أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - مكابدات الرحّال / الجزء السابع عشر














المزيد.....

مكابدات الرحّال / الجزء السابع عشر


سعد محمد موسى

الحوار المتمدن-العدد: 6629 - 2020 / 7 / 27 - 02:25
المحور: الادب والفن
    


النزوح نحو "درومكس"
أثناء المسير الى "تل اللحم" كنت أحمل في حقيبة الكتف بضعة أرغفة من الخبز وقنينة كلما يشح بها الماء أحاول ملؤها من "التناكر" أو من الصنابير التي تصادفني في الرحلة.
التقيت بمعارف من محلتنا فسألتهم عن حال الاهل.. أخبرني أحدهم بان دارنا تعرضت الى سقوط قذيفة هاون فوق السطح أثناء المعارك ولم يعرفوا بعدها أي خبر عن مصير الاهل، أصبت بالذعر والقلق لا سيما بعد انقطاع كل وسائل التواصل.
كان أحد جيراننا يدعى "شمخي"شخصية ظريفة لا ينفك عن إطلاق نكاته اللاذعة ضد النظام والمسؤولين وأثناء هروبه جنوباً مع عائلته استحوذ على عجلة عسكرية "إيفا" كانت من ضمن آليات الجيش العراقي
المتروكة بعد هزيمته على طريق الموت الذي كان مكتظاً بأنواع العجلات والمدرعات وجميع صنوف الأسلحة بعضها كان تالفاً والبعض الاخر ما زال صالحاً للقتل والاستعمال!!
قام شمخي باصلاح العجلة العسكرية ثم عثر على علبة طلاء بلون وردي فاقع كانت مرمية بين حطام الموت فقام بصبغ العجلة بهذا اللون الرومانسي المثير للاستغراب وسط عالم الحرب والقساوة الذي يطغي عليه اللون الكاكي والصحراوي.
ساق الجار الظريف عجلة الايفا الوردية بكل ثقة للتنويه أمام السيطرات الامريكية.. كي تبدو مثل أي عجلة مدنية تتجاوز نقاط التفتيش وسيطرات قوات التحالف.
كانت الشاحنة مكتظة بعائلته وبأفراد أخرين أغلبهم كان من الجيران الهاربين بسبب قصف الجيش العشوائي على المدينة.
توقفت عجلة الايفا بعد أن تفاجأ شمخي بوجودي راجلاً في الطريق نحو تل اللحم وقد طلب مني أن أصعد الى حوض العجلة.
بعد أن طمأنني أن الاهل بخير وأن القذيفة وقعت على البيت بعد أن تركوا الدار وهربوا الى الريف.
قفزت الى حوض العجلة واستقبلتني أم الصديق سائق عجلة الايفا "بالنواح ونواعيّ الامهات" على ما حصل لحالنا ولحال البلد .. لكنني شممت رائحة طعاماً شهياً من زوادتها مع رائحة خبز التنور.. كنت متهالكاً من الجوع .. تمنيت أن تتوقف عن النحيب الشجيّ كي تفك زوادة الطعام وبعد أن مسحت دموعها باطراف عباءتها المتربة تفرست في وجهي بعيون حزينة حين خف نشيج النواح..وهي تقدم ليّ الطعام : يوليدي وجهك تعبان من الجوع الله يعابي ولد الحرام تعال يمه تغدا!!
ولكن في إحدى السيطرات الامريكية أوقف الجنود المدججون بالأسلحة عجلتنا !!
وقد التفوا حولها شاهرين بنادقهم وصرخ بنا أحد الضباط من ذوي البشرة الافريقية وطلب أن ينزل الجميع من العجلة تجادل شمخي مع الجنود ومع الضابط المتجهم بلغته الإنكليزية الركيكة مع التركيز على الإشارات ولغة الجسد التي يتفنن بها شمخي كي يقنع الضابط على البقاء مع الركاب حتى نعبر نحو مجمع درومكس.. وكذلك كي يقنعهم أن العجلة مدنية وليست عسكرية وليس من حقهم الاستحواذ عليها والدليل أن لونها يختلف عن بقية العجلات العسكرية!!
لكن الضابط أصر على إخلاء الشاحنة ولم يقتنع بكلام السائق وشهر بندقيته وهو يصرخ غاضباً بانه سوف يعد الى رقم عشرة واذا لم نغادر العجلة فوراً فسوف يحرق العجلة بنا جميعا.ً
ثم بدأ بالعد التصاعدي ويبدو أنه كان جاداً بتحذيراته تقافزنا جميعاً من العجلة قبل أن يصل الى الرقم الخطر!!
وبعد أن برحنا المكان بدقائق سمعنا انفجاراً وتصاعد النار والدخان من عجلة الايفا الوردية!!
أنزعج شمخي وأخذ يشتم بالجنود حين شاهد عجلته تحترق.
بعد رحلة على الاقدام .. حط بنا الرحال في مجمع كرفانات مهجور كان تابع لشركة درومكس البولونية التي كانت تعمل لإكساء الطريق العام الرابط ما بين مدينتيّ الناصرية والبصرة بالاسفلت.
وكانت الكرفانات عبارة عن غرف فارغة مشيدة من صفائح الخشب.
وبعد أن أقام النازحون في هذا المجمع نظموا فرق للخفارات ولحراسة المكان ليلاً ونهاراً يتناوب عليه البعض لا سيما أن هذا المكان كان يضم نساءاً وأطفالاً أيضاً.
أخترت كرفاناً عائلياً كبيراً للاقامة به وحدي بعد حصولي على بطانية إفترشتها فوق سطح الكرفان الخشبي.
في اليوم الثاني شاهدت عجلة تيوتا تقترب من المجمع تحمل عائلة يبدو عليها الترف ثم توقفت أمام الكرفان الذي أسكنه ، ترجل منها السائق ثم لحق به شخص أخر ألقوا عليّ التحية وكان الخوف والتعب واضحاً على ملامح السائق، ثم عرفني بشخصيته
وأخبرني بانه سكرتيراً شخصياً لمسؤول مهم جداً في السلطة وكان الاقرب الى الرئيس العراقي.
كان السكرتير من أهالي الحلة هرب مع عائلته بعد تمرده على السلطة أو خوفه من انتقام الشعب بعد اندلاع الانتفاضة!!
طلب مني الشخص المرافق له وبطريقة مهذبة أن أتخلى عن الكرفان العائلي لهم سيما أن عددهم خمسة أنفار ويحتاجون الى مكان واسع !!
تخليت لهم عن مكاني.. وأخبرت السكرتير الهارب بخطورة وضعه وعليه أن يسلم الى أقرب سيطرة أمريكية
-لا يا أخي.. أنا لا أفتخر بحماية الامريكان ليّ ولعائلتي.. أنا أريد حمايتكم أنتم : أجاب بشيء من الكبرياء!!
لكن في اليوم الاخر أختفى هذا الرجل مع عائلته تماماً .. بعد أن سمعت أن مدرعة أمريكية نقلتهم الى جهة مجهولة.
بعد أيام من المكوث في مجمع درومكس رجع بعض الهاربين الى مدنهم وكان من ضمنهم الخالة وأبنها سائق الايفا الوردية بعد أن تركوا لي طعاماً وبطانية أضافية وودعوني.
بقيت في مجمع درومكس بحدود العشرة أيام ثم أكملت المسير بعدها نحو معسكر صفوان والعبدلي المحاذي للحدود الكويتية.
يتبع



