أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - العار؛ الوجه الجميل لتاجر المخدرات















المزيد.....

العار؛ الوجه الجميل لتاجر المخدرات


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 7486 - 2023 / 1 / 9 - 18:32
المحور: الادب والفن
    


1
في مقال، نشرناه مؤخراً، تمت دراسة فيلم " نص أرنب "، المنتج قبل حوالي أربعين عاماً؛ وهوَ للمخرج المبدع، محمد خان. في نفس ذلك العام، 1982، ظهرَ فيلم عن نفس الموضوع للمخرج علي عبد الخالق؛ اسمه " العار ". أما الموضوع، فإنه تجارة المخدرات. وسنعرض هنا مقارنة سريعة بين العملين، وذلك قبل الدخول في تحليل الفيلم الأخير.
كلّ من هذين الفيلمين، من وجهة نظر نقدية، كانت فكرته الرئيسة هيَ الضمير الإنساني، الذي يقف متردداً أمام إغراء ما يُدعى على لسان العامّة ب " المال الحرام ". إن فيلم محمد خان، قد عالج هذه الفكرة بشكل موضوعي ودونَ محاباة المشاعر الدينية للجمهور. حتى المشهد الوحيد في الفيلم، الذي قدّمَ فيه السيدَ عبد الجواد، والدَ يوسف ( الفنان حافظ أمين )، بوصفه رجلاً متديناً لا يفوّت موعد الصلاة، فإننا نرى الرجل يمتلك ضميراً حياً. فإنه يرفضُ قطعياً، عقبَ مناقشة حامية مع امرأته، طردَ المستأجرين من منزل يمتلكه. أم يوسف، كانت إذاك تشكو من قلة الحال وأنّ المتعهد سيينقذهم لو وافقوا على إزالة بيت الإيجار، لكي يُشاد مكانه عمارة حديثة.
يوسف ( الفنان محمود عبد العزيز )، من ناحيته، يواجه هكذا امتحان لضميره عندما يتورط بالرغم من إرادته بلعبة صراع بين عصابتين، عاملتين بتجارة المخدرات. إنه شاب متعلم، يشتغل موظفاً في البنك براتب بسيط، لا يفعل شيئاً عقب عودته من العمل سوى مطالعة الكتب. في المقابل، كانت حاجته للمال ماسّة، بسبب إلحاح أهل خطيبته على ضرورة تأمين مسكن قبل الزواج. ثم إذا به يوماً وقد وقعت بيده حقيبة يد ( سمسونايت )، يتوهم أنها تحتوي على مبلغ نصف مليون جنيه، كان قد رآه بعينيه يُصرف لديه في البنك. عوضاً عن أخذ الحقيبة إلى قسم الشرطة، كما يُفترض بالشخص الأمين، فإنه يتوجه بها مسرعاً إلى منزله. لكن الحقيبة لم يكن بها سوى ورق جرائد، بعدما استعادتها العصابة من رجلها رفاعي ( الفنان سعيد صالح ). أما المال، فيتبيّن أنه في حقيبة كانت مع رجل العصابة الآخر، سراج ( الفنان يحيى الفخراني )، المستولي أيضاً على حقيبة تحتوي على الهيرويين، الذي كان من المفترض أن يتسلّمه مقابل مبلغ النصف مليون جنيه.
ملاحقة العصابة، على الأثر، لكل من يوسف ورفاعي، جعلتهما يقرران إعادة المال من سراج، فيلحقان به إلى مدينة الإسكندرية حيث أقام بفندق من الدرجة الأولى. هنا أيضاً، يتخلى يوسف عن ضميره حين وافقَ على فكرة رفاعي بتقسيم مبلغ النصف مليون بينهما لو تمكنا من انتزاعه من سراج. في ختام الفيلم، نرى يوسف وقد صحى ضميره: يقذف بحقيبة المال إلى البحر باكياً، بعدما سقط من أجلها خمس ضحايا كان منهم رفاعي نفسه.
