أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - رماز هاني كوسه - الخصاء كعادة بشرية















المزيد.....

الخصاء كعادة بشرية


رماز هاني كوسه

الحوار المتمدن-العدد: 7598 - 2023 / 5 / 1 - 18:55
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


عادات كثيرة و أفعال غرببة مارسها جنسنا البشري منذ وجوده على سطح هذا الكوكب تنوعت ما بين العنيف والمسالم منها عادة الخصاء و التي مورست بداية على الحيوانات و من ثم انتقلت لتمارس على البشر . و تظهر عادة الخصاء castrationكممارسة اجتماعية مارستها المجتمعات البشرية منذ بدء تشكلها و لا يكاد يخلو مجتمع من ممارسة هذا التقليد المشين عبر التاريخ . و الملفت للنظر ان هذه الممارسة بقيت موجودة لنهاية القرن التاسع عشر و لها أسبابها الاجتماعية و السياسية و التي سأحاول نقاشها في هذا المقال .
نبدأ بالأسباب الاجتماعية . فقد بدأ ظهور هذه العادة مع انتظام البشر ضمن تكتلات اجتماعية و ظهور مفهوم المجتمع و ما تلاه من ظهور لمفهوم المدينة و الدولة و انتشار الحروب على السيادة و الموارد ببن المدن و الدول . الافراد كانوا يعتبرون من ضمن الموارد التي يكسبها المحاربون و من يؤسر من الأفراد يتم بيعهم كعبيد . و مع انقسام المجتمع لفئة الأحرار و فئة العبيد و دخول العبيد للخدمة ببيوت الاحرار و احتكاكهم بالنساء ظهرت الحاجة من قبل الأسياد الأحرار لإيجاد طريقة تحفظ انسابهم خوفا من علاقات جنسية تنشا بين العبيد الذكور و نسائهم . من هنا ظهرت فكرة الخصاء كعادة متبعة و هدفها اجتماعي بالدرجة الأولى و هو الحفاظ على النسب في مجتمع أبوي . أما بحال المجتمع الامومي السابق للمجتمع الأبوي فتنتفي الحاجة لفكرة الخصاء باعتبار الانتساب للأب أمر ثانوي غير مهم . و استمرت هذه العادة موجودة مع استمرار وجود العبيد للخدمة داخل المنازل . و ظهرت فئة خاصة من العبيد تسمى بالخصيان و هي معدة للخدمة لدى نساء قصور الحكام و الامراء و هو أمر بقي مشاهدا لبدايات القرن العشرين في منطقتنا . و تسجل كتب التاريخ الكثير من أسماء الخصيان في التاريخ العربي الذين برعوا بمجالات متعددة كالغناء مثلا و حتى السياسة و هو ما سنتعرض له لاحقا .
شكل الغناء سببا مباشر لاستمرار ظاهرة الخصاء لفترة طويلة . فعند اكتشاف طفل صغير ذو صوت مميز كان يتم خصاؤه بغية الحفاظ على صوته الناعم و المميز و هو ما يؤمن له مستقبلا مميزا في الغناء لبقية عمره . فعند الخصاء لا يصل الطفل للبلوغ و لا تتطور حباله الصوتية قلا يخشن صوته مستقبلا و نحصل بالنهاية على رجل بصوت طفل و يستطيع الوصول الى نغمات عالية بالغناء الأوبرالي لا يستطيع وصولها اقرانه من الرجال غير المخصيين . و لعب الدين دورا في ظهور هذا التقليد نتيجة حاجة الكنيسة الى منشدين بأصوات ناعمة داخل الكنائس و نتيجة منع النساء من رفع صوتهن داخل الكنائس غضت الكنيسة البصر عن استقدام المغنين المخصيين لحاجتها إلى أصواتهم الطفولية في الإنشاد مع نضجهم العقلي الذي يساعدهم بالأداء اكثر من الأطفال . و من هذا الباب زاد الطلب على المغنيين المخصيين في أوروبا نتيجة فرادة أصواتهم و انتشر بشكل واسع الطلب عليهم للأداء في دور الاوبرا . و آخر مغني منهم تم توثيقه هو اليساندرو موريسكي الذي توفي عام 1922 و يوجد تسجيل له متوافر على اليوتيوب . فالدافع هنا كان فني و تجاري وراء انتشار هذه العادة .
ننتقل لعامل آخر لعب أثرا في ظهور هذا التقليد و هو العامل الديني . و اول ما يتبادر للذهن ان السبب وراء ممارسة الخصاء بتأثير الدين يقف وراءه دوافع التبتل و الابتعاد عن الملذات الدنيوية و هو امر صحيح نوعا ما فنحن نلاحظ انتشارا للعزوف عن الزواج بين الرهبان المتبتلين على سبيل المثال . فالأمر هنا يدخل في اطار اظهار الزهد بهذه الحياة و متعها . و لكن اذا تعمقنا أكثر بالبحث حول جذور هذه العادة لوجدناها اقدم من ظهور الأديان السماوية . حيث يتحدث لوقيان السميمساطي في كتابه الآلهة السورية عن تقليد يقوم به الرجال في سوريا أثناء الاحتفال بالأعياد الدينية و يتمثل بخصاء أنفسهم و ارتداء ملابس النساء من بعدها و يعود هذا التقليد لأسطورة سورية عن شاب وسيم كلف بمرافقة زوجة ملكه فخاف من ان تقع زوجة سيده في حبه و يخون سيده فقام بخصاء نفسه و من ثم ارتدى ملابس النساء حتى لا تغرم النساء به . نستطيع ان نرجع الخصاء هنا لفكرة التبتل و لكن ما الغاية من ارتداء ملابس النساء فالتفسير المذكور بالأسطورة غير مقنع . كرأي شخصي تنبع عادة الخصاء من بقايا عبادة الآلهة الام قديما قبل حدوث الانقلاب الذكوري . فسابقا كانت المجتمعات أمومية و للمرأة مكانتها الأعلى من الرجل لدورها بالإنجاب و رعاية الأطفال فهي مصدر الخصب و التكاثر و النماء و من هنا كانت الآلهة المسيطرة انثى . و انطلاقا من هذه الفكرة فإن الخصاء لسبب ديني هو تصرف رمزي يدل على التشبه بالإلهة الأم القديمة مصدر الخصب و الحياة . فقدان القدرات الجنسية الذكورية يجعل الرجل شبيها بالمرأة و ما ارتداء الملابس النسائية هنا الا إشارة أخرى لاكتمال هذا التحول . و ربما عادة الختان الباقية ليومنا هذا من بقايا هذا الإرث القديم .