#سعد_محمد_موسى (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مكابدات الرحال / الجزء السادس عشر
- مكابدات الرحال / الجزء الخامس عشر
- مكابدات الرحال / الجزء الرابع عشر
- مكابدات الرحال/ الجزء الثالث عشر
- مكابدات الرحّال/ الجزء الثاني عشر
- مكابدات الرحّال/ الجزء الحادي عشر
- مكابدات الرحّال/ الجزء العاشر
- مكابدات الرحّال / الجزء التاسع
- مكابدات الرحال/ الفصل الثامن
- مكابدات الرحّال ظ
- مكابدات الرحّال/ الجزء السابع
- مكابدات الرحّال / الجزء السادس
- مكابدات الرحّال - الجزء الخامس
- مكابدات الرحّال القمر ورحلة البغّال الجزء الرابع
- مكابدات الرحّال الرحلة الشاقة الجزء الثالث
- مكابدات الرحّال
- مكابدات الرحال
- حقائب مهجورة في قطار قديم
- بائع الثلج
- حكايات عجلات الزمن والعربات


المزيد.....




- المقابلة الأخيرة للبابا فرنسيس في فيلم وثائقي لمارتن سكورسيز ...
- طفل يُتلف لوحة فنية تُقدر قيمتها بخمسين مليون يورو في متحف ه ...
- بوتين يمنح عازف كمان وقائد أوركسترا روسيا مشهورا لقب -بطل ال ...
- كيلوغ: توقيع اتفاقية المعادن بين واشنطن وكييف تأخر بسبب ترجم ...
- عرض موسيقي مفاجئ من مانو شاو وسط انقطاع الكهرباء في برشلونة ...
- مسقط.. أكثر من 70 ألف زائر بيوم واحد للمعرض الدولي للكتاب
- محاربون وعلماء وسلاطين في معرض المماليك بمتحف اللوفر
- إخترنا لك نص(كبِدُ الحقيقة )بقلم د:سهير إدريس.مصر.
- شاركت في -باب الحارة- و-هولاكو-.. الموت يغيب فنانة سورية شهي ...
- هل تنجو الجامعات الأميركية من تجميد التمويل الحكومي الضخم؟


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - مكابدات الرحّال / الجزء السابع عشر