أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد المحسن - تمظهرات العمق الإبداعي..وتجليات البعد الفني في قصيدة - ناديتكَ من وراء الغيم-للشاعر التونسي الفذ أنور بن حسين















المزيد.....

تمظهرات العمق الإبداعي..وتجليات البعد الفني في قصيدة - ناديتكَ من وراء الغيم-للشاعر التونسي الفذ أنور بن حسين


محمد المحسن
كاتب


الحوار المتمدن-العدد: 7564 - 2023 / 3 / 28 - 22:59
المحور: الادب والفن
    


-
في القصائد وحدها نعيد بناء العالم -ألن غسنبرغ-
هذا هو الهدف الأسمى للشعر عموما،أن يبني عالما آخر،عالما مختلفا عن العالم الذي نشغل فيه حيزا من المكان وبرهة من الزمن.
ولا شك أننا اليوم وبفعل تطور مختلف العلوم،أصبحنا مقتنعين أن هناك عوالم أخرى يمكن أن يطمئن اليها الانسان خارج عالم الواقع المباشر.هذه الحقيقة العلمية توصل اليها الشعراء وكبار الفلاسفة منذ أمد بعيد.لكن للأسف قليلون من يستطيعون معايشة هذه الحقيقة الثابتة.
وقصيدة أنور بن حسين هذا الشاعر التونسي الشاب " ناديتكَ من وراء الغيم" تمتلك من مقومات القصائد العليا فنيا ما يؤهلها لأكثر من دراسة نقدية وعلى مستويات عديدة،فقد استطاع من خلالها الشاعر بحس شعري راق،وبذوق فني رفيع أن ينقلنا الى عالم آخر.وكأنه يعيد بناء عالم خاص به،عالم يستجمع فيه الشاعر كل طاقاته المدفونة في لغة منسية لا يتذكرها الا الشعراء الكبار ليشكلوا ذاكرة أخرى،والعالم خارج مفهوم الذاكرة لايساوي شيئا.فالبذاكرة تتعمق روابطنا مع مختلف مظاهر العالم،وبالذاكرة نختار ما ترتاح اليه أنفسنا ليرافقنا كنور نضيئ به عتمات حياتنا،ونعدم ونتخلى عما يشوش علينا هناءتنا الدقيقة التي نحتاجها كثيرا خاصة في عصرنا هذا .
هي قصيدة عذبة (وهذا الرأي بخصني) وغنية بايحاءاتها،ومتفردة بالتالي في محاولتها تأسيس لغة شعرية جديدة،وكأنه يجسد مقولة الناقد العربي،حمادي صمود حين يقول عن الشاعر وهو يكتب نصه /قصيدته وهو ينتقل إلى" نص واع بكيانه عارف بما يبني من حداثته ويرسمه في دائرة كتابة حلمها الأبدي أن تقترب من مطلق لا يفتأ ينفلت كلما اقتربت منه،ومدارات بكر تكاشف فيها لحظة البدايات فيسكنها طموح النصوص المؤسسة التي تعيد صياغة النشأة والتكوين برد اللغة الى زمن ما قبل الذاكرة " -1-.فكتابة قصيدة تنفتح على مجموعة كبيرة من أسس النقد ومناهجه انجاز يعتبر في حد ذاته ابداعا هاما.ولعل من شأن القصيدة التي تراهن على تفجير مكنونات الذاكرة أن تستوعب التقاسيم الزمنية وتضيف اليها تقسيما جديدا يجمع صورة الماضي بالحاضر بالمستقبل لتتأسس سيرورة الابداع الشعري كنص خارج التأطير الزمني التقليدي.يقول الشاعر :
ناديتك من وراء الغيم*
والصوت يرتجف في الغياب
متى تعود
متى تركب المركبَ والعبابْ
ظلك الشراعُ
يطوف حول الأسوار القديمة
كلما مررتُ من الأزقة كطائر مهاجر
سمعتُ صوتك والقادمين
رحلتَ وما رحلتَ
ما وجدتُ الكلام ملقى على الطّرُقِ
فأشعلت فتيل الشعر من كبدي
علّه يضمد ما تبقى في العمر من قلقٍ
تسري بك القصيدة على جناحين بلوريين
إلى المدن البعيدة
فيزهر صوتك الليلكيّ ياسمينا على الأرصفة الجريحة
كل صباح تقرؤك الوجوه العابرة
وهي لا تعرف كيف ولجتَ أحلامهم دون عناء
كيف رممتَ خلسةٍ أسوارَهم
عند الأصيل يطل النسيم البحري على شرفتك
يسترق النظر إلى أقلامك المبعثرة
يبعثر أفكارك هنا وهناك
تلقي بنظراتك تحبو على الماء
وأجنحة البحر تخفق داخلك
تُودّعهُ.. يُودّعكَ
حقيبة في يدك
ورقات بيضاءُ
وقلم يرتجف بين أنامل المطر
الكورنيش يطوي الخطوات في أحداقه
الصخرة التي تبعد أمتارا عن قدميك
بها نجمة حمراءُ
كلما مررتَ صدفة
تراها تداعب الشفق والمغيب
لمّا تعودُ ليلا
تخطف الضوء من أنفاس القمر
فيخرج صوتك من الماء الآسن مشحونا بالصبر والصقيع
الغيمة التي تحرسك
تمطر في الطريق المؤدية إلى العودة
الشعر يهذي بأسمائك في بهو السماء
جسدك الغائب عن الأنظار
يطفو أنشودةً فوق أصابع الماء
دجلة والفرات نهران من الشعر في دمكَ
انشقّ برزخ الشوق بين كفيَّ
ألف سطر وما ارتويتُ
ألقيتُ عصاي قبسا يسعى في الأسحار
عساي أجد طيفك أو بعض كلامك معلقا بأطراف الهزيع الأخير
يا ليلُ دثرني بالأغنيات إن الوحدة موحشة
لأجمع أشلاء الروح في لباب القصيد
عُدْ أيها الصديق فهناك ما ينتظرك على ضفاف المعنى
ستشتاق وتمرق إلينا من وراء الغيم
ليتك تحفظ ما غنت لك الحوريات
