أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رابح لونيسي - تفكيك مذكرات أحمد طالب الإبراهيمي أو بني صدر الجزائر















المزيد.....


تفكيك مذكرات أحمد طالب الإبراهيمي أو بني صدر الجزائر


رابح لونيسي
أكاديمي

(Rabah Lounici)


الحوار المتمدن-العدد: 7504 - 2023 / 1 / 27 - 18:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


انتظرنا بشغف كبير صدور الجزء الرابع والأخير من مذكرات وزير خارجية الجزائر الأسبق احمد طالب الإبراهيمي معتقدين أنه سيعطي لنا معلومات مفصلة حول الحراك الشعبي الجزائري الذي عاد إسمه فيه بقوة من خلال تحركاته ومواقفه المعروفة والبيانات التي كان يصدرها رفقة علي يحيى عبدالنور ورشيد بن يلس إستمرارا لبيانات ومواقف سابقة لهم تنتقد سياسات الرئيس بوتفليقة. لكن للأسف الشديد لم يكشف أي شيء غير معروف لدى المتتبع في هذه المذكرات، ولم يخصص للحراك إلا حوالي عشرة صفحات هي مجرد تكرار لمواقفه وبياناته ونداءاته الداعية إلى مرحلة إنتقالية توصلنا في نظره إلى إجماع وطني يراه شرطا لرئاسيات 12ديسمبر2019 كي تحل ما يعتبره أن سبب الأزمة في الجزائر هي سياسية أنتجت كل الأزمات الأخرى، ويأتي على رأسها أزمة الشرعية الشعبية داعيا إلى ترك الشعب يختار بكل حرية مسؤوليه في إنتخابات حرة ونزيهة.
نعتقد أن عدم تطرق الإبراهيمي إلى الحراك بالتفصيل يعود إلى صفة التحفظ التي يتسم بها، وهو ما يلاحظ بشكل جلي في الأجزاء الأربعة من مذكراته الممتدة على أكثر من 1300صفحة من الحجم الكبير بإستثاء الجزء الأول الذي نشره بمناسبة الذكرى الخمسين لإندلاع الثورة التحريريةالذي كان حجمه متوسطا في صيغته الفرنسية طبعا التي هي اللغة التي كتب بها كل مذكراته قبل ترجمتها إلى العربية. فقد غلب التحفظ بشكل خاص على الفترات التي تولى فيها المسؤوليات في عهدي الرئيسين هواري بومدين والشاذلي بن جديد على عكس الجزئين الأول والأخير بشكل نسبي. فالجزء الأول الذي خصه من 1932 إلى 1965 مليء بالمعلومات التاريخية عن الجزائر ومدينتي تلمسان وأفلو والعاصمة وجمعية العلماء ونشاطاته الثقافية والتعليمية وأيضا حول والده الشيخ البشير الإبراهيمي، لكن لا يمكن لنا معرفة شخصية الإبراهيمي إلا بهذا الجزء أين يبرز تشكل شخصيته وثقافته وتعليمه المزدوج وتفتحه على الثقافتين الغربية والإسلامية. فهذا التكوين المزدوج هو الذي صنع منه إنسانا متفتحا على الآخر وديمقراطيا يلاحظها كل من عرفه عن قرب. كما نعتقد أنه تلقى التربية الحقيقية لجمعية العلماء التي هي إستمرارية لأفكار النهظة الإسلامية التي صاغها محمد عبده وجمال الدين الأفغاني التي تختلف كل الإختلاف إن لم تناقض تماما ما نعرفه اليوم عن تيارات دينية منغلقة منتجة للكراهية والإرهاب والعنصرية وإقصاء الآخر، والتي تشبه نسبيا الأفكار الفاشية واليمين المتطرف في أوروبا، فلو عاد بن باديس اليوم لأندهش من هذه التيارات الجديدة التي تتاجر بإسمه، لكن يفعلون نقيض ما كان يدعو إليه.
