أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أمين أحمد ثابت - 47 - مدخل . . الى العقل المتصنم / مستقبل وطن مهدد بأجياله الشابة – اليمن نموذجا















المزيد.....

47 - مدخل . . الى العقل المتصنم / مستقبل وطن مهدد بأجياله الشابة – اليمن نموذجا


أمين أحمد ثابت

الحوار المتمدن-العدد: 7486 - 2023 / 1 / 9 - 08:00
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


قول تردد على مسامعنا ولوكه في الصحف والمجلات والاعلام العربي المرئي منذ عقود ماضية . . ألا وهو ( ضياع الأوطان ) ، وظل تسابق المتحدثين او عبر اقلامهم من عناصر النخبة المجتمعية . . ممن يطلق عليهم وصفا بالمثقفين ، تسابقا في اختيار زاوية الدخول والمعالجة التحليلية للموضوع والخروج بأحكام تعميمية يرى كل واحد منهم قد نال ( السبق ) عن غيره كحق بالريادة في خصوصية تناوله للقضية ، منهم من يذهب بمنحى سياسي واخر ايديولوجي كظاهرة خطيرة العائد على البلد – بمدلول العمالة لحساب الخارج او الماجورين لتخريب البلد او الافساد او زرع الفوضى والاضطراب بمنهج منظم محسوب دقة - وغيرهم بمنحى اجتماعي كعائد سلبي – مثل هجرة القوى الشابة الى الخارج ، كيد عاملة او طاقة جسدية وظيفية او حتى بمسمى هجرة العقول الشابة المتعلمة او المبدعة او الحرفية – بما يسبب وجود واقعا داخليا مفقرا من القوى الديناميكية المشغلة لحياة المجتمع وبما فيها جهاز الدولة ، واخرين على ذات الاستدلال ولكن من زاوية اقتصادية او انتاجية ، أي بمعرف الفقر المجتمعي للقوى العاملة ( العضلية والذهنية ) وهكذا الخ . . ، بينما يخوضون غيرهم بحث الزوايا لاستنطاق المسببات وراء نشوء مثل هذه الظاهرة غير السوية ومردودها السلبي على المجتمع ، والتي لا يعار لها انتباها او أي اهتمام خلال سريان حدوثها بشكل يومي دائم لعقود او سنوات متتابعة . . حتى من قبل متنوع فصائل الانتليجينسيا المجتمعية السياسية او المتعلمة الاكاديمية العضوية او المستقلة – من أولئك المتسابقين يعزو الظاهرة هذه للفقر او البطالة او مصادرة الحريات الشخصية ، ومنهم قلة تذهب وراء معرف مفهوم ( صدمة الحضارة ) ، حيث تجد هذه الفئة العمرية وجودها في واقع ( وطني ) غارقا في تخلفه عن العصر ، الذي تجد نفسها متشكلة عبره خلال ثورة الاتصالات والفضائيات – أي كونها بنت عصرها ومنسبة إليه بينما وجودها في وطنها الام مجهضا لها بتخلفه وازماته واعاقاته المركبة لتعيش واقعا لا يلائم حقيقة وجودها الزمني ونزعتها للعيش والحياة وفق ما هو مفترض أن يكون ، وهو ما يدفع القوى الشابة أن تقضي وقتا طويلا من عمرها في الداخل اليمني . . بحثا عن فرصة او منفذ للهروب بحثا عن وطن بديل تحلم به .

مما سبق وغيره الكثير الذي لم نأت على ذكره يفرض علينا في نهج قناعاتنا الشخصية التي نتبعها . . أن لا نعيد تكرار أي تناول لذات القضية - أي ضياع او خراب الاوطان - ومن مختلف الزوايا التي قد سمعنا بها او قرأنا حولها من قبل - هنا لا نستغرب خروج فصحاء متعجلين مقاطعين لنا : ماذا ستطرح من جديد ، فكل زوايا الموضوع ومختلف جوانبه قد تم التطرق إليه قبلا – ليس امامك سوى انتقاء مدخلا مما سبق عرضه من اخرين قبلك و . . وليكن بأسلوبك الخاص – من اين ستأتي بجديد ، من الهواء ؟ ! – طبعا وتكون خاتمة الاعتراض مبني على السخرية اكثر من كونها استفهام تعجبي مليء بالفضول المعرفي .

