أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - المقارنة المستحيلة















المزيد.....

المقارنة المستحيلة


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 7488 - 2023 / 1 / 11 - 20:16
المحور: الادب والفن
    


1
في عام 1983، تعاون عادل إمام مع المخرج محمد خان في فيلم " الحرّيف ". وقد فشل الفيلم تجارياً، فلم يتجدد ذلك التعاون بينهما. ويقال، أنه لدى حضور إمام عرض فيلمه هذا بإحدى الصالات السينمائية في القاهرة، قوبل بالصفير وصيحات الاستهجان من لدُن الجمهور. لكن الفيلم، في المقابل، أخذ مكانه في قائمتيّ أفضل مائة فيلم عربي وأفضل مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية. كذلك، عدّه النقاد من أحسن ما قدّمه عادل إمام في خلال مسيرته الفنية.
بعد قرابة الستة أشهر، عرضَ المخرج أحمد يحيى على عادل إمام دَور البطولة في فيلم " حتى لا يطير الدخان "، عن رواية بنفس الاسم لإحسان عبد القدوس. فتردد إمام بقبول العرض، وذلك لأن البطل يموت في نهاية الفيلم؛ وهوَ ما لم يكن مألوفاً في أفلامه. عندما تخلى عن تردده وأنجزَ الفيلم، حقق نجاحاً تجارياً كبيراً ولاقى الجمهور بطله بصيحات الاستحسان والتهليل عندما حضره في إحدى صالات القاهرة. هذا النجاح للفيلم، جعل عادل إمام يتقدّم به لمهرجان قرطاج السينمائي الدولي في تونس؛ وبالفعل، تم ترشيحه لجائزة أفضل ممثل. إلا أن الجائزة ذهبت ليحيى الفخراني عن دَوره في فيلم " خرجَ ولم يَعُد "، للمخرج محمد خان والمنتج في عام 1984. وكانت ردة فعل إمام، أنه انسحب من المهرجان احتجاجاً ثم اختصمَ مع الفخراني!
ما سبق، يدل على الضحالة الفكرية لعادل إمام. كونه انطلق من تقييم تجربته، في كلا الفيلمين، من معيار التاجر وليسَ الفنان الأصيل. فاستنكرَ، والحالة هذه، حصولَ فيلم لمحمد خان على جائزة أحسن ممثل، وذلك على خلفية إخفاق فيلمهما، " الحرّيف "، تجارياً، بمقابل النجاح الجماهيري لفيلم " حتى لا يطير الدخان ". وكأنما شباك التذاكر، وليسَ المستوى الفني، هوَ الفيصل في تحديد جودة الفيلم. مع العلم، أنه طوال عقديّ الثمانينيات والتسعينيات، كانت ممثلة غير موهوبة، ( نادية الجندي )، تحظى بلقب نجمة الجماهير، ومنافستها كانت ممثلة لا تقل عنها سوءاً؛ وهيَ نبيلة عبيد.
لقد سبقَ لنا في مقال آخر، التنويه بتجربة المخرج المبدع محمد خان من خلال دراسة فيلم " نص أرنب "، المنتج عام 1982. أما أحمد يحيى، مخرج فيلم " حتى لا يطير الدخان "، فإنه من جيل خان ولكنه يختلف عنه في الرؤية للفن. لقد ظهر كطفل موهوب بالتمثيل، وذلك في أعمال سينمائية بفترة الخمسينيات؛ وكان أشهرها، بدَور الشقيق الأصغر لعبد الحليم حافظ في فيلم " حكاية حب ". ثم حصل على شهادة الإخراج من المعهد العالي للسينما بالقاهرة، فعمل لفترة من الزمن كمساعد مخرج. أول أفلامه كمخرج، " العذاب امرأة "، انتاج عام 1977، سجّلَ نجاحاً جماهيرياً ملفتاً. الفيلم، كان عن مسرحية " الأب " للكاتب السويدي أوغست ستريندبيرغ. وكان السيناريو لعلي الزرقاني، الذي عُدّ من أفضل كتّاب السينما المصرية. " تمصير " الروايات والأفلام الأجنبية، كان شائعاً جداً، وغالباً لأعمال سينمائية تجارية. هذا ما يمكن قوله أيضاً عن " العذاب امرأة "، بالرغم من ابداع محمود ياسين في دَوره كبطل للفيلم. ومن أعمال أحمد يحيى، " لا تبكي يا حبيب العمر "، انتاج عام 1979، حيث قيل أن الرئيس السادات أبدى اعجابه الشديد به في أثناء لقائه ببطل الفيلم، فريد شوقي. بعد ذلك بعام، قدّم أحمد يحيى واحداً من أشهر الأفلام الرومانسية المصرية، " حب لا يرى الشمس "، تجلّت فيه موهبة الفنانة نجلاء فتحي. عقبَ مرور عقد من الزمن، أخرجَ فيلم " يا عزيزي كلنا لصوص "، وهوَ أيضاً عن رواية لإحسان عبد القدوس.