خصص طالب الإبراهيمي الجزء الثاني من مذكراته المعنونة ب"مرحلة البناء" لفترة الرئيس بومدين ومسؤولياته كوزير للتربية والتعليم ثم للثقافة والإعلام ثم مستشارا لبومدين عشية وفاته. فاننا نلاحظ بانه يتحدث عن أمور عادية في وزاراته وإطاراتها بإستثناء تركيزه على الرئيس بومدين وعلاقاته به. فقد دافع عنه بشكل مستميت كأنه يريد تبرئة نفسه من تهمة مساهمته في قبر مشروع بومدين وكل رجالاته بحكم تأثيره على بن جديد كما يورد ذلك بلعيد عبدالسلام في الكثير من كتاباتهن ومنها مذكراته "الصدفة والتاريخ" التي هي عبارة عن حوار طويل في جزئين مع كل من علي الكنز ومحفوظ بنون. كما نلاحظ في هذا الجزء محاولات طالب الإبراهيمي الرد على بعض التهم الموجهة إليه بشكل غير مباشر، ومنها تهمة مالك بن نبي له بأنه أبعده عن مديرية التعليم العالي وطرده من مسكنه بحكم أن طالب الإبراهيمي تولى وزارة التربية والتعليم بكل قطاعاتها وأطواره بما فيها التعليم العالي. لكن لايتحدث طالب الإبراهيمي مباشرة عن ذلك إلا أنه يشير إلى أن بن نبي كان يشتكي من أن مسؤولياته الإدارية عرقلته عن الكتابة ومواصلة مشروعه الفكري، كما يصفه بالمفكر العاجز عن ممارسة المسؤولية، وهي محاولة غير مباشرة من الإبراهيمي تبرئة نفسه من تهمة بن نبي له التي أوردها في الجزء الأخير من مذكراته التي هي عبارة عن يوميات تبدأ في 1953، وتنتهي عشية وفاته في 1973 أين أتهم فيها الكثير من الشخصيات بالخيانة، ولم ينج من ذلك إلا القليل. ولم تنشر هذه اليوميات إلا في بدايات الألفية الثالثة على يد نورالدين بوكروح بالفرنسية كما كان يكتبها بن نبي وبعد وفاة أغلب من اتهمهم وخونهم في يومياته، وللأسف لم تترجم هذه اليوميات إلى العربية إلى حد اليوم في حدود علمي.
ولهذا يجب أخذ إتهامه لطالب الإبراهيمي أو غيره بتحفظ وحذر شديد بسب أن بن نبي يبدو أنه مريض بالبارانويا، ويعتقد أن الجميع متآمر عليه، كما أنه يشكك في كل من ألتقى معهم وعرفهم من بعيد أو قريب، ومعروف بتوجيهه الإتهامات المجانية تصل إلى حد التخوين والتهجم عليهم. فقد سبق لنا أن نشرنا عشرات المقالات حول بن نبي، ومنها مقالة حول إمكانية مرض بن نبي بالبارانويا بعنوان "مالك بن نبي وحرب الأفكار-هل أصيب بالبارانويا أم خبير في الحرب الإعلامية-؟"(الحوار المتمدن عدد5014 ليوم15/12/2015). كما علينا الإشارة ان بن نبي الذي وجد عرقلة ومنع من أي نشر في صحف جمعية العلماء التي أصطدم مع رجالاتها منذ إنتقادهم لهم في كتابه شروط النهظة، إلا أن الإبراهيمي كان أول عضو في الجمعية الذي يسمح له بنشر مقالاته في مجلة "الشاب المسلم" الصادرة بالفرنسية بعد ما كان بن نبي ينشرها في صحيفة "الجمهورية الجزائرية" لفرحات عباس الذي يتهجم عليه أيضا بن نبي دون أي إعتبار لمساعدته له. نعتقد أن بن نبي من خلال إتهامه الإبراهيمي يريد أن يقول لنا أن رجالات جمعية العلماء واصلت مطاردته والإنتقام منه على يد طالب الإبراهيمي، ولهذا يجب الأخذ بتحفظ ما أورده بن نبي عن طالب الإبراهيمي إن لم نقل أنه يبالغ في إتهاماته النابعة من شكوكه في الجميع، وكأنهم كلهم متآمرون عليه. فكما يحتاج بن نبي إلى دراسة أفكاره، فإنه يحتاج أيضا إلى تحليل شخصيته ونفسيته بكل موضوعية كي نتمكن من الإستفادة من هذه الأفكار الكبيرة وإبعادها عن بعض طروحاته النابعة من نفسيته.
