أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - كما رواه شاهد عيان: مفتتح














المزيد.....

كما رواه شاهد عيان: مفتتح


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6810 - 2021 / 2 / 9 - 19:21
المحور: الادب والفن
    


باسم الاب والابن والروح القدس، باسم الإله الواحد الأبديّ السرمديّ.
ولدتُ قبل ستين سنة في قصر والدي، المركيز المنحدر من سلالة بوربون؛ وهوَ القصرُ الكائن في مزرعة بشرق باريس، لها إطلالة على نهر السين، المتجه غرباً ليصب في مياه المحيط. من ذلك المكان الجميل، خرجتُ مُجبراً وأنا في سنّ الخمسين تقريباً، عام 1789، وذلك إبّان الثورة الفرنسية، التي غيّرت النظام القديم إلى غير رجعة أبداً. نزحتُ أولاً إلى البندقية، مسقط رأس المرحومة والدتي، وبعد إقامة قصيرة فيها راودتني فكرة السفر إلى الشرق، علّني أستمد من حكمته وسحره عوناً لروحي الضائعة وذهني المنهك.
الآن، أمسكُ الريشةَ قبل أن تصابَ يدي برعشة الشيخوخة، قبل أن تذوي ذاكرتي، مستعملاً اللغة العربية لأول مرة. كنتُ أعرف هذه اللغة منذ فتوّتي، كوني درستها مع اللاتينية على يد أستاذ أحضره والدي للقصر. بهذه اللغة، أسجّلُ أحداثاً شهدتها في شبابي بمدينة دمشق، وكنتُ قد حللت فيها في أواخر ذلك العام، الشاهد على مغادرتي موطني. بلى، كانت أحداثاً خطيرة ومستطيرة، كما لو أنها صورة مصغّرة عما جرى في مسقط رأسي عقبَ الثورة. بل إنني سمعتُ بأذني، أكثر من مرة، كلمة " الجمهورية " وهيَ تتردد على ألسنة بعض العوام حينَ ثاروا مع غيرهم من الدمشقيين على أعوان الوالي السابق، الظالم الغشوم. وإنها الأحداث، المختتمة إقامتي في لؤلؤة المشرق بعدما أمضيتُ فيها عقداً من الأعوام، لأعود من جديد إلى القارة العجوز كي أستقر في مدينة البندقية بشكل نهائيّ.
شعورٌ مُغرٍ لإنسان مثلي ـ نجيَ من تحت ركام الزلازل، المسماة ثورات ـ أن يتخذَ صفةَ المؤرخ، المسجّل كلمة كلمة ما شهده بعينيه. ولعلني أشبهُ الراوي أكثر؛ وأعني ذلك الرجل الطريف، المدعو ب " الحكواتي "، الذي تعرفه مقاهي الشام وهوَ يجلسُ على سدّة عالية وبيده مجلدٌ كبير يقرأ منه بصوت عال عن ملاحم بطولية، شبيهة ببعض قصص " ألف ليلة وليلة "، المعروفة لدينا في الغرب، مستعملاً أحياناً اللهجة المحلية. وقد تعلمت الدارجة الدمشقية أيضاً، ووجدتها أسهل من العربية الكلاسيكية. إلى ذلك، ضافرَ من شعوري، الموصوف آنفاً، ما كنتُ أحسّ به من وحدة وأنا بلا أهل وأصدقاء مقربين في المنفى الإيطاليّ. في هذا الصدد، عليّ الإشارة إلى أنني فقدتُ الاتصال بأسرتي لمدة طويلة. إذ بقيت الأسرة في باريس، وكانت مكوّنة من امرأتي وأولاد ثلاثة كنتُ قد تركتهم وأكبرهم كان في العشرين من عُمره. لقد علمتُ أن عائلتي قدمت إلى البندقية، عاماً عقبَ مغادرتي لها متجهاً إلى الشرق. لكنّ الأسرة فضّلت فيما بعد الانتقال إلى لندن، أينَ استقر عددٌ كبير من مواطنينا، الموالين للملكية. منذ عودتي من دمشق، تسنّى لي زيارة العائلة عدة مرات لحين رحيل امرأتي عن العالم. لكن أولادي لم ينقطعوا بعدئذٍ عن القدوم إلى البندقية، بهدف الاطمئنان عليّ.