فيما يلي، نقدّم مقارنة لفيلميّ،" حتى لا يطير الدخان " و" خرج ولم يعد ". وسنبدأ بدراسة هذا الأخير.

2
تُستهل شارة فيلم " خرج ولم يعد "، بهذه الكلمات المعبّرة: " شخصيات الفيلم خيالية، ولكن تأكدوا تماماً أن أماكنه حقيقية ". الشارة، تترافق مع ضجيج آلة صب الاسمنت المسلح، التي توقظ عطية ( الفنان يحيى الفخراني ) من نومه صباحاً. لكن موسيقا الفيلم، التي تبدأ في المشاهد التالية، كانت من وضع كمال باكير، الذي لحّن للعديد من أفلام محمد خان وكان يستعمل فيها آلات عزف تقليدية. عطية، يردّ على تحية مذيعة الراديو المحلي، بالقول بنبرة كامدة: " صباح النور "، وهوَ يرى صنبور حمّام الشقة يخرج منه ماء الصرف الصحي. وهذه كانت فضيحة، عرفتها مصر في عهد الرئيس مبارك. تلوث البيئة أيضاً في مدينة كبرى كالقاهرة، يعرضه الفيلم بالمشهد التالي لدى خروج عطية من العمارة على أنغام أغنية لأسمهان. ظاهرة ترييف المدينة، تجسّدت في منظر الماعز، سواءً الموجود على شرفات العمارات أو ذلك المتجوّل في الأزقة. وها هوَ أحدهم يأتي من الريف، ليقابل عطية: إنه الحاج عوضين ( الفنان توفيق الدقن )، الذي جاء كي يدفع له عائد ثلاثة فدادين في قريتهما بريف مدينة القاهرة. لدى خروج عطية من العمارة، نلحظ تشقق جدرانها؛ وهيَ علامة، للكارثة القادمة. مظاهرُ البؤس في كل مكان، تنقلها لنا في خلال سير بطلنا، كاميرا المصور الموهوب طارق التلمساني.
مشهد استدعاء المدير العام لعطية، كان يعكس العلاقة المتسمة بالتوتر والخضوع بين مراتب الموظفين. يقول المدير لمرؤوسه، أنه يأمل أن يراه جالساً على مكتبه بعد عشرين عاماً من الاجتهاد: " ولكنني اختصرت هذه المدة، لأسباب معينة! ". ويرد عطية بالقول: " أنا أنتظر الزواج من خطيبتي طوال سبع سنين، فليس بالكثير أن أنتظر عشرين سنة كي أصبح مديراً عاماً ". خطيبته، ما لبثت أن دعته للغداء في منزل أسرتها. هناك، تقول له والدتها ( الفنانة إحسان الشريف )، أنها تمهله ثلاثة أشهر كي يتدبّر شقة للسكنى مع ابنتها أو يبحث عن عروس أخرى.