يدور الجزء الثاني من مذكرات طالب الإبراهيمي حول فترة بن جديد وتوليه وزارة الشؤون الخارجية، فهو مملوء بأحداث ولقاءات وتصريحات عادية بإستثناء حديثه عن تولي بن جديد السلطة، وكذلك أحداث أكتوبر1988 ومختلف مواقفه منها. نعتقد انه من الطبيعي أن لا يدخل طالب الإبراهيمي في تفاصيل عن السياسة الخارجية بحكم طبيعته التحفظية من جهة وعدم كشف أسرارها التي عادة ما تتم بالتنسيق مع المخابرات الجزائرية التي كان يديرها الجنرال مجدوب لكحل عياط الذي ربطته به علاقات وطيدة فيما بعد. وقد شكل معه لجنة رباعية لدعمه للترشح إلى رئاسيات 1989 في المؤتمر السادس لحزب جبهة التحرير الوطني التي تضم كل من الجنرال مجدوب لكحل عياط الذي أقاله بن جديد بعد أحداث اكتوبر،1988 وكذلك الجنرال كمال عبدالرحيم، وايضا محمد نبي وزير الطاقة في عهد بن جديد والعدو اللدود لبلعيد عبدالسلام، إضافة إلى محند سعيد أوبلعيد المعروف بمحمد السعيد. وقد تحولت إلى لجنة إستشارية تتبع الأحداث، وتناقشها، وتخطط لإيصال طالب الإبراهيمي إلى الرئاسة بعد إستقالته من الحكومة عقب أحداث أكتوبر1988. لكن شكل فيما بعد مرحلة تشاوية وتنسيقية مع كل من علي يحيى عبدالنور ورشيد بن يلس الذي كتب مذكرات مليئة بالأحداث والتحليل العميق بعنوان" في ألغاز السلطة Dans les arcanes du pouvoir"، لكنها لم تلق رواجا واسعا للأسف الشديد، كما أنها لم تترجم إلى العربية في حدود علمي، إلا أنه ما يلاحظ فيها أن رشيد بن يلس لم يتحدث إطلاقا عن هذا التنسيق مع الإبراهيمي وعلي يحيى عبدالنور، ويعود ذلك إلى توقف مذكراته عند تولي بوتفليقة الرئاسة لأن هذا التنسيق تم بعد ذلك.
أما الجزء الرابع والأخير من مذكرات طالب الإبراهيمي الممتدة من 1988إلى2019، فقد تميزت نوعا ما بتصفية حساب مع بوتفليقة ونظامه، وكذلك يظهر فيها بأنه غاضب من بن بلة لدرجة أنه يرفض حتى لقائه رغم كل إلحاحات بن بلة وإصراره على ذلك. ويقول صراحة بأنه لن يغفر له ما فعله مع أبيه البشير الإبراهيمي من ضرب وإهانة، وكذلك سجنه هو نفسه في 1964 أين لقي تعذيبا بشعا. فقد وصف ذلك كله بالتفصيل في الجزء الأول من الجزء الأول من مذكراته الممتدة من 1932 إلى 1965. لعل هذا ما يفسر إلحاح بن بلة على إبعاد تهمة الإساءة إلى الشيخ البشير الإبراهيمي، فقد شوهد مرة في لقاء لبعض المجاهدين يصرخ في وجه عبدالرحمن شيبان الذي كان آنذاك رئيسا لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين الحالية، ويقول له " يجب أن تشهد، وتقول للناس بأني لم أمس أو أسيء للشيخ البشير الإبراهيمي، وتشهد أننا ذهبنا معا إليه في زيارة العيد"، وأكتفى عبدالرحمن شيبان بطأطأة رأسه كأنه يوافق بن بلة فيما يقوله. ولايتواني طالب الإبراهيمي في لقائه الوحيد مع بن بلة الذي جاء صدفة في الذكرى الأولى لوفاة حافظ الأسد أين ألقى كلمة، ونوه فيها ببومدين نكاية في بن بلة الذي يبدو أنه لا يتحمله بشكل لا يمكن وصفه. ويصر طالب الإبراهيمي على رفض أي لقاء معه رغم كل إلحاحات عبدالرحمن شيبان ومحمد الصالح يحياوي الذي يتحدث عنه كثيرا أيضا في الجزء الرابع من مذكراته وعن علاقاته الوطيدة به، ولعل ذلك يدخل أيضا في إطار تبرئة ذمته من تهمة مساهمته في تصفية البومدينيين في عهد بن جديد أين لقي يحياوي عملية إبعاد مثيرة مثله ومهينة مثله في ذلك مثل بوتفليقة وبلعيد عبدالسلام وسيد أحمد غزالي وآخرين.
