أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أمين أحمد ثابت - الجزء الرابع رواية ( هروب . . بين المضيقين ) - من اعمالي الروائية الاخيرة 2020م غير المنشورة















المزيد.....



الجزء الرابع رواية ( هروب . . بين المضيقين ) - من اعمالي الروائية الاخيرة 2020م غير المنشورة


أمين أحمد ثابت

الحوار المتمدن-العدد: 7460 - 2022 / 12 / 12 - 15:17
المحور: الادب والفن
    


* * *

- جرسون . إذا سمحت .
. . يلتقون هنا من المثقفين . . المعروفين .
- نعم ، ولكن الوقت مازال باكرا على حضور أي منهم .
- ممكن لو سمحت ، حين يتواجد منهم . . تستأذن منهم . . للجلوس إليهم . . ضيف من
من اليمن .

ثلاثة ارباع الساعة . . جالسا بين اصبعي تتابع حبات سجائر كليوباترا بالاحتراق خلال تناولي كأسين من شاي اللبتون الأحمر الثقيل وفق طلبي ، في ركن من الجزء الخارجي الملحق بمقهى ريش ، المسقوف بالبلاستيك الأخضر الزيتوني السميك من الأعلى . . على طول الممر الواسع ، رصت بانتظام مسطري متتابع طاولات مغطاة بقماش ناصع البياض وحيكت اطرافه بقماش اخضر اللون خفيف ، وكانت هناك غيرها أخريات مستديرة الشكل خارج ذلك الاصطفاف - تحاط كل طاولة من الجهتين بثمانية مقاعد أما المستديرة تحاط بخمسة مقاعد عادة ، ولكنها تزيد وتقل حسب الجالسين حولها - انقل بصري بين البهو الداخلي المقهى ولسانه الخارجي الملحق به على شكل حرف L ، الواقع على شارع شبه مغلق ، وعلى مرمى نظري يظهر الشارع الرئيسي من خلال الزقاق المفتوح جانبيا منه الى المقهى – مع تلاشي اشعة الشمس رغم بقاء ضوء النهار لما لا يقل عن ساعة ونصف حتى يغادر ويحل الظلام الذي يغيب بتوهج أضواء المصابيح من كل مكان - يدب النشاط بحركة مكتظة بالناس والباعة و . . القادمين الى المقهى بتزايد واضح لأعداد السياح الأجانب من مختلف الاجناس
- تفضل أستاذ . . البهوات يدعونك للانضمام اليهم .

