أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رابح لونيسي - إيران فوق بركان-مستقبل الجمهورية الإسلامية-















المزيد.....


إيران فوق بركان-مستقبل الجمهورية الإسلامية-


رابح لونيسي
أكاديمي

(Rabah Lounici)


الحوار المتمدن-العدد: 7479 - 2023 / 1 / 1 - 16:32
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


نستسمح الإعلامي المصري الكبير الراحل محمد حسنين هيكل بأخذ عنوان مقالتنا هذه حول مستقبل الجمهورية الإسلامية في إيران من كتابه "إيران فوق بركان" الذي ألفه عام1951، وهو أول كتاب له من ضمن العشرات من كتبه التي أخذت صيتا عالميا. وهو الكتاب الذي ألفه بعد زيارة له إلى إيران كمراسل لصحيفة "أخبار اليوم" أثناء معركتها في تأميم البترول على يد محمد مصدق التي أجهضتها المخابرات الأمريكية في إطار عملية مخابراتية إسمها السري هو ""آجاكس"، ورواها بالتفصيل "كيرميت روزفلت" الذي يعد أبرز مخطط ومنفذ لها في كتابه "الإنقلاب المضاد- الصراع من أجل السيطرة على إيران-". فقد تركت هذه العملية أثرا كبيرا إلى حد اليوم على الشعب الإيراني الذي يتحرك دائما ووراءه ما حدث في تلك الفترة، مما يدل على مدى تأثير بعض الأحداث التاريخية في نفسيات الشعوب، وهو ما يدفعنا إلى طرح عدة تساؤلات حول هذه التأثيرات على ما يحدث في إيران اليوم.
تعرف إيران منذ شهور إنتفاضة عارمة بعد مقتل فتاة على يد الحرس الثوري بسبب الحجاب أو أنها لم تغطي شعرها كما يجب حسب ما تنص على ذلك القوانين الإيرانية، وهو ما يعطي لنا دليل آخر أن الكثير من الثورات والهزات الكبرى يشعلها فتيل لم يكن في الحسبان مثل ضرب الشرطية التونسية لبائع خضار، مما أدى إلى ما يسمى ب"الربيع العربي" الذي قلب أوضاع المنطقة رأسا على عقب سلبا، وليس إيجابا كما كان من المفروض أن يقع.
أختلف المتابعون لما يحدث في إيران بين من يعتقد أنها مجرد إنتفاضة لاتختلف عن إنتفاضات سابقة دون أي تأثير على النظام القائم الذي اكتسب تجربة في التعامل معها وبين من يرى بسبب إستمرارها لشهور، بأنها من الممكن أن تؤدي إلى تغيير جذري في هذا البلد الذي عرف ثورة في 1978 شاركت فيها كل أطياف المجتمع الإيراني ضد نظام الشاه بهدف إقامة جمهورية ديمقراطية تعود على جميع الإيرانيين بكل أطيافهم. قد أنبهر العالم آنذاك بالشعب الإيراني الذي واجه أحد أبشع الأنظمة الدكتاتورية في العالم، وقد عبرعن هذا الإنبهار الكثير من المفكرين، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر الفيلسوف الفرنسي الشهير ميشال فوكو المعادي والمفكك لكل ما يعتبره أنها رقابة السلطة على حريات الإنسان. كما أعادت تلك الثورة آنذاك بسبب قيادة الخميني لها إلى الساحة أفكار عالم الإجتماع الألماني ماكس فيبر حول دور الشخصية الكاريزمتية في حركة التاريخ وتغيير المجتمعات، والتي مهد لها من قبل في أرٍبعينيات القرن19 توماس كارليل بكتابه "الأبطال" أين تحدث بإسهاب عن نبي الإسلام سيدنا محمد(ص). يبدو أن نفس الفكرة حول دور الإنسان والشخصيات الكبرى في تغيير التاريخ نجدها لدى الكثير من مفكري إيران، ومنهم مرتضى المطهري الذي يفصل في هذه القضية في كتابه "المجتمع والتاريخ" التي ناقش فيها مختلف نظريات تفسير حركة التاريخ، ليصل في النهاية إلى أن الإنسان بتضحياته وبطولاته هو العامل الأساسي في هذه الحركة، وهو ما يحتاج إلى نقاش واسع لا تتسع له هذه المقالة ، لكن نشير أنه قد سبق لنا مناقشة ذلك في عدة مقالات سابقة حول حركة التاريخ.