في مقارنتنا بين الفيلمين، وقبل كل شيء، سنلاحظ أن كلاهما قد تخلى عن نمطية الأعمال السينمائية ذات البطل الواحد. ففي فيلم " العار " أيضاً، يتقاسم بطولته ثلاثة نجوم، وقد ظهروا أخوة أشقاء. إن أصغرهم كمال ( الفنان نور الشريف )، كان متورطاً مع أبيه في تجارة المخدرات، ويقع في ورطة عقب وفاة هذا الأخير في حادث سيارة. الأخ الأكبر، شكري ( الفنان حسين فهمي )، كان رئيس نيابة ومهتماً بمكافحة المخدرات. فيما الأخ الأوسط، د. عادل ( الفنان محمود عبد العزيز )، فهو طبيب مختص بمعالجة الإدمان على المخدرات. الشقيقان الكبيران، يصدمان بشدة لدى علمهما من كمال أن والدهم الراحل كان يتاجر في حياته بالمخدرات. ذلك أن الوالد، الحاج عبد التواب ( الفنان عبد البديع العربي )، قدمه الفيلم على أنه كان في حياته شديد التقوى وكان كل عام يحج مع امرأته ( الفنانة أمينة رزق ). كذلك كان يرفض الحصول على فائدة من أمواله في البنك، لأنه يعتبرها ربا. الفيلم، لم يقدم هذا الأب بوصفه شخصاً منافقاً ومجرماً يتاجر بالسموم، بل أصر حتى النهاية أنه رجل البر والإحسان ونصير الفقراء وأن روحه تهيم في الفردوس الأعلى مع الأنبياء والصالحين!
قد يفنّد أحدهم رأينا بشأن شخصية الأب في فيلم " العار "، وذلك بمقارنته بشخصية الأب في فيلم " العرّاب " للمخرج فرنسيس فورد كوبولا ( المنتج الجزء الأول منه عام 1972 ). غير أن هذا الأخير، أي الأب، لم يتم تقديمه في الفيلم كرجل مؤمن وتقي بل كان يساعد المحتاجين في موطنه الجديد في نيويورك لأنه نشأ بنفسه في بيئة يسودها العنف والظلم، حيث فقدَ في صغره عائلته كلها على يد زعيم مافيا في قريته بجزيرة صقلية الإيطالية. ولكن، دعونا الآن نتعرف على صانعي فيلم " العار ".

2
علي عبد الخالق ( 1944 ـ 2022 )، كان أحد المخرجين القلائل، الذي عُدّوا لفترة من الزمن كأمل للسينما المصرية. تخرج في منتصف عقد الستينيات من قسم الإخراج في المعهد العالي للسينما، وزاول أولاً صناعة الأفلام التسجيلية، فنال عن أحدها عدة جوائز محلية ودولية. فيلمه الروائي الأول، " أغنية على الممر "، المنتج عام 1982، كان سبب شهرته وحصل به أيضاً على العديد من الجوائز؛ منها جائزة مهرجان كارلو فيفاري ومهرجان طشقند. الفيلم، عبّرَ عن فكر المخرج اليساري آنذاك، وهو بالأساس مسرحية للكاتب علي سالم. هذا الأخير، ما لبث أن اتجه لكتابة الأعمال التجارية الهابطة، كمسرحية " مدرسة المشاغبين ".
ذلك التحول الفكري، جرى أيضاً للمخرج علي عبد الخالق في فترة لاحقة. فبعد فيلمين بمستوى جيد، هما " بيت بلا حنان " عام 1976، و" مسافر على الطريق " بعده بعامين، فإنه اتجه إلى إخراج الأفلام التجارية. ربما باستثناء فيلم " السادة المرتشون "، المنتج عام 1983. جدير بالتنويه، أن كاتب السيناريو لتلك الأفلام الثلاثة الأخيرة، هو مصطفى محرم، الذي سقط أيضاً فكرياً كالمخرج، فاختتم مسيرته الفنية بمسلسلات تلفزيونية مثل " عائلة الحاج متولي "، المدافع عن تعدد الزوجات.
