها الدمع ينهمل
طاهر مشي
إن شخصية الفنان عند د-طاهر مشي-تحوي في داخلها القدرة على المعرفة المجازية للحياة، والتعبير عن علاقته بالعالم،وقدرته على التجسيد الفني للمحتوى الروحي للمعاني بلغة فنية قيمية عاطفية ملموسة،عبرت عن تجربة الشاعر الحياتية وتأملاته الإبداعية التي تدل على سعة الموهبة بالذات من خلال ما سكبه في هذه الأبيات ذات الفضاء التصوري الذي ابتدعه ليضعنا-قسر الإرادة-على عتبات الوجع.
وكذلك نجد الإتساع اللغوي والدلالي عند-الطاهر-في تجليات الأنين والإنكسار التي جسدت الألم والوجع الذي يحيا في النفوس في مقام الفقد،وهذا ما جعلنا نجد في عمله الشعري ذرة من أرواحنا،ومن تجاربنا والآمنا،وجراحنا الدفينة،مما قربنا من الصور الشعرية النابضة بالأحاسيس،وتأوهات الذات،وساعدنا على أن نعتبرها منافذ ينجلي منها الألم،ونلامس ذلك في قوله:
كلّت سواعدنا
من هول محنتنا
والباب موصود بالأصفاد
يكتحل
ختاما : من الجرم كبت النقد بداخلنا في عصر لا يسكن اللسان مكانه،ولا تقبع الكلمة دارها فالكل عراء وسط الصحراء.
ومن هنا أقول :
الفن محاكاة لعناصر الطبيعة من جهة وانفعالات الذات البشرية من جهة أخرى،غير أن المحاكاة قد تختلف في الشعر كوسيلة تعبيرية تجعل من الفن أنموذجًا لنقل هذه التصورات،إنَّ المحاكاة المطلوبة من الشعر ليست فقط أنْ تحتذي مثال الآخرين ولا تعمل كما يعملون دون أن تعلم السبب،بل تعمل أشياء مختلفة تمامًا عن كل ما عُرِفَ حتى ذلك الوقت،كما تقدم هذه المحاكاة نماذجًا يحتذي بها الآخرون،إننا على علمٍ تمامًا يصل حدَّ اليقين فيما ذهب إليه أرسطو في كتاب فن الشعر بأنَّ من أهم أسباب نجاح العمل الإبداعي “أشياء يبدعها خيال الشاعر وتخلفها عبقريته”(1)
وحسبما نرى أن الشعر عملية إبداعية تقوم على تجاوز الواقع لعالم فني يختلقه الشاعر ليعيد بناء مجالات أوسع تحاكي من ورائها مختلف الفنون التي تعدت الوضع الجامد،عملية إبداع فني ناتج عن تفاعل الذات الشاعرة مع الطبيعة والواقع والمظاهر الكونية والفضاء التأملي إنْ جاز لنا هذا التعبير.
على أنَّ الشاعر المدرك هو الذي يعيد صياغة الواقع بشكل مجازي غير معتم أو غير ملغز، إننا نرى أنَّ التجربة الإبداعية يجب أنْ تختزل تلك العبقرية الواعية التي تجعل من الشعر فنًا جماليًّا مؤسسا لتلك الأحداث والانفعالات التي تجاوزت المظهر إلى الجوهر لكونه النواة الرئيسة في جمال كل فن.
خلاصة القول : الإبداع الفني يعتمد على خواص الشخصية الفاعلة ( عقيدتها وطبيعتها،صدقها وحسن نيتها،وذكائها وموهبتها،وتجرتبها وقدرتها التعبيرية عن الحشرجات التي في الصدر، وهذا ما لمسناه في شخصية المبدع التونسي الكبير د-طاهر مشي التي لعبت دورا مميزا في مجال الخلق الفني الشعري،وصناعة الصور الشعرية ذات الأبعاد الدلالية،والمعاني العميقة التي لعبت الموهبة الذاتية دورا كبيرا في صياغتها،وفي اكتمالها وفي غناها.
وفي ختام هذه العجالة،لا يسعني إلا أن أوجّه تحية مفعمَة بعطر الشعر لشاعرنا وكاتبنا الألمعي،قائلا له-بتواضع شديد-:
قبعتي..وسلال الورد..يا.د-طاهر مشي.


هوامش :
1-أرسطو طاليس : فن الشعر،ص 17 .



#محمد_المحسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشاعرة التونسية السامقة فائزة بنمسعود:- الأدب النسوي يحمل ف ...
- على هامش يوم العمال العالمي *: الإتحاد العام التونسي للشغل.. ...
- قراءة-متعجلة-في قصيدة مذهلة للشاعر التونسي الكبير جلال باباي ...
- قراءة سيميائية أنتروبولوجية* لقصيدة الشاعر التونسي الكبير د- ...
- على هامش يوم الأسير الفلسطيني : قصيدة الشاعر التونسي القدير ...
- قراءة فنية في قصيدة الشاعرة التونسية المتميزة فائزة بنمسعود ...
- حين يرسم الشاعر التونسي القدير جلال باباي بالكلمات لوحاته ال ...
- قصائد الشاعر التونسي المدهش-د-طاهر مشي-تلج عتباتها المزدحمة ...
- الشاعر التونسي القدير جلال باباي : شاعرٌ يشبه شعاع الشمس الذ ...
- قراءة في قصيدة (” هذا الهوى..يطربني”) للشاعر التونسي القدير: ...
- حين ترتقي الكاتبة/الشاعرة التونسية السامقة فائزة بنمسعود بخط ...
- المبدعة التونسية السامقة فائزة بنمسعود تتنفّس شعرا..وتؤسس-لن ...
- عندما تنثر أزهار الشاعر التونسي القدير جلال باباي عبقها (-قص ...
- جلال باباي : شاعرٍ تونسي أنهكته المواجع ونالت منه الأزمنة ال ...
- في حوار لا يخلو من الصراحة والشفافية مع الشاعرة/الكاتبة التو ...
- جلال باباي..شاعر تونسي كبير..عرفته في زمن مفروش بالمواجع..وع ...
- اشراقات الصّور الشّعريّة..وتجليات التكنيك الفني في قصيدة -أخ ...
- الشاعر التونسي القدير د. طاهر مشي..والناقد محمد المحسن وجهًا ...
- تمظهرات العمق الإبداعي..وتجليات البعد الفني في قصيدة - ناديت ...
- التطريز الإبداعي ..بأنامل الشاعر والكاتب التونسي القديرد-طاه ...


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد المحسن - تجليات الخيال الإبداعي..وتمظهرات قوة البصيرة الفكرية لدى الشاعرالتونسي القدير د-طاهر مشي. (قصائد تتنسم عبير الحرية)