لكن أنهار ذلك الإعجاب بتلك الثورة بسرعة بعد سقوط نظام الشاه في إيران، وما تبع ذلك من إنحرافات وممارسات يندى لها الجبين. فقد أنتقلت إيران من دكتاتورية ملكية إلى دكتاتورية دينية بعد ما أستغل الإسلاميون المتطرفون تلك الظروف بقيادة الإمام الخميني، فسيطروا على كل مقاليد السلطة بالقضاء على كل حلفائهم بالأمس ضد الشاه، بل تم إعدام كل قادة المعارضة الديمقراطية واليسارية بدون رحمة، بل حتى الكثير جدا من أصحاب التوجه الإسلامي المعتدل والليبرالي مثل أبو الحسن بني صدر ومهدي بزرجان وإبراهيم يزدي وآية الله شريعة مداري وقطب زادة الذي تم إعدامه وغيرهم الكثير. فقد أنحرفت تلك الثورة إلى حكم يتولاه الفقهاء صراحة أو رجال الدين الذين أنتقلوا من دور توجيهي كما تقرر في البداية حسب ما وعد به الخميني من قبل إلى تولي السلطة التنفيذية فيما بعد، ليقيموا نظاما دينيا شموليا في إيران. فوضعوا بذلك بذور سقوطه بعد عقود شأنه في ذلك شأن كل الأنظمة الشمولية مهما كانت قوتها لأنها مبنية على القمع والإقصاء والتهميش لفئات عريضة من المجتمع، فكيف وصل الوضع إلى ذلك؟.
فقبل الإجابة على ذلك نشير إلى أنه مثلا نجد الكثير من يعتقد أن المفكر علي شريعتي هو منظر للثورة الإيرانية، ويروجون بأن فكره لايختلف حول ما أقيم فيما بعد، فهذه أكذوبة كبيرة، فلو عاش شريعتي هذه الثورة، سيلقى نفس مصير الكثير من المفكرين والسياسيين الذين تم إعدامهم أو إعتقالهم. فهل نسي هؤلاء أن شريعتي ذاته تم تكفيره من الكثير من رجال الدين في إيران بسب كتاباته ومعاداته لأفكارهم المتطرفة ولتشيعهم الذي سماه التشيع الصفوي الذي فضحه في كتابه "التشيع الصفوي والتشيع العلوي"، فالعلوي نسبة إلى سيدنا علي رضي الله عنه؟، فهل نسي هؤلاء أن شريعتي لم يكن إسلامويا كما يروج البعض، بل جمع ومزج بين مجموعة من الأفكار مستوحاة من قيم ومباديء الإسلام والماركسية والوجودية، وهو يعترف بذلك صراحة في كتابه "ثالوث العرفان والمساواة والحرية"، وهو ما يلاحظه كل من قرأ شريعتي بتمعن. نعتقد ان أبرز تنظيم يجسد أفكار شريعتي نسبيا هو مجاهدي خلق بقيادة مسعود رجوي، والذي يصفه البعض أنه "تنظيم ماركسي- إسلامي"، وكلنا نعرف المصير المأسوي الذي لقيه هذا التنظيم على يد الإسلامويين المتطرفين في إيران بعد ما لعب دورا بارزا أثناء الثورة وقبلها.
