عصر الذئاب؛ تجارة وعذرية وجريمة

دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 7483 - 2023 / 1 / 5 - 21:45
المحور: الادب والفن
    

1
عندما نذكر فيلم " عصر الذئاب "، المنتج عام 1986، سنلاحظ قبل كل شيء هذه الحقيقة؛ وهيَ أن الفيلم لم يُعرض أبداً على فضائيات الأفلام، بما فيها المصرية، كذلك سُحبت نسخته من يوتيوب طوال سنوات إلى حين أن جرى الإفراج عنها مؤخراً؟
مؤلف قصة الفيلم ( الذي أعد أيضاً السيناريو والحوار )، إبراهيم مسعود، كان قد كتب قبلاً عدداً من الأعمال السينمائية، يغلب عليها أجواء الإثارة، ومضامين أحداثها كانت غالباً بوليسية وجاسوسية. من أشهر تلك الأفلام، " إعدام ميت "، المنتج عام 1985، الذي قلب الحقائق رأساً على عقب، تماماً مثلما رأينا في مسلسل " رأفت الهجّان "، المنتج أول أجزائه الثلاثة عام 1987: في هذا الأخير، تم اقتباس قصة الجاسوس الإسرائيلي، إيلي كوهين، للزعم بأنها من قصص بطولات المخابرات المصرية، التي استطاعت ـ كذا ـ أن تزرع عميلها في قلب تل أبيب لمدة تقارب العشر سنوات. وفي فيلم " إعدام ميت "، أنتُحلت هذه المرة قصةُ الجاسوس الإسرائيلي، باروخ نادل، بإلباسها لعميل مصري تجرى له عملية تجميل كي يصبح شبيهاً لعميل محلي كان يعمل مع الموساد. كذلك كتب إبراهيم مسعود سيناريو فيلم " بئر الخيانة "، المنتج عام 1987، وأعتبره من وجهة نظري واحداً من أسوأ أفلام الجاسوسية، المصرية.
سمير سيف ( 1947 ـ 2019 )، هو من تعهّدَ إخراج فيلم " عصر الذئاب ". وقد قدّم قبله اثني عشر عملاً سينمائياً، لاقت جميعها النجاح الجماهيري والربح التجاري. كوننا بدأنا الحديث عن السيناريو، فمن المهم الإشارة إلى مصادر قصص بعض تلك الأفلام، وذلك لمحاولة الإحاطة بالمستوى الفني لسمير سيف. فأول أفلامه، " دائرة الإنتقام " عام 1976، كان تنويعاً معاصراً على رواية " دي مونت كريستو "، الكلاسيكية الفرنسية. في العام التالي، قدّم فيلم " قطة على نار "، وهي مقتبسة عن مسرحية بالاسم نفسه للكاتب الأمريكي تينسي ويليامز. كما وأخرج عام 1978 فيلم " إبليس في المدينة " عن مسرحية للكاتب المصري الكبير، محمود دياب. أما فيلم " شوارع من نار "، المنتج عام 1984، فإنه مقتبس عن فيلم هوليوودي شهير، " إيرما لادوس "، للمخرج بيلي وايلدر. وهناك فيلم " المطارد " عام 1985، عن قصة لنجيب محفوظ. جدير بالذكر، أنه سمير سيف مَن حوّل النجم عادل إمام من أدوار الكوميديا إلى الدراما، بسلسلة من الأفلام أنتجت في خلال عقد من السنين؛ من بداية الثمانينات إلى بداية التسعينات: المشبوه، الغول، الهلفوت، النمر والأنثى، المولد، مسجّل خطر، وشمس الزناتي. باستثناء فيلم " احترس من الخط "، وكان كوميدياً.
كان سمير سيف من جيل صانعي ما يسمى ب " جماعة السينما الجديدة "، التي وضع أسسها شادي عبد السلام، صاحب رائعة " المومياء " عام 1969. من هؤلاء المخرجين خيري بشارة، داوود عبد السيد، محمد خان، سعيد مرزوق، عاطف الطيب، علي عبد الخالق. ولو أن هذا الأخير قد ابتعد لاحقاً عن الأفلام الواقعية الجادة، لكي يقدم أعمالاً تجارية هابطة؛ ك " مقابر للإيجار "، " إعدام ميت "، " بئر الخيانة "، " جري الوحوش ". سمير سيف، بدَوره، انغمسَ في أفلام الأكشن والإثارة، ولعله لم يقدم في خلال مسيرته الفنية سوى عملين هامين؛ هما " عصر الذئاب "ـ موضوع دراستنا ـ وفيلم " معالي الوزير " عام 2002، وكان من بطولة أحمد زكي. الجائزة الوحيدة، التي حصل عليها سمير سيف كمخرج، كانت لهذا الفيلم الأخير، وقدمها مهرجان المركز الكاثوليكي للسينما.