إلى جانب الدوافع الاجتماعية كان هناك دافع آخر وراء الطلب على المخصيين و هو السياسة ولتوضيح ذلك يجب التعرض لنقطة هامة متعلقة بالبشر و دوافعهم النفسية . ما يحكم تصرفاتنا نحن البشر هو غريزة البقاء التي تشكل الدافع الرئيس وراء أفعالنا و تصرفاتنا و وجود هذه الغريزة تدفعنا دوما لنكون انانيين نوعا ما و نفضل مصلحتنا الخاصة و نضعها بالمقام الأول على مصالح غيرنا و هو أمر مفهوم باطار سعينا للبقاء . و تترافق أنانيتنا ليس فقط بتفضيل انقسنا بل ينتقل ذلك لتفضيل و محاباة من نرتبط بهم برابط الدم من أبناء بالدرجة الرئيسية و من ثم الأقارب بدرجة اقل . و محاباتنا لأبنائنا في حياتنا اليومية تشكل نقطة ضعف في اتخاذ قراراتنا حيث نفضل أحيانا ما هو لصالحهم على ما هو للصالح العام فبالنهاية كل ما نقوم به و مجمعه من ثروة و جاه سينتقل لهم . ولاؤنا لرابط الدم أقوى منه لأي رابط أخر وذلك قبل ظهور مفهوم القومية و الدولية و الولاء لها بديلا عن رابط الدم قديما و الذي نرى بقاياه للآن في المثل الشعبي (انا و اخي على ابن عمي . انا و ابن عمي على الغريب ) . و من هذه النقطة فضل كثير من الملوك و الحكام اختيار قادة عسكريين و وزراء و مستشارين مقربين لهم من بين الخصيان لسيب بسيط و يتمثل بعدم وجود نسل لهؤلاء الخصيان مما يلغي احتمالية تفضيل مصالحهم الخاصة و مصالح أبنائهم لغياب وجود أبناء أساسا . و مع غياب رابطة الدم القوية يمكن للملك و الحاكم أن يضمن ولاء هؤلاء الخصيان له فقط لغياب الحافز الاناني لدى هؤلاء المخصيين نسبيا لغياب رابط الدم . . فبادر الكثير من الحكام لاختيار حراس شخصيين من هؤلاء الخصيان و من كان يملك الكفاءة و المقدرة استطاع الوصل لمراكز مهمة عسكرية و سياسية مثل القائد العسكري مؤنس من الفترة العباسية و كافور الاخشيدي الذي حكم مصر و هجاه المتنبي بأبياته المعروفة واصفا إياه بالأسود المخصي . فكرة تغييب او الغاء رابط الدم لضمان الولاء اعتمد عليها العباسيون عندما جلبوا المماليك الترك لجيوشهم . فقاموا ببناء مدينة خاصة لعسكرهم من المماليك حتى لا يتفاعل هؤلاء مع المجتمع المحلي و يتزاوجون منه و يرتبطون معه برابط الدم فيقل ولاء للخليفة مع وجود روابط مجتمعية و اسرية لديهم كنوع من الخصاء الاجتماعي و استمر هذا الأمر لفترة من الزمن قويت بعدها شوكة المماليك هؤلاء و فضلوا روابطهم العائلية الشخصية على ولائهم للخليفة و اصبح الخلفاء ألعوبة بيدهم . . هذه الفكرة طورها العثمانيون لدرجة اكثر تقدما و فعالية و تتمثل بفكرة الانكشارية ( يني شيري المقاتل الجديد ) حسب فرانسيس فوكوياما . فكان احد شروط الانتساب للانكشارية هو عدم الزواج و تشكيل اسرة ( عدم الزواج و ليس الامتناع عن ممارسة الجنس ) فضمنوا بذلك عدم وجود رابط دم يفضله الانكشاري على رابط الولاء للسلطان و يحاول الانشغال بجمع الثروة لأبنائه . فبغياب الأبناء يبقى الولاء فقط للسلطان في يظل غياب مفهوم الولاء للدولة و المجتمع الذي تطور لاحقا . و كان ذلك ببداية تشكيل الإمبراطورية العثمانية و نجح هذا النهج بتحقيق استقرار و توسع عسكري سريع للعثمانيين و بعد ان بلغوا اوج قوتهم وتوسعهم بدأ التراخي كحال الدول عبر التاريخ و قاموا التراجع عن هذا الشرط و سمح للانكشارية بتشكيل الأسر و حينها أعاد التاريخ دورته كما حصل مع العباسيين و المماليك . بدأ الانكشارية بتغليب مصالحهم الشخصية على مصلحة السلطنة ممثلة بالسلطان العثماني خدمة لأسرهم و أبنائهم و زاد تدخلهم بمفاصل الحكم حتى اضعفوا الدولة . و استمر تدخلهم السلبي حتى تم القضاء عليهم من قبل السلطان العثماني ببداية القرن التاسع عشر بنا يعرف نكبة الانكشارية .
و كخاتمة فغن الفكرة السابقة ليست من ابتكار العباسيين أو العثمانيين بل هي ببساطة تطوير لفكرة أفلاطون حول المدينة الفاضلة و التي تستند بشكل رئيسي على أن تقوم الدولة بهندسة المجتمع و تنظيمه و ليس أن يقوم المجتمع بإفراز الدولة التي تعبر عنه . مدينة افلاطون الفاضلة تبنى على أخذ الأطفال من اهاليهم بعمر صغير حتى لا يكون للأهل دور بتربيتهم .و تقوم الدولة بالإشراف عليهم ضمن معسكرات و مدارس مغلقة و تخضعه لاختبارات دورية و حسب نتائج الاختبارات يتم توجيه الأطفال اما للعمل الزراعي أو الصناعي و التجاري و العسكري إلخ . و هي فكرة و إن نجحت بشكل جزئي ضمن شروط خاصة و لكنها فشلت عللى المدى الطويل لأنها أرادت الغاء غريزة الفردانية و رغبة التملك و التميز لدى الفرد البشري. و الغريزة دائما ما تنتصر على من يحاول الغاءها .



