أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - منزل في الأزقة العُلوية














المزيد.....

منزل في الأزقة العُلوية


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 7534 - 2023 / 2 / 26 - 22:47
المحور: الادب والفن
    


السُحب، احتلت صفحة السماء في ذلك اليوم الشتويّ، الكئيب. وكان في وسع " مستو " يومئذٍ أن يشمّ رائحة المطر، حتى قبل تساقطه. فلم يعُد ثمة جدوى من تجوله في الحديقة، فقررَ مغادرتها حالاً. حديقة تشرين، هذه، كانت مأوى لعدد كبير من العائلات النازحة، وذلك منذ السنة الثالثة للثورة. كانوا يبيتون في الحديقة ليلاً تحت أسقف اعتباطية، ونهاراً يتلقون صدقات المحسنين أو يسعون بأنفسهم للتسول في أماكن أخرى من المدينة.
" آه! هيَ ذي امرأة مناسبة، أخيراً "، فكّرَ بشيءٍ من الأمل. ما عكّرَ بهجته، أنها كانت برفقة صبيّ صغير. بالرغم من أن مستو يتجاوز سنّه السبعين، فإن ملامحه ما زالت محتفظة ببعض الوسامة. لكنه مُدركٌ أنها ليست الوسامة، مَن أوقعت بيده ثلاث نساء منذ بداية موسم النزوح إلى العاصمة: إمتلاكه لمنزل، كان هوَ ورقة الحظ. وكان منزله يقع في الأزقة العليا، المنحوتة في جبل قاسيون من جهة حي الأكراد ( ركن الدين ).
عقبَ وفاة أم أولاده، كان مستو يعتقد أنه سيمضي بقية حياته بلا إمرأة. لقد عاش معها عُمراً، وكانت هيَ التي تشقى داخل وخارج البيت. لم يعمل مرة قط، اللهم إلا أن تكون السرقة عملاً. بيد أنه تخلى عن هذه المثلبة، طالما أنه كافٍ، راتبُ امرأته من عملها في مطبخ مدرسة أبناء الشهداء. أما تعاطيه الحشيش، فإنه لم يَعدّها مثلبة وإنما نعمة. ومع أنّ شعورَ الوفاء غريبٌ عن طبعه، فقد آلمه مؤخراً موتُ آخر أصحابه. أما كيفَ يتدبر أمورَ معيشته، غبَّ رحيل امرأته، فإن أولادهما تكفلا ذلك. ولا بد أنه يشعر بالامتنان لآية " البر بالوالدين "، كون أولاده التزموا بها؛ بحيث أن بعضهم كان يقتطع اللقمة من فم أسرته. جلّ تلك المساعدة، كانت تصله من ابنتيه، المقيمتين في ألمانيا.
" حقاً ما يُقال، بأنّ نساء حمص هن أجملُ نساء سورية! "، قال لتلك المرأة النازحة بعدما حمَلها على القبول بالعيش تحت سقفه. هذه الجملة، نطقها عفواً لانبهاره مِنْ حُسن مَنْ ستمسي امرأته الجديدة. كان مبهوراً، لدرجة أنه سلى أمرَ امتعاضه من الصبي الصغير. هكذا لم ينقضِ النهار، إلا وكانت " بثينة " قد أضحت زوجته بعقد قران عند الشيخ؛ عقد، لم يكلفه شيئاً تقريباً. ولم يكن جمالها، هوَ الشيء الوحيد الثمين: لقد كانت مزينة بالمصاغ الذهبيّ، وكان يأمل بانتزاعه منها لاحقاً بالإكراه أو الحيلة.
مثلما كان المتوقع، فإن وجودَ الصبي الصغير بقيَ غصّة في حلق زوج أمه. هذا الأخير، ما عتمَ أن وجدَ حلاً مناسباً. ألحقه بالعمل في أحد الأفران، الكائنة على الجادة، بمقابل راتب زهيد. الصبي، غير المتجاوز الثالثة عشرة من عمره، كان يَمضي للعمل قبيل أذان الفجر ولا يعود قبل العصر. بعد نحو شهر، قررَ زوجُ أمه أن يعهد إليه بعربة فاكهة لكي يسرح بها بعد عودته من الفرن. نتيجة جهده المتواصل جل ساعات اليوم، أضحى الصبيّ شديد الهزال وكانت ملامحه تنطق بالبؤس والرثاثة والقهر. في إحدى المرات، ذهبت الأم لتسخين طعام العشاء لابنها، ولما عادت رأته مستغرقاً بالنوم. انخرطت عندئذٍ في بكاء مرير، ما أثار أعصاب الرجل ودفعه لضربها. بالرغم من الجلبة والصراخ، بقيَ الولدُ نائماً كالجثة.