بناءً على نصيحة من جارة عجوز، يقرر عطية السفر إلى القرية كي يطلب من الحاج عوضين أن يساعده في إيجاد مشترٍ لفدادينه الثلاثة ليتمكن من استئجار شقة في عمارة حديثة؛ مثلما كان شرط والدة خطيبته. فيحصل على اجازة بدون راتب لمدة شهرين. يغادر القاهرة بسيارة أجرة على أنغام مزعجة لأحد مطربي المقاولات، وكان يقلد أغنية لأم كلثوم ولكن بكلمات إنشاد ديني. يطلب من السائق أن يخفض صوت التسجيل، ثم يخلع خاتم الخطبة ويضعه في جيب سترته. المشهد طوال الطريق إلى القرية، يكشف بهاء وغنى الريف المصري. من خلال سؤاله لأحد الفلاحين، نعرف أن عطية يأتي للمرة الأولى إلى القرية. يستدل من الرجل على عنوان منزل الحاج عوضين، ويبدي طوال الطريق الطويل تبرمه من الخوض في دروب ومساكب القرية وقد غاصت قدماه أكثر من مرة بالروث. يلتقي أخيراً بالحاج، فيسقط بين يديه من التعب ويرجوه أن يستعجل في اتمام صفقة البيع مع المشتري. هكذا، كان الانطباع الاول لعطية عن حياة الريف. لكنه حينما تمر الأيام، سيغيّر رأيه.
المشتري، كان في زمنه ملّاكاً كبيراً، يُدعى كمال بك ( الفنان فريد شوقي )، وقد دُعيت القرية على اسم جده؛ " العزيزية "، وكان هذا يمتلك فيها ألف دونم لم يبقَ منها لحفيده سوى عشرة، مزروعة بالموز والفواكه والموالح. الحاج، يأخذ عطية إلى كمال بك. في أثناء حديثهم تمر ابنة الملّاك، خيرية، التي يدعونها خوخة ( الفنانة ليلى علوي )، وهيَ بملابس الفلاحات تجر بقرة. يظهر كرَمُ الأسرة المضيفة، بالتضحية بعدة أنواع من الطيور على العشاء مع وجود كمية وفيرة من اللحوم الأخرى. كمال بك، يغضب حين اعتذر الضيف عن الأكل، ويعتبر ذلك اهانة. في اليوم التالي أيضاً، يتناول الضيفُ فطوراً وغداءً وعشاءً على نفس السخاء. بالنتيجة، أن عطية يُصاب بتلبك معوي وينقل تلك الليلة للمستوصف بحالة اسعاف. عندما تعرف امرأة كمال بك ( الفنانة عايدة عبد العزيز )، أن ضيفهم عانى من التخمة، فإنها تقول متعجبة: " إنه حتى لم يأكل شيئاً! ".
يبقى عطية بضيافة الأسرة، وذلك لأن كمال بك لم يكن يملك ثمن الأفدنة الثلاثة وكان يأمل تدبيرَ المبلغ من بيع محصول الموز لأحد التجار. في الأثناء، يحصل تقارب عاطفي بين الضيف وخوخة، وكانت هذه تلقى التشجيع من والدتها. من المواقف الطريفة في الفيلم، لما فاتحت أم خوخة رجلها بفكرة زواج ابنتهما من عطية. فيقول كمال بك وهوَ ينظر مباشرةً للكاميرا، مبتسماً: " إذا طلبها مني سأرفض أولاً، مثلما يفعل الآباء، وبعد ذلك أوافق على طول! ". ومن المشاهد الجميلة، عندما التقى الضيف مع خوخة لوحدهما في غيضة الموز في صباح بهيّ وعلى أنغام الموسيقى التقليدية وأصوات الحيوانات. يسألها عن نوع دراستها الجامعية، فتقول له أنها لم تكمل الإعدادية: " أنا فلاحة مثل أمي. وإذا كانت هي سيدة عظيمة، كما تقول، فإنني أيضاً فتاة عظيمة! ". ثم تفاجأ بمعلومات عطية عن علة بشجر البرتقال، فيقول لها أنه كان يرغب بأن يصبح مهندساً زراعياً. حين نقلت الخبر لوالدها، ازداد اعجابه بالضيف وطلب منه المساعدة في هذه الأمور. يمكث عطية شهراً في ذلك الريف الفاتن، وما عاد يرغب ببيع الأرض. تسأله خوخة ذات صباح، ما لو سمع في حياته صوتَ طائر الكروان، وكان جوابه: " نحن في القاهرة لا نسمع سوى صوت أحمد عدوية! ".
