أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - تجليات الالوان والرموز في مقامات السجاد















المزيد.....

تجليات الالوان والرموز في مقامات السجاد


سعد محمد موسى

الحوار المتمدن-العدد: 7151 - 2022 / 2 / 1 - 13:50
المحور: الادب والفن
    


بعد أن نزح البدو الرحل والبعض يعتقد انهم من أصول الغجر الرحالة ممن يحترفون مهنة الحياكة من البوادي الى تخوم (مدينة الناصرية) وتوقفوا في العراء، ناخت أبلهم وتعالى رغاؤها مع رطينهم فانزلوا أمتعتهم مع شلفان الصوف وأدوات الغزل والمعاول، ثم نصبوا خيامهم وشيدوا من عدة آلاتهم البدائية والخشبية مقاماً للحياكة هناك فوق حفر في الارض تدعى (الجومة).
ثمة فضول كان يدفعني وانا أقصد مرابعهم، وكنت أراقبهم لا سيما ذلك الشيخ الحائك ذو المحيا الباسم والغاطس وسط الاصواف بينما ساقاه النحيفتان والعاريتان تتدليان وسط جومة آلة الحياكة وهو منهمك بنسج البسط، وكنت أتامل أيضاً الاصواف التي تبرمها وتغزلها زوجته بالمنوال اليدوي وبخشبة المغزل طيلة النهار دون كلل أو ملل، فتستوقفني طريقة عملهم وما ينجزاه بحرفية مدهشة وما تحيكه أناملهم الساحرة من النقوش والرموز والوحدات البصرية المنسوجة على سطح البسط والسجاد.
لقد أدركت فيما بعد أن منسوجات الحائك هي أولى القصص الملونة التي اِستفزت مخيلتي وموهبتي للرسم في
سنوات الطفولة، وأنا أعود للبيت متاثراً بما نسجه الحائك من تكوينات خيوط الصوف فاحاكي على أوراق كراسة الرسم بصريات البدوي وما أنجزه فوق البسط والسجاد من رسوم كانت تمثل طيور وحيوانات وأشكال هندسية لا سيما اِيحاءات لشكل المثلث وتكراره بتناظرات لونية مختلفة، والذي يمثل قدسية دينية وشعبية ورمز مستوحى من الحضارات القديمة إضافة الى قيمته الجمالية في التصميم، وكذلك التكوينات التي ترمز للنجوم والأهِلّة والنخيل والخطوط المستقيمة بتناسق لوني وتشكيلات المنحنيات والاقواس أيضاً.
يبقى الحائكون والنساجون في أطراف المدينة يعملون طيلة النهار مثل خلايا النحل أثناء إقامتهم لمدة ثلاثة أشهر.
وفي الايام الاخيرة لفصل الربيع تجيء قافلة الابل مرة أخرى لتنقلهم الى البادية أو ربما الى أطراف مدينة أخرى أو التوجه بمضاربهم جنوباً نحو تخوم الاهوار، بعد أن يجتمع بهم أهالي المدينة وسكان القرى القريبة لتوديعهم ومنحهم الطعام لرحلتهم أو لتسديد ما تبقى عليهم من ديون من شراء المنسوجات.
في بواكير الصيف من بدايات السبعينات غادر الحائكين ولم يعودوا الى المدينة مرةً أخرى، بعد أن تركوا أرثاً كبيراً من السجاد والبسط والوسائد المزركشة في أغلب بيوت ودواوين المدينة ومضايف القرى المتاخمة للناصرية وتركوا ذكرياتهم وحكاياتهم وقصصهم أيضاً عن الترحال والبوادي ولم يرجعوا اليها مرة أخرى!!
وبعد أن اِرتحلت قوافل النساجين وأخذوا معهم أسرارهم الجمالية والحرفية.
أرتايت أن أراقب الجارة العجوز الزاهدة ( كاغودة) عاشقة غزل الاصواف في محلتنا، الملتحفة (الهدم البدوي) الاسود ذو الملمس الخشن المنسوج من وبر الابل، وهي عباءة كانت تختلف عن عباءات نساء أهل المدينة المنسوجة من خيوط البريسم والحرير. كانت تبدو بجسدها النحيل وظهرها المحنيّ والمنزوية بخجل وكأنها (المهاتما غاندي) وهو يمارس هوايته على منواله الخشبي في غزل الاصواف والقطن في صومعته في بلاد الهند.
كانت كاغودة ترتل صلواتها في الغرفة الطينية وتردد الادعية وتسبح بمسبحتها ذات الخرز السوداء الصغيرة مع التَميمة المثبتة في منتصف الشاهد والتي لم تبرح كفيها الموشومتين بنقوش مشابهة لنقوش منسوجاتها وهي تغزل الصوف وتبرمه بمغزلها العتيق.
ثم تلقي بالخيوط الصوفية المبرومة بدقة في قدور نحاسية كبيرة يغلي بها الماء، بعدها تضيف مساحيق الاصباغ لكل قدر لون معين، وتحرك خيوط الصوف مع الصبغة بواسطة عصا خشبية كي تكتسب لون السائل الملون، كانت الابخرة الملونة تتصاعد من حوش الدار المفتوح الى السماء في كرنفال لوني، يعلن عن بدء كاغودة لموسم التحضيرات لحياكة البسط.
ثم تخرج أكوام الخيوط بعد ذلك من الاواني وتجففها فوق سطح الدار وتنشرها تحت أشعة الشمس ثم تلفها على شكل كرات حسب الوانها وتصنيفاتها من الوان باردة وحارة ومحايدة!!
كانت العجوز تمنح أسماء الى الوان الخيوط الصوفية لم أسمع بها من قبل مثل (العكَروكَي) وتعني به اللون الاخضر (البهاري) الذي يرمز للون الاصفر...( دم الغزال) تشير به الى الاحمر الصارخ، (الادعم) يعني اللون البني، أما (البناوّش) فهو اللون الازرق!!
في داخل دارها البسيط والقديم عادة ما يستوقفني تكوينات (النضيدة) من اللحف والفرشات والوسائد والأزر المصفطة بشكل أنيق فوق البوفية الخشبية العتيقة بطرازها الانكليزي الفكتوري والمزينة على إحدى بواباتها صورة تمثل الموناليزا العراقية (بنت المعيدي)، وكذلك جماليات البسط والسجاد التي تتجلى بها العفوية الشعبية والتلقائية الجمالية التعبيرية لمهن حرفية أصيلة ما زالت تتوارثها الاجيال منذ العصور السومرية القديمة، وقد اِستوحى الكثير من الفنانيين القدامى والمعاصرين من الشرقيين والاروربيين اِبداعاتهم البصرية التي كانت تحاكي الموروث الرمزي والتاريخي للمنسوجات والبسط، المتمثل بالاختزال والتجريد والاستنباط الرمزي والمعنى الدلالي من تكوينات الواقع الوجودي والمفردات الحياتية.
وكان الرسام والمزخرف العراقي (يحيى بن محمود الواسطي) الذي عاش في القرن الثالث عشر الميلادي في أواخر العصر العباسي، من أبرز أساطين الفن العربي والاسلامي الذي اِستوحى مواضيعه من تكوينات السجاد والمنمنمات الاسلامية وزخرف التوريق ومن توظيف الوحدات البصرية والزخرفية والتكوينات النباتية والحيوانية والهندسية واستلهام شكل النجمة الثمانية السومرية الاصل لتزيين المخطوطات والمساجد وواجهات الابنية.
منذ بدايات فن الحياكة والنسيج التي ظهرت في بلاد الرافدين منذ العصور القديمة التي تفنن وأبدع بها الحائك السومري والتي أكدت أن الانسان الرافديني كان من أوائل النساجين في تاريخ الحضارات الانسانية القديمة وقد كشفت التنقيبات على وجود مغازل فخارية وثقالات حجرية بدائية استخدمت للحياكة
هناك في مدن: "أور، ولگش، والوركاء، وأوما" حيث تتجمع تلال الاصواف أمام (بيت أوشباري) معامل النسيج
حينها نسج الرافديني أول سجادة (البازاريك) في القرن الخامس قبل الميلاد والمحفوظة بنسختها الاصلية حتى يومنا هذا في متحف (هيرميتاج) في مدينة (سان بطرس بيرك) الروسية وما زال النساج العراقي المعاصر يبدع بذات المواصفات والوحدات والرموز عن سجاد اليوم وهو يحاكي الابداع المستوحى من سجادة البازاريك الاولى.



