أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - القبر المنسي في أنقرة














المزيد.....

القبر المنسي في أنقرة


سعد محمد موسى

الحوار المتمدن-العدد: 7297 - 2022 / 7 / 2 - 14:01
المحور: الادب والفن
    


على سفح هضبة (خضرلك) المتاخمة لقلعة (أنقرة) كان يلوح هناك شاهد قبر وحيد يعتليه قوس حجري، وتحت ثراه كان يرقد شاعر العرب العظيم (أمرؤ القيس) الذي وافته المنية أثناء عودته من مدينة القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية قاصداً دياره نحو مملكة كندة عام 540 ميلادي، وقد نقش على أحد الصخور المحيطة بالقبر بيت شعره الشهير:
"قِفا نبكِ من ذكرى حبيبٍ ومنزلِ
بسقط اللوى بين الدخولِ فحوملِ"
وقبل زوال الشمس، حلق سرب القطا وطاف حول أطلال القبر وكأن تلك الطيور المهاجرة تعرف بأن هذا الشاعر المبتلى بالترحال سبق وأن ذكرها في بعض ٍ من أبيات شعره .. ثم أفل السرب جنوباً قاصداً مدينة (قونية) حيث مقام مولانا الشاعر جلال الدين الرومي!!
في ليلة الفجيعة والبلاء وبعد حياة الترف الباذخة والمفعمة بالشهوات وليالي الطرب والمجون تغيرت حياة الشاعر تمامأ لدى سماعه خبر اغتيال والده (حُجر بن الحارث) ملك قبيلة كندة.. فأنشد قوله المأثور أثناء مجالسته لرفاق الخمرة والطرب في آخر ليلة سمر " رحم الله أبي، ضيعني صغيراً، وحملني دمه كبيراً .. لا صحو اليوم ولا سُكرَ غداً.. اليوم خمر وغداً أمر "
بعد أن ودع حياة الصعلكة وغواني الليل والخمرة والشعر الماجن في (حضرموت)، تأهب الى أيام الحرب وتحشيد القبائل العربية المناصرة لأخذ ثآرات أبيه ومحاولة إسترداد الملك وأعادة هيبة مقام مملكة كندة من قبيلة بني أسد، فساندته بعض القبائل العربية التي كانت منضوية تحت سيادة مملكة كندة بينما تخلت عنه قبائل عربية أخرى لا سيما أن القبائل حينها كانت موزعة الولاءات ما بين أعظم قوتين متنافستين حينذاك وهما الفرس والروم.
ثم اِستمع امرؤ القيس "الملك الذي لم يتوج" الى نصيحة الغساسنة بالذهاب الى القسطنطينية وطلب مؤازرة ونصرة الإمبراطور (جستينيان الأول) قيصر الروم لنيل مسعاه في إسترجاع الحق المغتصب وتنصيبه ملكاً على كندة، فأنشد قصيدة وادناه مستهلها قبل بدء الرحلة الشاقة والمغامرة الخطيرة:
بَكى صاحِبي لَمّا رَأى الدَربَ دونَنا
وَأَيقَنَ أَنّا لاحِقانَ بِقَيصَرا
فَقُلتُ لَهُ لا تَبكِ عَينَكَ إِنَّما
نُحاوِلُ مُلكاً أَو نَموتُ فَنُعذَرا
وقد اختلفت الحكايات والتأويلات في أسباب عدم إيفاء الامبراطور بوعده الى أمرؤ القيس أو تبديل رأيه في إرسال جيش للقضاء على قبيلة بني أسد بعد أن آمنه وأكرمه ووعده بمبتغاه، وهنالك الرأي السائد وهو الاقرب للحقيقية يشير الى أن قبيلة بني أسد أرسلت مبعوثاً ذو دهاء الى ملك الروم لحثه وتحذيره من مساعدة أمرؤ القيس في تنصيبه ملكاً على كندة بعدة مقتل أبيه، لان الإبن سوف يؤلب القبائل في الجزيرة العربية ضد الدولة البيزنطية.
فرجع الشاعر "الملك الضليل" خائباً وأثناء عودته آلمّ به مرض الجدري فتوفي في أنقرة وأقيم له قبراً على هضبة خضرلك هناك ويقال لها أيضاً هضبة الخضر أو تيمورلنك.
لم أكن أعلم بأن لشاعر العرب العظيم يوجد له قبر في أنقرة إلا قبل بضعة أشهر رغم أني كنت مقيم في تركيا منذ عام ونصف، وقد صرح رئيس اتحاد أوراسيا في أنقرة وأشار الى ضرورة وأهمية ترميم القبر وتوسيع معالمه وإنشاء حدائق تحيط بالضريح، وأطلاق دعوات للشعراء والأدباء العرب لكي يكون لمقام شاعرهم الأعظم معلم ومزار معرفي وسياحي.
أكثر ما استوقفني في رحلة أمرؤ القيس وأنا أتخيل محطات حياته الكثيرة ومغامراته هي الليلة ما قبل الأخيرة في تلك الهضبة حين مرّ على قبرٍ دل شاهده انه يعود الى امرأة عربية مدفونة هناك فرثاها وكأنه كان يشعر بدنو منيته ومن غرائب الصدف أن يموت في الليلة التي تليها ويدفن بمحاذات قبرها :
"أجارتنا ان الخطوب تنوب
واني مقيم ما أقام عسيب
أجارتنا أنا غريبان هاهنا
وكل غريب للغريب نسيب
فإن تصلينا فالقرابة بيننا
وإن تصرمينا فالغريب غريب
أجارتنا ما فات ليس يؤوب
وما هو آت في الزمان قريب
وليس غريبا من تناءت دياره
ولكن من وارى التراب غريب"
أما ليلة الشاعر الأخيرة والموحشة فكان حينها وحيداً بعد أن تخلى عنه حتى رفيقه الذي صاحبه من ديار كندة والذي عاتبه فيما بعد تذمره من الرحلة الفاشلة الى القسطنطينية .. فكان يتوسد صخرة بجسده العليل الذي لم يسعفه بأكمال الرحلة ويقينه بأن لحده سوف لم يكن بين ديار الاهل ومرابع طفولته في (نجد) وأن الدرب بعيد وموحش والموت سوف لن يمهله فحلت الأقدار والمنية في ديار الغرباء.. فرثى لحاله وهو يناجي السماء حين أورثته الدنيا بعد مقتل أبيه كل هذا التأريخ المزدحم بالشقاء ولعنة البلاء والضياع :
"وليل كموج البحر أرخى سدولهُ عليَّ بأنواع الهموم ليبتلي"



#سعد_محمد_موسى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رحلة الموت وفجيعة البحر/ الجزء الثاني
- رحلة الموت وفجيعة البحر
- أبوذية الغناء وصوفية العشق
- إحفيظ ومملكة الاساطير والخوف/ الجزء الاول
- تجليات الالوان والرموز في مقامات السجاد
- مقامات هجرة السنونو
- تجليات سادن العرفان
- مقامات الغربة والاسفار
- فراديس الاهوار / الجزء الثالث
- فراديس الأهوار / الجزء الثاني
- فراديس الاهوار
- أوريكة
- مقامات المدن والموسيقى
- مقامات الموسيقى والمدن
- مدينة الرياح وأساطير البحر
- مراكش/ رحلة في أروقة الگناوة
- مراكش وهارمونية الاطياف الحضارية / الجزء الاول
- حكايات من جزيرة الواق واق / الجزء 5
- حكايات من جزيرة الواق واق الجزء/ 4
- حكايات من جزيرة الواق واق / الجزء / 3


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - القبر المنسي في أنقرة