أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - العزلة في يلوا / الجزء الثالث















المزيد.....

العزلة في يلوا / الجزء الثالث


سعد محمد موسى

الحوار المتمدن-العدد: 7428 - 2022 / 11 / 10 - 22:01
المحور: الادب والفن
    


العبور الى اسطنبول

أثناء غلق المطارات وحظر السفر أضطررت مرةً أخرى للمكوث فترة أطول في مدينة (يلوا) وتجديد إقامتي السياحية، والبقاء في شقتي بعد إشعار مالك الشقة التركي الذي كان يتحدث اللغة العربية ولكن بلهجة ليبية ركيكة بعد أن قد قضى بضعة سنوات كان يعمل خلالها في ليبيا، وقد زارني ذات يوم وأخبرته حينها بنيتي حول تمديد عقد الشقة حتى إكمال تلقي الجرعة الثانية من لقاح الفاكسين المضاد لكوفيد 19 وانتظار السماح بالسفر ومغادرة تركيا، وقبل أن يبرح مالك الشقة تبادلنا حوار لم يكن يخلو من الدعابة حول ظاهرة وجود سجادة الصلاة ونسخة من القرآن الكريم في الصالة أما في المطبخ فكانت هنالك كؤوس صغيرة فارغة مخصصة لمشروب (عرق الراكي) التركي الشهير المستخلص من روح العنب واليانسون .. وعلى ما يبدو أن ظاهرة وجود سجادة الصلاة المصاحبة لكؤوس مشروب عرق راكي في أغلب الشقق المؤثثة التي يمتلكها الاتراك تعد ظاهرة مألوفة، فهذا المشروب يعتبر شراب محلي ووطني يضفي طابع البهجة والمسرات والتقارب الاجتماعي في أحتفالاتهم ويحاول الاتراك أن ينؤن بعرق الراكي عن موضوع التحريم الديني، فتركيا رغم أنها مجتمع إسلامي وبلد المساجد الكثيرة لكن دستورها علماني ومدني منذ تولي الزعيم مصطفى أتاتورك حين كان أول رئيس لجمهورية تركيا.
تبدو المشاهد المألوفة في مدن تركيا المعروفة بوجود مساجد وقربها حانات وخمارات حيث تتواجد بين المحلات والأزقة والشوارع، حينها يكون لكل مقاماً مريديه !!
ومن المتعارف عن تركيا أنها تشتهر بكثرة مساجدها حتى أنها لقبت ببلد المساجد ويوجد في أنحاء تركيا أكثر من 89 الف مسجد.
كانت إسطنبول عاصمة الدولة العثمانية في الماضي وهي الآن من أكبر مدن تركيا، المميزة بروعة الصروح المعمارية والتي تزين أفقها، لاسيما المساجد والمآذن، ذات الطرز الفريدة وجمالية تصاميم المأذن العثمانية المستمدة تاثيراتها من مآذن العصر "الأموي والعباسي والسلجوقي"، وهنالك اعتقاد من بعض المعماريين يذكر بان شكل المآذنة الاولى كان مستوحى من شكل زقورة أور، وقد عُرِفت المنائر بأسماء عديدة، منها المنارة، والصومعة، والميذنة، والمنار.
أتقن وبرع العثمانيين في تشييد المساجد والتي بقيت حافلة برونقها ومحافظة على متانة بناءها حتى يومنا هذا، بعد أن كان البيزنطيين قبلهم مهتمين في البناء العمراني للكنائس والقصور الخلابة والساحرة، ومن أروع الصروح العمرانية والفنية والتي تعد من ضمن عجائب الدنيا هي كنيسة (آيا صوفيا) التي كانت تمثل هيبة العاصمة القسطنطينية للامبراطورية البيزنطية وكاتدرائية للبطريكية المسيحية الأرثوذكسية وهي كلمة يونانية تعني (الحكمة الآلهية) ، حتى اجتياح السلطان العثماني (محمد الفاتح) عام 1453 م الذي قضى على البيزنطيين واستولى على القسطنطينية وحول كنيسة آيا صوفيا الى مسجد للمسلمين هناك في اسطنبول.
وقد تحور هذا الصرح العظيم المستلهم من روحية الحضارة الرومانية الشرقية بعد أن أضيف اليه لاحقاً أربعة مآذن أسطوانية تبدو عليها ملامح الهندسة العمرانية العثمانية واضحة، وبات أسم الجامع (الكبير الشريف لآيا صوفيا).
ولكن في عام 1934 حولها كمال اتاتورك الى متحف فني وديني يجمع ما بين التراث الأسلامي وفنون الهندسة المعمارية والمقتنيات المسيحية. أما في عام 2020 فتحولت في زمن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الى مسجد مرة أخرى.
