أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رابح لونيسي - هل وقع بوتين فعلا في فخ أمريكي؟















المزيد.....

هل وقع بوتين فعلا في فخ أمريكي؟


رابح لونيسي
أكاديمي

(Rabah Lounici)


الحوار المتمدن-العدد: 7193 - 2022 / 3 / 17 - 20:05
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    




فسر الأكاديمي وكاتب الدولة للشؤون الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر كل المناورات البريطانية وإستراتيجيتها في أوروبا على أساس وضعها وموقعها الجغرافي كجزيرة يفصلها بحر المانش عن أوروبا القارية، وذلك في كتابه الشهير"عالم أعيد بناؤه"، والذي هو في الأصل توسيع لرسالته في ماجستير التاريخ ناقشها عام 1954 أين تناول فيها بالتفصيل مؤتمر فيينا 1815 الذي جاء بعد الحروب النابولونية، ويحلل فيها بدقة متناهية تحركات ومناورات أبرز الفاعلين أنذاك كالفرنسي تاليران Tallyrandوالبريطاني اللورد كاستلري Castlereagh، لكن ركز أكثر على تحركات النمساوي فون مترنيخ von Metternich الذي تأثر به كيسنجر كثيرا فيما بعد عند وضع رؤيته للحرب الباردة ورسم إستراتيجية أمريكية ضد الإتحاد السوفياتي، كما أخذ عنه فكرة وأساليب تحول الدبلومسي إلى حكم ووسيط بين المتصارعين وإستغلاله ذلك لخدمة مصالح بلده، وهو الأسلوب الذي سيظهر بجلاء عند كيسنجر كوزير للخارجية، خاصة في الشرق الأوسط، والتي لايتوانى عن الحديث عن هذه الأساليب الدبلومسية في مذكراته، كما تناول في رسالته هذه التي تجاوزت 500صفحة السياسة البريطانية التي يراها أنها ثابتة، ويتحكم فيها موقعها الجغرافي كجزيرة، مما حتم عليها إصرارها الدائم على منع سيطرة أي قوة قارية على أوروبا لأن ذلك سيسمح لها بمحاصرة بريطانيا ومنع عليها كل شيء حتى الموت، وهو ما يفسر حرصها على الحفاظ على التوازن بين كل هذه القوى، خاصة بين فرنسا وألمانيا في كل مسارها التاريخي سواء في الحرب البروسية-الفرنسية 1870 وبعدها، وكذلك في الحربين العالميتين الأولى والثانية، فإن أختل التوازن لصالح ألمانيا دعمت فرنسا والعكس صحيح، وهو ما يظهر بحلاء في مؤتمر فرساي1919، فقد كان كيسنجر في تحليله هذا وفيا لإستراتيجيي بلده الأصلي ألمانيا الذين يقولون أن الجغرافيا هي التي تصنع التاريخ، وعلى رأسهم أب الجيوبولتيكا فريدريك راتسيل(1844-1904) بكتابه الهام "الجغرافية السياسية"، وهذا التأثير الجغرافي في التاريخ هو الذي يفسر تدريس التاريخ إلى جانب الجغرافيا في مادة واحدة في عدة دول في العالم.
نشير أن كيسنجر المتخصص في التاريخ كان يرفض العيش في الماضي العقيم كما يفعل الكثير من المختصين في التاريخ اليوم عندنا للأسف الشديد، فميعوا هذا التخصص، وجعلوه دون أي فائدة تذكر، فقد كان كيسنجر يعمل على توظيف الدراسات التاريخية لفهم الحاضر من أجل بناء المستقبل ولرسم مختلف الإستراتيجيات والسياسات الواجب إتباعها، فكيسنجر يعتبر التاريخ مخبرا لبناء المستقبل، وليس للعيش في الماضي العقيم، كما يرى أيضا أن الحاضر لايكرر الماضي، بل يمكن أن يتشابه معه، ولهذا فإنه يعتبر أن مهمة المؤرخ ليس في سرد الماضي بشكل عقيم، بل تتلخص في أن يعرف، ويحدد أوجه التشابه والإختلاف بين الماضي والحاضر كي يبني على أساسه المستقبل"، وهو ما يفسر إختياره لمؤتمر فيينا1815 الذي جاء بعد الحروب النابوليونية التي تشبه عالم ما بعد يالطا التي جاءت بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وكان كل همه هو هل بإمكان بناء سلام عالمي بعد هذه الحرب الخيرة يشبه سلام المئة عام في أوروبا الذي جاء بعد الحروب النابليونية ومؤتمر فيينا1815.