يحاول المتعاطف مع الثورة الإيرانية الإعلامي فهمي هويدي القريب من حركة الإخوان المسلمين تفسير ما وقع في إيران بعد سقوط الشاه في كتابه "إيران من الداخل" بمحاولات الإغتيال والتصفيات التي تعرض لها قادة الإسلاميين على يد اللبيراليين والشيوعيين، مما جعل الإسلاميون يأخذون السلطة كاملة، ويضطرون لإعدام خصومهم الذين أرادوا التخلص منهم. يبدو أن فهمي هويدي الذي برر تلك الإعدامات لم يفهم شيئا في الإيديولوجيات الشمولية وكيف تزحف على السلطة رويدا رويدا، ثم تقضي حتى على من تحالف معها. فالإسلاميون عموما شموليون مثلهم مثل النازية التي لم تفرض سيطرتها التامة على ألمانيا في 1933 إلا بعد إختلاقها أعمال عنف، ومنها إحراق مبنى البرلمان كي تستغل ذلك كأداة للقضاء على كل خصومها، وهو ما يطرح تساؤل من وراء تلك الأعمال التي وظفها النازيون لصالحهم. نعتقد انه نفس الأمر وقع في إيران في تلك الفترة، وهي نفس الأساليب التي استخدمها ستالين في الإتحاد السوفياتي، وهو نفس ما قام به النظام في الجزائر بعد1962 لفرض الدكتاتورية متذرعا بأحداث عنف كان وراءها عمليات إستفزاز عمدية للمعارضة، لتقع في المحظور، ثم يتخذ ذلك كوسيلة لفرض الدكتاتورية. ونضيف إلى ذلك محاولات الأنظمة الشمولية إشعال حروب مع الخارج لدفع الشعب للإلتحام معه ضد ذلك العدوان، مما يسمح لفرض النظام الشمولي، وهو ما وقع في إيران بعد إستفزاز عراق صدام، مما أدى إلى الحرب التي سمحت بسيطرة تامة للإسلاميين المتطرفين في إيران على مقاليد السلطة، وهو نفس السبب الذي أنتج الإرهاب ثم حكم نابليون بونابرت الدكتاتوري بعد الثورة الفرنسية1789 بإستغلال عدوان خارجي.
فبعد هذا التفسير للإنحراف الذي وقع للثورة الإيرانية التي انتهت إلى حكم ديني متطرف أين يتحكم في مقاليد السلطة الفقهاء، منطلقين في ذلك من النظرية السياسية التي وضعها الخميني في سلسلة محاضراته حول ولاية الفقيه ألقاها في النجف الأشرف عام1963 بعد نفيه من إيران بعد إنتفاضة مارس من نفس العام في المدرسة الفيضية في قم التي كان يدرس فيها. وقد جمعت هذه المحاضرات في كتاب عنوانه "الحكومة الإسلامية" أين يرى بأنه من الضروي أن يحكم الفقهاء بصفتهم ورثة الأنبياء أو خلفاء رسول الله (ص) بهدف تنفيذ أحكام الإسلام والشريعة الإسلامية. وعندما قال ذلك لم يكن أحد يعتقد أن هذه النظرية السياسية ستصبح هي المطبقة في إيران بعد 15سنة من إلقائها على طلبته في النجف. فهي التي ستؤسس لنظام ولاية الفقيه في إيران بعد ذلك. وقد أشار محمد حسنين هيكل في كتابه "مدافع آيات الله" أنه قال للخميني بأن الفقهاء لايفهمون في شؤون الحكم، فكيف سيحكمون، فرد عليه بالقول: هل الرؤساء والملوك يفهمون في شؤون الفضاء والإقتصاد، فعلى الأقل الفقهاء يفهمون في شؤون الشريعة؟.
نعتقد أن الإختلاف الحاد بين علماء الشيعة حول ولاية الفقيه هي التي ستكون وراء نهاية النظام الديني في إيران كما أنتهى في عام 1963 نظام ديني شيعي آخرمعاصر يتمثل في النظام الإمامي في اليمن الشمالي المبني على المذهب الشيعي الزيدي، والذي أغلق اليمن في وجه أي تطور وتحريمه كل ما من شأنه يقلق هذا النظام الذي كان الأشد تخلفا وإنغلاقا في تاريخ الشرق الأوسط الحديث والمعاصر. لعل البعض يقول قد عرفنا كيف أنتهى النظام الإمامي في اليمن الشمالي المبني على الزيدية، فكيف سينتهي نظام الملالي في إيران المبني على الإمامية الأثنى عشر؟.