فبشان بلعيد عبدالسلام يرد عليه طالب الإبراهيمي بشكل غير مباشر في الجزء الرابع من مذكراته بالقول أنه يحقد عليه بسبب تعيينه من عبان رمضان على رأس الإتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين وأيضا كعضو في فيدرالية فرنسا لجبهة التحرير الوطني أين كان بلعيد عبالسلام يعتقد انه هو الأحق بذلك. فلأول مرة نفهم أمر لايمكن أخذه بجدية لأن عند قراءة كل ما يورده بلعيد عبدالسلام في كل شهاداته وكتاباته هو التهجم علي بوتفليقة متهما اياه بأنه يريد تكرار مشروع السادات في الجزائر بعد بومدين من خلال سعيه لخلافته، فينتقد أفكاره اللبيرالية المعادية للإشتراكية التي يؤمن بها عبدالسلام بشكل قوي جدا، ويقوم بنفس الأمر مع طالب الإبراهيمي الذي يحمله مسؤولية الإنحراف عن مشروع بومدين بتاثيره على بن جديد، كما يرى أن طالب الإبراهيمي حاقد على بومدين بعد ما أستبعده من مشروع صياغة الميثاق الوطني في 1976، وبأنه كان وراء فكرة إثرائه وإعادة صياغته في 1986 أين لعب فيه الإبراهيمي دورا كبيرا، خاصة في مقدمته التاريخية التي ركز فيه على العمق التاريخي الأمازيغي للجزائر، لكن يقول عبدالسلام أنه كان وراء وضع الخطوات الأولى للتخلي التدريجي عن الإشتراكية في هذا الميثاق.
لكن ما يفهم من كلام بلعيد عبدالسلام بشكل غير مباشر هو أن بومدين أراد تعويض مجموعة وجدة بكل من طالب الإبراهيمي وبلعيد عبدالسلام كي يضرب بهما بوتفليقة بصفته الوحيد المتبقي من مجموعة وجدة التي أنسحب أغلب اعضائها كقايد أحمد الذي أصبح منفيا ومعارضا ومدغري الذي انتحر وشريف بلقاسم الذي سعى بوتفليقة لإبعاده بسبب إتهامه بأنه هو الذي قدم لبومدين زوجته أنيسة التي أصبحت أكثر تأثيرا عليه أين بوتفليقة يريد ان يكون هو المؤثر الوحيد على بومدين. فهذا يعني أن الصراع بين الثلاثة طالب الإبراهيمي وبوتفليقة وبلعيد عبدالسلام هو حول من يكون الأقرب من بومدين والمؤثر فيه ويكون فمه في اذنه. فهل لايعلم هؤلاء ان بومدين عادة ما يسير سلطته باللعب على التناقضات، وهو يعرف جيدا مختلف التناقضات الموجودة بين هؤلاء الثلاثة، والتي ستظهر بجلاء فيما بعد في سياسات بوتفليقة إتجاهمها بعد توليه السلطة، وكذلك في مذكرات وشهادات كل من طالب الإبراهيمي وبلعيد عبدالسلام.
