أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - رماز هاني كوسه - الافعى و قبلة الحياة














المزيد.....

الافعى و قبلة الحياة


رماز هاني كوسه

الحوار المتمدن-العدد: 6999 - 2021 / 8 / 25 - 21:34
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


معظمنا يعرف قصة الحسناء النائمة التي تستيقظ من سباتها بعد قبلة على فمها من حبيبها . و هذه القصة هي من كلاسيكيات الادب المعاصر . فهل يمكننا العثور على شبيه لهذه القبلة (التي سنصفها بقبلة الحياة) في التراث الثقافي القديم للانسانية ؟
لنبدأ من شعار الطب المعروف و هو الأفعى الملتفة حول العصا أو الكأس . هذا الشعار مأخوذ من الأساطير اليونانية و تحديدا من اسكيليبيوس إله الطب لديهم . و قصة الأفعى باختصار أن اسكيليبيوس لم يكتف بشفاء المرضى بل حاول إعادة الأموات للحياة و أثناء بحثه عن وسيلة لذلك شاهد أفعى ميتة اقتربت منها أفعى أخرى مخرجة من فمها عشبة وضعتها في فم الأفعى الميتة فعادت للحياة (نقل العشبة من الفم الى الفم بشكل مشابه لقبلة الحياة في قصة الحسناء النائمة .... أو في قصة الضفدع الذي يتحول لأمير بعد قبلة من حبيبته ..... تغيير الحالة لحالة اخرى بعد القبلة ) و من هنا عرف اسكيليبيوس سر إعادة الأموات للحياة و أن هذه العشبة المسماة عشبة زيوس تعيد الحياة للاموات .
السؤال هنا من أين جاءت الأفعى بهذه العشبة الفريدة التي تمنح الخلود ؟
للإجابة عن ذلك لنعد قليلا إلى أسطورة جلجامش الرافدينية التي تتحدث عن رغبة جلجامش بالخلود بعد موت صديقه انكيدو . هنا يتوجه جلجامش الى الشخصين الوحيدين اللذين حصلا على الخلود و هو أوتنابشتم و زوجته اللذان نجيا من الطوفان و يسأل أوتنابشتم عن سر الخلود فيجيبه بأن عليه البقاء مستيقظا لستة ايام متتالية ليحصل على الخلود فلا يقدر جلجامش على ذلك و هنا تتدخل زوجة أوتنابشتم و تخبر جلجامش بوجود عشبة للخلود موجودة بأعماق البحر فيبحث عنها جلجامش و يعثر عليها في دلمون أرض الخلود حيث يغوص و يحصل عليها .و أثناء عودته إلى مدينته و بينما كان يغتسل على ضفة نهر تأتي أفعى و تاكل العشبة و بالتالي يفقد جلجامش الخلود للأبد .
بالمقارنة بين الأسطورتين نلاحظ أن الأفعى في قصة اسكيليبيوس و التي أخرجت العشبة من فمها و أعادت الميت للحياة تبدو أنها امتداد لقصة أفعى جلجامش التي ابتلعت عشبة الخلود و من هنا اكتسبت قدرتها المميزة على إعادة الأموات للحياة . و هذه النقطة تظهر كنقطة تقاطع مشتركة بين الاسطورتين . و هو ما يفسر قدرة أفعى اسكليبيوس على إعادة الحياة للأموات . و ممكن أن نطرح هنا أن الأفعى و العشبة وصلت للتراث اليونان من التراث الرافدي القديم و هو أمر متوقع مع وجود علاقات تجارية بين المنطقتين .
اختيار الافعى كرمز للخلود لم يأتي عشوائيا بأي حال من الأحوال . فالانسان القديم لاحظ أن الأفعى تبدل جلدها بشكل دائم و اعتبر هذه العملية إشارة لتجديد الحياة و قوة الشباب و من هنا تم الربط بين الأفعى و الخلود و أصبحت الأفعى مع الزمن رمزا للشفاء و الطب باعتبار الطب يهدف لمنح الانسان الصحة و العافية و بالتالي المحافظة على حياته ... أي الخلود . طبعا هذا من ناحية ميثولوجية بعيدا عن بعيدا عن موضوع الخواص العلاجية لسم الافعى و تاثيراته على بعض الامراض .
طبعا فكرة تناول الأفعى للعشبة تأتي ضمن مجموعة من الإشارات و الرموز التي نجدها في القصة و منها موضوع الاستيقاظ لستة أيام كاملة و هو الشرط اللازم لحصول جلجامش على الخلود و هو ما لم يقدر عليه . البقاء مستيقظا لهذه الفترة يعنى البقاء بحالة نشاط و عمل لستة ايام و هو ما يدفعنا للتساؤل عن مدى الترابط بين هذا الشرط للحصول على الخلود و ما بين قصة الخلق في العهد القديم التي استغرقت ستة أيام و من ثم ارتاح الرب في اليوم السابع . البقاء نشيطا لمدة لستة ايام بلياليها يتطلب قدرات لا يملكها جلجامش البشري و لذلك فشل في تحقيق هذا الشرط و لو استطاع تحقيقه لدل ذلك على قدراته الالهية و بالتالي خلوده . بينما فشله يؤكد بشريته و فناؤه .
و كخاتمة فإن أفعى جلجامش التي سرقت الخلود منه نراها تعود للظهور في الأدب الديني الابراهيمي و تحديدا في العهد القديم عندما قام الحنش باغواء حواء و آدم لياكلا من شجرة المعرفة المحرمة و بالتالي طردهما الإله من الجنة (حتى لا يأكلا من شجرة الحياة و يكتسبان الخلود بعد أن أكلا من شجرة المعرفة و اكتسبا العلم و الحكمة فيصبحان خالدين و حكيمين كالآلهة ) . الحنش هنا أغوى آدم و حواء بالأكل من شجرة المعرفة و لكنه لم يغويهما بالأكل من شجرة الحياة . حتى عند خداعه لآدم و حواء تجنب الحنش منح الخلود للبشر .
الأفعى بقيت في ميثولوجيا الشعوب و ثقافتها رمزا للخلود و استمرت بلعب الدور المنوط بها في الأدب الديني سواء الابراهيمي أو ما سبقه و المتمثل بحرمان البشر منه إما بشكل مباشر كما في أسطورة جلجامش أو بشكل غير مباشر كما في قصة آدم و حواء بتمكنها من اغواء أول بشريين و طردهم من الجنة .