في المنام قبل الأخير
لتجدف بك الأغنيات إلى أقصى المدينة
أين تختبئ عروسك المنسية
والكلمات الأولى التي لا تنسى
حضرموت، جيستينيا، سوسة
كلها أسماء لامرأة واحدة
وجهها السرمدي يغتالك
يوقد الحنين في قوافل الحلم
الريشة المحفوظة في القرطاس البابلي
الجدار المرمري حذو المرايا
عيون “بوجعفر” ، الميناء
السور الأغلبي، المدينة العتيقة،
الرباط،وصومعة الجامع الكبير
الحكايات، الحانات وعشاق الليل
الشعر المرتحلُ فيك
الأشياء الجميلة
تسافر معك نحو القصيدة.
ان توظيف الشاعر لفعل الحاضر كفعل دال على الحركة المستمرة يجعلنا نستحضر اثناء القراءة تفاعلات وأحداث القصيدة شطرا شطرا،وكلمة كلمة،ونغوص في عمق صورها المركبة تركيبا فنيا يعكس قدرة الشاعر على بناء نصه الشعري بناء تخييليا باهرا،ويحث فهم القارء وذوقه الفني على تمثل عملية -التدثر بالليل-( يا ليلُ دثرني بالأغنيات إن الوحدة موحشة***لأجمع أشلاء الروح في لباب القصيد)،ببلاغة راسخة في كتب كبار البلاغيين العرب،وتعود بي الذاكرة الى قصيدة امرؤ القيس "قفا نبكي " وتحديدا الى بيته :
فَقُلْتُ لَهُ لما تَمَطّى بصلبه وأردَف أعجازاً وناءَ بكلْكلِ.
اشارة الى ثقل الليل وعذاباته.فشاعرنا أيضا يعاني مما يعانيه الجميع في وطن لا معنى له،وطن يتقمص ويتلون بلون الليل.لكن معاناة الشاعر ككل فنان تبقى دائما مضاعفة،وهي طبيعة تكوين الشاعر الفنية والنفسية التي لا تقف عند عتبة الشكوى أو الاستكانة بل تدلق على ارض المعاناة ماء الاحساس الفني،ليخرج الحنين والشوق ( ستشتاق وتمرق إلينا من وراء الغيم
ليتك تحفظ ما غنت لك الحوريات في المنام قبل الأخير) والعذاب والمعاناة في صورة غناء أو قطعة فنية.
انه الترجمة الابداعية لما أجمعت عليه الدراسات النقدية عند المدرسة الشعرية وعلى رأسها أحد اهم مؤسسيها رومان ياكبسون.فالشعر عند هذه المدرسة "خطاب مثقل بالرموز،متعدد الأبعاد،ينهض بفعل الايحاء وطاقات اللغة التعبيرية وقدرتها على انتاج المدلولات "-2- .
فعبارات "أشلاء الروح" و" برزخ الشوق " و" قوافل الحلم"و" صوتك الليلكيّ" ذات شحنات دلالية توحي بالشوق العاصف والحنين الجارف إلى صديقه-العراقي-الحاضر بالغياب (الشاعر،الناقد والصحفي حكمت الحاج..) لكن هل على الشاعر أن يستكين ويستسلم للغة ولواقع اليأس والحزن السافر والشوق الفاتك ؟ .
الشعراء لا ينهزمون الا استعاريا.هناك شيئ غامض يحقق لهم دائما نصرهم الانساني الخالد ولو بعد حين.والشاعر أنور بن حسين ينتصر داخل نصه الشعري،كغيره من كبار الشعراء العالميين.فحين يستدعي-صديقه الودود-حكمت الحاح-عبر التكثيف االإبداعي كي يلتقي به "على ضفاف المعنى"،انما ليؤكد على قدرته الفنية في تجاوز حدود المعيش والأمر الواقع . ف" الخطاب الشعري غالبا ما يذهب في اتجاه مفارق للواقع بفعل اللغة التي يجعلها مادة أساسية في تشكيل عالمه ويضيف عليها حياة جديدة "😚 .
ان نفس مفهوم ألن غنسبرغ ، ومفهوم ايليا أبو ماضي،ومفهوم الجرجاني وغيرهم من كبار نقاد الأدب،لوظيفة الشعر الجمالية،نجده متحققا في قصيدة " ناديتكَ من وراء الغيم" ، تحققا جماليا مشبعا بأدق الوسائل الفنية الموظفة في بناء القصيدة،التي جات محكمة البناء موحدة البنيان مرصوصة الأركان .
وبالعودة الى البنية الجمالية للنص،والتي فرضت علي محاولة قراءته نقديا،نجد النص يمتاز بأسلوب شعري صميم لا يتقاطع في شعريته الا مع النصوص الشعرية العالية.وهو من النصوص القليلة التي زاوجت بين الصديق/الوطن وبين الشوق والحنين،بلغة فنية موغلة في الحميمية ومثقلة بالنفائس الروحية،في محاولة ملحاحة لتجاوز اليبس والقحط الانتمائي لوطن مفروش بالإغتراب،نحو ذاكرة الورد واضاءة سر الحكاية في المدينة (ليتك تحفظ ما غنت لك الحوريات في المنام قبل الأخير**لتجدف بك الأغنيات إلى أقصى المدينة**أين تختبئ عروسك المنسية**والكلمات الأولى التي لا تنسى**حضرموت، جيستينيا،سوسة**كلها أسماء لامرأة واحدة..) وقد توسل الشاعر لغة انسيابية رقيقة تخدم غرض القصيدة ومقصدها مصبغا عليها أسلوبا مرنا وشفافا في بناء متناغم ومتناسق كأنه يستحضر مقولة كيتس عن بناء الشعر " إذا لم يجيء الشعر طبيعيا كما تنمو الاوراق على الأشجار..فخير له ألا يجيء " .
وفي النهاية تجدر الى اني التزمت في قراءتي هذه بنص القصيدة " ناديتكَ من وراء الغيم"، وحده التي استوقفتني كثيرا منذ قراءتي الأولى لها .