يوجه طالب الإبراهيمي في الجزء الأخير من مذكراته نقدا لاذعا لبوتفليقة وسياساته، كما يذكر مواقفه من توقيف المسار الإنتخابي أين بقي يدعو إلى الحوار الوطني وتعرضه لتهجمات السلطة عبر صحافتها، كما لا يتواني على ذكره توظيف ما يسميها السلطة الفعلية كل من عمار سعيداني والصادق بوقطاية وعبدالرحمن بلعياط ضده في مؤتمر حزب جبهة التحرير الوطني حيث أثار الثلاثة فوضى وصراخ في قاعة المؤتمر في1998 عندما دعا الإبراهيمي في كلمته إلى الحوار الوطني دون أي إقصاء بما فيه الفيس المنحل، ويقول في مذكراته أن هؤلاء الثلاثة تلقوا مكافأة بالمناصب فيما بعد مقابل قيامهم بذلك، وهو يحاول من خلال ذلك أن يعطينا فكرة عن أساليب الصعود في الجزائر البعيدة كل البعد عن الكفاءة والنزاهة.
غضب طالب الإبراهيمي من وصفه بأنه الزعيم الروحي للإرهاب من خلال الإعتقاد أو الترويج العمدي في نظره بأنه يدعم الفيس المنحل، وكذلك غضب من وصفه ب"بني صدر الجزائر". وهنا يجب أن نتوقف قليلا عند هذه التهمة الأخيرة، فبني صدر هو مثقف لبيرالي متشبع بالثقافتين الغربية والإسلامية، ولا يرى أي تناقض بين الإسلام واللبيرالية والديمقراطية والحداثة وغيرها مثل طالب الإبراهيمي، فقد وقف بني صدر إلى جانب الخميني أثناء الثورة الإيرانية، وشارك فيها بقوة، لكنه أستخدم فقط مثله مثل مهدي بزرجان والكثير من أمثال بني صدر كجسر لوصول المتطرفين الدينيين إلى السلطة وأخذها كاملة في إيران أين هرب منها بني صدر وهو بلباس نساء، وكان سيعدم كما أ‘دم آخرين مثله لو ألقي عليه القبض. فقد تحدثنا عن ذلك في مقالة سابقة لنا بعنوان "بركان في إيران- مستقبل الجمهورية الإسلامية-"(الحوار المتمدن عدد7479 ليوم01/01/2023). فلا يمكن لأي باحث او متتبع موضوعي بان طالب الإبراهيمي ديمقراطي ومتفتح ومعتز بجزائريته بكل أبعادها الأمازيغية العربية المسلمة، بل بإمكانه التعايش مع الجميع في إطار الإحترام المتبادل، وكذلك مثقفا، فهو صحيح يشبه نوعا ما أبو الحسن بني صدر. ولهذا الذين وصفوه بذلك هم في الحقيقة يحذرونه من متطرفي الفيس الذي سيستخدمونه فقط قبل أن يلقى نفس مصير بني صدر في إيران. وهنا نتساءل هل كان يعلم طالب الإبراهيمي بذلك، وهو ما يدفعنا إلى الإشارة إلى مسألة هامة يتحدث فيها في الجزء الأخير من مذكراته، وهو لقائه الأول بعباسي المدني الذي لم يلتقي معه إلا بعد تأسيس الفيس، ثم أصبح يزوره في البيت. وقد قال الإبراهيمي صراحة بأنه كثيرا ما كان يحذر عباسي المدني من أمر هام جدا، وهو عدم تهديد الوحدة الوطنية بزيادة تهميش مناطق في الجزائر التي رأى أنها كانت مهمشة أصلا منذ1962، وهي منطقة القبائل والصحراء، خاصة وادي ميزاب وجنوبها الغربي، ويحذره من ذلك. وهو ما يدل أنه لاحظ الإبراهيمي أن هناك أفكارا في هذا الصدد كانت موجودة بقوة عند الكثير من مناضلي الفيس. كما كان ينتقد الفيس قائلا لعباسي مدني بأن البرنامج الإقتصادي للفيس غير واضح، وأكثر من هذا، وهو لب الحديث كان يطالبه أيضا بإلحاح على توضيح موقف الفيس من مسألة المواطنة. وهو ما يدل على وجدود أفكار إقصائية لدي الكثير من مناضلي الفيس بما فيها عباسي المدني خول حقوق المواطنة ومساواة الجميع في الحقوق