تنتقل الكاميرا مرة أخرى إلى القاهرة، الصاخبة على عكس الريف الوادع. هناك نرى خطيبة عطية تسأل عنه هاتفياً في الوظيفة، فيقال لها أنه باجازة لمدة شهرين. تتجه إلى العمارة، أين يسكن، لتجدها قد انهارت. تعود للمنزل وتنبئ والدتها بالحادث، وأنهم أخبروها هناك بأن جميع سكان العمارة ماتوا تحت أنقاضها. تعلق الأم، قائلة بنبرة تهكّم: " وكان يريد إسكان ابنتي في تلك العمارة، رحمه الله ". بدَوره، يتصل عطية ذات يوم بالمحل، الذي تعمل فيه خطيبته، لكي يتكلم معها. فيغلقون خط الهاتف بوجهه، معتقدين أنه أحد العابثين. ثم يسافر مع كمال بك إلى طنطا، للاتفاق مع أحد التجار حول بيع محصول الموز. هناك، تقع عين والدة خطيبته عليه وكانت في زيارة لمقام السيد البدوي. فتهتف وقد اعتقدت أنها في رؤيا: " بركاتك يا شيخ العرب! ". لكن ابنتها، تتأكد عند البوليس أن اسمه ليس بين أسماء المتوفين في حادثة انهيار العمارة. فتعود ثانيةً للسؤال عنه في مكان عمله، وهناك تلحظ أن زميله بدأ يميل إليها؛ وهذا يحوز رضاها.
المشهد الأخير من الفيلم، يجمع بين عطية وخوخة كخطيبين سعيدين، وذلك على أثر سوء تفاهم عابر سبَبُه خاتم الخطبة، الذي كان محتفظاً به بجيب سترته.
ليسَ مبالغة القول، أن دَور فريد شوقي في الفيلم يعادل كل ما قدمه خلال مسيرته الفنية الحافلة. هذا يقال أيضاً، عن ليلى علوي وعايدة عبد العزيز وتوفيق الدقن. أما يحيى الفخراني، فقد علمنا أنه استحقَ الجائزة الذهبية لمهرجان قرطاج عن هذا الفيلم.
كذلك ينبغي الاشادة بكاتب الحوار والسيناريو، عاصم توفيق، الذي أسبغ بلاغة رائعة على الفيلم وكما لو أنه رواية أصيلة. أما قصة الفيلم، فهي للمخرج محمد خان.
لو طُلب مني أن أضع عنواناً آخر لهذه التحفة السينمائية، لقلت: " في مديح الريف ".

3
منذ البداية، يتعين القول بأن أيّ مجهود نقدي بشأن فيلم " حتى لا يطير الدخان "، سيكون عبثاً لو أنه يحاول البحث في التكنيك الفني من زاوية الرؤية الإبداعية لصانعي هذا العمل؛ سواءً الإخراج أو السيناريو أو التصوير أو الموسيقى. فهذا الفيلم، لا يعدو عن كونه أحد الأعمال السينمائية التجارية، التي يحكمها السوق فوق أي اعتبار. لذلك سنركز على الفكرة، التي صاغها أساساً إحسان عبد القدوس؛ بما أن الفيلم مقتبسٌ عن رواية له بنفس العنوان. وقبل كل شيء، نلاحظ مدى ابتذال العنوان، بالأخص حينما نعرف أنه يُحيل إلى مشهد في الفيلم، يطلب فيه الأصدقاء من فهمي ( الفنان عادل إمام ) ألا يفتح نافذة حجرة الصالة كي لا يتبدد دخان الحشيش، الذي يتعاطونه.