#رماز_هاني_كوسه (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يسوع ...... حقيقة تاريخية أم شخصية وهمية
- حيلة كانط .... أخلاق الفطرة
- عقوبات سادية
- السير الإسلامية .... هل يجوز نقدها أم هي حقائق مطلقة
- كوثر ... كوشر بين العربية و السريانية
- أكانت تفاحة آدم ..... أم تفاحة أفروديت
- الدولة الأموية مابين الإسلام و النصرانية
- البشارة
- التشابه بين المرويات الدينية في الابراهيميات
- هل الشيطان خالق العالم
- طقوس الموت و الدفن و تطورها
- بعل و نظراؤه في الثقافات العالمية
- الحمير الناطقة في التراث الديني
- زواج الأرض و السماء
- العرب في النقوش و السجلات التاريخية قبل الإسلام
- ميزان العدالة الفرعوني
- حور العين ما بين العربية و السريانية
- game of thrones و أساطير الشرق الأدنى
- أبناء الآلهة و المعراج للسماء
- تيس عزازيل ..... و طقوس الفداء و الأضاحي


المزيد.....




- مسؤول إسرائيلي لـCNN: ننتظر قرار ترامب بشأن إيران
- ماكرون يحذر من -تداعيات- تغيير النظام الإيراني -عسكريا-: -سي ...
- غزة - عشرات القتلى من منتظري المساعدات وإسرائيل تحقق في الوا ...
- -نيويورك تايمز-: القوات الأمريكية في حالة تأهب قصوى في قواعد ...
- أردوغان: نتنياهو أكبر تهديد لأمن المنطقة
- صفارات الإنذار تدوي في مناطق واسعة من إسرائيل بعد رصد إطلاق ...
- زيلينسكي يطلب من الدول الغربية دعما بـ 40 مليار دولار سنويا ...
- وزير مصري سابق يفجر مفاجأة بشأن الصراع بين إسرائيل وإيران
- إعلام: مستشارو ترامب منقسمون بشأن توجيه ضربة أمريكية لإيران ...
- -سي إن إن-: ترامب رفض إرسال مسؤولين للتفاوض مع إيران وتخلى ع ...


المزيد.....

- كتاب تاريخ النوبة الاقتصادي - الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب الواجبات عند الرواقي شيشرون / زهير الخويلدي
- كتاب لمحات من تاريخ مملكة الفونج الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب تاريخ سلطنة دارفور الاجتماعي / تاج السر عثمان
- برنارد شو بين الدعاية الإسلامية والحقائق التاريخية / رحيم فرحان صدام
- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - رماز هاني كوسه - الافعى و قبلة الحياة