ثم تعاون علي عبد الخالق مع السيناريست محمود أبو زيد، في عدد من الأفلام، التي حققت نجاحاً جماهيرياً كبيراً: " العار "، " الكيف "، " جري الوحوش "، و" البيضة والحجر ". فيلم " الكيف "، المنتج عام 1985، قدم فكرة في غاية الخطورة إجتماعياً، وهيَ أن مخدر الحشيش وهمٌ يمكن استبداله بخلطة كيماوية من الحنّة والزيوت العطرية. ويمكن القول، أنّ الفيلم كأنه تتمة افتراضية بشكل من الأشكال لفيلم " العار ": فإن أبطال هذا الأخير، الأخوة الثلاثة، كان من الممكن أن ينعموا بالثراء تماماً مثلما حصل للشقيقين د. صلاح ( الفنان يحيى الفخراني ) وجمال ( الفنان محمود عبد العزيز ).
أما فيلم " جري الوحوش "، المنتج عام 1987، فإنه برأيي طرحَ فكرة في غاية الرجعية، ومعادية للعلم بتبريرات دينية. ويقال، أنها كانت ترجمة حرفية لمقولة الشيخ محمد متولي الشعرواي، أبرز الدعاة الذين أغرقوا المجتمع المصري بالغيبيات والجهل والخرافة: أن الله قد وزع الرزق على عباده إما بالمال أو البنون ولم يظلم أحداً. في هذا الفيلم، عاد أبطال فيلم " العار " الثلاثة أنفسهم، ولكنهم ليسوا أخوة. فإن سعيد ( نور الشريف )، كان تاجراً كبيراً يعمل أساساً بالذهب. صديقه د. نبيه ( حسين فهمي )، يعود من لندن متخصصاً بأمراض العقم. وبما أن الأول كان عقيماً، فإن صديقه يقترح عليه أن يجري له عملية في الدماغ بشرط استخلاص مادة معينة من مخ رجل آخر سليم ولديه أولاد. يعثرون على هذا الرجل، وهوَ عبد القوي ( محمود عبد العزيز )، وكان رجلاً فقيراً يعمل بالتنجيد. بالطبع، ولكي تظهر صوابية الفكرة الإلهية المزعومة، يفشل الطبيب في علاج صديقه ويعرضه للشلل؛ بينما الآخر يصاب بالجنون، كونه قد فقد رجولته بعد العملية الجراحية. وينتهي الفيلم بآية قرآنية، تماماً كنهاية فيلم " العار "!
لكن من الناحية الفنية، كان فيلم " العار " من أفضل أفلام علي عبد الخالق، وقد نفّذ بحرفية عالية. وسنحاول تحديد منهج المخرج في هذا الفيلم، اعتماداً على عرض وتحليل مشاهده.

3
شارة فيلم " العار "، كانت مترافقة مع موسيقا رائعة من تأليف الفنان حسن أبو السعود، الذي لحّن للعيد من الأفلام وكذلك لكبار المطربين المصريين. الموسيقا، تُستهل بنغمة على الناي للمقطع الأول من أذان المسجد ثم تتحوّل إلى نغمة أخرى، ستتكرر في مشاهد الفيلم حين يطرأ منعطفٌ خطير على أحداثه. أما بخصوص عنوان الفيلم، فإنه يحيلنا إلى رأي المخرج الكبير محمد خان، الذي لاحظ في كتابه " مخرج على الطريق "، أنّ عقد الثمانينيات سينمائياً: " يعكس روحَ المباشرة والاختزال، فانتشر اسم الكلمة الواحدة للأفلام؛ مثل " المتوحشة "، " الجحيم "، " الباطنية "، " المشبوه "، " العار " وغيرها.. ".
شارة الفيلم، أخذتنا أيضاً في جولة عبر حواري القاهرة القديمة، التي سنعلم لاحقاً أن إحداها شهدت مولد جميع أولاد الحاج عبد التواب، وأيضاً فيها متجره لبيع العطارة. في هذه الجولة، كما في مشاهد الفيلم عموماً، نُعاين القدرة الفنية للمصور الموهوب، سعيد الشيمي، الذي اشتغل بشكل خاص مع المخرج محمد خان في معظم أفلامه. ولكن على عكس هذا الأخير، سنلاحظ أن علي عبد الخالق في فيلم " العار " كان يهتم أكثر بالمشاهد الداخلية وليس بالتصوير في خارج الاستديو. إلا أن الكاميرا صعدت في أحد المشاهد إلى سطح متجر العطارة، لينبسط من ثم منظر رائع للقاهرة القديمة بين الأسوار. ذلك، كان مشهد مصارحة كمال لشقيقه الأكبر بحقيقة الأب، كتاجر مخدرات؛ وهيَ بؤرة حبكة الفيلم.