شكرته بلطف . عرفت بنفسي كصحفي وكاتب يساري من اليمن واحببت أن التقي من الأساتذة من الوسط الثقافي – هذا المفكر المعروف الدكتور غالي شكري ، وهذا الشاب المعروف الاديب القاص جمال الغيطاني وذاك . . وذاك . . – كيف أحوال اليمن ، ما هذا الجنان الذي جرى في الجنوب . . يتقاتلون فيما بينهم ، يقولون عن انفسهم ماركسيين ، هأ . . اثبتوا انهم قبائل ماركسية . . متخلفين – باغتني كلام غالي شكري بحدته الانفعالية . . المصاحبة بتوتر متأفف انعكس في قعدته المتغيرة لمرات وحركة يديه غير المتوقفة بغضب خلال حديثه – ما علاقة ضيفنا يا دكتور ، اعذرنا ف . . قد صدمنا ما يجري في اليمن الجنوبي ، لا تأخذ ببالك ، انفعال الدكتور عن حب لليمن – افهم ذلك ، لكن أوضح الحقائق المخفية وراء ما جرى ، . . الذي تحتاجون لمعرفته و . . انتم من كبار المفكرين . . الذين قرأنا لكم وممن تتلمذنا على كتاباتهم – لم يكن يهتم كثيرا شكري بما احلله ، ظل يكرر . . القبائل الماركسية – تداخل الجميع تفاعلا مع حديثي ، أحيانا بجدل فكري وأخرى بتساؤلات ، واحتدم النقاش بين شكري والاخرين في النظر لأحداث 13يناير 1986م. بين ما استجدت لديهم من معارف لم يكونوا قادرين على معرفتها . . بما يصل اليهم من اخبار إعلامية او سطحية ممن ينقلها اليهم وبين مخيلتهم العاطفية من ردة الفعل الرافض لما جرى وغياب المنطق فيه – هدأ الحديث الضاج بعد ساعة ، وفق طلب عدد منهم بإنهاء الموضوع – الذي لن يوصل الى شيء ، فكل واحد له نظرته حول ذلك الحدث – تحولت الجلسة الى الكلام الجانبي الثنائي او الثلاثي – لا أعرف لما اصبح غالي شكري يهرب بنظره من وجهي – كان من المفكرين العرب الذين أحببت طروحاته وإن كنت على خلافات مع بعضها – تناقشت معه حولها ، وحول اخرين مثل سمير امين ، مهدي عامل ومروة وغيرهم – شعرت بتجاهل . . من خلال تحدثه المقطع المتثاقل معي – شاب صغير و . . من اليمن يجادل وينتقد . . ألا يعرف مع من يتكلم ، هو ما احسسته من خلال تعامله المتعالي – لا أذكر من من الجالسين تحسس حالتي من ذلك النقاش الحاد المحاكم – كانوا ثلاثة – اعادوني لحديث التعارف الودي ، ما عملي في اليمن ، عن كتاباتي ، عن الناس والحياة في الشمال و . . النظام الحاكم ، وهل انا اتيت سياحة أم طالب دراسات عليا – تنفست الصعداء بعد أن استجمعت حالتي التي تبعثرت خلال النقاشات المنفعلة السابقة ، المقطعة الحديث بمداخلات غالي شكري – سألت عن عبدالمنعم تليمة ، محمود العالم ، القعيد ، هنداوي ، يوسف السعيد ونجم وغيرهم – اخبرتهم بقصتي وتعاطفوا كثيرا – لا تقلق انت بين اهلك – لازم تروح التجمع ، غير بعيد من هنا . . سيرا على الاقدام ، الوقت المناسب من بعد الحادية عشرة والنصف الى الخامسة ، بعدها تكون هناك فعاليات ثقافية في أماكن مختلفة – ستجدهم هناك ، وحتى من لم تسأل عنهم – اطرح مشكلتك بالتفصيل ، الكل سيساعدك ، لن يتركك احد – ممكن أيضا تذهب الى جامعة القاهرة صباحا ، لتلتقي بالدكتور تليمه – هو رئيس قسم الادب الحديث في كلية الاداب و . . له ثقل ، احكي له قصتك ووضعك ، اكيد سيتدبر طريقة لتواصل دراستك هنا – لكن كيف اقابله وهو لا يعرفني . . ربما لن يهتم ، قلت ذلك بعد ما صدمت بتعامل الدكتور غالي – لا . . الدكتور عبدالمنعم لطيف وودود ودائما يساعد الاخرين و . . له كلمة تجترم في الجامعة – لو ممكن . . حد منكم يتصل به ، ليمهد اللقاء معه – تشاوروا من معه رقم الدكتور ، اتصل به وبعد التحايا والاحترام ، ابلغوه بشأني للذهاب اليه ، رحب ولكنه في