شهورٌ سبعة، كانت قد مضت على زواجه بالمرأة الحمصية. لما وجد قدميه، يوماً، تتجهان به إلى حديقة تشرين، أدرك مستو مبلغ ملله من تلك المرأة: " لكنني لن أدعها، إلا وهيَ بدون مصاغها الذهبيّ. إنه باتَ من حقي، بعدَ كل ما صرفته عليها وعلى ابن الحرام! "، خاطبَ نفسه فيما كان يمرر عينيه على النساء النازحات. عثرَ على بغيته بينهن، وكانت هذه المرة إمرأة شابة من ريف دمشق؛ أرملة ولكن بدون أولاد. قال لها، بقحّة طبعه: " سأحملك من هنا بعد أسبوع، لأن لديّ مشكلة صغيرة عليّ التفرغ لحلها ".
في المنزل، أظهر مستو تعاطفاً كبيراً مع ابن امرأته. قال لها، أن الصبي مريضٌ وعليه التزام الفراش لحين شفائه. بعد يومين، فاتحها بأمر وجود مُهرّب يُمكنه إيصالهم إلى ألمانيا مقابل مبلغ من المال: " سأدفع أنا نصفه، وأنت تبيعين مصاغك وتكملين النصف الآخر ". المرأة، المرتابة أصلاً بأخلاق الرجل، طلبت منه أن تجتمع بالمُهرّب. وهذا ما حصل، في اليوم التالي مباشرةً، وجعلها تطمئن نوعاً. ما لم يكن يدور بخلد المرأة المسكينة، أنّ المُهرّب المزعوم لم يكن سوى الابن البكر لمستو. كان هذا معروفاً بعمليات النصب والإحتيال، التي لم يوفر فيها أخوته وأقاربه. إلى ذلك، اتُهم بكونه مُخبراً، أوصل بعض شبان الحي إلى المعتقلات. ثم اضطر للانتقال إلى مستوطنة على أطراف دمشق، يسكنها مواطنون من ريف الساحل، وذلك خوفاً من الإغتيال.
برّ مستو بوعده لإمرأته الجديدة، وهوَ ذا يصطحبها إلى منزله بوساطة سيارة صغيرة من نوع " سوزوكي ". وكما كان متوقعاً، استقبلتهما المرأة القديمة بالصراخ ومن ثم التهديد باللجوء إلى الشرطة ما لو لم يُعَد إليها مصاغها أو ثمنه. وكان جوابُ مستو، أنه أمسكها من شعرها وقذف بها إلى خارج المنزل. وكذلك فعل بابنها؛ وكان هذا من الضعف أن فقدَ الوعي فوراً.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المكتبة المهجورة
- الأخدود
- سفير جهنم
- شباب إمرأة: ريف ومدينة ورغبة
- غزل البنات؛ فيلم الكوميديا الخالد
- المومياء؛ الفيلم المصري الفريد
- العزيمة؛ فيلم الريادة الواقعية
- ليلة ساخنة؛ إغتصاب آمال الغلابة
- تمصير الروايات الأجنبية: تيريز راكان
- المشاكل النفسية، سينمائياً
- عادل إمام وظاهرة التحرش الجنسي
- مخرج الفظائع
- شيخ المخرجين
- باب الحديد: الأبله مهووساً جنسياً
- سواق الأوتوبيس: الإنسان والضباع الضارية
- من أفلام الجريمة: الطاووس
- الأديب والإدمان
- المقارنة المستحيلة
- العار؛ الوجه الجميل لتاجر المخدرات
- ايقونة السينما المصرية: محمد خان


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - منزل في الأزقة العُلوية