أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - لخضر خلفاوي - *من الحياة: القدر؛ أو الليلة التي أحييتُ فيها النساء جميعاً!















المزيد.....

*من الحياة: القدر؛ أو الليلة التي أحييتُ فيها النساء جميعاً!


لخضر خلفاوي
(Lakhdar Khelfaoui)


الحوار المتمدن-العدد: 7606 - 2023 / 5 / 9 - 00:01
المحور: الادب والفن
    



*سردية واقعية تعبيرية: كتبها من تجربته: لخضر خلفاوي*
——
…قبل أسابيع خلت قالت لي كبيرتهم و هي في غرفة الإنعاش: ( ياه يا… ! أنتَ أسطورة ! أنتَ أسطورتي.. يا بطل حياتي !) ، قلتُ في نفسي بكل اضطرابات الصدمة و الكرب و الحسرة ! دحَرَكِ الله مذؤومة يا "دُنيانا المومس"! .. كان ذلك في وقت متأخر بعد منتصف الليل ، في اليوم الثالث من عيد الفطر أتأمّل مشاهد ذلك الهوس و الهذيان الحاصل خارج سطر أو خط العقل .. كأنَّ العقل الباطن عندما يُغيّب العقل الرّئيس يغتنم هو فرصة هذا الاختلاف و يصَّعَدُ من أدغال ألبابنا المتحفظة بأشياء لم نكن نجرؤ من قبل على التصريح بها و نحن في كامل قوانا الإدراكية ؛ إذْ يستلم العقل الباطن كمُستخلف مهام المحن و الأوزار الشائكة في منظومة التفكير المتشعب للحياة و الوجود بكل جوانبه الحسية و المادية ، المرئية و الغيبية ؛ مهام التنظير و التدبير و التفكير بطريقة غير معهودة، غير مألوفة و يبزغ عنه ذلك الرأي الذي كان قسرا موءوداً بآلية التحفظات و التكتّمات عليه…
-ما أصابها من جنّة جعلها ترى جانبا من جوانبي العدة التي لا أعبأ بها أو لا أراها ..
فأذكر فيما مضى من العمر لما كانوا يستمعون إلى زُخرف الحديث مني إليهم حول شتى المجالات ، فلسفة و أدبا و تاريخا و جغرافيا و كل ما يتعلق بالعلوم الدّقيقة و العلوم الإنسانية و حول تجربة حياتي ، فأنهي من وحي و خلاصات التجربة نقاشاتي معهم بهذه الجملة التساؤلية:( ماذا أراد الله بي مثلا !؟)؛ كوني كنت لا أعرف إلا عُشرا كأقصي تقدير لسببية وجودي على هذه الأرض .. لأنّ الرّسائل التي أتتني و التقطتها إلى حد اللحظة أزلت "شفرة" النذر القليل منها و بقي الكثير منها قيد الألغاز ! .. أقع في هكذا التباس فكري و ضياع شبه مطلق عندما تتوالى الأحداث عليّ و أوضع في مواقف أقل ما يُقال عنها ( شائكة )!.
*هذه المرّة الواقعة من وقائع حياتي اليومية ، التي أجبرتني على تذكّر حيرتي في سؤالي ذاك ( ماذا أراد الله لي أو بي في هذا مثلا !؟).. جئتكم بآية من آياته و أُقرُّ و أشهدُ لكم أنّي لا أخلقُ الطّيور من طين لازب فبالكاد التقط أنفاسي من فرط الآهات فلا استطيع حتى نفخ الرُّوح فيها و ما كان ينبغي لله أن يوكل إليّ هكذا آية و لستُ من يُبرئ الأكمهَ و الأبرصَ و لا استطيع التنجيم حتى أنبئكم بما تضمره و تدخّره قلوبكم و ما اكتنزتموه في بيوتكم و ما أخفته أنفسكم الأمّارات بالسّوء أكثر من أمرها بالمعروف و الخير .. و لستُ بمَن يُحيي الموتى بإذن الله ، لكن أشهدكم ؛ أنّي في هذه الليلة ( ليلة أصطلحَ عليها في العالم الإسلامي بليلة -القدر - الموافقة ل السابع و العشرين من شهر رمضان (المنصرم) أي منذ فترة قليلة خلت، حيث ساقني القدر في ذلك التوقيت لأُوضع في موقف (جلل) و عظيم و خطير ، بل في منتهى الخطورة و لم يسبق لي أن مرّ عليّ هكذا موقف .