إن المشكلة هنا – من الاف المشاكل – التي يعاني منها العقل العربي معرفيا أنه مثل أي عقل بشري معاصر . . يعرف اطلاعا او تعليما او تجريبا خبراتيا او حتى عبر المعايشة حول أي امر ظاهرة يحضر ذكرها عليه او امامه او على مسمعه ، لكن عيب إعاقتنا العقلية أنا نلتقط ظاهر او سطح المعرفة – بطابعنا العقلي التلقني او النقلي السلبي – ونخزنها في ذاكرتنا المعرفية المجردة ، وحين نخرجها في الحديث او النقاش – الشفاهي كلاما او كتابة – نخرجها بذات السطحية التي لقنا بها – كقاعدة معلوماتية اساسية – ولكن لخواء جعبتنا الذهنية من العمق المعرفي بذات القضية ، ولتعطل عقولنا عن خاصيتي الابداع والعصف الذهني المجرد . . بفعل التطبع بالنقلية الفوتوغرافية السلبية للمعرفة الى اذهاننا ، نعمل على ملء الخواء المعرفي بكثير من التخمين والظنية والفهم العاطفي لطرح القضية موضع المشاركة النقاشية او الحوارية – وكتوضيح لما نريد قوله في هذه الفقرة الاخيرة ، أن موضوعة ضياع او خراب الاوطان تعرض من الجميع بفهم متجرد عن الزمن ، والذي يكون مستبدلا بعلية او متسبب غرضي يمثل زاوية ومدخل الطارح للرأي كمجال اختصاص بحثي او اهتمامي لعرض الموضوع – سبق توضيح لفظ العميل للخارج على حساب ولائه لوطنه . . كلفظ معنى ومدلول لا يحضر إلا في السياسة والفكر الايديولوجي ، ومثلها في الاجتماع او الاقتصاد الاجتماعي مسألة الهجرة لليد العاملة وهجرة العقول والطاقات الوظيفية الشابة التي تترك فراغا شاغرا داخل اوطانها . . الخ – هذا الاستبدال الغرضي بإسقاط لقيمة الزمن في محدده المساري لنشوء الظاهرة السلبية ونموها وما ينتج عنها من متخلقات سلبية تزيد حجم الضرر اجتماعيا . . هو ما سنتجنبه في استقرائنا هنا ، حيث يمثل الزمن عنصرا سياديا لتخلق الظاهرة بخصوصيتها التي سنذهب اليها ومن خلالها ، ولا يعني هذا لا وجود أن يكون حديثنا خال عن مؤشرات واقعية – كتلك عند الاخرين – لكنها بالنسبة لنا تمثل محتوى من محتويات البيئة الحاضنة لنشوء الظاهرة ( تهديد الاوطان من ذاتها وليس من الخارج ) .

وللوصول إلى مدخل رؤيتنا – التي ظلت شبه مستحيلة أن تحضر تصورا عند شخص اخر شغوف بالفكر والتحليل ، لكون استنطاقها لا يقوم بنية مستجدة في الواقع ولم يتم ملاحظتها من قبل الغير ، فكل شيء مما يبنون عليه استقراءاتهم هو ذاته الذي نقف عليه ، وكأن ما نتوقعه من تساؤل ساخر استهجاني من أي إمرئ منهم . . من أين ستأتي بجديد . . ما دام ليس هناك ابدا شيء يعطي اشارات لاستقراء جديد . . كان قد غفل عنه غيرك ليلتقط بفهم تخيلي مجرد ؟ - هذا المدخل يقوم ( وفق افتراضنا ) على جزمية ( تمييز الزمن ) كحامل للتغير في البنى الداخلية الجزئية والتفاصيل التي تحتوي عليها تلك البنية ، والتي يعجز ( العقل الانطباعي – الفوتوغرافي ) أن يدركها – كون أن بعد الزمن يغيب او معطل او متلاشي في مؤسس العقل خلال تفاعله الادراكي مع الواقع – حيث تكون البنى ( المادية او الروحية ) المجتمعية هي ذاتها بالنسبة له ويعرفها من عقود ماضية حتى اللحظة – فعملية تشوه القيم واقعا عند انسان المجتمع العربي واليمني نموذجا منه . . تجري منذ ما يزيد عن مئات من السنين الماضية ، ولكن تركز اثرها ليصبح ملموسا وجودا خلال الستين عاما الاخيرة – إذا . . فما الذي استجد في ذلك ؟ ؟ . . .