انشغال غير متواجد في الكلية حاليا ، وليكن بعد أسبوعين او ثلاثة – اعرف لن انسى . . سلامي له – ابلغوه لا يقلق ف . . هو في وطنه وبين اهله وليس غريب ، كل مشكلة لها حل . غادرت المجلس بعد شكري الذي لم اكل من تكراره وانشراح نفسي – لازم تمر على التجمع . . لا تتأخر – اكيد . الف شكر لكم جميعا – بالتوفيق وسنلتقي – كان الوقت ما يقارب الثامنة مساء او اكثر – لم انظر في ساعة يدي – حالة من النشوة التي لم اذقها منذ زمن طويل في السنوات الأخيرة ، طفت بسير عشوائي تائه بين زحام التسوق على امتداد المعارض المنزلة موضة نهاية الخريف بتنزيلات للأسعار وبدء تعليق الملبوسات الشتوية مع اقتراب مجيء فصل الشتاء بعد شهر او اكثر قليلا – رأيت اكثر من محل لبيع المشروبات الروحية ، عند خروجي من البلد في اتجاه ساحة التحرير ، حيث ينتصب مقابلا لها مبنى مجمع التحرير الذي زرته لعمل الإقامة واعود اليه مجددا لتمديد الإقامة بعد فترة قريبة – دلفت الى محل خالي من بهرجة الواجهة الزجاجية ، ابتعت قنينة ربع وعلبتين بيرة مثلجة من الحجم الكبير ووضعتهم داخل كيسين بلاستيكيين من أكياس دعاية الملبوسات – سرت بسعادة حتى وصولي كوبري أكتوبر – كنت انظر بوله غير مرئي للعشاق ، تذكرت الكثير ممن عشقتهن ، وعبرت في مخيلتي تلك العلاقات التي مررت بها و . . ظلت تحفر في روحي رغبة العشق اللامتناهي في للحسناوات ، والصداقة الممتعة مع من كن يستروحن لأحاديث الادب والفن والجمال و . . ادهاش العلوم الطبيعية واكتشافاتها الصاعقة – توقفت بين حين واخر . . ناظرا للنيل اسفل الكوبري ، اناغيه سرا واوحي اليه بنظراتي العاشقة والحالمة أحيانا ، اسره بخفاياي واخبره [اني قويا صلدا . . لا ألين – قد يراني من يسمع كلامي هذا . . بأني قد جننت – لا يهمني . اعرف عند لحظتي هذه . . أني امتلك العالم ، ليس له أن يوجد دون أن أكون فيه – احب الحياة بشغف . . اكثر من كل الناس – كان النيل يومئ لي بحبور – عكس على صفحته ألوانا مبهجة من الأضواء الملونة ، وارقص موجاته تفاعلا مع حالتي ، وتدفقت نسمات باردة شديدة الجمال في اثرها وهي تقبل وجنتاي وتداعب شعري الذي نثرته بخصلات متطايرة . . أبت وقوفها عن حالة الرقص الذي انتابها .






















* * *

كم من الشهور اقمت في شقة المنيا ، ما دفع انتقال اقامتي في الدقي - لا تحضرني غير الافتراضات ، فبعد أن اخترت طريقتي التغيبية والعودة المتأخرة بعد منتصف الليل كسبيل يبهت ثقل حضوري كضيف ثقيل ، ومن جانب اخر انهاء إحساس سهيل وعلي بأن وجودي يخلخل نظام حياتهم الطبيعي لقبل مجيئي . . كضيف لا متناهي زمن بقائه – اصبح من النادر . . احس بعلامة الضيق او الانزعاج غير الصريح من الصديقين ، لم اعد أرى خطيبة علي واعرف انها كانت تأتي نهارا بعد خروجي بوقت وتغادر قبل عودتي من بعد منتصف الليل – كانت معتادة على البقاء حتى الفجر بسبب عمل المشاريع المشتركة او المذاكرة لاختبار او امتحان في اليوم التالي . . يذهبون معا الى الجامعة - كنت بين الفينة والأخرى عند عودتي او إذا ما تصادف صحيان أي منهما قبل مغادرتي في الصباح الباكر . . احظى باختلاق حديث ودي معي . . ما هو برنامجك اليوم ، وكيف كانت ايامك السابقة ، عندما تتأخر او حد عزمك للبقاء عنده . . كن اتصل تلفون وخبرنا . . حتى لا نقلق عليك ، واحيانا . . بعد الاعتذار عن التقصير تجاهي بسبب زحمة الدراسة – غدا عندنا إجازة سنقضيه معا في التنزه والمسرح . . بالذهاب الى اصدقاء وقضاء اليوم معهم . . بدعوة مخصصة لك تحديدا . . .