2
بعد نحو عشر سنوات من انتاج فيلم " عصر الذئاب "، قدّم سمير سيف فيلماً يتناول أيضاً موضوعاً مشابهاً؛ ألا وهو فساد رجل أعمال، يستثمر في تجارة السلاح. بيد أنّ فيلمه الجديد هذا، " عيش الغراب "، الذي كتب له السيناريو، كان على درجة كبيرة من المبالغة في الأكشن واللاواقعية. مع ذلك الفيلم، عاد نور الشريف ليكون الممثل المفضّل لسمير سيف، وكان سابقاً نجمَ عددٍ من أفلامه، منها " عصر الذئاب ". لكن في فيلمه الجديد، " عيش الغراب "، رأينا نور الشريف قد ازداد وزنه بينما الدَور كان يتطلب رجلاً يتمتع بالرشاقة. الأدهى، أن رفيق بطلنا في محاولة اصطياد العصابة، التي خطفت ابنته الصغيرة، كان الممثل مصطفى متولي، الذي زاده وزناً بكثير. أيضاً الفنانة يسرا، ما كانت بأفضل أدوارها في هذا الفيلم. بالرغم من أنها والدة الفتاة المخطوفة، وتفعل المستحيل لإطلاق سراحها، فإن تعبير وجهها غير المبالي كان لا يتغير تقريباً. وكان هزلياً وغير مقنع، المشهد الطويل لدخولها إلى ( المول )، الذي تتمركز فيه العصابة، وكيفية التملص من ملاحقتهم لها. تاجر السلاح ( الفنان عزت أبو عوف )، يذكّرنا كما سبقَ ونوهت، بتاجر السلاح في فيلم " عصر الذئاب "، وقام بالدَور الفنان الكبير عادل أدهم. كذلك كان الأول دوره باهتاً، على عكس هذا الأخير ـ كما سنفصّل ذلك في حينه.
فيلم " عيش الغراب "، مقتبس بشكل ما من الفيلم الأمريكي، " على خط النار " المنتج عام 1993 من بطولة كلينت ايستوود وجون مالكوفيتش. ففي الفيلم الأمريكي، يعاني البطل من الضياع وادمان الكحول بسبب ذكرى سيئة؛ ألا وهي عجزه، لما كان بوظيفة المرافق الخاص، عن تأمين حماية الرئيس كيندي وقتما جرى اغتياله. في فيلمنا المصري، ذات المعاناة بالنسبة للبطل مصطفى ( نور الشريف )، وكان من مرافقي الرئيس السادات حينما اغتيل. طليقته عزة ( يسرا )، تهرع إليه في منزله ذات يوم لتخبره بأن عصابة قد خطفت ابنتهما الصغيرة بعدما خدعوها بأنهم يريدون اجراء مقابلة تلفزيونية معها بوصفها أول امرأة تحصل على منصب مندوب مصر في الأمم المتحدة. العصابة، اتصلت معها لتطلب منها اقناع زوجها أكرم ( عزت أبو عوف ) بمقايضة الابنة بشحنة بلوتونيوم مخصصة لتصنيع قنبلة ذرية صغيرة. هذه كانت بؤرة حبكة الفيلم، حيث من السهل تبيان تهافتها وعدم واقعيتها: إذ كيف سيتنازل أكرم عن شحنة، ثمنها 50 مليون دولار، لقاء طفلة ليست ابنته بل ويمحضها الكراهية؛ مثلما ظهر من أحد مشاهد الفيلم؟
يستعين البطل مصطفى بصديقه رضوان ( مصطفى متولي )، فيسافران إلى منتجع نويبع في سيناء عقب تأكدهما أن العصابة تنوي مداهمة الكهف، الذي يخبئ فيه أكرم تلك المادة المشعة. يبدأ كلاهما بحصد أرواح الرجال هناك، بوساطة الأسلحة الاوتوماتيكية، لحين أن تحضر قوات من الأمن وتلقي القبض على الجميع وتؤمّن الشحنة الخطرة. والآن، ننتقل إلى فيلم " عصر الذئاب " كي ندرس الأسلوب الفني للمخرج.