الفكرة، بحسب رأيي، كانت تنويعاً معاصراً على قصة " المركيز دي مونت كريستو " للأديب الفرنسي الكلاسيكي، الكسندر دوماس الأب. وقد سبق للمخرج سمير سيف أن اقتبس أيضاً القصة في فيلم " دائرة الإنتقام "، المنتج عام 1976، وكان أول أعماله السينمائية: إنه يحكي عن أربعة أصدقاء يشتركون في عملية سطو، ومن ثم يرشدون البوليس على أحدهم ( قام بالدور الفنان نور الشريف ) لكي يتقاسموا الغنيمة. عقب خروجه من السجن، يبدأ بملاحقتهم وتصفيتهم الواحد بأثر الآخر.
في فيلم " حتى لا يطير الدخان "، لدينا أيضاً أربعة أصدقاء، وكان فهمي هوَ الفقير بينهم. صداقتهم، أساسها أنهم زملاء في الجامعة بكلية الحقوق. وكان فهمي مجتهداً، على عكس الآخرين، الذين يبدو أنهم لا يحتاجون للشهادة الجامعية سوى للوجاهة؛ وذلك بسبب ثراء أسرهم وما ينتظرهم من ميراث يغنيهم عن الوظيفة، أو على الأقل يجعلهم رجال أعمال كآبائهم. أحدهم، رؤوف ( الفنان سناء شافع )، كان الأقرب صداقة لفهمي ويستقبله كل مرة في فيلا أسرته للمذاكرة. هذا الأخير، كان يُحب شقيقة صديقه، الفتاة الجميلة خيرية ( الفنانة نادية أرسلان ) لكنه لا يجرؤ على مصارحتها بمشاعره على خلفية التفاوت الطبقي بينهما. ثم يلاحظ أن صديقه الآخر، مدحت ( الفنان فكري أباظة )، على صلة بالفتاة وينوي خطبتها في حال تخرجه من الجامعة. أما الصديق الرابع، كمال ( الفنان يوسف فوزي )، فإنه كان يشاركهم غالباً في جلسات تدخين الكيف.
منذ المشهد الأول من الفيلم، نعرف أن فهمي قادمٌ من القرية؛ والدته تعمل هناك بالخدمة في البيوت، لكي تساعده في إكمال دراسته. فيما بعد، عندما تمرض الأم وتصبح بحاجة إلى عملية جراحية، تكلفتها مائة جنيه، فإن الأصدقاء الثلاثة يعتذرون عن مساعدته. هذه الحادثة، من المفترض أنها بؤرة حبكة الفيلم، طالما أن فهمي يقرر بينه وبين نفسه أن ينتقم من أولئك الأصدقاء عقبَ وفاة والدته على سرير المرض. الغريب، أنه لم يطلب وقتذاك مساعدةً من جارة شابة كانت تحبه، وهيَ سنية ( الفنانة سهير رمزي ). هذا، مع أنه يقبل منها في مناسبة أخرى اسوارة ذهبية، يقوم ببيعها ليشتري بثمنها كمية من الحشيش للمتاجرة بها؟
في مشهد آخر، نجده في فيلا الباشا والد رؤوف، وكانوا هناك يهتمون به لأنه يساعد ابنهم في الدراسة. ينفرد في حجرة من الفيلا مع خيرية، بغياب شقيقها. وعندما يحاول مفاتحتها بحبه، تمسك هي بياقة سترة الجينز، التي يرتديها، لتقول له ساخرة: " سترة أخي رؤوف تليق بك ". هذا الموقف أيضاً، يضمره فهمي في داخله ويتحين الفرصة للانتقام من الفتاة. وكان ذلك دافعاً تافهاً ومتهافتاً، فكأنما كل فتاة سيجعّد لها عادل إمام وجهه فإنها من الواجب عليها أن تعشقه!