توسعت حدود علاقاتي ، لم اعد مجبرا على قضاء عشرين ساعة من اليوم اجوب الشوارع والامكنة ، اشغل النهار بالزيارات المتعلقة بحل مشكلتي أو اخذ راحة يوم للاختلاء بنفسي ، ازور من الأصدقاء ممن سكنهم قريبا من مكان تواجدي ، او بقضاء الوقت مع صديق او اكثر ممن التقيهم في طريقي ، يكون يومهم فارغا من أي انشغال ، يلحون على قضاء اليوم معا – عدت حر نفسي . . كما اعتدت عليه أن أكون طوال حياتي ، لا أحدا يملي علي ما أقول او اعمل – غادرتني مشاعر الوحشة والغربة والضياع – عدت اقاتل لأحيا ، دفعت ثمنا باهضا واسرتي – وجدتني اطوف القاهرة بباصات النقل العام ، اترحل من ركن من التحرير ترتص فيه بخط مستقيم سيارات اجرة جماعية الى المنصورة ، ومن شارع جانبي من التحرير يدخل الى وسط البلد . . تصطف المايكرو باصات الأجرة في محطة نقل أهلية الى أسيوط وغيرها من البلدات خارج القاهرة ، منها قررت دون تفكير ذات ليلة الذهاب الى الإسكندرية ليوم واحد ، اخبرت سهيل اني وجدت صديقا انه سيستضيفني ليومين عنده في الزقازيق – لماذا اذهب للإسكندرية و . . ليوم واحد بليلته واغادر عصر اليوم التالي . . لا قيمة من ذلك سوى عذاب السفر ، ولم اخذ عنوانا او تلفونا لأي يمني هناك للنزول عنده – كان يمكن ان تكون الرحلة لعدة أيام ، خاصة واني التقيت بعدد من الدارسين هناك وكان منهم زملاء دراسة من مراحل التعليم العام و . . اثنين من أيام الجامعة – ما الذي دفعني لذلك – حين وجدت فراغا كبيرا للتفكير وتجاوز حالتي النفسية المأساوية ، اعتدت ابحث عن تفسير وتعليل لكل شيء ، حتى بما يبدر مني من سلوك عفوي في الماضي او الحاضر – تساءلت بعد عودتي . . ما سبب قرار السفر المفاجئ الى الإسكندرية . . وليوم واحد . . لا معنى له – بغض النظر عن قلة المال لدي والذي لا يغطي نفقة النوم والاكل لقضاء يومين سياحة على الأقل في الإسكندرية – استرجعت يوم وصولي حتى عودتي بالقطار بعد منتصف الليل – وجدتني اتمعن والشارع الرئيسي الممتد على الشريط الساحلي ، حيث ترتص على جانبه مقابلة للساحل الفنادق والعمارات السكنية والبنسيونات ، وقفت على الطريق الذي يحرساه تماثيل الأسود المنتصبة على الجانبين – كنت اتأمل في شرود وكأني فاقد للوعي . . حتى عودتي – عرفت أخيرا أن ذكريات الطفولة قادتني دون أن ادري للبحث عن معالم ذكرى مجيئي مع والدي للعلاج من الشلل الكلي الذي اصبت به اثر وقوعي عن برميل . . لم اقوى بعدها على الحركة – أتذكر وصولنا ونزولنا من الطائرة في مطار القاهرة وانا محمولا على ساعد والدي بعد منتصف عقد الستينيات ، حين استقبلتنا سيارتين سوداويتين ترجل عنها عددا من لابسي البدلات بربطات عنق سوداء ، كان من تقدم الترحيب زكريا محي الدين الذي سمعت اسمه متكررا فن احاديث والدي – كان ابي احد قادة 1948م ، بعد هروبه من حكم الإعدام الثالث من الامام احمد بعد حكمين سابقين من ابيه يحي حميد الدين – كانت مصر محطة التقاء لقادة الحركة . . وداعمة لهم – مباشرة نقلونا الى مستشفى القوات المسلحة بالمعادي – أتذكر اكثر من عمليتين اجريتا على ظهري في العمود الفقري للأعصاب النخاعية ، كنت بعد كل عملية اظل ممدا على بطني لأيام طويلة وال يسمح التقلب حتى على الجنب ، شهور بعد استكمال الجراحة نقلت الى الإسكندرية الى منتجع صحي لمدة ستة اشهر واكثر – أتذكر احواض السباحة وتدريبهم لتحريك اعضائي ، والمساجات لأطرافي السفلية والعلوية والجذع . . التي كانت تجرى ثلاث مرات في اليوم ، والسير خطوة ثم خطوتين في وقت لاحق . . حتى عدة خطوات متتابعة بين قضيبين مستعرضين امسك بهما بعد إزالة المثبتات المعدنية على عمودي الفقري وقدمي سابقا – أتذكر حين كان الأطباء في اليمن يقرعون على ركبتي في اليمن وفي الأيام الأولى قبل العمليات الجراحية و . . لا اشعر بشيء ولا يصدر أي رد فعل انعكاسي لا ارادي عندهما – اجمع الأطباء في عدن ومنهم الدكتور عفارة باحتمال علاجي فقط في بريطانيا ، وحتى البعثة الصينية آنذاك من خبراء الاعصاب والعظام اكدوا ذلك – اذكر سفرنا الى اسمرة ثم القاهرة ، واذا لن يكون علاجي ممكنا هناك . . كان مستعدا للسفر الى بريطانيا – اكتشفت أني لن ازور الإسكندرية لكوني لم آتي سياحة ، فمحطتي الوحيدة هي القاهرة للالتحاق بالدراسات العليا او المغادرة منها في بعثة الى الخارج او الرحيل الى عدن – كانت زيارتي بحثا عن معالم شبحية مخزونة في الذاكرة ، لم أتذكر معلما حسيا واحدا غير البلاج ومنتثرات الصخور على الشاطئ و . . ذلك الطريق المحروس بالأسود الرابضة . . فقط – اين نزلنا ، اين تنزهنا – لم اذكر سوى اخيلة من بعد استكمالي العلاج والسير ببطء على القدمين وحين اتعب يحملني على ساعده الأيمن - اتذكر شراء الفول السوداني المملح خلال الكورنيش واللعب بمياه البحر الضحلة على الشاطئ وبناء القلاع من الرمل ، واخذي مرة لعرض سرك في الإسكندرية – لا تأتيني الذاكرة إذا ما كان عرضا لسيرك روسي مستضاف او السيرك الأهلي المصري – استأجرت غرفة في فندق رخيص ثلاثة نجوم لليلة واحدة عند الرابعة عصرا ، ينتهي موعد الإقامة عند الثانية عشرة ظهرا من اليوم التالي – كانت نافذة الغرفة الزجاجية الواسعة تطل عن بعد على منظر الشاطئ ، اغتسلت وغيرت ملابسي – تناولت كأسي شاي من مقهى شعبي يقع في الجوار ، سألت عن الوصول الى محطة القطار ومواعيد تحركه الى القاهرة – تمشيت لمدة ساعتين ، وعلى الكورنيش تناولت سندوتشات وحملت معي فول سوداني وبذور عباد الشمس . . ظللت اتسلى بها بتقطعات مع تدخين السجائر . . من بدء ارتخاء اوصال النهار ورحيل الرمق الأخير من الضوء بعد غروب الشمس وابتلاع زرقة البحر المظلمة لقرصها الأحمر الباهت عند لحظتها الأخيرة – ارخيت جسدي عند جلستي على الشاطئ ، تارة بالجلوس مبحلق في الرداء الأسود لصفحة مياه البحر ، الممتد امامي الى اللامنتهى ، وأخرى بالاستلقاء على ظهري والغرق في الفضاء المنقط فسيفسائيا وبشكل عشوائي يتوزع الظلام الدامس فيها والضوء الشاحب الصادر عن القمر المتسلل ليلتها وراء سحب عابرة ، تنكشف منقطات لامعة من النجوم الكبيرة والبعيدة وأخرى مطفأة صغيرة الحجم ، يشرد بين الحين والأخر لمعان شهب تتحرك في الفضاء او يسقط منها دائخا الى الأرض في أماكن بعيدة من الشاطئ ، وحين تملني السماء من بحلقتي الشاردة فيها ، اغمض عيني مفرغا ذهني . . فإذا بي اجدني اسير متلاطمات موج البحر بين نفسه وأخرى عند ارتطامها بالصخور – كانت الساعة تشير الى الحادية عشرة مساء ، عدت الى نزلي بعد أن اشتريت على طريقي سندوتشين من عربة بائع على الطريق ، طلبته وضع قليل من المخلل خارج الرغيفين واخذت قطعتي خيار وتفاحة ومن المحل المجاور له شرابي لقضاء بقية الليلة مع نفسي ، فالتلفاز كان موضوعا في ردهة عامة من كل طابق . . .