ان أسهب كيسنجر في الحديث عن هذا الموقع الجزيري لأنجلترا الذي يحدد سياساتها وإستراتيجيتها في أوروبا، فإنه عادة ما يخفي بأن أمريكا تشبه أيضا وضع أنجلترا بالنسبة للعالم، وهو الذي يحدد أيضا إستراتيجيتها، فأمريكا أيضا محاطة بالمحيطات والبحاركالأطلنطي والهادي، وأي سيطرة لقوة عالمية على أوراسيا التي تضم آسيا وأوربا، فمعناه نهاية أمريكا وخنقها، ولهذا فهي تعمل دائما على منع أي تقارب روسي- أوروبي مهما كان الوضع، وهو الذي يفسر عدائها للفرنسي شارل دوغول بحكم ترويجه لفكرة أوروبا من الأطلسي إلى جبال الأورال متأثرا في ذلك بنابليون بونابرت، وهي ما يعني أوراسيا بمفهومها الجيبوليتيكي، خاصة أنه قد سعى لتحسين علاقته مع روسيا، وهو ما من شأنه إبعاد أووربا عن النفوذ الأمريكي التي تحرص عليه أمريكا بكل قوة تحت شعار التحالف الأورو-أطلنطي، وعندما يتحدث صموئيل هنتنغتون عن الحضارة الغربية في مواجهة الحضارات الأخرى، فهو ينطلق من حرصه على هذا التحالف الأمريكي-الأوروبي.
تستهدف أمريكا دائما إبقاء أوروبا تحت نفوذها وفي مواجهة دائمة مع روسيا، كما تدفعها دائما إلى تهديد أوروبا لدفع هذه الأخيرة إلى أحضان أمريكا أكثر حفاظا على أمنها، وهو ما يظهر بجلاء أثناء الحرب الباردة، كما نشير أيضا إلى إقلاقها غرب أوروبا بالإرهاب المتستر بالإسلام الذي كانت توظفه أمريكا التي صنعته ليس فقط لزرع الفوضى وإيجاد مبررات للتدخل وفرض سيطرتها على المناطق القريبة من الطاقة أو لإقلاق روسيا من جهة آسيا الوسطى، بل أيضا لإقلاق أوروبا أمنيا إنطلاقا من جنوب المتوسط كي تكرس فكرة هنتنغتون حول الخطر الحضاري الإسلامي المتحالف مع الحضارة الكنفوشيوسية المتمثلة في الصين.
أشرنا في مقالة سابقة كيف سعت أمريكا إلى توسيع الحلف الأطلسي إلى أوروبا الشرقية منذ 1996 لدرجة وصولها إلى محاولات ضم أوكرانيا التي لها حدود مع روسيا، وهو ما يشكل خطرا أمنيا كبيرا على هذه الأخيرة بشكل مشابه نسبيا إلى شعور أمريكا بالخطر على أمنها عند تنصيب السوفيات صواريخ لهم في كوبا في 1961، كما أن ضم أوكرانيا إلى الحلف الأطلسي معناه منع روسيا تماما من إعادة بناء امبرطوريتها التي لايمكن أن تكون إلا بأوكرانيا، كما أن تضييعها أوكرانيا معناه أن روسيا أصبحت آسيوية، وفقدت أي دور أوراسي لها، لكن بلغ الإستفزاز الأمريكي أوجه بإيصال متطرفين إلى السلطة في أوكرانيا وقمعهم للسكان القريبين من روسيا في المناطق الحدودية معها، مما جعل هذه الأخيرة تدعم إنفصالها كمناطق عازلة عن أوكرانيا التي أصبحت موالية لأمريكا بفعل حكومتها الجديدة، فتمكنت أمريكا بإستفزازاتها من دفع روسيا إلى التصرف العسكري، وهو ما سيجعل أوروبا ترتمي أكثر في أحضان أمريكا للدفاع عن أمنها، كما ستسقط هذه الحرب الروسية-الأوكرانية مشروع الدفاع الأوروبي وضرورة بناء قوة أوروبية مستقلة عن أمريكا، كما أنها ستعزل روسيا أكثر عالميا، ويمكن ان يحطمها إقتصاديا، ولو أننا لايمكن أن نجزم بذلك لأن هناك إحتمال بناء نظام إقتصادي عالمي مستقل عن النظام الرأسمالي الغربي، كما يمكن أن يكون بداية فك الإرتباط بالرأسمالية العالمية التي تحدثنا عنها كثيرا في عدة مقالات سابقة، وهو ما من شأنه إخراج دولنا من تخلفها الإقتصادي وتبعيتها للمراكز الرأسمالية المتمثلة في أمريكا وفرنسا وبريطانيا.