#سعد_محمد_موسى (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامات هجرة السنونو
- تجليات سادن العرفان
- مقامات الغربة والاسفار
- فراديس الاهوار / الجزء الثالث
- فراديس الأهوار / الجزء الثاني
- فراديس الاهوار
- أوريكة
- مقامات المدن والموسيقى
- مقامات الموسيقى والمدن
- مدينة الرياح وأساطير البحر
- مراكش/ رحلة في أروقة الگناوة
- مراكش وهارمونية الاطياف الحضارية / الجزء الاول
- حكايات من جزيرة الواق واق / الجزء 5
- حكايات من جزيرة الواق واق الجزء/ 4
- حكايات من جزيرة الواق واق / الجزء / 3
- حكايات من جزيرة الواق واق/ الجزء /2
- حكايات من جزيرة الواق واق
- مكابدات الرحّال / الجزء الأخير
- مكابدات الرحّال / الجزء السابع عشر
- مكابدات الرحال / الجزء السادس عشر


المزيد.....




- -ميتا- تعتذر عن ترجمة آلية خاطئة أعلنت وفاة مسؤول هندي
- في قرار مفاجئ.. وزارة الزراعة الأمريكية تفصل 70 باحثًا أجنبي ...
- -بعد 28 عاما-.. عودة سينمائية مختلفة إلى عالم الزومبي
- لنظام الخمس سنوات والثلاث سنوات .. أعرف الآن تنسيق الدبلومات ...
- قصص -جبل الجليد- تناقش الهوية والاغتراب في مواجهة الخسارات
- اكتشاف أقدم مستوطنة بشرية على بحيرة أوروبية في ألبانيا
- الصيف في السينما.. عندما يصبح الحر بطلا خفيا في الأحداث
- الاكشن بوضوح .. فيلم روكي الغلابة بقصة جديدة لدنيا سمير غانم ...
- رحلة عبر التشظي والخراب.. هزاع البراري يروي مأساة الشرق الأو ...
- قبل أيام من انطلاقه.. حريق هائل يدمر المسرح الرئيسي لمهرجان ...


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - تجليات الالوان والرموز في مقامات السجاد