-أذكُر بعد الإفطار تجاوزت عقارب الساعة العاشرة مساءا بحكم في آخر أيام الصوم تأخر الإفطار عندنا في كل مساء بسبب التوقيت تهيّئا لتوقيت فصل الصيف .. لكن توقيت نهاية النشاط و الخدمة للمقهى الذي أتوجه إليه راجلا كل ليلة بعد الإفطار لا يتغّير ، و هذا شأن معظم من يصوم في هذا الشهر من الجالية العربية المسلمة في ضواحي باريس. تجدنا بعد انتهاء وجبة الإفطار كخفافيش الليل ، بينما بقية السكّان في ديارهم و ربما نائم بعضهم ، فعند تجاوز العاشرة ليلا أجدُ كمعتاد الشوارع و الأحياء في معظم التجمعات السكنية خالية من كل حركة و الصمت مطبق على الأمكنة .. بخرج الصائمون إذن من بيوتهم ليلا منتشرين في جهات مختلفة مُعمّرين الشًوارع و الطرقات لحظات مرورهم و في تسارع للوصول لمرافق عبادية أو لهوية تُتيح لهم الاستراحة قليلا من متاعب الصوم و العمل قبل العودة للبيوت بعد منتصف الليل و استعدادا ليوم جديد من العمل و الصيام .
-شيء ما غريب حدث لي في تلك الليلة و أربكَ توقيت خروجي ، و تأخّرتُ قليلا ،خصوصا لما هممت بالخروج ثم انصرفت و ابتعدت عن البيت بمسافة معتبرة لأتذكّر أنّي نسيت شيئا من أشيائي ، فعدتُ مضطرا لجلب ما نسيت.. كأنه أمر ما يريدني أن أتأّخّر في الانطلاق نحو وجهتي .. شيء قويّ ما حدّد لي بشكل دقيق وقت انطلاقي الرّسمي في السير نحو مرفقي الليلي لتمضية بعض الوقت في خلوة مع نفسي و أفكاري و سجائري و قهوتي و تيهي الفكري الملازم .
ما كان يزعجني و أحدث توتّري المتزايد هو أسفي من ضياع تلك الدقائق الثمينة من برنامجي الليلي ، كنت أشعر أن خُطّتي تلك الليلة حُرّفت ، نعم أمر ما حرّف خُطّة انفلاتي من البيت هربا بنفسي مع نفسي .. كنتُ جد قلق على وقت وصولي للمقهى المعتاد و ركني المفضل ؛ لأنّ تأخيري ذلك كان هاضماً لبعض من وقتي المخصص لخلوتي مع أنفاسي و مربض طقوسي اليومية.
***
بعد طيّي لنصف المسافة التي تفصلني عن وجهتي و هدفي، مسافة أقل من ألفين مترا و أصل مكان استراحتي.
-كان شارع ( السوق القديمة ) الواقع على شبه قمّة جبلية تسمى منطقة -الجبل القديم التابع لبلدية ( سان جارمان لي كورباي) - الذي أتوغله منذ زمن كسبيل يروق لي خاليا من المارة ، بالمختصر الأبلغ كان كالعادة شارعا غارقا في النوم و السكينة و الساعة تشير إلى الحادي عشر إلا الربع ليلا !.
من عادتي و طبعي أنّي شديد المشي و سريع الحركة و في هذه الليلة بالذات ضاعفت من سرعة مدّ خطاي نحو الأمام كي أصل بأقلّ تأخر .
- استدرت في ومضة برأسي يمينا باتجاه رصيف تركن عليه سيارات الأهالي ..
