أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - رماز هاني كوسه - الصمد .... من اوغاريت الى مكة















المزيد.....

الصمد .... من اوغاريت الى مكة


رماز هاني كوسه

الحوار المتمدن-العدد: 7156 - 2022 / 2 / 8 - 20:48
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


تبدأ القصة في عشرينيات القرن الماضي عندما كان احد المزارعين يحرث أرضه بمحراثه القديم( الصمد باللهجة العامية للمنطقة) في ريف اللاذقية الشمالي بالقرب من منطقة رأس شمرا ليصطدم محراثه بصخرة في الأرض و تكون هذه الصخرة هي احدى بقايا مدينة أوغاريت القديمة و يكشف التنقيب الذي تلى ذلك عن أحد أهم الاكتشافات الأثرية في المنطقة و تزال الاتربة عن مدينة أوغاريت الأثرية و أبنيتها و رقمها الطينية التي تحتوي على العديد من النصوص المدونة بالأسلوب المسماري و لكن بأبجدية خاصة بالمنطقة عرفت لاحقا بأنها أول أبجدية في التاريخ .
لنعد الآن الى محراث الفلاح الذي اصطدم ببقايا المدينة و الذي يسمى بالعامية السورية (الصمد ) و الذي سيكون موضوع المقال هنا . فهذه الكلمة متداولة على الصعيد الشعبي في منطقة بلاد الشام عامة بصيغ متعددة . احداها الصمد و هو المحراث الخشبي القديم . ترد اللفظة أيضا بمعرض الإشارة الى العروسين أثناء جلوسهم على السدة في الأعراس و يقولون عن العروسين هنا (مصمودين ) أما السدة التي يجلسون عليها فتسمى(الصمدة ) . ترد اللفظة أيضا في سياق مقولة منتشرة بالعامية هي ( عم يصمد مصاري ) بمعرض الإشارة للشخص الذي يجمع النقود . فاللفظة كما نرى متداولة بشكل واسع باللهجة العامية و ضمن عدة سياقات بعيدة نسبيا عن بعضها البعض سواء بالزراعة أو بالمناسبات الاجتماعية أو ضمن اطار تجاري و عملي .
هذا من ناحية استخدام اللفظة على الصعيد الاجتماعي و لنرى الآن استعمالها على الصعيد الديني . تاريخيا اللفظة منذ الالف الثانية قبل الميلاد و هي ترد في نصوص مدينة سمال في شمالي سورية بصيغة (بعل صمد ) كصفة للإله بعل . و ترد كلمة صمد أيضا في نصوص أوغاريت بملحمة بعل تحت صيغة ( و يرتقص صمد بيد بعل كالنسر .... اللوح ktu 1.2 ) و صمد هنا تشير لسلاح استخدمه بعل بصراعه مع الإله يم و الكلمة تشير حسب القاموس الأوغاريتي لزوج من الفؤوس . هذا تاريخيا أما في الوقت الحاضر فالكلمة ما زالت حية ليومنا الحاضر في الدين الإسلامي و هي عنوان لسورة من أكثر السور القرآنية شهرة و هي سورة الصمد . و كما نلاحظ فلفظة صمد ترد في الأدب الديني القديم بمعنيين مختلفين الأول كصفة للإله كما في نص سمأل و الثانية تشير لسلاح بيد الإله اما المعنى بسورة الصمد فسنتطرق له لاحقا عند الحديث عن هذه السورة تحديدا . نضيف هاتين الدلالتين للكلمة إلى ما أشرنا اليه أعلاه من استعمالات الكلمة على الصعيد الشعبي حاليا . فما هو الرابط أو القاسم المشترك لاستخدام هذه اللفظة ضمن هذه السياقات المختلفة عن بعضها البعض ؟
القاسم المشترك الذي نبحث عنه بالإمكان العثور عليه بالعودة إلى النصوص القديمة سواء الأكادية أو الآرامية أو الكنعانية و التي وردت لفظة الصمد فيها . فالفعل صمد في الأكادية يأتي بصيغة ( صمدو ) و يعني حرفيا الفعل (جمع ) و يدل على ضم عدة أشياء مع بعضها أو ضم الشيء لشيء آخر . في الأوغاريتية و الكنعانية الفعل صمد يحمل نفس المعنى أيضا . و منه يأتي الفعل (ضمد) و تقال عند معالجة الجروح ( تضميد الجرح أي ضم طرفي الجرح معا .... و منه لفظة الضماد ) . من هنا و بالاستناد للمعنى الأساسي للفعل (صمد ) نستطيع فهم سبب استعمال الكلمة سواء في الادب الديني قديما أو في اللهجة العامية حاليا ضمن سياقات مختلفة . ففي ملحمة بعل استعملت اللفظة للإشارة لسلاح هو فأس مزدوجة أي ببساطة جمع فأسين مع بعضهما و هذا استخدام لا يخرج عن المعنى الأساسي للقظة صمد . و من الوارد أن يكون القصد بالفأس المزدوجة هو الفأس التي لديها طرفين عاملين و تستخدم زراعيا ليومنا الحالي ( تكون على شكل حرف T) و هي تختلف عن المجرفة