أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - مكابدات الرحال / الجزء السادس عشر















المزيد.....

مكابدات الرحال / الجزء السادس عشر


سعد محمد موسى

الحوار المتمدن-العدد: 6626 - 2020 / 7 / 24 - 17:36
المحور: الادب والفن
    


الانتفاضة الشعبية
سيطر الثوار على أربعة عشر محافظة عراقية من بين مجموع ثمانية عشر مدينة كانت تشكل خارطة العراق لطيلة شهر آذار من عام 1991
كانت الهيمنة في بداية إندلاع الانتفاضة لصالح للثوار بعد أن هرب الكثير من أعضاء حزب البعث وضباط المخابرات والامن بينما القي القبض على البعض منهم وتمت تصفيته أثناء مداهمة مقرات حزب البعث والسجون السرية في معتقلات مديريات الامن والاستخبارات واطلاق سراح السجناء.
في الايام الاولى كان هيجان الانتفاضة عفوي مثل بركان كانت تتشظى حممه بالثأر والانتقام.
بعد سنوات من القمع ورعب الاستبداد كان العراقي حينها داخل أسوار الوطن وهو لم يثق حتى في جدران داره التي ربما تمتلك آذان خفية توشيّ بالحديث، وبات المرء يتوجس حتى من أحلامه خشية أن تتسرب الى الجواسيس وكتاب التقارير.
تنفس المقهورون الصعداء وأخذوا يشتمون الطاغية ويمزقون صوره ويبصقون على بقايا جدارياته الكثيرة علناً.
بدأ بعدها الثوار تنظيم الفصائل المعارضة والمسلحة بنصب السيطرات في الطرق الخارجية وداخل المدن وبتوزيع الدوريات والحراسات.
بعد أن حطم المنتفضون السجون وأطلقوا المعتقلون من زنازينهم المظلمة خرج المنفيون من مقابرهم أنصاف عراة بأجساد خاوية مصدومين من ضوء الشمس الذي كان يمر فقط عبر أحلامهم.. ومفاجأتهم من الحرية بعد أن كانوا منسيين في باطن الارض الى أزمنة لم تتذكرها حتى تقاويم ذاكرتهم .
بينما في الشوارع الرئيسية من المدينة كانت هنالك مجاميع من المتظاهرين تشيع جثامين الثوار الذين استشهدوا لدى اقتحامهم لمقرات حزب البعث والدوائر الامنية وكذلك في مواجهاتهم لدى رجوع رئيس أركان الجيش العراقي بصحبة ضباط برتب رفيعة مع حماياتهم المزوديّن بشتى أصناف الاسلحة الخفيفة والمتوسطة من اتفاقية خيمة صفوان ، وأيضا كان هنالك أمر من سيد الجنرال الاعلى أن يكون حاكماً عسكرياً مطلقاً على المنطقة الجنوبية وكانت بمعيته خططاً لابادات جماعية في الجنوب.
حدث قتال شديد استمر منذ الصباح حتى المساء بعد أن طوق الثوار مكان اقامة الجنرال وقوته العسكرية داخل مديرية الطرق والجسور في مدينة الناصرية.
خلفت المعركة استشهاد بعض المنتفضين وبالمقابل كانت غنيمة معركة الثوار هو جرح وأسر الجنرال المرسل مع وقوع قتلى في صفوف الحماية وبعض الرتب العسكرية الاخرى .
كان اندلاع الانتفاضة رد فعل وجودي لاسترداد كرامة العراقي وكسر حاجز الرعب.
لم يبقى لاكمال حلم الانتفاضة الشعبية سوى إجتياح بوابة العاصمة بغداد التي باتت قاب قوسين أو أدنى كي يدخلها الثوار.
لكن الخطط الدولية والعربية لم تكترث بالانتفاضة الداخلية للشعب العراقي بل تآمرت ضدها، وسرعان ما بدأت تحركات أرتال الجيش العراقي من بغداد المحاصرة تزحف باتجاه الفرات الاوسط ومدن الجنوب لقمع حركة التمرد.
فحدث قتال عنيف في مواجهة غير متكافئة ما بين المنتفضين والثوار باسلحتهم التقليدية البسيطة وما بين جيش نظامي حاول أن يجمع فلوله بعد هزيمته في حرب عاصفة الصحراء.
لاسيما ان قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية أعطت الضوء الاخضر لفلول الجيش العراقي باستخدام أسلحته الثقيلة وطائراته لاجتياح المدن المنتفضة فعاث الجيش حينها فتكاً ودماراً بكل وحشية وقساوة في المدن مثل جيش غازي يجتاح مدن الاعداء، وقد أوغل الحرس الجمهوري بجرائمه ضد العزل والشيوخ فبات يمارس ساديته بفتك أهلها وكأنه يحاول تعويض هزيمته بمعركة عاصفة الصحراء ضد العراقيين .