فإذ بي ألمح جثة امرأة هامدة لا تتحرّك ملقية على طولها أرضا و قطُّ أسود يقوم في حركة ذهابية /أيّابية نحوها و يشتمها ثم يبتعد، ربما هو القط الذي قاد نظري نحو ( الجثّة) الهامدة ، كان وجهها و بطنها يعانقان اسفلت الطريق بجانب سيارة ..:
-يا الله ! يا الله ! ويحي ! ما الذي أتى بي هنا !؟ ماذا أفعل ! يا ويلتي ! يا ويلتي أين حطّت قدماي ؟! لماذا يا ربّي!؟ إنّها جثة هامدة !!! ماذا أردت بهذا لي مثلا !!؟ .. القهوة و سجائري ؟! و خلوتي !؟.. سيغلق المحل؟… سينفضّ الناس و يعودون إلى بيوتهم !؟ و أنا مورّط لوحدي بحضوري أمام جثة امرأة !؟
لو يخرج أحد من السكّان و يرى مسلما عربيا بالقرب منها سيكون شاهد عيان على وجود الجاني بعين مكان حدوث جريمة القتل !؟.. يا الله !! يا الله !! ماذا أردت بي في هذا الموقف مثلا !؟.. لماذا أنا تحديدا !؟ لماذا يا الله !؟..
-دارت في ذهني المضطرب هكذا أسئلة خلال ثوان ، حيث احتملت كل السيناريوهات المأساوية الكارثية التي قد أكون فيها متورطا .. في تلك اللحظة المهيبة و ذلك الموقف الجلل .. لم يسبق لي في حياتي و أن اختليت بجثة أنثى أو ذكر في مكان مهجور من الناس و عديم الحركة ! أتدارك نفسي فذهبتُ مهرولا مقتربا من ( الجثة)، حاولت تحريكها لكنها لا استجابة ، حاولت تقصي وظيفة التنفس لكني لم أخلص إلى دليل تنفسها ، كانت غائبة تماما ، فاقدة تماما للوعي و لا وظيفة تنفسية تُذكر .. وضعتُ أصبعي على معصمها لقياس النبضات و معرفة إذا كان هناك نبض لكن لا شيء يُستشعر ! ناديتُ ، و ناديتُ بكل قواي لكن المرأة الثلاثينية كانت شبيهة بجذع شجرة مقطوع مُلقى على الرصيف ، دون حياة !!
-ازدادت تخوفاتي و هلعي و اكتراثي و عاودتني تلك السيناريوهات السوداء من فظيعها إلى أفظعها خوفا من سوء مآلاتي و منقلبي هذه الليلة الرمضانية !!
استنجدت بسكان البيت القريب جدا من ذلك الرصيف الملقاة عليه جثة المرأة لكنهم باحتراس شديد لم يفتحوا الباب و فضلوا محادثتي عبر النافذة لما سألتهم عن -ما إن كانوا قد رأوا و لاحظوا جثة امرأة ساقطة إلى جانب بيتهم بحوالي مترين أو ثلاث أمتار ! - بل أرعبهم وجودي عند حافة نافذتهم و صدمتهم أسئلتي و التزما( الرجل و زوجته ) التحفظ و علامات الرهبة و الهلع بادية على وجهيهما! كيف لا و قبل منتصف الليل بساعة يأتي عربي مغاربي مسلم يدق جرسهم و يحدثهم عن جثة امرأة تتواجد بالقرب من بيتهم !!!
-مرة أخرى أعرف في قرارة نفسي أنه لا مفرّ لي من جثة تلك المرأة التي قادني - القدر - إليها في ذلك التوقيت تحديدا ! و كنتُ أعرف بأن الوقت ليس في صالحي لا لتدارك فناجين قهوتي و سجائري في ذلك المقهى المعهود و إنما الأمر متعلق بأمر تلك الجثة و عليّ طلب النجدة و إخبار مصالح النجدة و الإسعاف دون انتظار إضافي.. مُجبرٌ (الخضر لا بطل) في ليلة هذا ( القدر ) العجيب أن يتخذ قرارا مهما كانت العواقب !…
-أخرجتُ هاتفي و اتصلت بهذه المصالح و كلّي توتر و قلق في خصوص امرأة فاقدة للحياة ، و لا تتنفس و لا تتحرّك و لا تنبض و بادٍ عليها أنها انتقلت إلى العالم الآخر !
*كانت محدثتي عبر الهاتف من مصالح النجدة و الإغاثة تهدئ من روعي و في ذات الوقت تحثني على عدم الارتباك و تسألني ثم تطلب مني التصرّف دون انتظار حيال تلك الجثة و محاولة إعادتها للحياة !!