فبغض النظر عن ذلك كله، فإننا نعتتقد أن بوتين قد أرتكب خطأ قاتلا شبيه بخطأ هتلر وكذلك أردوغان، فهو لم يأخذ بطرح مستشاره ألكسندر دوغين الداعي إلى التقرب من أوروبا، خاصة ألمانيا لبناء تحالف اوراسي يحاصر أمريكا، وهو نفس الخطأ الذي ارتكبه هتلر الذي لم يأخذ بنصيحة هاوسهوفر الداعي إلى التقارب مع روسيا لمحاصرة أنجلترا، ونفس الخطأ أرتكبه أردوغان الذي لم ياخذ بنصيحة داوود أوغلو بالتقارب الإقتصادي مع الدول التي كانت تابعة للدولة العثمانية، وبناء علاقات وطيدة وشراكة إقتصادية معها بناء على مبدأ صفر أعداء كي يركز على العامل الإقتصادي في إعادة بناء تركيا كمنطلق لإعادة بناء الأمبرطورية العثمانية بشكل سلس وناعم، لكن أنحرف أردوغان عن ذلك بعد إندلاع ما يسمى ب"الربيع العربي"، فأنقلب على عدة دول أقام معها شراكات إقتصادية من قبل، فدخل في صراع معها، ومنها مصر وسوريا، مما أضعف تركيا أكثر بعد ما أعتقد أردوغان أن ما يسمى ب"ثورات الربيع العربي" ستوصل حلفائه من الإخوان المسلمين إلى السلطة، فهل سيكشف لنا المستقبل أن أمريكا كانت وراء هذه الإنتفاضات لخدمة مصالحها الإستراتيجية، وكذلك لدفع أردوغان إلى هذا الخطأ؟، وهل ينطبق نفس الأمر مع بوتين اليوم الذي يمكن أن يدفع بحربه على أوكرانيا إلى عزل روسيا عالميا بعد إستفزازات أمريكية له، والتي وضعته في الحائط أمام هذا الوضع الخطير، ولم تترك له أي خيار آخر إلا الحرب، كما علينا أن نذكر بأن كل المبادرين بإعلان الحروب الكبرى يحققون إنتصارات في البداية ثم يتلقون هزيمة نكراء تعيد دولهم إلى نقطة الصفلر بداية بنابليون بونابرت في فرنسا ثم ألمانيا في الحرب العالمية الأولى ثم هتلر في الحرب العالمية الثانية، ولا ننسى ذكر صدام حسين في السنوات الأخيرة.
ان أنكسرت روسيا بهذه الحرب، فمعناه الإنتصار الكبير للحلف الأوروبي-الأطلنطي وفرض أمريكا سيادتها العالمية بعد ما فشلت تكريسها نهائيا بعد الحرب الباردة، أما الخاسر الأكبر سيكون الصين أيضا التي ستفقد الموارد الطاقوية الروسية حتى ولو حاولت ان تكون طرفا ثالثا بين المعسكرين الروسي والأمريكي، كما ستخسر دولا أخرى التي ستصبح تحت الرحمة الأمريكية، أما دول منطقتنا، فسيسوء وضعها بشكل أكبر لأنها ستكون تحت سيطرة أمريكا والغرب لأنها لن تجد بمن ستحتمي كما كانت تفعل أثناء الحرب الباردة بإحتمائها بروسيا وأيضا كما تفعل في السنوات الأخيرة بعد ما صعدت كل من الصين وروسيا.
ونشير انه إن وقع ذلك، ستصبح أول حادثة تاريخيا لأنه دائما ما كانت الدول الجزيرية تنهزم أمام الدول القارية كما وقع مع روما القارية التي أحرقت قرطاجة البحرية، وتراجع أنجلترا نهائيا بعد الحرب العالمية الثانية، لكن ليس لصالح قوة قارية كفرنسا أو ألمانيا، بل لصالح أمريكا.