والواجبات كما نصت على ذلك كل مواثيق الحركة الإستقلالية، وكذلك بين أول نوفمبر الذي يستند عليه طالب الإبراهيمي، والذي يقول بّ"إحترام كل الحريات الأساسية دون أي تمييز عرقي أو ديني". نعتقد ان الإبراهيمي قد تخوف من مصادرة الفيس لحقوق المواطنة للكثير من الجزائريين. ونعتقد أنه من الأسباب التي اتخذت لإيقاف المسار الإنتخابي في1992 خوفا من إقصاء مواطنيين من حقوقهم كما وقع في إيران مع أهل السنة والعرب والأكراد والبلوش والآذاريين بشكل اقل، وكذلك خوفا من المساس بمناطق رفضت السير مع الفيس، وهو ما سيهدد الوحدة الوطنية. نعتقد أن طالب الإبراهيمي يجب ان لاتغيب عنه هذه الأمور التي لاحظها، لكن تغاضى عنها فيما بعد بسبب إنسياقه وراء معارضتة للقيادة العسكرية أثناء التسعينيات.
لكن لانستبعد أن يكون تجاوزه وتغاضيه عن هذه الأخطار الآتية من الفيس أملته عليه طموحه الكبير للوصول إلى الرئاسة الذي لم يغادره منذ المؤتمر السادس لحزب جبهة التحرير الوطني ثم مشاركته في إستحقاقين رئاسيين هما 1999 و2004 أين يروي في مذكراته كل الأساليب المستعملة لتزوير الإنتخابات متهما القيادة العسكرية مباشرة بقوله أن أعضاء الهيئات النظامية كالعسكريين والشرطة ورجال الأمن والحماية المدنية وغيرها كانت تنتخب ثلاث مرات في الثكنة ومدينةعملهم وبالوكالة في مكان الوالدين، كما يتحدث عن ثلاث ملايين صوت وهمية أضيفت إلى القائمة الإنتخابية عشية رئاسيات.1995، ويوجه التهمة للقيادة العسكرية بقوله أن اسلوبها هو المساهمة في تزوير الإنتخابات عند إختيارها رئيس جديد مثل بوتفليقة في1999 ثم تقول أنها محايدة بعد ما ينجح الرئيس الجديد في الإستيلاء على الإدارة والمؤسسات وووسائل الإعلام وغيرها التي يزور بها هو شخصيا كل الإستحقاقات دون أي تدخل من القيادة العسكرية. فهنا يفسر طالب الإبراهيمي التناقض بين دعوته إلى إبعاد الجيش من السياسة و مطالبته له بالتدخل لجماية المؤسسات من الإستغلال، ومنها الجهاز الإداري فيما بعد لأن في نظره أن الحياد يجب أن يشمل كل المؤسسات.
يتحدث الإبراهيمي في مذكراته بالتفصيل عن إنتخابات 1999 وكيف تم تزويرها في نظره وعملية إنسحابه مع الخمس المرشحين الآخرين، كما يتحدث أيضا عن رفض ملف ترشيحه في 2004 وعن كل العراقيل التي وضعت في وجهه.
ما يثير الإنتباه أن الإبراهيمي يقدم أفكاره ومشروعه السياسي والإقتصادي في مذكراته، وكأنه سيحول الجزائر إلى جنة لو أصبح رئيسا منتقدا النظام الذي ساهم في بنائه وتأسيسه، فهو سلوك لصيق بكل الذين كانوا في السلطة مثل سيد حمد غزالي الذي سمى نفسه بأنه كان "حركي النظام"، ونجد نفس الأمر عند أغلبيتهم، ومنهم طالب الإبراهيمي، لكن نعتقد أن الريع والطموحات السلطوية هي التي تحرك كل هؤلاء. فلا نعتقد أن طالب الإبراهيمي لو كان رئيسا مكان بوتفليقة سيفعل أحسن منه، ولو أنه يظهر بشخصية المثقف والمتفتح الذي لا ننكر ذلك عنه، لكن شخصيته ضعيفة جدا، ولانعتقد أنه بإمكانه أن يواجه ضغوطات اللوبيات المختلفة داخل النظام وخارجه. خاصة ان كثيرا ما صوره الذين كانوا في وزارة الخارجية أثناء توليته لها بأنه ضعيف، وكانت هذه الوزراة في فوضى عارمة في وقته، فكيف ستكون مؤسسة الرئاسة.
