أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - لخضر خلفاوي - *هل تدرون … أبي هو من أهلي ! ؟















المزيد.....

*هل تدرون … أبي هو من أهلي ! ؟


لخضر خلفاوي
(Lakhdar Khelfaoui)


الحوار المتمدن-العدد: 7605 - 2023 / 5 / 8 - 01:13
المحور: الادب والفن
    


-سردية تعبيرية من ماضي الطفولة كتبها :لخضر خلفاوي*
*
… ككل صباح و من العادة و طقوسي أخرج من البيت ( حي بوحفص عيسى.. HLM) في حدود الساعة السابعة صباحا و على كتفي أوزار محفظتي المدرسية، فاتجه صوب بيت صديقي الحميم "زيزو" أنادي عليه طارقا باب بيتهم فيخرج لتوّه بدقائق قليلة لنعود مترافقين في الاتجاه المعاكس متوجهين إلى بيت صاحبنا "تيتو عبد الناصر " حيث يتواجد بيتهم الساحر لمخيّلتي كلما ذهبت إليه و رافقته .. كان بيتهم أشبه بالأسطورة على مقاس عقل الأطفال في ذلك السّن ، البيت كان في الأصل (مبنى رئيسي بطابقين لمحطة القطار) إبّان التواجد الفرنسي في الجزائر .. من أبهى و أجمل -بقايا الإستعمار الفرنسي - العمراني، تعلو مثبتة قريبة من قرميده يافطة مكتوب عليها اسم بلدتنا ( المسكيانة La Meskiana ) ، لم تُبلى هذه اليافطة و بقت كأنها ثبّت منذ ساعات !
يرافقنا ( تيتو) و نتوجه باتجاه الشارع الذي يسكن فيه صديقنا "عبد المالك) و هو جار لصديقنا الآخر الحميم ( يحيى) ابن عمّي مبروك الجزار.
.. و هكذا بكلّ حميمية و براءة نتوجه في موكب الأصدقاء النجباء بشهادة سكان الحي و المدينة باتجاه مؤسسة العلامة "عبد الحميد بن باديس" المتواجدة في ( الفيلاج Le village المدينة العتيقة ).
-كان بعضهم لما يرانا في عُصبة تسعى باتجاه هدفها يحيينا ببشاشة و يمزح معنا قائلا لنا أثناء استوقافه لنا هنيهة : ( ربي يحفظكم يا فريق الأذكياء الخطير … ههههههة!) -كانت كل مسافة الطريق و المسالك المؤدية للمتوسطة لا نشعر بها بحكم بعدها قليلا باعتبار سننا و لأننا نمضيِّي وقت المسير و التقدّم في المزاح و الضحك و النقاشات العامة و الشغب المقتصر بيننا حتى نصل مؤسستنا التعليمية ..
- كانت من جملة عاداتنا الصباحية و طقوسنا هو اختراقنا الشارع الرئيس العتيق و هو الشارع التجاري الرئيسي لوسط المدينة و أهم طقس نقوم به هو التوقف بالقرب من الرًصيف عند بائع ( الفول ) المتجوّل/الثابت في آن المدعو "عمّار كلاش" و أحيانا يحلّ محلّه أخ عمّي الطّيب رحمة الله و هو الأخ الأصغر المدعو "عمّار قمّيني" ، حيث يركن عربته الخاصة الحمّالة لقِدر عملاق شبيه بالتنّور المحتوي على الفول الموضوع على موقد يشتغل على الغاز الطبيعي (طابونة) . هكذا لانتظار الفطور نصطف وراء الزبائن أطفالا و رجالا من مختلف الأعمار ننتظر دورنا كي نشتري بدورنا الفول مع الخبز كفطور صباحي إضافي بعد فطور البيت و نتناوله في عين المكان وقوفا كما الجميع بالقرب من البائع و عربته .. ذلك الفول اللذيذ و مرقته الساخنة أو طعم الكمّون الذي يزيده لذة مع قليل من الهريسة الشرقية .. ثم نكمل زحفنا نحو مؤسسة التعليم و غالبا ما يسارع أو يتسابق أحدنا قبل الانصراف في دفع الحساب نيابة عن الجميع.
- نمضي و نكمل سيرنا في الوقت المناسب نحو المتوسطة فرحين ، ضاحكين؟ فكهين..
و ذات مرّة تشبه بعض المرات في حدوثها من خلال توارد طقوس مروري مع صحبة طفولتي ؛ أن التقيتُ بأبي كان مارّا للدخول إلى مطعم صديقه الوفي الدائم " عمَي الطيب المعافي".