من ناحية أخرى، شاء لي القدَرُ أن أحظى بحبيبة في مكان لم أتوقعه البتة؛ في مدينة دمشق، المعدّة من أكثر الحواضر الإسلامية محافظةً. القارئ، بهذه الحالة، سيعلمُ أنني أعني امرأةً مسلمة. لقد كدّتُ من أجلها أن أتحوّل عن ديني، لولا أن إيماني المسيحيّ نفسه باتَ بتلك الآونة مشكوكاً فيه! في المقابل، تداخلت في إيماني عقيدةُ التقمّص، المنتشرة بين الطوائف الهرطوقية في تلك البلاد المسلمة. وإنها عقيدة، فرضت نفسها عليّ بشدّة على خلفية واقعة تعرّفي بالحبيبة الدمشقية. لكأنما هذه المرأة قد تقمصتها روحُ امرأة أخرى، كانت تربطني بها علاقة عشق في موطني الأول.
" غالينا " الروسية، كانت أرملة أحد الملاكين المقيمين في الجوار، وكان الرجلُ أيضاً من طبقة الفرسان النبلاء.. أي من الطبقة، التي ستتوجه إليها بشكل خاص أسهمُ حقد الموالين للثورة الفرنسية. مولّهةُ قلبي، سبقَ أن أسرت فؤاد ذلك الجار حينَ تعرّفَ عليها في أحد المنتجعات الصحية في ألمانيا، وذلك قبل نشوب الثورة المشئومة بنحو عقدٍ من الأعوام. بحَسَب إعترافها لي عندما أضحت عشيقتي، أنها لم تبادل الرجلَ مشاعر الحب وإنما أعجبها، حَسْب، لكونه فرنسياً يحمل لقب الفارس النبيل. لكنني، في المقابل، أجزم أنها منحتني حباً صادقاً، كان من القوة بحيث تجاهلتُ واجباتي الزوجية والأبوية، فلم أعُد أرى في العالم سواها. فيما يلي من صفحات، قد يأتي ذكرُ الملّاكة الروسية، المضاهية للرجال بإرادتها القوية وشخصيتها الفذّة وتوقها للحرية. لعل من النافل ذكرُ جمالها، بما أن الدهر لا بد وأفسده الآنَ لو أنها ما تزال على قيد الحياة.
والآنَ، عليّ أن أكمل ما بدأتُ به من هذا السّجل، وقد نأى منذ الصفحة الأولى عن كونه تأريخاً. فليكن سيرةً لحياتي، إذاً، وبالأخص ذلك العقد من الأعوام، الذي بذله القدَرُ لي في مدينة دمشق ـ كما لو كان بهدف أن أستعيد من خلاله ما جرى في موطني الأول من أحداث؛ وكذلك، ما دهمَ قلبي من العشق.
" لنفرح ونتهلل ونعطه المجد، لأن عرسَ الحَمَل قد جاء وامرأته هيأت "؛ مثلما يقول سفر الرؤيا.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كما رواه شاهد عيان: تقديم
- مدخل إلى عصر الرعب: الخاتمة
- مدخل إلى عصر الرعب: البرج الثاني عشر
- مدخل إلى عصر الرعب: البرج الحادي عشر
- مدخل إلى عصر الرعب: البرج العاشر
- مدخل إلى عصر الرعب: البرج التاسع
- مدخل إلى عصر الرعب: البرج الثامن
- مدخل إلى عصر الرعب: البرج السابع
- مدخل إلى عصر الرعب: البرج السادس
- مدخل إلى عصر الرعب: البرج الخامس
- مدخل إلى عصر الرعب: البرج الرابع
- مدخل إلى عصر الرعب: البرج الثالث
- مدخل إلى عصر الرعب: البرج الثاني
- مدخل إلى عصر الرعب: البرج الأول
- مدخل إلى عصر الرعب: توطئة
- مدخل إلى عصر الرعب: تنويه من المحقق
- زمن موناليزا الحزينة: الخاتمة
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل العشرون/ 5
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل العشرون/ 4
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل العشرون/ 3


المزيد.....




- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - كما رواه شاهد عيان: مفتتح