و كانت تسألني هل أُجيد بروتوكولات الإغاثة الأساسية من ( تدليك القلوب ) و حركة نفخ الأوكسيجين ( من الفم إلى الفم )..فأجبتها أنّي أعرف جيدا هكذا حركات إسعافية و لم أخبرها بأن لي تجربة مهنية سابقة ك( كعنصر مطافئ مختص في الوقاية من الحرائق و إغاثة الأشخاص و توجيههم…) في المؤسسات التجارية و الإدارات المدنية .
فطلبت مني الشروع في محاولات انقاذ المرأة ( التي كنت على يقين -تسعون بالمئة- أنها جثة ميّتة منذ ساعة أو أكثر )، لكنّ ضميري حتّم عليّ أن أتورّط أكثر في هكذا موقف جد قاسٍ و صعب للغاية لجسامة المسؤولية .
-دون انتظار و زادني شجاعة تأييد موظفة الحماية المدنية على هاتفي حيث بقيت متصلة معي و تتابع حركاتي و التطورات في عملية إعادة الحياة لتلك المرأة الفرنسية الثلاثينية .. مسكت جسدها و أدرتها نحوي و نحو السّماء بعناية و انقشع شعرها على وجهها فاتضح أكثر بوضوح و كان وجهها يقابل الفضاء الفوقي بعينين مغمضتين و لا حياة فيها لمن تنادي !.. ثم تهيّأت لها و توسطها بركبتي في وضعية تسمح لي بالارتكاز و الثبات و فسحت جانبي سترتها حتى أتمكّن من رؤية صدرها بوضوح حتى أشرع في الدورة الأولى في تدليك قلبها ..
-شكلت بيدي اتحادهما كي اعتمد عليهما في بدء تدليك ( قلب) جثة المرأة الهامدة .. لم أشأ -استحياء و خجلا فطريا - نزع قميصها ليتبين لي -كما تحث عليه تدابير الإغاثة في المجال المهني - كي يتم لي ظهور صدرها بوضوح و لم أشأ و أنزع لها حمّالات الأثداء ! لم تساورني أي فكرة خارجة ذلك السياق اختفى التجنيس ، و الجنس ، اختفت لدي تفاصيل هويتها الفكرية و العقائدية و العرقية ، كل ما رسب في ذهني و قلبي وقتها بشكل بالغ الأهمية أنّي أمام لحظات مصيرية مرتبطة ( بحياة أو موت ) إنسانة لا أعرفها عنها شيئا و لا تعرفني و لم التقِ بها يوما و لم تلتقِ بي .. إنسانة غابت في دهاليز العالم الآخر ، صارت جثة هامدة يجثو عليها عربيا مغاربيا مسلما بركبتيه لاهثا بكلّه نحوها ليعيدها إليها مرة أخرى …
*أنا الذي قضّيتُ عُمري أسعف الأشياء و أحيي الموتى ( من الأشياء ) التي ماتت و أنفخ فيها من إبداعي و فكري و إنسانيتي فرصا أخرى للحياة بأقل بشاعة مع جمال أكثر ينسي الموتات الآنفة…يا الله ! يا الله ! يا الله رفقا بي و مُدّني بعونك و بقدرك كي أكون سببا في إعادة هذه ( المخلوقة ) للحياة !! كنت في حالة ثانية اختفى منها كل زيف أو خبث أو غاية أو خوف قد تخفيه نفسي عني و لا أعلمه!.
-تُهدر فرص الحياة لدى كل حالة متوقف قلبها بنسبة عشرة 10% في كل دقيقة لم يتم فيها الإنعاش و الأسعاف القلبي الأوّلي…كنتُ أعي ذلك جيدا و هذا مما زاد تعقيد موقفي و مسؤوليتي التاريخية !