يُستهل الفيلم بمشهد معبّر عن فكرته الأساس، التي كانت بحَسب رأينا تتقاطع مع العقيدة الدينية السائدة. إذ تشتكي امرأة للتاجر عبد التواب بأن أجيره لا يقبل بيعها البضاعة بسعر مناسب، فيقوم بإرضائها ولو بالبيع بثمن يقل عن ثمن التكلفة. لما أحتجّ الأجير، فإن معلمه يقول له بنبرة ورع وتقوى: " هذه هي الحَسَنة المخفية ". بيد أنه ما لبث أن اتخذ نبرة أخرى، ليأمر بإحضار مساعديه ( الدأشوم والدفّاس وطلبة )؛ وهم مختصون بتهريب المخدرات، كما سنعلم لاحقاً. هنا، نلحظ المفارقة في ذلك المشهد: فالحَسَنة المخفية، يُقابلها التجارة المخفية؛ وهي المخدرات، التي لم يكن يعلم بأمرها من عائلة الحاج سوى ابنه الأصغر كمال.
المشهد التالي، يأخذنا إلى الفيلا الفارهة للحاج عبد التواب، وكان مجتمعاً مع ابنته ليلى ( الفنانة الهام شاهين )، التي تطلب منه ثمنَ مجوهرات بمبلغ باهظ ويوافقها فوراً، كونها على وشك الزواج من ضابط بوليس. وها هوَ الضابط الآخر، الابن الأكبر شكري، يدخل إلى الفيلا لحظة كان الأب يَعِد زوجته بأنه سيذهب معها للحج للمرة السابعة. تنويهنا بالفيلا الباذخة وكرم صاحبها مع أولاده، المبالغ به، يحيلنا للتساؤل عما لو كان الابن شكري ( وهو محقق في النيابة بقسم مكافحة المخدرات )، لم يتساءل يوماً ما لو كان محل العطارة يستطيع تحقيق كل هذا الثراء الفاحش؟
لكن مُشاهد الفيلم لن يعلم بحقيقة الحاج عبد التواب، سوى عندما يسافر هذا إلى الإسكندرية كي يقابل الوسيط في تجارة المخدرات، فؤاد بك ( الفنان صلاح نظمي ). هذا الأخير، يبدي استغرابه من عدم امتلاك الحاج لمبلغ مليون جنيه ويعاتبه على كرمه وبذخه. ثم ما لبثَ أن أشارَ لزجاجة الويسكي، داعياً إياه لشرب كأس. يقول الحاج: " حاشا لله بيني وبين هذه المعصية ". فيرد عليه البك، بالقول ساخراً: " الخمر حرام وتجارة المخدرات ليست حراماً، يا حاج؟ ".
موت الحاج في حادثة سيارة، أثناء عودته للقاهرة عقب اتمام الصفقة مع الوسيط، عليها كان أن تقلب مصير عائلته رأساً على عقب. كمال، يبادر من فوره لمحاولة تأمين مساعدين بعدما توفي رجال أبيه في حادثة السيارة. في الأثناء، يطلب منه شكري مبلغاً كبيراً من المال لشراء قطعة أرض. حين يلاحظ شكري مماطلة كمال في الموضوع، فإنه يذهب إلى البنك ويكتشف هناك أن حساب والده صفر. إذاك يهدد كمالَ برفع القضية للنيابة، ما لم يُعد المال. عندئذٍ يضطر كمال لإبلاغه بحقيقة الصفقة، وأن والدهما كان تاجر مخدرات: " هل كنت تعتقد أن هذا الرفاه كله، الذي نعيش به، هوَ من محل عطارة؟ ". لكن شكري لا يصدقه، وما أسرع أن أخبر العائلة بالأمر.