فهمّ والدي كعادته متجها نحوي، تقدمت إليه بخطوة ساعيا و لكن كان تقدّم أبي مهولا ؛ كأنه يجري نحوي لعظمة خطواته و مشيته ، فصبّح عليّ مسلّماً و سألني عن أحوالي بكل بشاشة و مزاح تزامنا مع الحركة المعتادة التي لا ينساها أبدًا لما تدفعنا الصدف بالالتقاء ببعضنا بعد غياب أيام أو أسابيع أحيانا .. أخذ والدي مُفتشاً يقوم بتحريك يده باتجاه جيوب تنورته باحثا عن محفظة نقوده المعدنية و هو يمازحني .. كان يهشّ بأنامله الكبيرة داخل المحفظة الجلدية قطعه النقدية المعدنية ليمنحني مصروفي ، كنت أسمع صوت اصطكاك القطع النقدية فيما بينها كأنها أهازيج أو زغاريد و هي تتلاطم بين أنامل أبي و كأنها تغنّي محتفلة بانتقال ملكيتها منه إليّ و أنا خير الوارثين ! … أقبض ما أهدانيِهُ أبي من نقود و أمضي و رفقتي إلى حيث يتواجد محرابنا التعليمي( عبد الحميد بن باديس ) .. كان حضوره المفاجئ و التقائه بي و حركة منحه لي للمصروف جعلتي أسعد طفل في الكون رغم كل خسارات طفولتي في ذلك العمر ..
-لهذا أذكر في هذه الصبيحة المميزة حيث كان صحبتي بإطراء شديد يمازحوني بُعيد التقائي بوالدي ، هذا يقول لي مادحا والدي و علامات الافتخار و الاعتزاز به تطبع ملاح وجهي : ( محمدّ الصّالح النمّر الtigre ، الأسد Le lion ) كناية على مهابته و صورته المتداولة في المدينة، و استنادا للأساطير تلك التي كنت أحكيها بخيالي الواسع عن بطولاته و قوته الخارقة! .. كنتُ أبحث عن بطل في حياتي و لم أجد عدا أبي الذي يليق به هذا الدور و اللقب في مخيلتي كطفل .
-لما ابتعدنا و الفرحة لا تسعني فرحا و اعتزازا به و فوق كل هذا الفعل كنت جدّ متأثرا بحضوره في ذلك الصباح و أنا رفقة صحبتي ، كان التقاءه بي تشريف عظيم أمامهم كأن بتلك الحادثة كانت حجة لي في ( تسجيل حضوره في حياتي في هذا الصباح ، كون الغياب كان فظيعا !) و تأكيده بأنّ لي نسب يحبّني و انحدر منه مباشرة !.
- قلت لهم عِبارةً كانت شبيهة بالطرفة، جعلتهم ينفجرون ضحكا و أنا أوّلهم لما ناديتُ : ( علابالكم بلّي بابا ايكون لي !) معناها "هل تدرون أنّ والدي هو من أهلي ؟) . كانوا يضحكون دون انقطاع لغرابتها و لِلَطافتها و لرمزيتها ؛ إلا أنهم و أنا منهم لم نكن نعلم في ذلك السّن أنّ عبارتي هذا قالها ( نوح عليه السلام قبلي !) .
-وقتها لم انتبه لها في القرآن و أنا تلميذ في الإكمالية، و بعد الأربعين من عمري عثرت على مرادفها القرآني :( وَنَادَىٰ نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أهلي …)
وقتها وجدوا ما نطقت به هو صعود إلى قمة الغرور و الافتخار الذي لم يعصمني من طوفان ضحكاتهم تلك ، كنتُ سريالي التعبير كوني كنت أبرّر و أُثبت نسبي و علاقتي بهذا الرجل الرمز المغوار البطل المُهاب !…
كادوا وقتها في غمرة من الضحك و القهقهة البريئة مما نطقت به فيشاكسوني كلاما قائلين :
"أجل! أجلْ! أفي ذلك شكّ يا مجنوننا! إِنَّهُ بالطبع مِنْ أهلِك و إِنَّهُ محمد -الصالح - النّمر، الأسد ، فلا تشكّنّ في نسبك إليه ، إنّا نعِظُك يا خِضر أَن تَكُونَ مِنَ الجاحدين أو المُشكّكين !".
**
-كلمة ً لم أقلها اعتباطا أو جزافا و إنما هي أتتني عن وعي العقل الباطن ، و ذلك للعلاقة الشائكة بيني و بين والدي بحكم أنّي كنت لا أعيش معه و لم أكن تحت كنفه مباشرة بصورة دائمة .
-( ، هل تدرون أن والدي هو من أهلي !) ..
نعم أنا قطعة منه و هو من أهلي ! كنت أردّد ذلك طول حياتي …!
-الطريف و الجميل في هكذا قصة من طفولتي تلك التلقائية و تلك البراءة و تلك الإيجابية كلها مجتمعة فينا نحن تلك العُصبة و أنا أحاول تقديم الدليل على صلة الرحم العظيمة و القريبة بيني و بين والدي !
تضارب المزاج بالضحك بيننا و كانت -استجابتهم تلك بكل أجوائها الساذجة (حياة) صافية آمنة ، و لم يقم أحدهم بوخزي لتثبيط عزيمتي ، أو تعمّد التنغيص عليّ بالتنقيب مجهريا ( كما يفعله عالم الكبار ) عن زلّة أو هفوة بدت منّي لا إراديا ) ، بل كانت لحظات لا تنسَ أبدًا سبقت دخولنا الصفّ و استئناف الدروس الصباحية …
*) سردية واقعية لشذرة من شذرات طفولتي البسيطة ، من القرن الماضي.
***
* باريس الكُبرى جنوبا
* 7/5/23