فلنشر أن هناك خلاف كبير بين علماء الشيعة حول نظرية ولاية الفقيه للخميني، ففي داخل المؤسسة الدينية الشيعية هناك ثلاث نظريات متصارعة فيما بينها متعلقة بالمعتقدات الشيعية الإمامية الإثنى عشر، أحدها تقول بأنه لا يمكن إقامة ولاية الفقيه إلا على يد الإمام الغائب هو المهدي بعد عودته، وهو الإمام الأخير الذي غاب، وسيعود ليقيم حكم الإسلام بصفته الإمام الأثنى عشر الذين عينهم الله- حسب معتقداتهم- لخلافة ومواصلة الإمامة بعد وفاة سيدنا محمد (ص)، ففي المعتقد الشيعي أن الولاية كانت تنفذ سياسيا ودينيا أثناء وجود النبي محمد(ص) ثم الإمام علي وأبنائه، لكن في العهد العباسي أصبحت دينية فقط دون أي تدخل في المجال السياسي، ثم أنتهت دينيا وسياسيا بغياب المهدي الذي سيعود بعد إنتشار الظلم. ولهذا أبتعدت المؤسسة الدينية عن السياسة تماما، وأنشغلت بالمسائل الدينية التعبدية فقط، فحتى عندما أعلن الحكم الصفوي في إيران القرن16 بأن المذهب الشيعي هو مذهب الدولة لم يتدخل رجال الدين في السياسة.
لكن الخميني أحدث ثورة في المعتقدات الشيعية عندما قال انه من غير المعقول أن لا تنفذ أحكام الدين والشريعة حتى يعود المهدي الغائب، وهو الإمام الإثنى عشر، فقال بأنه يجب تعيين نائب المهدي المنتظر أو الغائب، ويتمثل في ولاية الفقيه الذي يمكن أن يكون شخصا واحدا أو مجموعة من الفقهاء الكبار، فهذا هو المنصوص عنه في دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية. فقد عارض فكرة ولاية الفقيه للخميني الكثير من رجال الدين الشيعة الكبار مثل آيات الله الخوئي مثلا، وهو أكبر المراجع الدينية للشيعة آنذاك، كما نجد أيضا كتاب هام لعالم دين شيعي لبناني هو الشيخ محمد جواد مغنية ينقض فيه فكرة ولاية الفقيه للخميني دينيا. ولهذا فبعد وفاة علي خامنائي الذي هو شديد المرض اليوم، سيعود هذا النقاش من جديد حول هذه النظرية ذاتها. ويمكن أن يتم التخلي نهائيا عن فكرة ولاية الفقيه في إيران كما يدعوا إلى ذلك الكثير من رجال الدين الشيعة ذاتهم حتى ولو خبا صوتهم نسبيا بسبب القمع الشديد، خاصة أنها ستكون هناك دعوات في إيران للتخلص من الحكم الديني للفقهاء، مما سيدعم أصحاب هذا الطرح، إضافة إلى الصراع حول من سيخلف خامنائي، ولهذا سيكون ذلك هو العامل الرئيسي حول نهاية نظام ولاية الفقيه في إيران.
فلنشر بأن بعض الإصلاحيين في إيران يطالبون بذلك، ومنهم الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي الذي يمكن تشبيهه بخروتشوف في الإتحاد السوفياتي. فلو سمح لخروتشوف بتنفيذ إصلاحاته في ستينيات القرن الماضي، فلن ينهار الإتحاد السوفياتي، لكن إصلاحات ميخائيل غورباتشوف في منتصف الثمانينات جاءت متأخرة جدا على عكس محاولات خروتشوف التي أجهضت، ومهدت لسقوط الإتجاد السوفياتي. ونقوم بنفس القياس على إيران والإصلاحيين بقيادة محمد خاتمي، وسيكون مصير إيران مثل مصير كل الأنظمة الشمولية المبنية على الإقصاء والتهميش لشرائح واسعة جدا من المجتمع التي تتحين الفرص للإنقضاض على المتسلطين عليها، وهو ما سيقع في إيران. خاصة انه اليوم قد ظهر جيلا جديدا مناقضا لكل أفكار الثورة، بل أصبح الكثير منه ضد الدين كرد فعل على التطرف الديني للفقهاء وحراس الثورة الذين يتدخلون في كل صغيرة وكبيرة، وهم في الحقيقة يتشكلون من الذين هاجروا من أرياف إيران إلى المدن الكبرى بسبب ما يسمى ب"الثورة البيضاء" التي أقامها الشاه في بدايات الستينيات، والتي دفعت إلى هجرات متتالية لهؤلاء بحثا عن العمل في المدن، لكنهم عاشوا في هوامشها، ولم يتمكنوا من التلاؤم مع حياة المدينة، ليشكلوا فيما بعد قاعدة عريضة للإسلاميين المتطرفين. وهي نفس الظاهرة التي تكررت في عدة دول مثل الجزائر أين كان هؤلاء المهاجرين من الأرياف إلى المدن، وعانوا من التهميش قاعدة للجبهة الإسلامية للإنقاذ. فعادة ما يحمل هؤلاء فكر منغلق ومعاد لسكان المدينة التي هاجروا إليها، ولم يجدوا أنفسهم فيها. فهؤلاء هم الذين استولوا على السلطة وأصبحوا قاعدة النظام الديني في إيران، كما انخرطوا بقوة في الحرس الثوري الإيراني.