يجدر بالذكر، كيفية لقاء كمال مع شقيقه الأكبر على سطح مبنى المتجر، وقد انتصب مسجدان مملوكيان في الخلفية وكأنهما حارسان للسر الخطير. إلا أن شكري يبوح بالسر للعائلة، فانتقلت الكاميرا بين وجوههم، المصدومة من الخبر المزلزل. على أثر انهيار الأم، نعود ونرى الأشقاء الثلاثة في حجرة الصالة وبين أيديهم أوراق تثبت أن الأب الراحل هوَ من قام بنفسه على سحب رصيده من البنك وبيع ممتلكاته في سبيل الحصول على مبلغ مليون جنيه لسداد ثمن صفقة المخدرات، التي كان من المؤمل أن تباع لاحقاً بخمسة ملايين جنيه. عندما يلتفت شكري إلى صورة أبيه الراحل، ويتهمه بأنه رجل منافق كان يخفي حقيقته بمظاهر التقوى والبر والإحسان، يثور كمال: " إخرس، لقد كانت تلك شيَم والدنا فعلاً ". ثم يضيف أمام احتجاج الشقيق الآخر، بأن المخدرات عبارة عن نباتات طبية: " فنحن لم نتاجر بالخمرة ولا بلحم الخنزير! ". هذا التأكيد، يعيده كمال على مسمع امرأته رؤى ( الفنانة نورا )، التي طلبت منه أن يتوب عن تجارة المخدرات حالما ينتهي من أمر بيع الصفقة الجديدة.
وها هوَ شكري، يضعف أمام شبح الفقر، المخيم على العائلة ما لو فشل كمال بإتمام العملية. لقد طلب منه ومن أخيه الآخر أن يساعداه في جلب شحنة المخدرات من البحر، وكان الوسيط قد أعلمه بقرب وصولها. شكري، يضرب لشقيقه عادل مثلاً عن تحليل ( الشرع ) لأكل لحم الميتة والخنزير إذا ما كان المرء على شفا الموت جوعاً في الصحراء. مرة واحدة، حَسْب، يذكر فيها عادلُ كلمةَ الضمير: " من المفترض أن يمنعنا ضميرنا من ارتكاب هكذا جريمة، بالنظر لأن أحدنا ضابط يكافح المخدرات والآخر طبيب يعالج الناس من سمومها ". فيرد شكري، بأنه قرر الاستقالة من وظيفته كرئيس نيابة. وهذا ما يقوم به، فعلاً.
إلا أن شقيقتهما ليلى، كانت تملك ضميراً حياً، فتقرر ترك عريسها. تقول لوالدتها، التي عاتبتها على وضع نفسها بموضع شبهة تتعلق بشرفها: " من حقه أن يعرف بأنني ابنة تاجر مخدرات، أو أن أصمت وأطلب الطلاق ".
هناك في الإسكندرية، حيث ستتم عملية سحب شحنة الهيرويين من البحر، يضطر كمال لقبول نزول امرأته رؤى إلى البحر بدلاً عن رشدي، الذي أصيب بنوبة عصبية. قبل أن يتحرك الثلاثة، تخلع رؤى من عنقها سلسالاً به آية قرآنية وتضعه برقبة رجلها: " لأجل أن تحميك وتحقق مقصدك ". هنا أيضاً، الله يبارك مهرّب المخدرات!
ليسَ غريباً هكذا منطق من قبل صانعي الفيلم، طالما أنهم سبقَ وقدموا لنا الحاج عبد التواب رجلاً مؤمناً وصالحاً، نفسه تطفح بحب الخير والإحسان. بل إن اسمه ( من التوبة )، دليلٌ على أن الله سيعفو عنه من أجل خصاله تلك، الحميدة. كذلك ابنه كمال، مساعده الأول في تجارة المخدرات، نراه بأخلاق عالية في التعامل مع أفراد أسرته وامرأته وملتزماً بالصلاة.