تغيير المكان والناس ادخلني في شعور من المتعة ، ادركتها بعد عمر طويل أنها تختزن في داخلها سر حالة التوازن داخلي ، مهما سقطت في أسوأ الظروف واقساها ، تعيدني بقوة الى الاستمرار وتعديل مساري وطريقتي – اول كأسين خلال قضمات بعض المخلل مع بعض حبات الفول السوداني الذي افرغت ما تبقى في جيبي على الطاولة ، فتحاني على مرئي والدتي الحزينة و . . شريط الأذى الذي انتهى بهروبي خارج اليمن بعيدا عن اسرتي ، وغصة لقاء خالي بعد أن مسحته من داخلي – اعدت مسندا رأسي الى الوراء على المقدمة الخشبية للسرير بعد تعديلي للمخدة . . لإراحة ظهري ، قربت الطاولة لتكون الأشياء على امتداد يدي – كأسين أخريين . . انتابني شعور بالاعتزاز والفخر لعدم انسحاقي تحت كل ما حدث معي ، واعرف أن كثيرين انهاروا ولم يتحملوا ولو قليلا مما جرى معي – اعتدلت متناولا عشائي مع قليل من شرب الماء ، غسلت اسناني بالمعجون ثم انسللت الى داخل البانيو صغير الحجم ، اخذت دشا فاترا . . تاركا نفسي لبعض من الوقت في جلوس مقرفص تتساقط علي المياه من الرشاش ذات الثقوب الضيقة ، جففت نفسي وارتديت بجامة النوم ووضعت البطانية والملاية مغطيتان نصفي الأسفل في وضع استرخائي السابق ، اطفأت ضوء الغرفة الرئيسي وانرت مصباح الاباجورة بنورها الخافت ، بتأني يفرغ كأسي لاصب الاخر – كان النعاس يتعارك معي – لم اكن راغبا بقهر النوم لي ، فأنا أعيش لحظة نادرة من اللذة ، حتى ذكريات العشق والجنس الجنوني الذي كان يسحرني - احتواني عند الكؤوس الأخيرة قبل أن يجثم علي سلطان النوم تحت تأثير قاطع للموسيقى الهادئة الواصلة عبر سماعة اذني علي – ذكرى كل من عبرن بالعشرات من العلاقة معي – كنت معروفا بالخجل والحياء ، ولم يحدث اني بادرت واحدة بالمغازلة او التحرش ، كن هن يأتين إلي ، ولم اكن اتقبل سوى فائقات الجمال – كنت اشبه بساحر موهوب ، أية امرأة ترتبط بعلاقة معي تستمر لسنوات طويلة ولا يحس بها احد ، حتى من كان يحدس او يخمن باشتباه من خلال كلامها او سلوكها العفوي امام الاخرين حين يتعلق الامر بي ، يتعب ويمل ويترك الامر لحالة من التجاهل – لم اكن اعاني من شذوذ هرموني ، لكني وجدتني منذ عمري الأول ملعوب لاستلذاذ فتيات ونساء متزوجات . . ألهبن في الشهوة منذ سن الثمان سنوات في طفولتي ، غرسن تفاصيل الاثارة والتهييج لهن منذ ذلك الزمن – كنت اسمع كثيرات يعلقن على حالات الانتصاب المتواصل عندي في صغري ، وارى الفضول الاعين المتابعة لذلك الامر – نحن مجتمعات بسيطة مغلقة ، يبدو أنه كن يتناقل الخبر بينهن في السر ، وكان شكلي المهجن الجميل كما كنت اسمع مدحهن في جمالي - تفاصيل استلذ بها لهروبي من افراغ رغباتي الملتهبة مع بائعات الهوى الرخيصات ، خوفا من السفلس والسيلان الذين كانا امرا مخجلا الإصابة بأي منهما ، وكان وقتها علاجهما ضعيف ولا يقضي على المرض – لم تعد عيناي قادرتين على حمل ثقل اجفاني الساقطة عليها ، ذرقت كأسي الأخير في فمي ، سحبت جسدي تحت الغطاء بخمول واطفأت ضوء الاباجورة – كان النعاس والارهاق يتملكان كل ذرة مني – دوران بطيء متداخل يلف اركان الغرفة بي – افتح عيني بصعوبة واغلقهما . . تكرارا حتى فقد الإحساس بنفسي –تخيلتني متوطن في الاسكندرية ، وكأن فصل الخريف فيها الذي اعيشه مألوفا لدي منذ زمن بعيد - اطلت من شرفة سكني ، كانت الرياح باردة ، وامواج البحر تتقاذف بجنون على مد البصر - كان الخروج إعلان لنفسي . . مزيد من الام المفاصل وتنمل العضلات - دلفت الى الداخل ، ملأت حوض الاستحمام بماء نصف ، قلبته مرات ومرات بشامبو الاستحمام - شديد الرغوة - اشتريته من فترة ونسيت استخدامه - انزلقت قدماي برفق الى غور الماء ، وبانسكاب فاتر تنسل بقايا الجسد . . قليلا . . قليلا . . احتوتني صفحة الماء . . بسكون ، وبدأت لذة عشق تسري بيني وجزيئات الماء ، اماحكها ، أدغدغها ، افرقها واجمعها . . تارة اخرى - سرى دفء في داخلي ، انتزع غمة . . تستهلك انفاسي - لا ادري . . سببها - انسدلت عيناي بنوم قهري ، ثوان . . بدا لي دهرا . . لا يزول - هدوء يحتويني ، يبتلع حضوري . . بحنو طالما حلمت به . . حتى غرقت فيا الذاكرة .
برهة ، اذناي توقظ رأسي - حالتك امست غفوة شبه مستديمة - كانت قطرات ماء الصنبور تسقط بانتظام ممل ، تقرع جردل الماء - كما هو معتاد – يزداد رنين صوت ارتطام قطرات الماء ، تتحول الى صدى قرع طبول . . ضاجه . . تبادل موجها في مزيج التنقل بين رأسي وأذناي - كل قطرة . . تنهال كأنها سقوط جبل على هامتي - ظلال حالكة ولون دماء تسترق إلي - في غفوتي - بانفتاح الذاكرة - غرفة تعذيب في الامن الوطني - كانوا يتركونك في غرفة ضيقة نتنة الروائح ، وحنفية ماء تقطر . . طوال الليل - بعد ارجاعك من دوام التعذيب اليومي الممارس بلذة . . من محققين ملثمين . . يتباهون بسطوتهم - تخدر جسمي - لم اقوى على الصحو - كان شيئا يجرني لهاوية سحيقة للغرق - استفقت بعد عراك مرير - كانت اللذة . . قد غادرتني . . دون عود جديد - لم احس وجود الناس . . سوى بقايا ذاكرة . . عمن عبروا العذاب . . لأجل غيرهم - كأنه . . لم يكن قبلا . . معاش .



