كما لا ننسىى مختلف القوميات والطوائف الدينية المقصاة تماما في إيران كالأكراد الذين هم على المذهب السني، ونجد أيضا العرب والبلوش، وبشكل اقٌل الآذاريين الذي ينحدر منهم خاتمي. كما يعاني أهل السنة من تهميش كبير، فلا يسمح لهم بتولي أي منصب حتى ولو كانت مسؤولية بسيطة جدا في إيران، فالغريب أنه حتى مختلف المراكز الدينية السنية يتولى كل مسؤولياتها رجال دين شيعة. لكن ما يخشاه الكثير ومنهم الغرب هو أنه في حالة سقوط النظام، ستحدث فوضى، وممكن حرب أهلية بحكم التعدد القومي والطائفي وخلافات حتى بين رجال الدين ذاتهم، وهو ما من شأنه ان يؤدي غلأى فوضى وإضطرابات أمنية كبيرة تهدد منابع النفط وعدة دول مجاورة في المنطقة، خاصة الخليج. لكن هذه الفوضى يمكن أن يؤدي إلى حكم حراس الثورة أي الجيش الذي أنشاته الثورة للدفاع عنها إلى جانب الجيش الكلاسيكي الذي ليس له أي نفوذ يذكر مقارنة بحراس الثورة، وهو ما سيعيد إيران مرة أخرى إلى ما تعودت عليه من قبل، وهو حكم الصفويين ثم القاجار ثم البهلوي قبل ثورة 1978.
لعل البعض يعتقد أن هذا السقوط سيكون مدعوما من القوى الغربية، ومنها أمريكا، فهذا ليس صحيح على الإطلاق، فالغرب وأمريكا تضغط فقط على النظام لخدمة أهدافها ومصالحها، لكن ليس من مصلحتها سقوطه، بل ستتدخل لإنقاذه بشتى الأساليب، لماذا؟. أن سقوط نظام الملالي في إيران معناه سقوط النظام الذي تستخدمه أمريكا لتخويف جيران إيران، وهو ما يجعلها تفقد نفوذها وقواعدها في المنطقة، وهو ليس في مصلحتها. كما أن نظام الملالي في إيران يخدم بشكل غير مباشر الكيان الصهيوني لأن خوف دول المنطقة من إيران هو الذي دفع الكثير منها إلى التطبيع مع هذا الكيان وإقامة تحالفات معه لمواجهة هذا الخطر المشترك للكيان الصهيوني ولهذه الدول العربية. فمعناه نظام الملالي كان وراء تحويل العداوة من الكيان الصهيوني إلى إيران، ونجح الغرب فيما فشل فيه في عهد عبدالناصر عندما حاول تشكيل حلف بغداد لمواجهة الإتحاد السوفياتي بدل الكيان الصهيوني في منتصف خمسينيات القرن الماضي.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن مواصلة نظام الملالي في إيران معناه مواصلة الحرب الطائفية بين الشيعة والسنة في العالم الإسلامي، وبتعبير آخر إمكانية إحياء الفتنة الكبرى من جديد، فنحن نعلم دائما أن هذا الحرب الطائفية غابت نهائيا، خاصة بعد محاولات التقريب بين الشيعة والسنة الذي قادها الشيخ محمد شلتوت شيخ الأزهر في مصر منذ أربعينيات القرن الماضي الذي اصدر مجلة خاصة للتقريب بين المذهبين السني والشيعي. لكن عاد الصراع الطائفي بقوة بعد الثورة الإيرانية وإتخاذها المذهب الشيعي الإمامي الإثني عشر كمذهب للدولة، فسعت لنشره في العالم ألإسلامي كأداة لتصدير الثورة وفرض نفوذ ديني على هذا العالم، مما أدى إلى ردود فعل غذته الوهابية بشكل كبير كي تمتد حتى هي في هذا العالم في إطار البحث عن نفوذ ديني يستخدم كقوة ناعمة للسيطرة على شعوب العالم الإسلامي. فنشبت بذلك هذه الحرب الطائفية المدمرة التي تخدم الكيان الصهيوني الذي يوظفها لتفتيت دول المنطقة على أسس طائفية، كما يوظف أوهام عرقية لتفتيت دول في شمال أفريقيا.