#رماز_هاني_كوسه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما بين رفع الخبز و سكب الماء
- الصمد .... من اوغاريت الى مكة
- القوزللي .... اصول لغوية و دلالات ميثولوجية
- ٦٣٢ م ... ام ٦٣٤م
- الافعى و قبلة الحياة
- يسوع ...... حقيقة تاريخية أم شخصية وهمية
- حيلة كانط .... أخلاق الفطرة
- عقوبات سادية
- السير الإسلامية .... هل يجوز نقدها أم هي حقائق مطلقة
- كوثر ... كوشر بين العربية و السريانية
- أكانت تفاحة آدم ..... أم تفاحة أفروديت
- الدولة الأموية مابين الإسلام و النصرانية
- البشارة
- التشابه بين المرويات الدينية في الابراهيميات
- هل الشيطان خالق العالم
- طقوس الموت و الدفن و تطورها
- بعل و نظراؤه في الثقافات العالمية
- الحمير الناطقة في التراث الديني
- زواج الأرض و السماء
- العرب في النقوش و السجلات التاريخية قبل الإسلام


المزيد.....




- هدده بأنه سيفعل بأخته ما فعل به لإسكاته.. رجل يتهم قسيسًا با ...
- مصر تفتتح أكبر مراكز بيانات -مؤمنة- في تاريخها تحتوي على كل ...
- يوتيوبر أمريكي ينجو من الموت بأعجوبة (فيديو)
- السعودية.. جدار غباري يجتاح وادي الدواسر وزوبعة ضخمة تظهر ش ...
- بوريل: لسنا مستعدين للموت من أجل دونباس
- السيسي للمصريين: علموا أولادكم البرمجة بدلا من كليات الآداب ...
- محمد صلاح.. يلمح إلى -خطورة- الأسباب وراء المشاجرة الحادة بي ...
- الزي الوطني السعودي.. الحكومة توجه موظفي الحكومة بارتدائه اع ...
- الشرطة الليبية.. ردود فعل واسعة بعد تدافع رجال أمن خلف شاحنة ...
- حمزة يوسف أول رئيس وزراء مسلم لاسكتلندا يستقيل قبل تصويت مقر ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - رماز هاني كوسه - الخصاء كعادة بشرية