نعم . . أناس أي مجتمع من العالم يعيشون واقعهم – كحقيقة مدركة يوميا – ويتفاعلون معه من خلال ذلك الادراك ، ولذا يعد ذلك التفاعل عقلانيا ( وجوديا ) ولا عيب فيه ، وايضا يبنى ذلك التفاعل بين ( انسان المجتمع والواقع ) على اساس التأثير المتبادل ، ويكون عادة الثاني عنصرا متحكما في الاول كمؤثر اساسي عليه ، بينما يكون تأثير الاول على الثاني ثانويا ، بحيث تظهر آثاره مع متحرك الزمن الى الامام – وتتفاوت حدة ظهور تلك الآثار واقعا باختلاف نوع الظاهرة والآلية المنتجة لها – المادية او الروحية – او من ناحية اجتماعية أو انسانية فيما يظهر عليه الانسان ذاته وفي مسلكيته المعبر فيها عن نفسه – فاستمرار الفقر والظلم وتناميهما واقعا يعدان من ذات منتج الآلية الواحدة التي عاشها آباؤنا وآباؤهم والاجيال العقدية الشابة – هذه الاخيرة من خمسين سنة الاخيرة الى اليوم – وبالطبع مع فارق درجة المعاناة وظرفية الواقع الحاكمة بين فترة واخرى من حياة المجتمع . هاتان الظاهرتان تختلف ملموسية تجليهما واقعا على انسان المجتمع وحياته وطباعه وسلوكه – اولا من جانب حدة الفارق تأثيري بين ما هو مادي وما هو روحي ، حيث تكون آثار الواقع ماديا على حياة الانسان وسلوكه اليومي ( الاعتيادي ) اسرع ظهورا من ذات الآثار المنشئة تغيرا في البنية الروحية او الذاتية على الانسان – أما ثانيا و . . هو العكس على صعيد محمول البعد الزمني الفارق – أي من فترة زمنية الى اخرى غيرها – تكون تأثيرات الواقع في فترة ماضية على انسان المجتمع في فترة او فترات تالية ، حيث يكون جانب معبر الذاتي والروحي للإنسان – الذي لم يكن ملحوظا سابقا – اكثر ملموسية في فترة لاحقة . . طولت ام قصرت ، بينما على صعيد البعد الوجودي المادي للإنسان حياتيا تكون متراكمات التغير إثر سلاسل تأثيرات الواقع السابق والمستمرة لاحقا حتى الراهن . . تصبح غير ملحوظة – كما لو انها ذاتها المعروفة من زمن ماضي ممتد الى الان و . . يلمسها كل انسان ، ولذا كما لو أن تأثيرات الواقع المادية على انسان المجتمع . . هي ذاتها ولا جديد نوعي في شأنها غير شدتها ، كتمييز للفارق الظاهري لمسألتي الفقر والظلم من زمن الى اخر ومن فترة زمنية الى اخرى ، تتجلى اثار الواقع المادية على حياة الانسان اجتماعيا – في معبر ظروف العيش وجانبي الحقوق والعيش الممارس للحياة اجتماعيا – بمنظور شامل لمفهوم اللفظ – ولكن تكون ضعيفة على صعيد ذات انسان المجتمع ، فلا تظهر آثارها إلا في مرحلة لاحقة زمنيا من الوجود المجتمعي – بينما تكون استمرار تلك الآلية المنتجة ( لكل من الفقر والظلم ) . . كما لو انها تبقي على ذات الظاهرتين في وجودهما الاجتماعي – بغض النظر عن فارق الشدة كحالة مجتمعية سابقة وراهنة .

ومما سبق أعلاه ، يمكننا الآن أن نبين سر مدخلنا الخاص لطرح استقراءنا المغاير في ( تدمير الاوطان ) ، هذا المدخل يقوم على ( استكناه حقيقة انسان المجتمع العربي ) – في المجتمعات القطرية واليمن نموذجا – حقيقته الذاتية وجوديا – على اساس وجود زمني مختلف ، أي بين اجيال عقدية لفترات زمن سابق الى وجود راهن قائم . . بمتجلى مستقرأ الاختلاف في طبيعة الظاهرة الاجتماعية ذاتها ( قديما وحاليا ) – بينما كل مهتمي الفكر يلهثون بشكل شبه مرضي ( كتعبير مجازي ) وراء متجسدات التراكم المادي المفرزة لمؤثرات الواقع غير المتغير . . إلا سوءا على حياة الانسان – وهو ما يذهب كل جهودهم الذهنية المشكورة تذهب ادراج الرياح ، فبقدر ما تظهر تزايد اشتداد القهر على الانسان في حياته ، فإنها تستنتج احكاما لكيفية تغيير حقيقة الواقع والحياة وذات الانسان . . ولا ينتج عن كل تلك المحاولات أي تأثير على الابعاد الثلاثة تلك ! ! ! – فوفق تصوراتهم التوقعية أن معالجة الواقع سيقود الى تغير الحياة وبالتالي ذات الانسان العربي مجتمعيا .