وكي نأخذ فكرة عن محاولات إيران تصدير ما تعتبره ثورة إسلامية، فمثلا في الجزائر بعد الثورة الإيرانية التي تعاطف معها الشعب الجزائري بدأت تظهر بوادر محاولات تأثيرها في بداية الثمانينيات. فقد كانت تعرض أفلام عن هذه الثورة في عدة مساجد في الجزائر سيطر عليها إسلاميون أمام أعين السلطات التي صمتت عن ذلك معتقدة بأنه سيسمح بنمو التيار الديني يواجه به اليساريين والبومدينيين، هذا من جهة، كما كانت السفارة الإيرانية المقيمة آنذاك في شارع العربي بن مهيدي، وهو أكبر شارع في العاصمة توزع منشورات وكتب ومجلات إيرانية مجانا، ومنها مجلة "الشهيد" على الجزائريين أمام مرأى السلطات.
يمكن تفسير صمت السلطات الجزائرية بعدة أسباب، ومنها كما قلت دعم التيار الديني لمواجهة اليسار والبومدينيين بنفس الطريقة التي استخدمها أنور السادات في مصر لمواجهة اليسار والناصريين في بداية سبعينيات القرن الماضي، فلا بأس لنا أن نشير بأن الجزائر منذ1962 تتبع نفس خطوات مصر بوعي او دون وعي، ويعود ذلك إلى التشابه الكبير للنظامين في بنيتهما التأسيسية. فقد سبق لنا أن تنبأنا بالحراك الشعبي في الجزائر قبل ست أشهر من حدوثه بسبب منهج نتبعه لمعرفة مستقبل الجزائر من خلال تتبع ما يقع في مصر، حيث كل ظاهرة مصرية تظهر في الجزائر بعد سنوات (عد مثلا إلى مقالتنا "الجزائر على خطى مصر2011" في الحوار المتمدن عدد 5980 بتاريخ31/08/2018) . كما كان أيضا وراء هذا الصمت الجزائري أمام ممارسات سفارة إيران في الجزائر رغبة السلطة الجديدة بقيادة الشاذلي بن جديد إظهار نفسها أنها منفتحة على الحريات، وكذلك رغبتها في الحفاظ على علاقات وطيدة مع إيران، خاصة بعد ما أصبحت هي ممثلة مصالحها في أمريكا، ولكي تنجح أيضا في دبلومسيتها في تحرير الرهائن الأمريكيين في السفارة الإيرانية كي تعطي دفعا للسلطة الجديدة في الجزائر آنذاك. كما لا ننسى أن الجزائر لعبت دورا كبيرا لإنهاء الحرب الإيرانية-العراقية. ونشير بأن الجزائر كانت تنظر إلى إيران كنظام ثوري يمكن أن يكون حليف لها، فحتى في عهد بومدين كان من المفروض أن ينتقل الخميني إلى الجزائر في حالة طرده من باريس على عكس جارتها المغرب التي دعمت الشاه، ورحبت به بعد نفيه، ولو أنها طلبت منه الرحيل بسبب الإحراج الذي سببه الشاه للملك الحسن الثاني أمام الشعب المغربي الذي كان أيضا متعاطفا مع الثورة الإيرانية كغيره من شعوب المنطقة آنذاك، مما يدل عن إنعدام الفكر الطائفي في المنطقة آنذاك قبل تولي رجال الدين السلطة كاملة في إيران وتبنيهم نظام طائفيا، مما أثار ردود فعل لم تأخذ أبعادا كبرى إلا بعد نشوب الصراع السعودي- الإيراني حول زعامة العالم الإسلامي، والذي اتخذ الطائفية والدين كغطاء لذلك، لتزداد الطائفية أكثر بعد الغزو الأمريكي للعراق في2003 وظهور فضائيات مشبوهة تغذي ذلك، ولايستبعد أن يكون وراءها مخابرات صهيونية مثل الكثير من المواقع الإلكترونية التي تغذي اليوم الكراهيات على أسس أوهام عرقية في شمال أفريقيا في إطار حروب الجيل الرابع والخامس التي تستخدم مواقع التواصل الإجتماعي لتدمير المجتمعات والدول من الداخل.