التقليدية مثلا التي لها رأس واحد عامل ( على شكل حرف L) . أما عبارة (عم يصمد مصاري ) ببساطة تعني (عم يجمع مصاري ) و هي الدلالة الحرفية للعبارة بالعامية . وصف العروسين بأنهما مصمودين يشير لأنهما مجموعين معا (و هو جوهر الزواج ) و الصمدة هنا هي المكان الذي يجمع العروسين . أما الصمد و التي تطلق على المحراث القديم فهي ببساطة الأداة الخشبية التي تجمع شفرة المحراث مع الحيوان الذي يجر المحراث و من هنا جاء الاسم لهذه الآلة التراثية . و كلمة الصمد العامية التي بقيت حية ليومنا هذا ما هي إلا من بقايا الإرث الثقافي للمجتمعات التي سكنت هذه الأرض منذ القدم .
.
ننتقل الآن للحديث عن معنى الكلمة قرآنيا في سورة ( الصمد ) و هي إحدى أقصر السور القرآنية و ربما أكثرها شهرة و نصها ( قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفوا أحد ) و يذهب المفسرون الإسلاميون لتفسير معنى الصمد هنا تحت عدة معاني منها أنها تعني السيد العظيم بمجال الإشارة للذات الإلهية . أو بمعنى أنها تشير إلى من تصمد إليه الأمور أي بمعنى من يقصد لقضاء الأمور أو من تسند إليه الأمور و هو معنى يتفق عليه السنة و الشيعة . التفسير مقبول نوعا ما فهو بالنهاية يندرج تحت إطار تعظيم الذات الإلهية و هو ما يتوافق مع نسق الآية بشكل عام . و لكن لنحاول الابتعاد عن التفسير التقليدي الإسلامي للكلمة و نحاول استعمال المعنى القديم للفظة الصمد الذي أشرنا اليه أعلاه و الذي يعني ( جمع ) . بهذه الحالة لفظة الصمد القرآنية سنفسر معناها ب ( الله الجامع ) كصفة للذات الإلهية أي الإله الذي اجتمع البشر على عبادته .فل ننظر الي السورة القرآنية من هذا المنظور . الآية الأولى هي ( قل هو الله أحد) و معناها واضح و هو تأكيد لوحدانية الذات الإلهية . الآيتين الثالثة و الرابعة ( لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفوا أحد) أيضا نص توحيدي بامتياز و يتفق تماما مع سياق السورة . تبقى الآية الثانية ( الله الصمد ) و التي يبقى تفسيرها الإسلامي التقليدي مقبولا و لكن لنحاول هنا اعتماد المعنى القديم للفظة الصمد و المتداول شعبيا لليوم بمعنى ( الجامع ) فنكون هنا أمام آية قرآنية أخرى توحيدية بامتياز ( الله الصمد .... الله الجامع ) و هي تتفق بمكانها مع سياق سورة الصمد العام بشكل أفضل من حيث تأكيدها على موضوع التوحيد الذي تدور حوله السورة القرآنية و يصبح معناها ( قل إن الله واحد . الله اجتمع البشر على الإيمان به ...... الخ ) . فالمعنى القديم للفظة و المتداول لليوم بين أفراد المجتمع على الصعيد الشعبي يفيد أكثر في تفسير النص القرآني هنا أو لنقل يتفق بشكل أقضل من نسق السورة القرآنية بشكل عام . طبعا ليس الغرض من المقال تتبع خطى الباحث لكسنبرغ ( و الذي هو اسم مستعار ) في محاولته تفسير النص القرآني اعتمادا على السريانية بكتابه ( قراءة سريانية للقرآن ) فلكسنبرغ ذهب بعيدا في منهجه لدرجة استبدال كلمات بأخرى و تبديل مواقع الأحرف بشكل مبالغ فيه ليؤكد على فكرته . أي أنه لوى عنق النص لإثبات طرحه . و هذا أمر ليس بهدف لهذا المقال . بل حاولت ببساطة وضع المعنى القديم للفظة أمام القارئ و ترك حرية المقارنة و الاستنتاج و الاقتناع له بحال كان الطرح مناسبا أم به شطط . مع العلم أن العودة للمعنى الأكادي أو الأوغاريتي لا يعني ابدا الخروج عن النص العربي للقرآن . فهذه اللغات هي عبارة عن لهجات قريبة من بعضها و يوجد تبادل و تداخل كبير بالمفردات بينها و أي مطلع عليها يلاحظ التشابه اللغوي الشديد بين العربية و الكنعانية و الآرامية و الأكادية و حتى التراث الإسلامي يلمح لهذا التشابه بالحادثة المروية عن زيد عندما طلب منه الرسول تعلم السريانية ليترجم له الرسائل التي ترده بالسريانية فتعلمها زيد في خمسة عشر يوما . و لولا التقارب بينها و بين العربية لما استطاع تعلم قراءتها خلال 15 يوما و هو الناطق بالعربية ( تعلم قراءتها و ليس الحديث بها فهناك فرق بين الحالتين ) .



