أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - مكابدات الرحال/ الجزء الثالث عشر















المزيد.....

مكابدات الرحال/ الجزء الثالث عشر


سعد محمد موسى

الحوار المتمدن-العدد: 6610 - 2020 / 7 / 5 - 00:25
المحور: الادب والفن
    


حرب الخليج الثانية

في صبيحة الثاني من آب المشؤوم عام 1990 فزعت فرات مصدومة أثناء سماعها بيان رقم واحد من صوت المذيع عبر شاشة التلفزيون وإذاعة بغداد فانهارت قواها وسقط الصحن من يدها فوق بلاط المطبخ متشظياً أثناء غسلها الصحون تحت صنبور الماء،
بدر لقد حلت اللعنة... الجيش العراقي احتل الكويت: صرخت فرات!!
انتفض الرحال من سريره وهو يستمع الى الاخبار لقد صدم العالم برمته على أهم خبر ساخن ومثير للصحافة والاعلام العالمي، لقد تحقق حدس الرحال حين كان يتمالكه احساس بان هنالك ثمة كارثة وحرب أخرى ستحل بعد نهاية الحرب العراقية الايرانية وأن تلك النهاية كانت مجرد هدنة أطول واسترداد للانفاس لغرض بدء حرب ثانية.
أشعل بدر سيجارته مرتبكاً وأدار زر الراديو باحثاً عن الاذاعة البريطانية "البي بي سي" التي إعتاد أن يسمعها سراً أثناء الحرب لا سيما أن النظام لا يريد من مواطنيه أن يستمعوا الى الحقائق من الاذاعات العالمية!!
بعد تعنت النظام العراقي على عدم الانسحاب من الكويت وعدم تمكن الوساطات الدولية والمساعي الحميدة لايقاف نذير حرب كارثية. بدأت أمريكا وبريطانيا تجيش قواتها العسكرية مع دعوة الى أكثر من أربعين دولة أخرى للانضمام لقوات التحالف الدولي لاخراج القوات العراقية من الكويت بقيادة الولايات المتحدة الامريكية والقيام بحرب شمولية أطلق عليها "عاصفة الصحراء"
...
كان يتحتم على الرحال الالتحاق الى وحدته العسكرية المتجحفلة في جزيرة "بوبيان" في الكويت وخلال ثمان وأربعين ساعة.
كان أخر لقاء لي مع الرحال في بغداد قبل تخرجي من أكاديمية الفنون الجميلة قبل احتلال الكويت ببضعة شهور في المعهد البريطاني في منطقة "الوزيرية" بعد أن قضينا وقتاً طيباً في بغداد ما بين شارع المتنبي وحضور معارض للفنون التشكيلية وسهرات في حانات أبي نؤاس.
بعد تخرجي من أكاديمية الفنون الجميلة تم تسويقي الى الخدمة الالزامية العسكرية ومن خلال مديرية التجنيد العامة تم إرسالي الى مركز تدريب السماوة بقيت اسبوعين هناك بعدها جاء
أمر نقليّ الى معسكر النهروان في مدينة ديالى، لقد كان اسمي حينها من ضمن أسماء الجنود الذين يلتحقون الى معسكر "الغزلاني" كنت ممتعضاً من الاختيار القسري الذي قام به أحد الضباط وهو يشير الى فصائل الجنود ويوزعهم حسب مزاجه ولا يسمح باي اعتراض أو نقاش.
كانت أيام قاسية وصعبة عشتها في معسكر الغزلاني ذلك المعسكر الذي كان يعد من أقسى معسكرات التدريب العسكري في العراق والشرق الاوسط على حد سواء.
بدأ التدريب العسكري المكثف في ساحة العرضات بعد توزيعنا الى فصائل
وكان من ضمن التدريبات في هذا المعسكر استخدام الذخيرة الحية.
كان الجميع في المعسكر يلازمه الترقب والقلق من تهديدات قوات التحالف الدولي التي ستطلق ساعة الصفر في أي وقت لبدء المعركة.
...
مازال صراخ الجندي يعيد في ذاكرتي صدى الصدمة والفجيعة عن مآسي ليلة السابع عشر من كانون الثاني لعام 1991 حين انتفض مرعوباً من نومه بعد ان أيقظ مضاجع الجنود من عنابر نومهم في قاعة المعسكر حين أختلط الكابوس بالحقيقة أثناء صراخه الهستيري: لقد ضربوا العراق .. لقد ضربوا العراق.. لقد ابتدأت الحرب!!
كانت هجمة جوية عنيفة مباغة وأستمرت بعدها طلعات قوات التحالف التي لم تتوقف على مدار الساعة من شمال العراق حتى جنوبه وبمعدل الف طلعة يومياً وأستخدم سلاح الجو لا سيما الامريكي والبريطاني أحدث التقنيات المتطورة من قنابل وصواريخ من ترساناتهم العسكرية فوق رؤوس العراقيين سواء كانوا عسكريين أو مدنيين!!
حفرنا الخنادق بعيداً عن قاعات المعسكر التي كنا نحتمي بها من القصف الجوي لطائرات الحلفاء.
لم أستطع تحمل النوم ليلاً في تلك الخنادق الضيقة التي لم يتجاوز طولها المتر والنصف وعمقها ما يقارب المتر الواحد
وذات ليلة شعرت بكابوس الموت يجثم فوق صدري ثم يتسلل الى أوصال جسدي المقمط بشرنقة تراب الخندق الضيق وأنا أحاول جاهداً أن أعيد الحركة والحياة الى جسدي مرة أخرى، فانتفضت بشق الانفس كي أنعتق من خندق الرعب، ثم قررت بعدها البقاء في "كرفانات" المعسكر المشيدة من صفائح معدنية