ولدى زيارتي الى آيا صوفيا أنبهرت من فخامة الكاتدرائية لا سيما شموخ الأعمدة والدعامات الرخامية الخضراء الضخمة المهيبة التي تعتبر أقدم أعمدة رخامية في تأريخ البناء الهندسي المعماري.
وفي أعلى السقف كانت تتجلى صورة للسيدة مريم وهي تحتضن ولدها المسيح مع نوادر تضم لوحات الفسيفساء التي تعود الى العصر البيزنطي، أضافة للآيات القرآنية والنقوش وجماليات الخط العربي والزخارف الاسلامية والشرقية التي دونت لفظ الجلالة ( الله جل جلاله) واسم النبي محمد وكذلك أسماء الخلفاء الراشدين وأسماء أهل بيت الرسول: "فاطمة، والحسن، والحسين" عليهم السلام.
وبعد أن غادرت آيا صوفيا تجولت في أحياء المدينة القديمة في سلطان أحمد وبقية الأحياء العتيقة الزاخرة بعبق التأريخ البيزنطي والعثماني في تلك العاصمة التي تجمع ما بين تنوع حضارات الشرق والغرب في أيقونة واحدة.
وقصدت أيضاً مسجد (سلطان أحمد) المقابل لآيا صوفيا والقريب من ميدان السباق البيزنطي القديم، ويعد هذا المسجد من أهم وأضخم المساجد في العالم الأسلامي ويؤمه الكثير من السواح من أصقاع العالم، ويظهر من النقوش المحفورة على إحدى بوابات الجامع ان تأريخ بنائه كان بأمر من السلطان أحمد وقد نفذ بين عامي 1018هـ - 1026هـ / 1609م - 1616م والذي قام بتصميمه المعماري العثماني الشهير (محمد آغا).
ويذكر أن من أهم المعماريين والمهندسين الحاذقين والعباقرة في العصر العثماني الذين كان لهم الفضل ببناء المساجد والجسور والمراقد كان (سنان باشا) وكذلك المعماري الثالث (داوّد آغا).
كانت تعلو المسجد خمسة قباب كبيرة مع ثماني أخرى صغيرة أضافة الى ست مآذن شامخة في غاية الروعة والمهارة العمرانية
وتبدو على ملامح مسجد سلطان أحمد بعض التأثيرات التي استلهمها المعماري من عناصر الهندسة المعمارية لصرح آيا صوفيا الخالد، وقد جمع المعماري ما بين الزخارف والنقوش والتكوينات البصرية الأسلامية والبيزنطية، ويطلق أيضاً على مسجد السلطان أحمد باسم (المسجد الأزرق) نظراً لإكساء جدرانه الداخلية بحدود 20 الف قطعة بلاط وسيراميك مزينة بنقوش يدوية في غاية الدقة والجمال باللون الأزرق.
وبعد الجولة الروحانية والجمالية في أروقة آيا صوفيا ومسجد سلطان أحمد قصدت أزقة الميدان وساحاتها حيث المطاعم التركية والمقاهي والمعجنات الشهيرة لا سيما البورك المحشى بالجبن، قد لفت انتباهي وجود ظاهرة الخبز المعلق فوق الكثير من بوابات المخابز والأفران التركية ويطلق عليها الأتراك (أسكيدا إيكميك) حيث يترك الخبز حتى يأتي من يحتاجه ويأخذه مجاناً وقد توارثت تلك الأعمال الخيرية لغرض التكافل الاجتماعي منذ العهد العثماني بواسطة دفع المشتري سعر لرغيفين لكنه يأخذ رغيف واحد بينما الرغيف الآخر يعلق على خطاف مع الأرغفة الآخرى داخل أكياس فوق بوابات المخابز للمحتاجين والفقراء.
ومع تفاقم أزمة كورونا لا سيما في شهر رمضان أزدادت ظاهرة عرض الخبز المعلق ومنح الصدقات ومساعدة العوائل المحتاجة.



#سعد_محمد_موسى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين تستفيء الذاكرة بظلِ قطار
- زيارة مقبرة وادي السلام
- العزلة في يلوا/ الجزء الثاني
- العزلة في يلوا / الجزء الاول
- تجليات الأبواب
- القبر المنسي في أنقرة
- رحلة الموت وفجيعة البحر/ الجزء الثاني
- رحلة الموت وفجيعة البحر
- أبوذية الغناء وصوفية العشق
- إحفيظ ومملكة الاساطير والخوف/ الجزء الاول
- تجليات الالوان والرموز في مقامات السجاد
- مقامات هجرة السنونو
- تجليات سادن العرفان
- مقامات الغربة والاسفار
- فراديس الاهوار / الجزء الثالث
- فراديس الأهوار / الجزء الثاني
- فراديس الاهوار
- أوريكة
- مقامات المدن والموسيقى
- مقامات الموسيقى والمدن


المزيد.....




- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - العزلة في يلوا / الجزء الثالث