وبتطبيق واضح للمدرك النظري المجرد سابقا . . مثلا ظاهرة الهجرة – الداخلية والخارجية – قد اخذت ردحا طويلا من عمر مجتمعاتنا ، حيث بدأت قديما واستمرت ولوقت زمني وصولا الى المنتصف الاول من القرن العشرين كحالات فردية وتعد نادرة بالنسبة للمجتمع – وإن تزايد عدد الافراد المهاجرين مع تقدم الزمن – ومن منتصف الاربعينات الى منتصف الثمانينات لبعض بلدان عربية واليمن الى منتصف التسعينيات . . تحولت الى ظاهرة خاصة اجتماعيا ، تجمع بين الهروب السياسي وهجرة الادمغة الى جوار هجرة اليد العاملة والمتعلمة الباحثة عن تحسين فرص العيش ، بينما ظاهرة اجتماعية عامة من بعد التسعينيات ، بينما تعاظمت من بعد ( ثورات الصقيع العربي 2011م ) الى ظاهرة عامة مدمرة للمجتمعات العربية ومهددة مستقبل وجودها اللاحق ، فالهجرة لم تعد موقوفة على ميسوري الحال او الطموحين او المغامرين من مختلف فئات المجتمع ، ولم تعد مصحوبة بهجرة مجاميع صغيرة من الفئة السياسية الهاربة المستهدفة من بطش انظمة الحكم في مجتمعاتها ، بل انها تحولت – أي ظاهرة الهجرة – من بعد 2011م الى الان وفي المستقبل العربي المنظور القريب مجتمعيا ، حيث اصبحت تحتوي ضما لمفهومها العام معنى ودلالة لأعراض آليات خاصة غير ذاتية الاصل صرفة الاختيار . . بما فيها تلك الناشئة عن مؤثرات الظروف الموضوعية لحياة انسان المجتمع والسياسية الاستهدافية لرموز ونشطاء معارضين ضد النظام الحاكم ، فكان من الاضافة النوعية الجديدة لمفهوم الهجرة . . مسألة المهجرين قسرا – بواقع عمومي اجتماعيا – لتشمل تلك العملية مختلف تنوع فئات المجتمع – تحت أية ذريعة يقوم عليها ذلك الفعل – ويتنوع طابع ذلك التهجير بين التشريد الداخلي لإنسان المجتمعات المحلية عن مناطق استقرارها المعتاد الى مناطق محلية اخرى او الى الصحاري والفيافي الخالية من الوجود السكاني . . هروبا من الحرب المدارة ، او هجرة اللجوء الجبرية التجمعية الكبيرة الهاربة عبر المنافذ الحدودية او مناطق توفير محطات النقل – الجوي ، البحري او البري . أما اسوأ ما وصلت إليه المجتمعات العربية راهنا وغدا ، يتمثل بما هو اصبح حقيقة جامعة ذاتية وجودا بين ما هو اجتماعي عام ونخبوي خاص وفردي بذات كل انسان بعينه ، حيث اصبح المجتمع وواقعه طاردين للإنسان ( بكل انواعه الفئوية والتراكيبية من المجتمع ) ، واصبحت ذات الفردية لكل انسان من المجتمع عامة . . نازعا وراغبا بقناعة ذاتية مطلقة ومنهم العديد الساعين بحثا عن فرصة مواتية للهجرة الخارجية – كبحث عن وطن بديل وليس لتحسين العيش والفرص بعد العودة الى الوطن الام – وهو الامر الجديد في حقيقتنا الاجتماعية عربيا ، فالغالبية المطلقة من ابناء المجتمع . . بما فيهم الاباء المسنين المصرين على البقاء داخليا ينزعون الى خروج ابنائهم الى الخارج لنيل فرص غير متوفرة محليا ، ويفضلون لهم أن يجدون وطنا بديلا لوطنهم الطارد ، كون العودة مهددة لاستمرار حياتهم المستقرة او الامنة في أية لحظة من لحظات المستقبل .