* * *

عدن تستوطن روحك دون مدن اليمن الاخرى ، رغم ارتحالك واسرتك الى تعز . . كان وعمرك اربعة عشرة عاما ، ورحل ما تبقى لاحقا من الاقارب فيها الى شمال اليمن ، لم تبقى سوى ابنة خال واحدة تعيش وزوجها في منطقة القلوعة ثم استقروا في التواهي – تحن إلى مسقط رأسك واخوتك ، وحيث يوجد قبر ابيك – تجد مهما تقدم بك العمر . . تلهبك ذكريات الطفولة وبدء مراهقتك – لم يعد لك بيتا فيها ، لمن تذهب إليه ، فجميع من لعبت ولهوت معهم . . قد كبروا في دارهم ، وقد يكون قد تحصل منهم على بيت له غير بيت ابويه – فالمساكن صارت تابعة للدولة ، توزع وفق الاحتياج بنظام التسجيل والانتظار . . حتى يصل دورك ضمن دفعة المستحقين لاستلام السكن – كان انتقال العيش الى الشمال بإلحاح عائلة والدتي لتكون وصغارها القصر تحت رعاية اخوتها وابنائهم واولاد عمها كثيري العدد ، المقيمين في موطنهم الاصلي لتاريخ العائلة منذ ما لا يقل عن مائتين عام – إنها عائلة كبيرة ذات مكانة اجتماعية عالية وبأملاك شاسعة – ما تعملي في عدن لوحدك ومعك ستة اطفال صغار ، بينما ستكوني واولادك بين اهلك ، لن تحتاجي لأحد في عيشكم ، فإرثك وغلول الارض وايجاراتها تمكنك من تربيتهم حتى يكبروا – لن يقو احد على الاقتراب منكم . . فأنت لك من يحميك واولادك – انت وزوجك الله يرحمه من تعز ابا عن جد لمئات من السنين الماضية ، حتى املاك ابو اولادك لا تحصى هناك و . . ضروري ستسترد ، واسمه كبير من قادة الثورة الاصليين ، وما وجوده في عدن إلا كهارب من الامام بعد حكم الاعدام عليه – مثله كغيره من قادة 1948 – الذين عادوا بعد قيام الجمهورية وفضل البقاء في الجنوب بسبب بقاء فلول البدر بن الامام وغير المجمهرين الملكيين من مشايخ وقبائل شمال الشمال و . . من غرسوا الكثير منهم في تعز عبر حكم الامامة الزيدية . . كعائلات نافذة ترتبط بانتمائهم القبلي والمذهبي لشمال شمال اليمن ، حتى من تعايشوا مع الجمهورية – مادام نظام الحكم الجديد في سعيه لاستمالة ولائهم له . . لا يغير من واقع وجودهم التمييزي لهم – كما اعتادوا عليه من قبل أن يكونوا - فوق ابناء تعز ، عدم المس بملكياتهم ونفوذهم وسطوتهم ووضع ابنائهم في المناصب العليا و . . منحهم الامتيازات عن سواهم . . في كل شيء ، وهم كإرث عائلي متناقل الى الابناء والاحفاد . . يبطنون سرا ولاء ارتباطهم بالملكية ونزعة التقوي بالعصبية لشمال الشمال – هو ما عرفته ممن ألتقيت لاحقا من رفاق والدك ، أنه طلع الى الشمال ، واكد عبدالرحمن نعمان والامين العام المساعد لحزب الاحرار . . أن ابك هو من كتب واعلن بيان الثورة والجمهورية في تعز و . . ليس كما دون زيفا كتابته واعلانه من قبل شخص اخر بإلقائه عبر الاذاعة في صنعاء – كان قد غادر اليوم التالي الى عدن رافضا البقاء وتعيينه لمنصب وزاري عند اعلان الحكومة – كنت تسمع احاديثه فيما دفعه للعودة الى عدن ، لطفليه الذين تركهما بعمر السنتين والثلاث . . وزوجته وليس لهم احد غيره هناك ، وأن الجمهورية رغم سقوط نظام الامامة ستظل مهددة بسطوة قبائل شمال الشمال غير المتمدنة ، المتسلطة بالسلاح والمال والعصبية ، والمغروس منها في تعز ومختلف المناطق من شمال اليمن ليس بقليل ، وليس الامر فقط بالفلول الملكية المحاربة ضد الجمهورية ، وهو ما تأكد استمرار الحرب ضد الملكيين لستة سنوات بعد سقوط النظام الامامي في سبتمبر1962 . . بدعم سعودي كامل – كان سنوات الحرب الستة قد كشفت للحكم السعودي استحالة عودة الحكم الملكي في اليمن ، وبإرضاء سري غير معلن لبريطانيا . . غيرت اللعبة بعقد اتفاقية ملزمة بين الطرفين المتقاتلين ، يتم الاعتراف بالنظام الجمهوري لإنهاء الحرب . . مقابل اشراك جانب الملكيين كمجمهرين في الدولة الجديدة ، تمت عمليات اغيال متعددة لرموز سبتمبر ، خاصة العسكريين منهم ، فكانت اخر محاولات اسقاط النظام الجديد بذريعة فشله بحصار صنعاء من القبائل الموالية سرا لعودة الملكية ، فتح الحصار بالمقاومة الشعبية وقوة الجيش . . فكان اعلان الانقلاب على الرئيس ليستبدل برئيس قاضي شرعي . . ترضى به الاسرة السعودية الحاكمة ، ازيح المدنيين والعسكريين من المناصب العليا في الدولة . . من المناطق الاخرى . . المنتمين اصلا للثورة– غابت عدن بعد الانتقال الى الشمال ، اخرجت وثائق تعريفية رسمية وبطائق بكونك واخوتك من مواطني اليمن الشمالي ، مسقط رأسكم ذبحان تعز ، لا يربطكم شيء بالجنوب – لا تذكروا انكم جئتم من عدن . . تضروا انفسكم – بعد حكم يسار الجبهة القومية للجنوب بدأت الحرب العدائية بين الدولتين – بملعوب دولي – احداهما ملحدة كافرة والاخرى رجعية ، لا يجرأ شمالي النزول الى الجنوب لزيارة اهله خوفا من تهمة عمالته للأمن الوطني لنظام الشمال ، ولا يطلع من الجنوب انسانا لزيارة اقاربه في الشمال خوفا من اتهامه كعميل لجهاز امن الدولة لنظام الجنوب ، يخفى المرء فيه . . بين الموت تحت التعذيب الوحشي او التصفية الجسدية ، يختفي الانسان . . ولا يعرف له اثر . . . .