#لخضر_خلفاوي (هاشتاغ)       Lakhdar_Khelfaoui#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- *أُمي عن ظهر و عن قلب*!
- *أفكار: اغتراب الروح و الفكر
- * -الأفيون- البديل - أو خشخاش الأصدقاء- الأزرق!
- من تجربة الكِتابة ، أفكار عدة حول كُتّاب الحياة البديلة:أسوا ...
- من مفكرة الإلكترونية: مجموعة خواطر و سرديات تعبيرية
- *أفكار : تشخيص الأزرق الآسر !
- *أفكار: نخب الغرب المختصة تدق ناقوس الخطر و تتباكى على ضحايا ...
- *أفكار : -الثامن 8 من مارس : عَيب المرأة السطحية المستمرّ !
- *كما ثيران -الكوريدا: ( مجموعة نصوص قصيرة من مفكرتي الإلكتر ...
- *أفكارPensées/Thoughts : معارك الأنا و وجود ال -هو- ! (من مف ...
- *انتشلتُ -أفلاطوني- من سوق ( البراغيث)!
- القَدّيس ضلال !
- *نصف العالم /*Un monde coupé en deux/ *A world cut in half!
- *حول تجربة الكتابة و صعاليكها: الخيمياء الشيطانبة التخريبية ...
- *-الكوغار- Cougar و الكَباب!
- *كلّنا متسوّلون!
- أفكار و رؤى « وجودية وجدانية » …
- *أصحاب النّار!
- نصوص قصيرة: خبز أمّي .. فيا داوود صلّ خلفي !
- *-أنا و طقوسي و - الزواحف الثديية الأَيرية الناطقة -!


المزيد.....




- بعد زيارة ويتكوف.. هل تدير واشنطن أزمة الجوع أم الرواية في غ ...
- صدور العدد (26) من مجلة شرمولا الأدبية
- الفيلم السعودي -الزرفة-.. الكوميديا التي غادرت جوهرها
- لحظة الانفجار ومقتل شخص خلال حفل محمد رمضان والفنان المصري ي ...
- بعد اتهامات نائب برلماني للفنان التونسي بالتطبيع.. فتحي بن ع ...
- صحف عالمية: إنزال المساعدات جوا مسرحية هزلية وماذا تبقّى من ...
- محللون إسرائيليون: فشلنا بمعركة الرواية وتسونامي قد يجرفنا
- فيديو يوثق اعتداء على فنان سوري.. قصوا شعره وكتبوا على وجهه ...
- فيديو.. تفاصيل -انفجار- حفلة الفنان محمد رمضان
- جواسيس ولغة.. كيف تعيد إسرائيل بناء -الثقافة المخابراتية-؟


المزيد.....

- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - لخضر خلفاوي - *هل تدرون … أبي هو من أهلي ! ؟