بتوفيق من الله، إذاً، يتم شحن الهيرويين من البحر إلى شاليه الأسرة. ولكن رؤى تفقد حياتها، بغرقها في خضم البحر. مشهدٌ مؤثر، في اليوم التالي، لما قذف الموج جثتها إلى الشاطئ. لأن كمال ينكر معرفتها، حين سأله الشرطيّ عن سبب بكائه. هذا المشهد، مقتبسٌ ولا شك من فيلم " بداية ونهاية "، المنتج عام 1960، عن رواية لنجيب محفوظ: عندما يُنكر حسنين معرفته بشقيقته، التي سُحبت جثتها من نهر النيل عقبَ انتحارها.
مشهدٌ آخر، له مغزى عميق، عندما يتبادل شكري الحديث مع أحد رجال كمال، الذين يحرسون كوخ الملّاحات، المستخدم لعمليات تخزين المخدرات. إذ يشك الرجل بكون شكري شقيقاً للمعلّم كمال، وينتهره بغلظة. ذلك أن شكري، لما كان رئيس نيابة، فإن المتهمين من رجال تهريب المخدرات كانوا يرتجفون هلعاً أمامه ويقبلون يده.
كمال يستعيد نفسه سريعاً، وذلك لإتمام اجراءات نقل شحنة الهيرويين إلى مكان آمن داخل الملّاحات. منذئذٍ، يصبح رشدي عدوه اللدود، متهماً إياه بأنه سبب موت رؤى. فيقسم أمام عادل ألا يعطي شقيقه سوى نصيبه الأساس من ميراث والدهم، وأن يوزع مبلغ مليون جنيه على الفقراء كصدقة عن روح امرأته. هنا أيضاً، نختبرُ ورعَ وتقوى مهرب المخدرات!
غيرَ أن كمال ينغمسُ في خلال الأسبوعين التاليين في شرب الحشيش كي يسلو ذكرى رؤى، ويتعارك مرةً مع شقيقه الأكبر بخصوص نصيبه من العملية. عادل، الذي يحاول التوفيق بين الشقيقين، كان هوَ نفسه بحاجة للمساعدة بسبب انهيار أعصابه وادمانه على الحبوب المهدئة. ثم يقرر منحَ شكري نصف نصيبه من العملية كي يرضيه. هذا الأخير، كان قد أقسم بدَوره أمام عادل أن يقتل كمال لو أنه رفضَ منحه مبلغ المليون جنيه كاملاً. أخيراً يستعد كلا العدوين للمواجهة، لما حانَ موعد تسليم شحنة المخدرات للبائع. إلا أن صفائحَ القصدير، التي عُبئت بها الشحنة، أصابها العطب من طول وجودها في ماء الملّاحات؛ فأضحى الهيرويين في القاع. عند ذلك، يسحب شكري المسدس ويطلق النار في فمه. بينما ينهضُ عادل راقصاً مغنياً، وقد أصيب بلوثة في عقله. يبقى كمال في الماء، صارخاً بيأس: " شقاء عمري قد ضاع ".
وتُسدل النهاية على مشهد المأساة مع آية قرآنية.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ايقونة السينما المصرية: محمد خان
- عصر الذئاب؛ تجارة وعذرية وجريمة
- العرّاب؛ مأثرة الفن السابع
- الدّرج
- كما رواه شاهد عيان: الخاتمة
- كما رواه شاهد عيان: الباب الثامن
- كما رواه شاهد عيان: الباب السابع
- كما رواه شاهد عيان: الباب السادس
- كما رواه شاهد عيان: الباب الخامس
- كما رواه شاهد عيان: الباب الرابع
- كما رواه شاهد عيان: الباب الثالث
- كما رواه شاهد عيان: الباب الثاني
- كما رواه شاهد عيان: الباب الأول
- كما رواه شاهد عيان: مفتتح
- كما رواه شاهد عيان: تقديم
- مدخل إلى عصر الرعب: الخاتمة
- مدخل إلى عصر الرعب: البرج الثاني عشر
- مدخل إلى عصر الرعب: البرج الحادي عشر
- مدخل إلى عصر الرعب: البرج العاشر
- مدخل إلى عصر الرعب: البرج التاسع


المزيد.....




- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - العار؛ الوجه الجميل لتاجر المخدرات