وانا أناجي نفسي: حتى لو حصل وأن قصفت الطائرات هذا المعسكر فالموت ربما سيكون فوق سرير مريح أهون بكثير من الموت وحيداً في الخندق المظلم!!
في أوقات تناول الوجبات كنا نملأ "القصعات" والقدور المعدنية بحساء شوربة العدس من مطبخ المعسكر مع أخذ الحصة من
"صمون الجيش" اليابس والخشن
لكن عادةً ما تقطع وجبة الاكل نتركها قرب ساحة العرضات ونحن نعدو هلعين بخفة ومسرعين للاختباء في جوف الخنادق الصغيرة المتناثرة حول المعسكر أثناء سماعنا لصافرات الانذار التي لاينفك زعيقها عن أسماعنا.. ثم نعود مرة أخرى آملين بعد أن نسمع صوت نهاية صافرات الانذار أن نكمل وجبة الطعام .. لكن بعد لحظات تزعق صافرة إنذار مرة أخرى وهكذا تبقى قصعة الطعام تحوم حولها بطون الجنود الجائعة في كرٍ وفرٍ وفي تناوب مع صافرات الانذار!!
لم يكن بوسعنا أن ندرك بمخططات قوات التحالف الجوية وأي هدف قادم ستنسفه "طائرات الشبح وفانتوم وتورنادو وغيرها من أشباح الدمار.
كنت أشاهد في مدينة الموصل همجية طائرات قوات التحالف على مدار الاربع وعشرين ساعة وهي تلقي بصواريخها والقنابل العنقودية فوق المعامل والجسور والابنية والمنشآت العسكرية والمدنية معا..فبات العراق وشعبه حقل تجارب الى ترسانتهم العسكرية
وخلال بضعة ايام من بدء الهجوم الجوي تم اجلاؤنا بقرار من قيادة الوحدة العسكرية وابعادنا خارج معسكر الغزلاني على أثر احداثيات وتقارير من الاستخبارات العسكرية العراقية حول احتمالية قصف المعسكر في أية لحظة.
كان التمويه والسرية في تنقلاتنا ما بين قاعات المدارس الابتدائية الفارغة من الطلبة تحت جنح الليل بحذر الى قلاع الموصل القديمة المشيدة من الصخور.
شاهدت على إحدى جدران القلاع التي مكثت بها في الليلة الاولى بعض الرسوم والكتابات .. وقد أثار فضولي نقش كان أسفل الجدار محفور عليه شكل قلب وبداخله حفرت عبارة "الكويت حبيبتي".. أدركت حينها بان قلاع الموصل كانت تضم أسرى كويتيين وكانت قوات التحالف تبحث عنهم!!
ثم جاء أمر من القيادة العسكرية بعد أيام بتوزيعنا الى الواجبات المختلفة بعضنا ذهب لحماية الجسور والمباني والمنشآت وممرات المدن والبعض الاخر كان واجبه الذهاب الى الجنوب لمواجهة قوات التحالف في معركة عبثية وغير متكافئة.
جاء الامر بنقلي والتحاقي الى إحدى الالوية في الجبهات المفتوحة والمتاخمة مع الكويت لمواجهة قوات التحالف وخلال ثلاثة أيام.
سلمت الجعبة العسكرية وبندقيتي الى المشجب ثم غادرت المعسكر نحو الطريق العام الذي كان ينحدر نحو بغداد
لوحت بيدي الى باص "الريم" لنقل الركاب فتوقف سائقها حينها قفزت بداخله على وجه السرعة.
كان الباص مكتظاً بالجنود بعضهم كان متكوراً ما بين الكراسي أو مستلقياً فوق الممر ومنهم من كان مصابا
من جراء القصف الجوي للحلفاء فكانت رؤوسهم مضمدة بلفافات طبية ومنهم من كانت أطرافهم مجبرة.
كانت ثمة شاحنات عسكرية وأخر مدنية محترقة بينما جثث الضحايا المحترقة كانت متناثرة داخل الشاحنات وعلى جانبيّ الطريق العام.
عبرت طائرة بارتفاع منخفض فوق عجلتنا كانت لحظات فزع رهيب سمعت البعض ينطق بالشهادة خاشعاً وباكياً وركاب أخرين يصرخون بالسائق ان ينحدر ويتجنب قيادة العجلة فوق الطريق العام، كنت أتوقع أن الطائرة ستنسف باصنا لكن الطيار في آخر لحظة غير رأيه بعد أن رصد هدفاً أخر.
ثم سلك سائق الباص طريقا ترابيا ريفيا بعيدا عن خطورة إستهداف الطريق العام.
"يتبع"



#سعد_محمد_موسى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مكابدات الرحّال/ الجزء الثاني عشر
- مكابدات الرحّال/ الجزء الحادي عشر
- مكابدات الرحّال/ الجزء العاشر
- مكابدات الرحّال / الجزء التاسع
- مكابدات الرحال/ الفصل الثامن
- مكابدات الرحّال ظ
- مكابدات الرحّال/ الجزء السابع
- مكابدات الرحّال / الجزء السادس
- مكابدات الرحّال - الجزء الخامس
- مكابدات الرحّال القمر ورحلة البغّال الجزء الرابع
- مكابدات الرحّال الرحلة الشاقة الجزء الثالث
- مكابدات الرحّال
- مكابدات الرحال
- حقائب مهجورة في قطار قديم
- بائع الثلج
- حكايات عجلات الزمن والعربات
- عودة البطاريق للجزيرة
- غواية القمر المحتال
- السلوك المتناقض في العقل البشري
- أرصفة الرسام وخيالات العاشق


المزيد.....




- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - مكابدات الرحال/ الجزء الثالث عشر