فمادام نتحدث عن الذين كانوا في السلطة ثم أبعدوا منها يحضرني محي الدين عميمور الذي يكتب كثيرا، وهو مشكور على ذلك، لكن ما نستغربه هو عندما يقول في كتابه عن بوتفليقة "فرص ضائعة" بانه كان ضد العربية ومغرم بالفرنسية وضد الإسلاميين، وبأن العربي بلخير الذي لا يخفي عميمور كرهه له هو الذي أوصله إلى السلطة في1999، وهو نفس الكلام يردده أيضا الإبراهيمي. لكن عميمور رغم معرفته بكل ذلك عن بوتفليقة والإهانات التي لقيها على يده، إلا أنه أيده في كل الرئاسيات، ودافع عنه، وشارك في كل الحملات الإنتخابية المدعمة له، وهو ما يدل دلالة قاطعة بأن لامباديء ولاقيم ولا أيديولوجية تحرك هؤلاء، بل ما يدفعهم إلى ذلك بالتطبيل لكل من هو في السلطة هو مجرد الإستفادة من الريع أو منصب مهما كان صغيرا لا غير. ولو أن طالب الإبراهيمي يختلف عن عميمور كثيرا في كل شيء، فعميمور يستحيل ان يطمح أكثر من منصب وزاري أو إداري يستفيد منه ريعيا وسلطويا، لكن طالب الإبراهيمي يفوق عميمور كثيرا، لأنه يرى نفسه في منصب الرئاسة، وليس اقل من ذلك، والدليل أننا نعرف كلنا أنه هو مرشح الفيس لرئاسة الحكومة بعد تشريعيات 1991، لكنه يقول في مذكراته أنها مجرد إقترحات من ضمن آخرين من عباسي المدني، لكنهم يركزون عليه عمدا، ولايتواني على القول أن آيت أحمد هو الذي رشحه الفيس لرئاسة الحكومة بعد فوزه بتلك الإنتخابات، فكأن لايليق بطالب الإبراهيمي إلا رئاسة الجمهورية.
نعتقد أن الوحيد من ضمن كل هؤلاء الذين كانوا في السلطة الذي يمتلك مشروعا فعليا لنقل وإصلاح النظام في الجزائر هو مولود حمروش لاغير سواء اتفقنا أو أختلفنا معه، أما الباقي فهو كلام فقط وعمموميات بما فيهم طالب الإبراهيمي.
كنا نتمنى أن نجد لدى طالب الإبراهيمي تكذيبا لما أورده محمد حربي حول تخطيطه مع مجموهة من مناضلي الأفالان، ومنهم عسكريين لتحويل الجزائر إلى جمهورية إسلامية في المؤتمر الخامس للحزب في 1984، لكن لم يقل أي شيء عن ذلك، ولم يرد عليه، إلا انه ممكن أن يكون صحيح بسبب قوله لعباس المدني بأن الوحدة الوطنية هي قبل كل شيء، وحتى على حساب إقامة جمهورية إسلامية، وهو ما يدفعنا إلى التساؤل: هل كان يؤيد هذه الفكرة أم مجرد زلة لسان؟.
