أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - رماز هاني كوسه - عقوبات سادية















المزيد.....

عقوبات سادية


رماز هاني كوسه

الحوار المتمدن-العدد: 6815 - 2021 / 2 / 16 - 19:42
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


أينما وجدت الجريمة وجد معها العقاب .هذه القاعدة رافقت المجتمعات البشرية منذ بدء نشوئها إلى يومنا هذا . واستمر هذا المبدأ موجودا في التشريعات البشرية التي وصلتنا عبر التاريخ سواء المدنية منها او الدينية .فكرة الجريمة و العقاب هي من أولى الأفكار التي طرحت في العهد القديم حيث يخبرنا بأن أول عقوبة هي التي فرضها الإله بحق آدم و حواء لعصيانهما تعليماته و تناولهما من ثمار شجرة المعرفة في الجنة و التي نهاهما الإله عن الاقتراب منها فكانت عقوبتهما الطرد من الجنة . تليها العقوبة بحق قايين الذي قتل أخيه هابيل في الحادثة المعروفة في الأديان السماوية . تنوعت العقوبات و تطورت مع مرور الزمن و تراوحت ما بين النفي و الطرد الى العقوبات الجسدية كالجلد مثلا او قطع أجزاء من الجسم كاليد أو الأنف وصولا لأقساها و هي الموت . و لجأ البشر لتطبيق هذه العقوبة بحق الجرائم الكبيرة من قبيل قتل انسان آخر او الخيانة و ما شابه . و لتطبيق عقوبة الموت لجأت المجتمعات الى تقنيات متعددة أثناء التنفيذ منها ما كان سهلا و بغير ألم نسبيا كتناول السم كما حدث مع سقراط بعد حكم الأثينيين عليه بالموت لتخريبه عقول شباب أثينا . و منها ما كان قاسيا للغاية و يهدف الى الحاق أشد أنواع العذاب بالشخص قبل أن يفارق الحياة و تفنن البشر في هذا النوع من العقوبات لدرجة لا يمكن وصف ما قاموا به إلا بنوع من السادية و طبعا كان لها تقنيات و أساليب كثيرة من الحرق حيا للاغراق للغلي بالماء او الزيت الخ . و في هذا المقال سنطلع على ثلاث منها ربما هي الأشهر عبر تاريخ البشرية و هي الموت بواسطة الصلب و الموت بواسطة الخازوق والموت بواسطة قطع الراس .
نبدأ من عقوبة الخازوق و هي تقنية للقتل اشتهر باستعمالها العثمانيون و لكنها كعقوبة موجود و مطبقة على الواقع قبلهم بزمن طويل . حيث تخبرنا النصوص الرافدينية بأن العقوبة كانت موجودة في بلاد الرافدين منذ بدايات الألف الثاني قبل الميلاد وقد وردت عدة نصوص مسمارية تعود الى شريعة حمورابي و هي تجيز استعمال الخازوق كوسيلة للإعدام عقوبة على بعض الجرائم مثل القتل أو العلاقات الجنسية المحرمة اجتماعيا و التي تندرج تحت مصطلح زنا المحارم كوجود علاقة جنسية بين الأب و ابنته على سبيل المثال . كما جاء الموت بالخازوق كعقوبة على الخيانة الزوجية إذا تسبب ذلك في موت الزوج . مما يدل على أن هذه العقوبة كانت معروفة و منتشرة حينها و طبعا استمر استخدامها لاحقا كما يظهر مما كتبه هيرودوت عن قيام الملك الفارسي داريوس بتطبيق هذه العقوبة ضد سكان بابل بعد أن قام باحتلالها . هذا عن استخدامها أما عن أسلوب التنفيذ فيتم باستخدام قضيب مدبب معدني أو خشبي يتم إدخاله من أحد طرفي الجسم و إخراجه من الطرف الاخر . رغم أن المتعارف عليه هو إدخاله من فتحة الشرج و إخراجه من الكتف أو العنق إلا أن هذا الاسلوب لم يكن يرضي منفذي العقوبة عندما كانوا يرغبون بإطالة عذاب الشخص . فإدخال الخازوق بتلك الطريق يمكنه أن يصيب بسهولة الأعضاء الحيوية في البطن أو الرئتين و يؤدي لنزيف صاعق يميت الشخص بسرعة . و لإطالة العذاب كان يلجأ الجلاد الى ادخال الخازوق من مؤخرة الجسم في منطقة العجز تحت الجلد و الابتعاد عن الأعضاء الداخلية الحيوية حتى لا يموت الشخص بسرعة و من ثم اخراجه من الناحية الخلفية للكتف و بذلك يعيش لأطول فترة ممكنة قبل ان يموت . و لكم أن تتخيلوا كم العذاب و الألم الذي يقاسيه الشخص قبل ان يموت .
الطريقة الثانية و هي الصلب و هي أيضا طريقة قديمة و اشتهر باستعمالها الرومان ضد المتمردين على حكمهم كنوع من الرادع للآخرين و هو ما نستطيع أن نجده في كتابات يوسيفيوس فلافيوس اليهودي الذي وثق حركات التمرد اليهودية ضد الرومان و ذكر أنه شاهد بضعة من المقاتلين اليهود معلقين على الصلبان و لم يموتوا بعد فتوسط لدى القائد الروماني للعفو عنهم . و لعل أشهر من نفذت بحقه هذه العقوبة هو السيد المسيح الذي صلب من قبل الرومان و بقي معلقا على الصليب لعدة ساعات قبل ان يتم انزاله و يدفن . (و هنا يطرح السؤال هل نظرت السلطات الرومانية الى المسيح أنه متمرد سياسي و ليس مبشر ديني لتطبق بحقه عقوبة الصلب . حركة المسيح اعتبرت تجديف من اليهود و عقوبة التجديف الديني هو الرجم حتى الموت و ليس الصلب كما جرى مع يعقوب أخي الرب رئيس كنيسة أورشليم الأولى ) . أما بالنسبة لتقنية التنفيذ لهذه العقوبة فكانت تتم بتعليق المصلوب على خشبتين متعامدتين بشكل حرفT حيث يتم دق المسامير في ساعد المصلوب قبل المعصم و هو نقطة الارتكاز العلوية و أحيانا ربط الذراعين بحبال الى العارضة الخشبية ( و لا يتم دق المسامير في كف المصلوب كما تظهر الرسوم لأن عظام كف اليد قليلة السماكة لا تستطيع حمل ثقل الجسم بأكمله مما يسبب تكسرها فورا و سقوط المصلوب ) . اما نقطة الارتكاز السفلية فهي في القدمين حيث يرتكز كعب المصلوب على المسمار و يقوم بحمل ثقل الجسم الأكبر . و بعد تثبيت المصلوب على الصليب بهذا الشكل يوقف الصليب بشكل عمودي و يترك الشخص لمصيره حتى يموت . و الموت هنا لا يتم بسبب النزيف فالمسامير تسد الجروح و لا تسمح بنزف غزير من المصلوب . و بحالة الربط لا جروح هناك لتنزف . فالموت هنا يحدث اختناقا نتيجة صعوبة التنفس التدريجية التي يعاني منها الشخص و هو معلق . و يحدث ذلك نتيجة ثقل الجسم الذي يعمل على شد الشخص للأرض و يتبعه تعب العضلات و انهيارها مما يضغط على الأعضاء الحيوية و خصوصا الرئتين و ينتج عنه صعوبة في التنفس تصل في النهاية الى الاختناق و الموت . و هي عملية موت بطيئة و مؤلمة للغاية تستغرق من يومين الى ثلاثة أيام ليموت المصلوب . و هنا كان الرومان بدافع من الرأفة يلجؤون لوسيلة تسرع موت المصلوب و هي قيامهم بكسر ساقي المصلوب مما يفقد الجسم نقطة الارتكاز السفلية و يجعله معلقا من الساعدين فقط مما يسرع من عملية التعب و انهيار الرئتين نتيجة ضغط عضلات الجسم عليهما و يؤدي ذلك للموت بشكل أسرع خلال أقل من نهار واحد . ( و من هنا تنطلق النظريات التي تتحدث عن عدم موت المسيح على الصليب و بأنه نجا و تزوج و أنجب ... فالمسيح بقي معلقا لفترة لا تزيد عن تسع ساعات و لم تكسر ساقيه أبدا حسب نصوص العهد الجديد و بالتالي لا يمكن أن يكون قد مات خلال هذه الفترة القصيرة ) .
ننتقل للطريقة الثالثة و هي قطع الرأس و هي طريقة قديمة للإعدام و لا تزال مطبقة ببعض الدول ليومنا الحالي . و تتنوع وسائل تنفيذها من السيف الى الفأس الخ . و كلما كانت وسيلة التنفيذ حادة و ثقيلة الوزن فان العملية تتم بيسر و سهولة أكثر . و من هنا اكثر الأدوات فعالية بتنفيذها هي المقصلة التي اشتهر استعمالها في فرنسا و بكثرة عقب الثورة الفرنسية و بشكل أساسي ضد من اعتبر عدوا لها . و لعل أشهر من اعدموا بواسطة المقصلة هي ماري انطوانيت ملكة فرنسا و زوجها لويس السادس عشر . و رغم أن عملية الإعدام هنا تعتبر سريعة و دون الم نسبيا للضحية و لكنها تحتوي على جانب آخر به نوع من السادية و هو اللحظة التي يقوم بها الجلاد برفع الراس و اظهاره للجمهور المتواجد . عادة القصد اظهار اتمام العملية و موت الضحية و لكن في الواقع الجلاد يقوم بجعل الراس هو من يشاهد الجمهور الحاضر . فالدماغ بهذه الحالة يبقى محتفظا بوعيه لمدة عشر ثوان تقريبا بعد عملية الفصل قبل . سبب ذلك أن الدماغ يتغذى على الأوكسجين بشكل رئيسي و الذي يصله عبر الدم . و في حالة قطع الراس و فصله يبقى في الدماغ مخزون من الاوكسجين يكفيه ليبقى واعيا لهذه الثواني القليلة و مدركا لما يدور حوله قبل أن يفقد وعيه . و يقوم الجلاد هنا باستغلال هذه الثواني و رفع الراس ليلقي الشخص الذي تم إعدامه نظرته الأخيرة على الدنيا و يرى الجمهور المحتشد هاتفا و مهللا لإعدامه . تنقل المرويات أن الموضوع اكتشف بعد قيام أحد الجلادين بصفع الرأس المفصول بعد أن تم تنفيذ الحكم فيه فما كان من الراس المقطوع الا أن نظر مكشرا باتجاه الجلاد . و تبقى هذه رواية تعوزها المصداقية بالرغم من أنه علميا يبقى الدماغ قادرا على ارسال الأوامر العصبية الى عضلات العين لتحريكها باعتبار الأعصاب الوجهية بقيت سليمة و متصلة بالدماغ و لكن النزف الغزير و عدم وجود كمية دماء كافية تجعل من إمكانية الراس القيام بحركات ارادية أمرا مستبعدا . أو أن يقوم الرأس بالنطق مثلا و هو مستحيل لأن عضلات العنق التي تساعد في تحريك الفك السفي أثناء النطق تكون قد قطعت . عقوبة الإعدام بالمقصلة بقيت مطبقة في فرنسا لغاية عام 1981 و آخر شخص تم إعدامه بواسطتها كان عام 1977 .
ما تشترك به العقوبات السابقة هو القسوة الشديدة تجاه الضحايا الذي يصل لدرجة السادية كما أشرت سابقا و ينطبق ذلك على المقصلة أيضا . فكمية الدماء النازفة بغزارة بعد فصل الراس كفيلة ببث الرعب في النفوس . و يبدو ان الغرض الرئيسي من هذه القسوة هو تأثيرها الرادع في المجتمعات حيث تسبب الرعب و الخوف في نفوس الناس و من هنا ترافق استعمالها مع التمرد السياسي و العسكري ضد السلطات الحاكمة بزمنهم .