عاد الحنين يتملك كل مشاعرك واحاسيسك و . . زادهما ثقلا عليك مع تشكل رؤاك وقناعاتك العاطفية في عمر الستة عشرة سنة . . خلال ابناء خالك ، العائدين في اجازاتهم الدراسية الجامعية خارج اليمن – كانوا جميعهم منتمين بين الفكر القومي واليساري – كانوا وضعيين الاعتقاد ، يعادون التقاليد البالية والاعتقاد الخرافي والفكر الديني المتزمت ، يؤمنون بأن الواقع بضروراته يفرز القوانين والفكر الملائم لإدارته . . وليس من خلال افكار ومعتقدات قديمة . . كانت تحكم المجتمع قبل قرون طويلة ماضية – كانوا من اسرة ارستقراطية بكويه عثمانية ، ذات مكانة ونفوذ خلال حكم الامامة لشمال اليمن ، ولتلاشي سند الباب العالي العثماني و . . وجودهم في منطقة حضرية وحيدة فيه ، تنسب ولاء اجيالها الشباب لمنحى المدنية ، تم استهداف قوة استمرار تاريخها طوال حكم الجمهورية بحكامه المتعاقبين – كما غيب تاريخ والدك ونهبت املاكه – فكك ارثها . . مع اضعاف مكانة ابناء اجيالها اللاحقين ، نهبت الاملاك وضاعت بعد . . إيقاعهم في شرك التفرقة فيما بينهم . . بتنمية نزعة الاستحواذ الفردي على حق الجماعة . . كرمز للقوة والسطوة ، يعتقد المنتصر منهم أنه الامتداد الحقيقي المستحق والوحيد لإرث العائلة العريق القديم ، دونا عن بقية الاخوة واولاد العمومة الضعاف – قلة من فروع العائلة ، التي نزعت للحفاظ على استمرار وضعيتها الماضية من خلال وضع نفسها خادمة تابعة امينة في ولائها لمركز القوة في الحكم وعصبته المتسلطة واقعا ، مقابل انسحابها من رابطة الدم العائلي ، فتحسب مكانتها من العائلات والمشيخات ربيبة سلطة الحكم . . بنسبها العائلي وعن المنطقة . . تحتكره لنفسها فقط .

محيت حقيقتك كمئات والاف مثلك واخوتك . . بتغير موطن اقامتك . . بين نظامي حكم عدائي كل واحد منهما تجاه الاخر ، جرا بلديهما للاحتراب ، لعقود دون توقف تقود الى تعمق الكراهية بين اليمنيين و . . تمزق ما كان يعرف باليمن الطبيعي قديما . . الى دويلات كانتونات مناطقية مليشاوية متخلفة ملتحفة صبغة المذهبية الدينية ، التابعة لمركز النفوذ الخارجي . . الذي يمنحها قوة تسيدها في الداخل – تقول أنك من ابناء عدن . . يلفظونك من هم هناك ، وإن كانوا وافدين من السلطنات . . خارجها – تخفف ازمتك فتقول انا شمالي ومن تعز ، يحقرك القابضون على الشمال . . فنحن سادة عليكم وانتم لم تخلقون إلا لتكونوا طوع امرنا – تهرب الى تعز منطقة ابائك واجدادك . . انت وافد غريب بيننا ، لا مكان لك إلا أن تكون نكرة وسطنا ، و . . زمان اباؤك واجدادك محي و . . لم يعد له اثر – اين تذهب ، اين وطنك الذي تنتمي اليه – ما دمت دون عصبية منتفعة تحمي ظهرك ف . . انت لا وجود لك – ضجيج يبدو لن يغادرني ابدا ، إن تناسيته لحظة . . يعود مجددا و . . يأبى أن يفارقك ، حين بسطت عمرك بين اهلك وصحبك ، وعندت بأن لك هوية ووطن . . اجبرت على الهروب الى بلد اخر ، ومازال يؤرقك ذات الضجيج . . حتى في ضياعك ببلد غريب . . لا صفة او معنى لوجودك – وجدتني في دوراني اليومي في شوارع وازقة القاهرة واماكنها المختلفة . . بعد رجوعي من الاسكندرية ، لا تفارقني الاحاسيس والهواجس نفسها ، كل مرة تأتي بصور وكلمات معدلة جديدة ، لكنها تترك داخلي ذات الاثر ، أكان هناك ما يسر أو كان هناك ما يجرح مشاعري او يصدمني ويرجعني الى حالة الاكتئاب وانشوطة الاحساس بالضياع . . .


كان لي . . وطن
يقف على راحة يدي
- خمسون عاما –
أشكله بساتينا – تارة –
بألف لون . . ولون
، يترامى فيها . . اسراب عاشقين
. . يمارسون حلمهم
، يماحكون ظلهم
. . ولوقتهم يرسمون
. . صورهم القادمة
. . أطياف مدى
. . تتبرعم خفية في ارضها
طيور . . وعصافير منيرة
، تحيل المحيط
. . أغنية
. . بكل لون
، بكل نبض
. . يسكن النفس
. . سحرا
. . ويزول العداء

- خمسون عاما
. . كان عنــــدي وطن
، أشكله . . ســرا
، وحين اعلنته جهرا
انهمرت اللعنات - طولا و . . عرضا - علـي
، تكفير
، تخــوين
، حتى . . شوارع بلدان التجأت إليها
. . لم تستر ضعفي
- منها . . استوقفني
. . بخلو الاسباب
، واخرى
. . توقيف اشتباه
، فيزه للمرور -
عيون تلاحق خطوك
، ترصد . . مسار احلامك
. . عند المنام
، تنسل خلسة . . إليك

، وتعرف . . وجهتك القادمة

- خمسون عاما
. . اعيد رسم عشقي
لبلد . . مرتحل دائم
، امسحه خلجان . . تنبسط خجلى
- عن عيون الزائرين -
، تخفي كعوب جزرها المرجانية
، وأطرافها المرمرية . . تغطيها
. . بعشب ألوان قزح
، وبصخور قذفتها السماء
- درء فتنتها
، فيحدس السنونو
، ويملأ طير البحر
. . الكون زعيقا
، وتستثار رياح المحيط
، تغزل الزوابع
. . برمل الارض
. . وزخات متكثفات الماء البارد
- لي وحدي . . اشكله وطنا
، اخفيه عن اقوام . . يعشقون الفيد
. . بديلا عن المدنية
، يعشقون ذلهم

. . توهما بالحرية

- وحدي . . في كل مرة
أعيد خطوط رسمه
. . ولا تستوقفني السنون
، ولا إعلان . . قتلي
. . ببرود
، حتى استوقفني الذهان لحظة
- نعم . . وجدتني على الدوام غريبا -
حتى . . تساقطت الانباء
، بلدي . . موطن للدم . . والاشلاء
، موطن للوباء
. . للجوع
، للانتهاك
. . والنهب المشرعن
، باسم دين ينقذ الانسان
. . بإزهاق الروح
، باغتصاب الاطفال
. . وتقطيع اوصال المدن
وانتهاك حرمات النساء
- تتقاذفني . . ملايين الشائعات
، ومساحات الهروب . . من القاذفات
، من كل صوب

، من خنادق . . دمى الاقتتال
، تلاحقني . . والمسالمين هربا من المعركة
. . معركة كاذبة
، معركة خاسرة
، تلطخ لوحة وطني
، تحقن الارض باللون الاحمر
، وتوزع اشلاء الطفولة
. . في كل المواضع
، حتى خطوط مقياس الرسم
، والجدر الذي تقف عليه

- تلفت . . إلــــي
. . في مخبئي عن الغافلين
، وجدتـني
لا بيت لــــــي
، لا حقوق
- لا وجود -
سوى . . كوني المصادر
، تائها . . في وهم طفولتي
( الخمسين )
- كيف مرق العمر . . بك
، وسرا . . همست إلـــــي :
لم يكن هناك وطن

يقف على راحة يديك
، لم تكن سوى منسب . . لبلد
. . اسمه . . يسبي العقول
، وثوبه السحري . . لا يعادله وجود
، لم تكن غير . . طفو معذب
يعيش ارضا . . كما ليس له وجود
، ارض . . حقنت بالسواد
- من ألف عام -
حين جفت مياهها
واستبدلت . . بمعارك التفيد
والرجولة . . بإسالة الدماء
- في كل وقت -
ما أن تنتهي المعركة
، يعود القتلة . . لإدارة المعاش
، ويعودوا الناس
. . إلــى التوهم . . وعيش الذهان
، ويعود الانفجار مجددا
، حصــــار
، ذل
، وبرك . . من الدمـــــاء
- ما أن غادرك الذهان لحظة
، وجدتك . . معرش بالوهم
، لم يكن . . لك وطن

، وحتى . . البلد الذي . . صلبت إليـــه
، ورضعت الفخر . . بالانتســـاب
. . إليـــه
. . مهدد الان
بالـــــــزوال .



#أمين_أحمد_ثابت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجزء الثالث رواية ( هروب . . بين المضيقين ) - من اعمالي الر ...
- نسخة معدلة ( اغنية ثانية - لبغدادية - مرتبكة )
- 41 – مدخل . . الى العقل المتصنم / نفوس متطبعة . . على متكرر ...
- وقفة اجلال على وجه من التاريخ
- نظرية العبقرية / المعجزة - إشكالية مبحث يقود الى نظرية جامعة ...
- 40 – مدخل . . الى العقل المتصنم نفوس متطبعة . . على متكرر ...
- ومضة ملهات وآقعية - بطرفة عين
- هاجس . . بكلمتين لا أكثر
- الجزء الثاني رواية ( هروب . . بين المضيقين ) - من اعمالي الر ...
- الجزء الاول رواية ( هروب . . بين المضيقين ) - من اعمالي الرو ...
- 39 – مدخل . . الى العقل المتصنم اغتراب تاريخي . . في د ...
- 38 – مدخل . . الى العقل المتصنم اغتراب تاريخي . . في دورا ...
- 37 – مدخل . . الى العقل المتصنم اغتراب تاريخي . . في دوران خ ...
- رحيل جبل كان هنا - من ديواني ( أحلام مطاردة بظلال القبيلة )
- من ذاكرة تآكل الجدار
- 36 – مدخل . . الى العقل المتصنم اغتراب تاريخي . . في دوران خ ...
- بيننا - الشيطان يعتمر قبعة قصة قصيرة عن ارثيتنا السابقة لبدء ...
- تثمين الذات بذاتها - مقال سريع للتلذذ بإنسانيتنا
- 35 – مدخل . . الى العقل المتصنم اغتراب تاريخي . . في دوران ...
- 34 – مدخل . . الى العقل المتصنم انتظار مستقبل – عربيا – لا ...


المزيد.....




- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...
- الأطفال هتستمتع.. تردد قناة تنة ورنة 2024 على نايل سات وتابع ...
- ثبتها الآن تردد قناة تنة ورنة الفضائية للأطفال وشاهدوا أروع ...
- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أمين أحمد ثابت - الجزء الرابع رواية ( هروب . . بين المضيقين ) - من اعمالي الروائية الاخيرة 2020م غير المنشورة