واعتقد اننا بالمثل المنتقى المضروب اعلاه . . يعد كافيا لتطبيقه على ظواهر اخرى راهنة من حقيقة المجتمع وحال وطبيعة انسانه ، وذلك تجنبا من الإطالة – ربما نعود للتوسع لاحقا حين يعد هذا المؤلف جاهزا للطباعة والنشر ، وذلك ضمن إعادة الصياغة وتصنيف الابواب والفصول وبناء الروابط بين تفاصيل المحتوى كمحتوى لكتاب واحد – فخلاصة الموضوع هنا ، أن انسان المجتمع العربي واليمني خاصة . . لم يعد جوهر حقيقة ذاته العاقلة ( منطقيا وعاطفيا ) رابطا لإنسانها وجودا بمعرف الوطن الام – اليمني ، المصري ، اللبناني او السوري او المغاربي . . الخ – بل اصبح جوهرا مسلخا لذات الانسان عن ارث انتمائها الاصلي مجتمعيا – قد يحمل المهاجرين من الآباء او النازعين من الداخل نحو الهجرة او دفع ابنائهم نحو مغادرة بلدهم والبحث عن وطن بديل . . قد يحملون عاطفيا هوية انتمائهم لمجتمع بلدهم الام ، والذي يتوارى خلال ممارسة العيش اليومي ، إلا أن ابنائهم تضمحل فيهم حقيقة الانتماء لوطن الاجداد ، أكان في شخص أولئك الابناء المتربين في وسط ومحيط الوطن البديل ، وتكون اجيالهم اللاحقة ذات هوية مجتمعية مدموغة بالوطن البديل ، ويكون مجتمع انحدارهم الاصلي ليس اكثر من حكايا تخيلية تنقل إليهم من الاباء والجداد عن الوطن الام والحياة فيه والاقارب وذكريات رابطة الانتماء للهوية – أو كان في شخص أولئك الابناء في داخل الوطن الام ، الذين يجدون انفسهم عالقين مغلولين مكرهين داخله ، ليس بيدهم غير لعن وجودهم وميلادهم فيه ، ومتمنين – في كل لحظة من لحظات كل يوم يمر عليهم او يقدم عليهم – أن يجد أي فرد من المجتمع فرصة للانفلات و التحرر من وجود ذاته داخل هذا الوطن المقيت – الطارد في حقيقته لأبنائه – الذين لم تعد ذواتهم الفردية – مثل آبائهم – يمثل الوطن قيمة مطلقة لولائهم وانتمائهم ، وبغض النظر عن صعوبات العيش والحياة ، بل أن حقيقة ذاتهم الفردية الحاضرة تربطهم بعصرية وجودهم الزمني ، والتي توسم طبيعتهم بالانتماء النفعي للوطن البديل الذي يمنح انسانها فرص العيش وكرامته الذاتية . . مقارنة بوطنه الام المصادر عنه انسانيته في كل حقوق الوجود والعيش الراهن والمستقبلي .