#رابح_لونيسي (هاشتاغ)       Rabah_Lounici#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تشريعيات تونس الأخيرة-نهاية الثقة الشعبية في العمليات الإنتخ ...
- من أجل ممارسة مواطنية فعالة في منطقتنا
- القمة العربية الأخيرة في الجزائر-قراءة في مخرجاتها-
- رهانات القمة العربية القادمة في الجزائر
- إعلان الجزائر2022 الموحد للفصائل الفلسطينية-رهاناته وإنعكاسا ...
- الماهاتما غاندي في مواجهة الجشع الرأسمالي
- الجذور البعيدة والقريبة للدولة الإجتماعية في الجزائر
- أي مضمون لشعار- لم الشمل- في ستينية إسترجاع الجزائر إستقلاله ...
- سيد قطب وبرتراند راسل -التزوير الفاضح-
- مقاربة لتحرير الديمقراطية من الرأسمالية الإستغلالية
- مستقبل العلاقات الجزائرية-الفرنسية بعد إعادة إنتخاب ماكرون
- صعود اليمين المتطرف وعودة فكرة إعادة بناء الأمبرطوريات
- هل ستتحطم روسيا بتكرار حرب يوغوسلافيا في أوراسيا؟
- هل وقع بوتين فعلا في فخ أمريكي؟
- موقع أوكرانيا على رقعة الشطرنج الكبرى
- كيف تجسست المخابرات الصهيونية على قمم عربية وإسلامية؟
- هل ناقض مالك بن نبي الآيات القرآنية والطرح الخلدوني حول البد ...
- توسيع عملية التمدين لإضعاف العصبيات الخلدونية
- معضلة الإقلاع الإقتصادي في منطقتنا بين الوطنية الإشتراكية وا ...
- ماذا بقي من -علم الإستغراب- لحسن حنفي؟


المزيد.....




- فيديو يُظهر ومضات في سماء أصفهان بالقرب من الموقع الذي ضربت ...
- شاهد كيف علق وزير خارجية أمريكا على الهجوم الإسرائيلي داخل إ ...
- شرطة باريس: رجل يحمل قنبلة يدوية أو سترة ناسفة يدخل القنصلية ...
- وزراء خارجية G7 يزعمون بعدم تورط أوكرانيا في هجوم كروكوس الإ ...
- بركان إندونيسيا يتسبب بحمم ملتهبة وصواعق برد وإجلاء السكان
- تاركًا خلفه القصور الملكية .. الأمير هاري أصبح الآن رسميًا م ...
- دراسة حديثة: لون العينين يكشف خفايا من شخصية الإنسان!
- مجموعة السبع تعارض-عملية عسكرية واسعة النطاق- في رفح
- روسيا.. ابتكار طلاء مقاوم للكائنات البحرية على جسم السفينة
- الولايات المتحدة.. استنساخ حيوانين مهددين بالانقراض باستخدام ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رابح لونيسي - إيران فوق بركان-مستقبل الجمهورية الإسلامية-