#رابح_لونيسي (هاشتاغ)       Rabah_Lounici#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- موقع أوكرانيا على رقعة الشطرنج الكبرى
- كيف تجسست المخابرات الصهيونية على قمم عربية وإسلامية؟
- هل ناقض مالك بن نبي الآيات القرآنية والطرح الخلدوني حول البد ...
- توسيع عملية التمدين لإضعاف العصبيات الخلدونية
- معضلة الإقلاع الإقتصادي في منطقتنا بين الوطنية الإشتراكية وا ...
- ماذا بقي من -علم الإستغراب- لحسن حنفي؟
- هل سار ماكرون على نفس خطى جيسكار ديستان؟
- هل الشمولية الإلكترونية هو الخطر القادم؟
- مقاربة جديدة للحد من تكرار أحداث تونس أو غيرها
- الحل الأمثل للدفاع عن الإنسان في فلسطين
- عرقلة حركة التاريخ بغطاء ديني
- أفكار فوضوية دون باكونين
- الخريف العربي والحراك الجزائري-أوجه التشابه والإختلاف-
- دعوة لربط تجريم الإستعمار بالقضاء على نظام إقتصادي عالمي مجح ...
- قراءة في المشروع التمهيدي لقانون الإنتخابات الجزائري-المساوا ...
- أي دور للزراعة في تحقيق الإقلاع الإقتصادي؟
- الديمقراطية والرأسمالية بين التناقض والترابط
- موريس جولي والتأسيس للميكيافيلية الناعمة
- الإستعانة بمالك بن نبي لقراءة تصريحات ماكرون الأخيرة
- من أجل هدف إستراتيجي أعلى ومحركات لتحقيقه


المزيد.....




- لماذا تهدد الضربة الإسرائيلية داخل إيران بدفع الشرق الأوسط إ ...
- تحديث مباشر.. إسرائيل تنفذ ضربة ضد إيران
- السعودية.. مدير الهيئة السابق في مكة يذكّر بحديث -لا يصح مرف ...
- توقيت الضربة الإسرائيلية ضد إيران بعد ساعات على تصريحات وزير ...
- بلدات شمال شرق نيجيريا تشكل وحدات حماية من الأهالي ضد العصاب ...
- أنباء عن -هجوم إسرائيلي محدود- على أهداف في العمق الإيراني و ...
- قنوات تلفزيونية تتحدث عن طبيعة دور الولايات المتحدة بالهجوم ...
- مقطع فيديو يوثق حال القاعدة الجوية والمنشأة النووية في أصفها ...
- الدفاع الروسية: تدمير 3 صواريخ ATACMS وعدد من القذائف والمسي ...
- ممثل البيت الأبيض يناقش مع شميغال ضرورة الإصلاحات في أوكراني ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رابح لونيسي - هل وقع بوتين فعلا في فخ أمريكي؟