3
المشهد الأول من فيلم " عصر الذئاب "، يجري في مقر شركة شوكت زاهر ( عادل أدهم )، الذي يعمل في تجارة السلاح. في المكتب، السكرتيرة حنان ( ليلى علوي ) مع زميلتها وكانتا تتبادلان الحديث عندما تقتحم الحجرة صحافية شابة وتطلب مقابلة صاحب الشركة. عندما تقول الزميلة لحنان، معلقة على طلب الصحافية: " هي لا تعرف من هو شوكت بيه "؛ تنتقل الكاميرا فوراً إلى مكتب هذا الأخير، وكان يناقش مع معاونه صفقة بخمسة ملايين دولار. ويوصي معاونه بالقول، أن العميل شخصٌ أجنبيّ ويحب الجنس الناعم. تطلب الصحافية مجدداً لقاء صاحب الشركة، فيجيبها ساخراً عبر جهاز خاص: " لما رئيس تحريرك يستطيع أن يقابلني! "
" ولكنك هكذا تعادي الصحافة؟ "
" من أين تأتون بهكذا كلام، الله يخرب بيوتكم! "، يرد عليها بنفس النبرة. شخصية تاجر السلاح هذا، المتسمة بالطرافة والقسوة معاً، جعلته قريباً من قلب مشاهد الفيلم؛ بله ومن قام بالدَور فنان عملاق، بمستوى عادل أدهم. أستطيع القول منذ البداية، أن إبداعه بدور شوكت زاهر، قد أنقذ الفيلم إلى حدّ كبير. فلا نور الشريف ( أحمد خطيب حنان )، الذي كانت ملامحه متبلّدة طوال الفيلم، ربما تمهيداً لإقناع المُشاهد بمسلكه اللاحق، كان بمستوى دَوره.. ولا سمير صبري ( الضعيف الموهبة أساساً! )، تمكن أيضاً من اقناعنا بشخصيته كضابط مباحث ( اسمه محيي ) يسعى لكشف فساد تاجر السلاح.
في المشهدين التاليين، يدخل كلاهما إلى سير الأحداث: أحمد، يقل حنان إلى منزلها بدراجته النارية ثم يوصيها عند المدخل قبل أن يفترقا ألا تقوم بالرقص في الحفلة، التي يزمع شوكت زاهر على اقامتها في الفيلا تكريماً للعميل الأجنبي. وضابط المباحث، محيي، يظهر على الأثر وهو يناقش مع معاونه خطة التسلل لمقر شركة شوكت زاهر للتنقيب في خزانته، المتخمة بأوراق الصفقات المشبوهة. على أنغام حفلة صاحب الشركة، يكون رجال المباحث قد تمكنوا من فتح الخزانة وتصوير الأوراق المطلوبة.
في أثناء الحفلة، يُطلب من حنان أن ترقص على وقع أغنية عربية معروفة. لما أخذت تهز ردفيها وصدرها، ينبهرُ بها العميل الأجنبي؛ وكان من دولة أفريقية ويتكلم الإنكليزية. زميلة حنان، وباشارة من معاون شوكت زاهر، تصعد معها إلى حجرة النوم بحجة الاعتناء بمكياجها. ثم تترك حنان هناك، لتكون لاحقاً فريسة لشهوة العميل الأفريقي. تظهر في المشهد التالي، منتحبة وممزقة الثياب، ما يدل على أن عذريتها انتُهكت. فيأمرونها أن تلتزم الصمت، لو أرادت أن تبقى على قيد الحياة. بعد هذه الحادثة، صارت حنان تلحّ على خطيبها أن يسافر إلى الخليج وكانت قبلاً ترفض الفكرة باصرار: لقد قام أعوان شوكت زاهر باخافتها، لما حاولوا دهس خطيبها حين كان يقود دراجته النارية. على أنها لا تخبره مطلقاً بما جرى لها في الحفلة المشئومة، وترتاح على الأثر عندما سافر إلى الخليج.
على المنقلب الآخر، يكتشف تاجر السلاح أن خزانته قد فتحت، فيتهم على الفور الضابطَ محيي بذلك ويأمر أعوانه أن يتدبروا أمر قتله مع عائلته. قبل ذلك، تقع أول جريمة عندما يتم شنق حارس باب شركة شوكت زاهر، المشتَبه بعلاقته مع المباحث. في الأثناء، كان الضابط محيي قد عاد مع عائلته بسيارته إلى منزلهم. المشهد التالي، كان على شيء كبير من الاثارة؛ بما أننا نعلم بأن أعوان شوكت زاهر قد فتحوا أنبوبة الغاز في المطبخ ثم قطعوا الكهرباء عن الشقة. لكن الأطفال عند مدخل العمارة، يطلبون من والدهم أن يرافقونه إلى الدكان، فتصعد الزوجة لوحدها إلى الشقة فتلاقي مصيرها المحتوم بانفجار الغاز.