يصر الإبراهيمي على إظهار نفسه في صورة المثقف من خلال ذكر كل نشاطاته الثقافية، خاصة في الجزء الأخير من مذكراته أين خصها بفصل يضم أكثر من مئة صفحة. وهو يبدأ هذا الجزء من مذكراته بحوار بينالخليفة العباسي المأمون وشيخ عجوز يقول له بأنه يتحدث مع من لايسمع ولا يتكلم، وهو الكتاب الذي لا ننفي أن الإبراهيمي مولع به. ولعل هذا هو الذي جعله أكثر تفتحا، ويجمع بين الثقافتين الإسلامية والغربية، ويمزجها في إيمانه بالإسلام والعربية والأمازيغية والديمقراطية والعدالة الإجتماعية ومبدأ المواطنة وغيرها. لكن هناك فرق كبير بين ممارسة السلطة المتأثرة بكل الضغوطات واللوبيات والمصالح وإيمان الإبراهيمي الصادق فعلا بأفكار جميلة وجامعة لكل الجزائريين مهما كانت توجهاتهم وثقافاتهم وألسنتهم كما يراها في مذكراته المعنونة ب"مذكرات جزائري"ن وهو يقصد بذلك الجزائري المعتز بإسلامه وعربيته وأمازيغيته وتاريخه الممتد على آلاف السنين، وهي الأبعاد التي يعتقد الإبراهيمي أنه يجب على كل جزائري أن يعتز بها، ويدافع عنها، ويعيشها في يومياته وممارساته.



#رابح_لونيسي (هاشتاغ)       Rabah_Lounici#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السؤال الجوهري هو: كيف نقيم دولة في خدمة المجتمع كله وليس فئ ...
- إيران فوق بركان-مستقبل الجمهورية الإسلامية-
- تشريعيات تونس الأخيرة-نهاية الثقة الشعبية في العمليات الإنتخ ...
- من أجل ممارسة مواطنية فعالة في منطقتنا
- القمة العربية الأخيرة في الجزائر-قراءة في مخرجاتها-
- رهانات القمة العربية القادمة في الجزائر
- إعلان الجزائر2022 الموحد للفصائل الفلسطينية-رهاناته وإنعكاسا ...
- الماهاتما غاندي في مواجهة الجشع الرأسمالي
- الجذور البعيدة والقريبة للدولة الإجتماعية في الجزائر
- أي مضمون لشعار- لم الشمل- في ستينية إسترجاع الجزائر إستقلاله ...
- سيد قطب وبرتراند راسل -التزوير الفاضح-
- مقاربة لتحرير الديمقراطية من الرأسمالية الإستغلالية
- مستقبل العلاقات الجزائرية-الفرنسية بعد إعادة إنتخاب ماكرون
- صعود اليمين المتطرف وعودة فكرة إعادة بناء الأمبرطوريات
- هل ستتحطم روسيا بتكرار حرب يوغوسلافيا في أوراسيا؟
- هل وقع بوتين فعلا في فخ أمريكي؟
- موقع أوكرانيا على رقعة الشطرنج الكبرى
- كيف تجسست المخابرات الصهيونية على قمم عربية وإسلامية؟
- هل ناقض مالك بن نبي الآيات القرآنية والطرح الخلدوني حول البد ...
- توسيع عملية التمدين لإضعاف العصبيات الخلدونية


المزيد.....




- ترامب: جامعة كولومبيا ارتكبت -خطأ فادحا- بإلغاء حضور الفصول ...
- عقوبات أميركية جديدة على إيران تستهدف منفذي هجمات سيبرانية
- واشنطن تدعو بغداد لحماية القوات الأميركية بعد هجومين جديدين ...
- رئيس الوزراء الفلسطيني يعلن حزمة إصلاحات جديدة
- الاحتلال يقتحم مناطق بالضفة ويشتبك مع فلسطينيين بالخليل
- تصاعد الاحتجاجات بجامعات أميركية للمطالبة بوقف العدوان على غ ...
- كوريا الشمالية: المساعدات الأمريكية لأوكرانيا لن توقف تقدم ا ...
- بيونغ يانغ: ساحة المعركة في أوكرانيا أضحت مقبرة لأسلحة الولا ...
- جنود الجيش الأوكراني يفككون مدافع -إم -777- الأمريكية
- العلماء الروس يحولون النفايات إلى أسمنت رخيص التكلفة


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رابح لونيسي - تفكيك مذكرات أحمد طالب الإبراهيمي أو بني صدر الجزائر