الحقيقة، أن حقد فهمي على عائلة رؤوف غير مبرر ولا يمكن أن يكون دافعه سوى الحسد واللؤم. فإنهم كانوا يدعونه بكرم لولائمهم السخية، وكذلك فإن الباشا دفع له ذات مرة مبلغ ستة آلاف جنيه كأتعاب قضية تورط بها بكفالته لأحد رجال الأعمال. هذا مع العلم، أن المبلغ الذي يصل فهمي من والدته في حياتها، كان خمسة جنيهات لا غير. من ناحية أخرى، يتعين القول أن استعانة الباشا بطالب حقوق مثل فهمي، كان غير واقعياً: إذ المفترض برجل في مكانته أن يكون لديه محام كبير، يستشيره في قضايا مشابهة؟
وها هوَ رؤوف يقترح على فهمي أن يقيم مجاناً في شقة فارهة بالزمالك، عندما علم أن الأخير لم يعُد في وسعه الاستمرار بالعيش في حجرة السطوح بسبب وضعه المادي السيء. في تلك الشقة، كان الأصدقاء يجتمعون لتدخين جُوَز الكيف مع معارف آخرين. يقررون تكليفَ فهمي بجلب " التموين " من تاجر مخدرات في حارة شعبية، وبذلك سيحصل على بعض المال. ثم يقرر فهمي لاحقاً توسيعَ شراء الكيف للأصدقاء، معتمداً هذه المرة على إسوارة ذهبية استدانها من الفتاة سنية، التي أقامت معه كخادمة في شقة الزمالك. هناك، تتعرض لحادثة اغتصاب من قبل رؤوف، ولا يحرك فهمي ساكناً لمنعه.
ومن المواقف غير الواقعية في الفيلم، قيام امرأة أحد رجال الأعمال باعطاء فهمي شقة فخمة، وذلك لأنه سبقَ وشاهدها مع عشيقها مدحت في وكر الأصدقاء بالزمالك. هذه الشقة، سيحولها فهمي لمكتب محاماة ومن ثم لمكتب استيراد وتصدير. لكنه واصل الاتجار بالمخدرات، وهذه المرة بتهريبها من بيروت ضمن مواد البناء، الذي كان يستورده. هكذا يُضحي فهمي من كبار رجال الأعمال، ويقرر تنفيذ نيته بالانتقام من أصدقائه: يُغري خيرية باقامة علاقة معه، هيَ التي كانت متزوجة من مدحت. شقيقها رؤوف، كان بجانبه ذات مرة عندما كان يتكلم معها هاتفياً ويعطيها موعداً كي تلتقي به. في المقابل، نجد فهمي كريماً مع أحد موزعي المخدرات، ويقف مع أسرته مادياً حين قبض عليه. هذا الموزع، قدمه الفيلم كرجل بر واحسان بمساعدته لسنية في شراء ماكنة خياطة لتعمل بها.
إلى الأخير، يعرض فهمي على سنية الزواج. في أثناء العرس، الذي أقيم في صالة فخمة، داهمه نزف معوي ( هوَ المعاني من مرض البلهارسيا )، وما لبث أن سقط ميتاً وسط صراخ امرأته.
في رأيي، لو قيّض لهم في مصر انشاء جائزة أوسكار لأسوأ فيلم وأسوأ ممثل ـ كما الحال في هوليوود ـ لاستحقه فيلم " حتى لا يطير الدخان " وبطله عادل إمام !!



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العار؛ الوجه الجميل لتاجر المخدرات
- ايقونة السينما المصرية: محمد خان
- عصر الذئاب؛ تجارة وعذرية وجريمة
- العرّاب؛ مأثرة الفن السابع
- الدّرج
- كما رواه شاهد عيان: الخاتمة
- كما رواه شاهد عيان: الباب الثامن
- كما رواه شاهد عيان: الباب السابع
- كما رواه شاهد عيان: الباب السادس
- كما رواه شاهد عيان: الباب الخامس
- كما رواه شاهد عيان: الباب الرابع
- كما رواه شاهد عيان: الباب الثالث
- كما رواه شاهد عيان: الباب الثاني
- كما رواه شاهد عيان: الباب الأول
- كما رواه شاهد عيان: مفتتح
- كما رواه شاهد عيان: تقديم
- مدخل إلى عصر الرعب: الخاتمة
- مدخل إلى عصر الرعب: البرج الثاني عشر
- مدخل إلى عصر الرعب: البرج الحادي عشر
- مدخل إلى عصر الرعب: البرج العاشر


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - المقارنة المستحيلة