ومن هذا الاخير ، نشير وفق اعتقادنا إذا ما كانت الاعاقة المجتمعية عامة او خاصة في طبيعة مكونات من البناء الفوقي او كانت ناتجة عن آليات التنظيم والادارة ، فإنه ممكنا الاخذ بما يطرحه المفكرين او العلماء لمعالجة الاخطاء او الانحرافات او التشوهات او حتى الجمود – كما يؤكد عليه الجميع قولا – لكن حين تطال اعاقة التشوه بنية فرد انسان المجتمع عامة ، فإن الامر آخر ، يستلزم – بعد ادراك هذه الحقيقة والاقرار بها – يستلزم تفكير مغاير بمدخلات ومعالجات نوعية اخرى لم يسبق للفكر العربي ان تعامل بها – وهو مشروع حلقات اخرى لمنحى هذه البحثية في وقت لاحق – ولنصل الى خاتمة موضوعنا بقول الحقيقة الصادمة : أن الاوطان العربية القطرية . . لم تعد مهددة من الخارج او من الداخل عبر افراد او مجاميع محدودة باعوا ولاءهم للوطن مقابل ربحية انانية ذاتية تضربه وتستهدف حياة مجتمعه ، كما ولم تعد مهددة بهجرة العقول والخبرات والايدي العاملة الماهرة والعادية ، بل أن مؤشرات التهديد الماحقة لوجود المجتمعات العربية المستقبلية بالهروب الجمعي لافراد كثر من مختلف فئات المجتمع الى الخارج ، ونزوع من تبقى في الداخل ورغبتهم المطلقة لمغادرة البلد . . بحثا عن وطن بديل – فالوطن اصبح ميؤوس منه أن يكون حاضرا او مستقبلا قابلا لعيش الفرد حياة سوية طبيعية ، بل انه وبفهم بسيط – دون الحاجة لقدرة خاصة من التفكير والاستقراء – لم يعد مقبول العيش فيه كأمر ممكن حتى تحت اصعب الظروف ، بل ان الوجود فيه يكشف مستقبل حياة اكثر امتهانا واذلالا للإنسان . . تصل الى درجة اصل وجوده الحي بيولوجيا – ومن هنا بقدر ما تمثل الاوطان بمجتمعاتها العربية القطرية طاردة لإنسانها ، فإن انسانها المحتجز فيها في الداخل متحللا عن قيم ارتباطه المجتمعي وانتمائه الوطني ، حيث اصبحت هذه القيم اداة ووسيلة سلعية تستخدم للإتجار او تحقيق اهداف او غايات نفعية صرفة ، بينما وجودها الواقعي متحللا في حقيقة ذات انسان المجتمع ، مما يجعل نشوء ظاهرة مجتمعية عربية جديدة غير مدركة او متجاهلة في عقول النخب المفكرة . . أن اوطاننا اصبحت مهددة من ابنائها انفسهم . . كظاهرة عامة مجتمعية خاصة بنا .



#أمين_أحمد_ثابت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اعلان لمقايضة سلعية
- 46 - مدخل . . الى العقل المتصنم / اليمن نموذجا : تسليع الوطن ...
- الجزء الثامن من رواية ( هروب . . بين المضيقين ) - من اعمالي ...
- 44 - مدخل . . الى العقل المتصنم / النظام الحاكم ، طبيعة الحك ...
- توهمات . . متحذلقين علينا
- وطني - أنا - والرقص البحري
- الربيع العربي . . من ثورات تغيير للبناء الى ثورات افول للقيم ...
- الجزء السابع من رواية ( هروب . . بين المضيقين ) - من اعمالي ...
- 43 – مدخل . . الى العقل المتصنم النظام الحاكم ، طبيع ...
- 42 – مدخل . . إلى العقل المتصنم متشوه الإرث البش ...
- الجزء السادس من رواية ( هروب . . بين المضيقين ) - من اعمالي ...
- ملامسة صفرية . . لجانب من عطبنا
- الجزء الخامس من رواية ( هروب . . بين المضيقين ) - من اعمالي ...
- الجزء الرابع رواية ( هروب . . بين المضيقين ) - من اعمالي ال ...
- الجزء الثالث رواية ( هروب . . بين المضيقين ) - من اعمالي الر ...
- نسخة معدلة ( اغنية ثانية - لبغدادية - مرتبكة )
- 41 – مدخل . . الى العقل المتصنم / نفوس متطبعة . . على متكرر ...
- وقفة اجلال على وجه من التاريخ
- نظرية العبقرية / المعجزة - إشكالية مبحث يقود الى نظرية جامعة ...
- 40 – مدخل . . الى العقل المتصنم نفوس متطبعة . . على متكرر ...


المزيد.....




- -الطلاب على استعداد لوضع حياتهم المهنية على المحكّ من أجل ف ...
- امتداد الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين إلى جامعات أمريكية جدي ...
- توجيه الاتهام إلى خمسة مراهقين في أستراليا إثر عمليات لمكافح ...
- علييف: لن نزود كييف بالسلاح رغم مناشداتها
- بعد 48 ساعة من الحر الشديد.. الأرصاد المصرية تكشف تطورات مهم ...
- مشكلة فنية تؤدي إلى إغلاق المجال الجوي لجنوب النرويج وتأخير ...
- رئيس الأركان البريطاني: الضربات الروسية للأهداف البعيدة في أ ...
- تركيا.. أحكام بالسجن المطوّل على المدانين بالتسبب بحادث قطار ...
- عواصف رملية تضرب عدة مناطق في روسيا (فيديو)
- لوكاشينكو يحذر أوكرانيا من زوالها كدولة إن لم تقدم على التفا ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أمين أحمد ثابت - 47 - مدخل . . الى العقل المتصنم / مستقبل وطن مهدد بأجياله الشابة – اليمن نموذجا