لقد صادفتني الكثير من المشاهد المؤثرة والمواقف البطولية للثوار مثل ملحمة مواجهة أحد الثوار اليساريين حين ربط ساقه الأيمن مع فخذه بحبل كي لا تخذله الشجاعة ويتراجع في المعركة وركع على رجليه بمنتصف الشارع وقاتل حتى تمزق جسده بوابل الرصاص فتهاوى فوق بركة دم وهو لم يتخلى عن احتضان بندقيته.
أما المشهد الوجداني الانساني الاخر الذي أوجع روحي هو لدى توقفي أمام حطام عجلة حوضية محترقة كانت تحمل نساءاً واطفالاً مكدسين في محاولة هروب خارج المدينة من قصف مدفعيات وهاونات الحرس الجمهوري وشاهدت بين الجثث المتناثرة أم قتيلة تحتضن وليدها الذي كان يرضع من ثديّها بينما الحلمة مازالت تنزف الدم الممزوج مع الحليب بعد أن غرس الرضيع باسنانه اللبنية في لحمها متألماً حين اخترقت الشظايا جسديهما بينما ترآى خيطاً وردياً يسيل من فم الرضيع الى حضن أمه.
لم يكن حينها أمامنا أي خيار غير الانسحاب من مدينة الناصرية بينما بقيت هنالك بضعة مجاميع تقاتل الحرس الجمهوري لكنها لم تقدر أن تقاوم أكثر.
أثناء الهروب كنا نسعى للوصول الى الاراضي التي لم تزل تحت سيطرة بقية المعارضين ومن ضمنها كان قضاء "سوق الشيوخ" الذي لم يصمد طويلاً هو الاخر أمام هجوم الحرس الجمهوري بعد أيام قلائل من سقوط مدينة الناصرية.
وبعد أن مكثنا بضعة أيام في مسجد بقضاء سوق الشيوخ كان عددنا حينها لم يتجاوز الخمسة عشر.
كنا نتوسد ونلتحف سجاد وأغطية المسجد المتربة بأجسادنا الخاوية والمتهالكة من الجوع والقلق.
بينما مؤذن الجامع كان منزعجاً من وجودنا خشية أن تدخل القوات النظامية الى القضاء ويتعرض للمساءلة.
ذات ليلة سمعنا وقع اقدام وصراخ يداهم فناء المسجد: انهضوا أيها الجواسيس واخرجوا رافعين أيديكم الى الاعلى!!
تجمعنا أمام بوابة المسجد بينما أحد الملثمين كان يسدد بندقيته الى وجهي ووضع سبابته على زناذ بندقية الكلاشنكوف
أرجوك لاتستعجل باطلاق النار نحن معارضون مثلكم خذنا للتحقيق الى كبيركم: حاولت اقناعه!!
اعتقلونا الملثمون وقادونا الى الجامع الكبير في سوق الشيوخ في بوابة الجامع تم تفتيشنا قبل الدخول لمقابلة مسؤولهم هنالك.
كنت أربط على ساقي الايمن حزام مطاطي يحمل سكين غواصين حافته تشبه مقطع من أسنان سمكة القرش، وكان هذا هو سلاحي الوحيد للدفاع عن النفس.
بعد أن تأكد المسؤول في المسجد باننا منتفضون ولسنا بجواسيس حاول أن يبرر موقفه من اعتقال جماعته لنا
صرخ في وجوههنا وهل تريدون ثورة دون دماء!!
أجابه أحد الاصدقاء لقد قاومنا أكثر من عشرين يوماً للدفاع عن مدينة الناصرية وقدمنا الكثير من التضحيات لكننا انسحبنا بعد أن احتل الحرس الجمهوري المدينة.. أما أنتم فيقيناً انكم لن تقاوموا ولو ليوم واحد .. وقد كان توقعه في محله بعد أربعة أيام لدى اقتحام الحرس الجمهوري الى قضاء سوق الشيوخ لم تكن هنالك معارضة واضحة!!
صرخ المسؤول بعدها غاضباً الجميع يطلق سراحهم الا هذا!!؟؟
يتبع



#سعد_محمد_موسى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مكابدات الرحال / الجزء الخامس عشر
- مكابدات الرحال / الجزء الرابع عشر
- مكابدات الرحال/ الجزء الثالث عشر
- مكابدات الرحّال/ الجزء الثاني عشر
- مكابدات الرحّال/ الجزء الحادي عشر
- مكابدات الرحّال/ الجزء العاشر
- مكابدات الرحّال / الجزء التاسع
- مكابدات الرحال/ الفصل الثامن
- مكابدات الرحّال ظ
- مكابدات الرحّال/ الجزء السابع
- مكابدات الرحّال / الجزء السادس
- مكابدات الرحّال - الجزء الخامس
- مكابدات الرحّال القمر ورحلة البغّال الجزء الرابع
- مكابدات الرحّال الرحلة الشاقة الجزء الثالث
- مكابدات الرحّال
- مكابدات الرحال
- حقائب مهجورة في قطار قديم
- بائع الثلج
- حكايات عجلات الزمن والعربات
- عودة البطاريق للجزيرة


المزيد.....




- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - مكابدات الرحال / الجزء السادس عشر