الهوامش والمراجع
1-النقد العربي،آفاقه وممكناته،يوسف اليوسف،مجلة الوحدة،السنة الخامسة ، العدد 49 - 1988 الرباط . ص : 13
2-نظرية الأدب ، رينيه ويليك واوستين وارين ، ترجمة محي الدين صابر ، دمشق ، المجلس الأعلى لرعاية الفنون والأدب 1972 . ص 17
3-الخطاب الشعري الحديث من اللغوي الى التشكل البصري ، رضا بن حميد ، مجلة فصول ، الشعر العربي المعاصر،الجزء الأول،المجلد 15 العدد الثاني صيف 1996 . ص : 96



#محمد_المحسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التطريز الإبداعي ..بأنامل الشاعر والكاتب التونسي القديرد-طاه ...
- شاعرة تونسية فذة منبجسة من ضلوع ولاية الكاف الشامخة.. تنتصر ...
- الشعر في الطقوس الإبداعية لدى الشاعرة التونسية الكبيرة فائزة ...
- الصدقة : فضلها عند الله كبير..وأجرها عظيم
- باقة نرجس..وتحايا مفعمة بالإجلال والإكبار والتقدير إلى الطبي ...
- باقة نرجس..وتحايا مفعمة بالإجلال والإكبار والتقدير إلى الأست ...
- باقة نرجس..وتحايا مفعمة بالإجلال والإكبار والتقدير إلى الصيد ...
- باقة نرجس..وتحايا مفعمة بالإجلال والإكبار والتقدير إلى الأست ...
- باقة نرجس..وتحايا مفعمة بالإجلال والإكبار والتقدير إلى الأست ...
- هنا تطاوين : الأستاذ المختار صميدة (العدل المنفذ) قامة شاهقة ...
- هنا تطاوين : الأستاذ علي بن منصور (عدل إشهاد) قامة شاهقة في ...
- الأستاذ الفذ كمال الحداد (الإبن البار لجهة تطاوين) : نضيئ أع ...
- حين ينتصر شاعر مسكون بالإبداع في نخاع العظم..إلى شاعر نالت م ...
- باقة نرجس..وتحايا مفعمة بالإجلال والإكبار والتقدير إلى رجل ا ...
- التاجر الورع الحاج الحبيب الهوش : الإبن البارلولاية تطاوين ب ...
- إشرقات البعد الفني و تجليات الإبداع في قصيدة الشاعر التونسي ...
- الأستاذ التونسي القدير مبروك العابدي-عدل منفذ- نضيئ أعمالنا ...
- قراءة نقدية-متعجلة-في قصيدة الشاعر التونسي القدير د-طاهر مشي ...
- قراءة نقدية-متعجّلة- لقصيدة (نزرع الأشجار صباحا ) للشاعر الت ...
- جماليات الإنزياح اللغوي في قصيدة الشاعر التونسي د.طاهر مشي - ...


المزيد.....




- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد المحسن - تمظهرات العمق الإبداعي..وتجليات البعد الفني في قصيدة - ناديتكَ من وراء الغيم-للشاعر التونسي الفذ أنور بن حسين