شوكت زاهر، يبادر بنفسه إلى تزويد رئيس المباحث، العقيد كمال ( الفنان صلاح ذو الفقار )، بمعلومات عن صفقة السلاح المعلومة. إنه يشعر بالأمان تماماً، طالما أن الشبهات زالت عنه وكذلك استطاع تلقين ضابط المباحث محيي درساً قاسياً بقتل زوجته. لكن الأمان يتبدد رويداً، لما حاولت حنان الانتحار في فيلا تاجر السلاح بشرب حبوب مهدئة. هذه المرة، يُفتن شوكت زاهر بسكرتيرته عندما يراها عارية فاقدة الوعي في الحمّام. بعدما يتم اسعافها، يُطمئنها معلّمها بأنها لن تكون إلا له وحده كعشيقة، وسيصرف نظرَ ذلك العميل الأفريقي عنها نهائياً.
يدخل أحمد على خط الأحداث، وذلك بعودته من الخليج لكي يعرف سبب عدم لحاق حنان به. مشهد لقاء أحمد بخطيبته في فيلا تاجر السلاح، كان وحشياً ويعكس عقلية المجتمع، التي تُسيّر مخرجاً كسمير سيف ( وكاتبَ السيناريو أيضاً! ): بعدما يتهمها أحمد بالخيانة، يطبق على رقبة حنان لخنقها. إلا أن رجال البوليس ينقذونها، فيهرب منهم بعدما أصاب أحدهم بطلقة مسدس. ملاحظتنا عن الوحشية غير المبررة في ذلك المشهد، تبعها مشهدٌ آخر حينَ لاحقت سيارة البوليس أحمد، الذي كان بدَوره قد سرق عربة بوليس كانت متوقفة أمام فيلا شوكت زاهر: كان مشهداً أخرق، قيامُ سيارة بوليس بملاحقة أحمد، بدلاً عن الاتصال مع المراجع الأمنية لابلاغها عن سير السيارة كي تقطع الشوارع بالحواجز.
المشهد التالي، كان على السوء نفسه، لما وصل أحمد إلى فندق الشيراتون بهدف قتل شوكت زاهر، الذي كان مجتمعاً هناك مع أحد الوزراء. إذ بقي ثلاثة شرطة يلاحقون الرجل المسلح من طابق إلى آخر، حتى تمكن هذا من احتجاز مجموعة من السياح كرهائن. عند ذلك، حَسْب، تتحرك وزارة الداخلية وتبدأ بارسال قوات من الأمن المركزي ومكافحة الارهاب إلى الفندق، ويضرب هؤلاء طوقاً حول استراحة المسبح، التي فيها يُحتجز الرهائن.
المشهد الأخير من الفيلم، في المقابل، نفّذ بحرفية عالية. عندما يطلب أحمد حضورَ شوكت زاهر، كشرط لاطلاقه الرهائن، يبادر الضابط محيي للذهاب إلى فيلا المذكور كي يقنعه بتنفيذ مطلب الشاب المسلح. يعلم شوكت بأن حنان هيَ بين الرهائن، فيقبل عندئذٍ الذهاب مع محيي إلى الفندق. هناك، يقع ما لم يكن بحسبانه. فبعد أن يضع الضابطُ تاجرَ السلاح خلف ظهره لحمايته ريثما يتبادل هذا الكلامَ مع محتجز الرهائن، إذا به يهمس للتاجر بالقول: " ستدفع الآن ثمن جرائمك كلها! ". ينتهي الفيلم دموياً، بقيام تاجر السلاح شوكت زاهر باطلاق الرصاص على أحمد بالرغم من استسلامه للأمن، فيرد الضابط محيي فيقتل التاجر بطلقة في عنقه.
بغض النظر عن لاواقعية المشهد الأخير، المتمثل بقبول شوكت زاهر المجيء للفندق مع علمه بأن رقبته مطلوبة من قبل خطيب حنان، يبقى أن مقتل هذا الأخير كان حلاً معقولاً من وجهة نظر المجتمع: فكيف سيتزوج أحمد بحنان، لو بقيَ حياً؛ هيَ التي انتُهكت عذريتها على يد تاجر السلاح وعميله !؟

#دلور_ميقري (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات