أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عمر حمش - زلابيا، وحنتوت، وحمص مقلي.














المزيد.....

زلابيا، وحنتوت، وحمص مقلي.


عمر حمش

الحوار المتمدن-العدد: 7430 - 2022 / 11 / 12 - 18:32
المحور: الادب والفن
    


في ليالي الشتاء البعيدة...
كانت جدتي تروي لنا حكاية االقريّة السعيدة، التي أمطرتها الدنيّا زلابيا، فأمدّ أنا عنقي، أتصور شكلها، وأخرجُ لساني، أتذوق قطرها، لكنّ جدتي كانت سرعان ما تقصفُ فرحتنا؛ وتُعرّج إلى دهاليز حكاية ( أبو رجل مسلوخة) ليشتّ خيالي؛ ويزودني بإضافات أشدّ، وأعتى لشكل ساقه، ولخطوه المتنافر القادم.
فإذا ما دفنتُ رأسي في بطانيّة الأمم المتحدة؛، صار لزاما – فورا كالعادة – أن أقوم؛ لأذهب إلى ذاك الحانوت البعيد، كنتُ أنا الملبي الساعي لجلب ما يحتاجون، سكر.. شاي... أو حتى علبة ثقاب..كانت ظلمة كوخنا تسلمني لظلمة الزقاق، ويبتلعني بئرُ الظلام.. فيأتي ( أبو رجل مسلوخة) مهرولا، يترصدني هناك.
كانت تصدمني جدران الأكواخ، ويصفعُ وجهي صفيح نوافذ مخيمنا الواطئة المشرعة للظلام.. ولكم لحقت مؤخرتي – وأنا أجري - الكلاب..
وأعودُ؛ لأغفو دوما، وثغري اللاهث يبحث عن الزلابيا التي لا تأتي من السماء.

***

في الغسق..كنا نحمل بعضنا .. نتماسك بالأذرع، الظهر إلى الظهر، ننثني بالتوالي، وحوار لعبتنا يدور:
( شفت القمر) ( شفته) ( شو تحته) ( حمص مقلي) (انزل نقي)
مشكلتنا كانت من يحمل الحنتوت.
مرّةً تهربت منه؛ فهاجمني، وتحت ثقله اضطررت لثقب بطنه السمين بسكين ( السمكة ) الصغير، يومها رأيت دمه، وهربت إلى كحل الليل من عقاب أهلي؛ إلى أن أمسك بي شبحُ أخي.
اسمُ صاحبنا حنتوت ذاك كان مثار سخرية جمعنا، ومصدر مشاكلنا المفاجئة.
بعدها بسنوات – وقد كنا على وشك البلوغ - عبرت اليهود إلى ما تبقى من البلاد، ورجالنا - من المحيط إلى الخليجِ - جلسوا يلطمون كما النساء.

***

في ميدان فلسطين الذي يتوسط غزة ، رقبتُ الحنتوت، وهو يعرض على الخواجات القادمين مسح سياراتهم، وبالقرب من البنك العربيّ؛ كان الصبية الذين كبروا، يطوفون على (الزائرين الجدد)، ويعرضون بضاعتهم الخفيفة.
جوار البنك كانت تأتي الرصيف في ذات الميعاد - حافلةٌ خضراء، وتتوقف، ورأيتُ البعض يصعدها؛ لتغادر بهم إلى جسر نهر الأردن.
كان الحنتوت كل يوم يرتقي درجات مدخل الحافلة، ويناديني، ثمّ ينزل إليَّ مستاءً
في يومٍ.. انطلقت الحافلة، وصوته ينادي.
ذهب الحنتوت إلى شرق الأردن!
هاجر ببطنه الغضّة الطريّة، ولمّا يشتدّ عوده، وهناك على الرصيف تركني ذاهلا.

***

جاء الحنتوت ونحن كهول، قلت أذهب لأسلّم، فهو صاحبُ حقٌّ علينا، وواجب ... كان – رغم النجوم التي على كتفيه - لم يزل رثّا، سمينا، شعره طائرٌ من غير ريح.
لم يعرفني الحنتوت، قلت : إيه...سنين طويلة، تساقط شعرنا، وما تبقى منه شاب. لكنّ الحنتوت سمع اسمي؛ ولمّا يذكرني، عجبت أكثر حين سألني:
أظن التقينا من قبل؟
قلت: أين؟
قال: أظن في سجن غزة المركزيّ؟
لحظنها جنّ جنوني، وهتفت: أتعرف سجن غزة يا حنتوت؟
فتضاحك الحاضرون من سكان الحي.
وأكملت مرعدا، وذراعي تلوّح:
وهل ينسى المرؤ كيف رحل عن وطنه يا حنتوت؟؟
غضبت من الحنتوت، لكني هذه المرّة كنتُ بلا سكين سمكة.



#عمر_حمش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قتيلُ اللّيل
- فخُّ الترجمة إلى اللّغة العبريّة
- قهقهة
- رجلٌ منطقيّ
- اللّوحة
- سيفُ عنترة
- انسحاب
- عُنب
- عبد الواحد
- المستكشف
- تغريدةُ النورسِ الأخيرة
- مطرّ على المخيم
- رسائلُ المحلّقُ القديم
- موسيقا الورد، والأحلام
- راحة
- أحراش، وأفيون، وكرة مذهبة
- الحرب والميدان
- نشيد الوداع
- شهيد! - قصة قصيرة جدا
- أمنية أخيرة! - قصة قصيرة جدا


المزيد.....




- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عمر حمش - زلابيا، وحنتوت، وحمص مقلي.