لا أنكر أني أُبتليت بأصعب الحالات في ( الانعاش القلبي) ، و ذلك يرجع لجنس الضحية ، فالدراسات تفظي جميعها إلى إشكالية إسعاف امرأة توقف قلبها ، فالأشخاص ( الشهود المسعفون ) الذين يعترضون هكذا حالة يرتبكون كثيرا عند حضور الثديين الحاضنين للقلب في القفص الصدري بسبب المنظومة الفيزيولوجية الجسدية للضحية و بحكم أن آلية الإغاثة تُجبر المسعفين الاتصال الجلدي الحسي ، و أن تحتك و تلمس أيديهم نهود الضحايا من الإناث البالغات و يسبب هذا الاتصال إشكالية و حرج كبيرين و تردد إعاقي لكل من وجد نفسه أمام توقف قلب امرأة عن النبض خوفا من ملامسة الثديين أو من ارتكاب حركة قد تُفهم بأنها غير لائقة ، هكذا سلوك لا إرادي تقول عنه دراسة أمريكية من جامعة Pennsylvanie,أن حظوظ المرأة المتوقف قلبها ضئيلة جدا مقارنة بحظوظ الضحايا من الرجال !. يا الله !! ماذا سيحدث و أنا أدلّك قلب هذه الجثة ؟!.

*شرعتُ في تنفيذ السلسلة الأولى في تدليك عمقي بِقَدَر و تحريك صدرها و محدثتي عبر الهاتف من خلال الاتصال بتقنية الصوت العالي تتنتظر من خلالي على أعصابها /على أعصابي النتيجة و المعلومات الأولية و أنا أحاول الإمساك بذيل روح تلك المرأة الثلاثينية التي كانت تبدو هاربة إلى مكان غيبي ، عالم متوازٍ مع عالمنا هذا !… كأنّي في تلك الحركات و أنا في جثوٍّ عليها بركبتي أصارع الموت و الغياب و الفناء لا أريد التفريط في (ذيل الحياة) فيها التي كنت اعتقد توهّما أنها غادرت و أخذت مستقرّ و مثوى لها في علم المجاهيل و الغيب …كنتُ احتمل و كان ليس من المستبعد أن أُضطر لأنفخ في تلك المرأة من روحي و من الطبيعي حتى لو نسيت في انتظار قدوم فرق الإغاثة ستطلب مني محدثتي من الحماية و الإغاثة الباقية على الخط أن أزاوج تدليكي للضحية بتقنية النفخ ( من الفم إلى الفم ).
-عند انتهائي من السلسلة الأولى التدليكية للصدر و كنت أنوي تكرار العملية دون توقف حتى تحضر فرق الإسعاف و الإغاثة و بينما أنا آخذ سريعا أنفاسي و أتهيّأُ لخوض جولة مراطونية تدليكية ضد الموت لقلب تلك الأنثى لاستعادة حياتها ، فجأة بثوان تتفجّر تلك (الجثة الهامدة ) بشهقة عظيمة ما سمعت مثلها في حياتي و فتحت تزامنا مع ذلك الشهيق المتواصل عينبها دون الحديث ! ثم ركنت مستلقية كما وضعتها المرة الأولى على ظهرها .. سارعتُ دون تأخر و لا تردد في تغيير وضعها إلى وضعية يُنصح بها في مجال الإسعاف و هي ( الوضعية الجانبية الآمنة PLS). لحُسن حظي بحكم نحافتي أنّها كانت امرأة نحيفة لا يتجاوز وزنها الخمسين كلغ قلت في نفسي حمدا لله أنها لم تكن امرأة ثخينة، تعاني السمنة و الانفلات الوزني، لكانت أثخنت قلبي و أوجعته بإجهادي في زحزحتها من مسقطها و تدويرها لإسعاف قلبها المتوقف !. تزامنا مع ذلك كنت أحاول الحديث إليها و طمأنتها و أن الإسعاف قادم و لن يتأخروا ، لكنها كانت لا ترد عليّ و تغمض عينيها ، أخذت أراقب في عملية جردية تقريرية لوظائفها الحيوية فوجدت نبضها يسير بشكل عادي و تنفسها صار ملحوظا و دّبت الحرارة و الدفء في كامل جسدها ..