#رماز_هاني_كوسه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السير الإسلامية .... هل يجوز نقدها أم هي حقائق مطلقة
- كوثر ... كوشر بين العربية و السريانية
- أكانت تفاحة آدم ..... أم تفاحة أفروديت
- الدولة الأموية مابين الإسلام و النصرانية
- البشارة
- التشابه بين المرويات الدينية في الابراهيميات
- هل الشيطان خالق العالم
- طقوس الموت و الدفن و تطورها
- بعل و نظراؤه في الثقافات العالمية
- الحمير الناطقة في التراث الديني
- زواج الأرض و السماء
- العرب في النقوش و السجلات التاريخية قبل الإسلام
- ميزان العدالة الفرعوني
- حور العين ما بين العربية و السريانية
- game of thrones و أساطير الشرق الأدنى
- أبناء الآلهة و المعراج للسماء
- تيس عزازيل ..... و طقوس الفداء و الأضاحي
- النسيج المقدس..... ما بين العذراء النساجة و انجلينا جولي
- من تدمر و البتراء .... إلى مكة
- طقس الاستسرار initiation ...(موت و حياة)


المزيد.....




- رمى المقص من يده وركض خارجًا.. حلاق ينقذ طفلة صغيرة من الدهس ...
- مسيّرة للأمن الإيراني تقتل إرهابيين في ضواحي زاهدان
- الجيش الأمريكي يبدأ بناء رصيف بحري قبالة غزة لتوفير المساعدا ...
- إصابة شائعة.. كل ما تحتاج معرفته عن تمزق الرباط الصليبي
- إنفوغراف.. خارطة الجامعات الأميركية المناصرة لفلسطين
- مصر.. ساويرس يرد على مهاجمة سعد الدين الشاذلي وخلافه مع السا ...
- تصريحات لواء بالجيش المصري تثير اهتمام الإسرائيليين
- سيدني.. اتهامات للشرطة بازدواجية المعايير في تعاملها مع حادث ...
- ليبيا وإثيوبيا تبحثان استئناف تعاونهما بعد انقطاع استمر 20 ع ...
- بحضور كيم جونغ أون.. احتفالات بيوم الجيش في كوريا الشمالية ع ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - رماز هاني كوسه - عقوبات سادية