#رماز_هاني_كوسه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القوزللي .... اصول لغوية و دلالات ميثولوجية
- ٦٣٢ م ... ام ٦٣٤م
- الافعى و قبلة الحياة
- يسوع ...... حقيقة تاريخية أم شخصية وهمية
- حيلة كانط .... أخلاق الفطرة
- عقوبات سادية
- السير الإسلامية .... هل يجوز نقدها أم هي حقائق مطلقة
- كوثر ... كوشر بين العربية و السريانية
- أكانت تفاحة آدم ..... أم تفاحة أفروديت
- الدولة الأموية مابين الإسلام و النصرانية
- البشارة
- التشابه بين المرويات الدينية في الابراهيميات
- هل الشيطان خالق العالم
- طقوس الموت و الدفن و تطورها
- بعل و نظراؤه في الثقافات العالمية
- الحمير الناطقة في التراث الديني
- زواج الأرض و السماء
- العرب في النقوش و السجلات التاريخية قبل الإسلام
- ميزان العدالة الفرعوني
- حور العين ما بين العربية و السريانية


المزيد.....




- سموتريتش يهاجم نتنياهو ويصف المقترح المصري لهدنة في غزة بـ-ا ...
- اكتشاف آثار جانبية خطيرة لعلاجات يعتمدها مرضى الخرف
- الصين تدعو للتعاون النشط مع روسيا في قضية الهجوم الإرهابي عل ...
- البنتاغون يرفض التعليق على سحب دبابات -أبرامز- من ميدان القت ...
- الإفراج عن أشهر -قاتلة- في بريطانيا
- -وعدته بممارسة الجنس-.. معلمة تعترف بقتل عشيقها -الخائن- ودف ...
- مسؤول: الولايات المتحدة خسرت 3 طائرات مسيرة بالقرب من اليمن ...
- السعودية.. مقطع فيديو يوثق لحظة انفجار -قدر ضغط- في منزل وتس ...
- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة نفط بريطانية وإسقاط مسيرة أمير ...
- 4 شهداء و30 مصابا في غارة إسرائيلية على منزل بمخيم النصيرات ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - رماز هاني كوسه - الصمد .... من اوغاريت الى مكة