*كنت أصرخ دون أن أشعر و لا انتبه لنفسي :
"لقد أتيتُ بها ! لقد سرقتها من الموت و الفناء !! لقد أنقذت حياتها و جلبتها للدنيا بدلا من ذهابها لعالم الموت ! و أنا أكرر هذه الكلمات لم تتمالك محدثتي من فرق الإغاثة نفسها فأطلقت ضحكاتها متبوعة بتشجيعي على مواصلة مراقبة الضحية ريثما تصل فرق الإسعاف …
*بينما أنا على ذلك الحال و الموقف الشبيه بالسريالي في أولى اللحظات الانطباعية، لم أكن انتبه اني كنتُ محاطا بأشخاص استنفروا استنفار ( الفضول) من ديارهم و ينظرون إليّ و يراقبون تفاصيل لعبة الحياة مع الموت و بينهما الفعل الفيصل المبين .. و أنا قريب من جسد تلك المرأة التي كانت منذ دقائق و قبل مروري بهذا الشارع ( جثة ) هامدة دون أدنى علامة أو مؤشر للحياة . "يا الله ! ما ألطفك ! كانت هذه الأنثى جثة هامدة شبيهة بخشبة مرمية أرضا و أصبحت في لحظات حية تُرزق بين يديّ !. حمدا لله على سلامتها ": كنت أحدث نفسي وقتها …
-لمّا تمّ التكفّل بها بعد حضور فرق الإسعاف و الإغاثة بحضور طبيب و طاقم طبي مرفوقا بفرقة الدرك الوطني حمُلت المرأة سريعا حيّة تتنفس بقلب ينبض مجددا و بعد تبادل المعلومات بيني و بينهم و شكروني أمام ذهول سكان الحي ، استأذنتهم و أفكاري و مشاعري حينها مضطربة ، تتضارب في بعضها كما تتضارب أمواج الطوفان العاتي ، انحدرت من قمة -جبلي - من خلال معبري المعبد باتجاه رُكني المعتاد و أنا متلهف باللحاق بتفصيل من تفاصيلي الليلية الخاصة ، لأعانق و أدلّك شفتي فنجان قهوتي و أعقاب سجائري في تماهي و تصاهر مع أفكاري و تامّلاتي المعتادة و انتشي تفاصيل عملي و موقفي في هذه الليلة المباركة و أنا كنتُ ( أُحيي من كل قلبي المتهالك جميع نساء الأرض !). شكرا لكَ يا الله ، في هذه ، لقد فهمت ماذا أردتَ لي و بي ، و أنك سخّرتني لهذا العمل ! و شكرا لك بأنّكَ امتحنتني و كنتُ ( فيصلا) وفيا و لم أخذل نفسي و لم أجبن و لم أخذلكَ!.
***
-باريس الكبرى جنوبا
8/5/23



#لخضر_خلفاوي (هاشتاغ)       Lakhdar_Khelfaoui#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- *هل تدرون … أبي هو من أهلي ! ؟
- *أُمي عن ظهر و عن قلب*!
- *أفكار: اغتراب الروح و الفكر
- * -الأفيون- البديل - أو خشخاش الأصدقاء- الأزرق!
- من تجربة الكِتابة ، أفكار عدة حول كُتّاب الحياة البديلة:أسوا ...
- من مفكرة الإلكترونية: مجموعة خواطر و سرديات تعبيرية
- *أفكار : تشخيص الأزرق الآسر !
- *أفكار: نخب الغرب المختصة تدق ناقوس الخطر و تتباكى على ضحايا ...
- *أفكار : -الثامن 8 من مارس : عَيب المرأة السطحية المستمرّ !
- *كما ثيران -الكوريدا: ( مجموعة نصوص قصيرة من مفكرتي الإلكتر ...
- *أفكارPensées/Thoughts : معارك الأنا و وجود ال -هو- ! (من مف ...
- *انتشلتُ -أفلاطوني- من سوق ( البراغيث)!
- القَدّيس ضلال !
- *نصف العالم /*Un monde coupé en deux/ *A world cut in half!
- *حول تجربة الكتابة و صعاليكها: الخيمياء الشيطانبة التخريبية ...
- *-الكوغار- Cougar و الكَباب!
- *كلّنا متسوّلون!
- أفكار و رؤى « وجودية وجدانية » …
- *أصحاب النّار!
- نصوص قصيرة: خبز أمّي .. فيا داوود صلّ خلفي !


المزيد.....




- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - لخضر خلفاوي - *من الحياة: القدر؛ أو الليلة التي أحييتُ فيها النساء جميعاً!