أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - أوريكة















المزيد.....

أوريكة


سعد محمد موسى

الحوار المتمدن-العدد: 7001 - 2021 / 8 / 27 - 01:02
المحور: الادب والفن
    


مقامات المدن والموسيقى
الجزء السادس

إن الرحلة ووجهة السفر هذه المرة كان مبتغاها الى أحضان الطبيعة ومساقط الشلالات والجبال والهضاب باتجاة (أقليم الحوز) نحو واحة جمال القرى المراكشية (أوريكة) والتي كان أصل تسميتها بالاماريغي (يوريكن).
يخترقها (نهر أوريكة) وسط واد تنبع مياهه الرقراقة المتدفقة من جبال الاطلس وعادةً ما يزداد منسوب تلك المياه في موسم ذوبان الثلوج التي تكلل قمم جبال أطلس، وينحدر هذا النهر نحو الجنوب الشرقي من مراكش وعلى ضفتية تمتد الارض الخصبة والمزارع الوفيرة.
وعلى بعد 40 كم من أوريكة تنتصب جبال (أوكايمدن) وفي الامازيغية تعني (وادي الرياح الاربعة) وهو أيضاً منتجع سياحي ورياضي مخصص للتزلج في فصل الشتاء يستقطب الكثير من محبيّ رياضة التزلج على الجليد، وقممه تكون عادةً مغطاة بالثلوج وتنتشر على سفوحه أشجار الصنوبر والعرعار وقد أكتشف المنقبون فوق بعض الصخور وجود حفريات ونقوش أثرية يرجع تاريخها الى 2100 سنة قبل الميلاد، مما يشير ذلك الى وجود أقوام وقبائل قديمة جداً كانت تسكن تلك الجبال والكهوف.
حين ينحت الماء هويته بازاميله الابدية بين أخاديد الصخور باطراف أمواجه التي تداعب الطحالب والزهور البرية الناعسة بين الاحجار الندية التي حفر عليها الزمن تجاويف وتضاريس وتكوينات عفوية.
وعلى مرمى من النهر كانت تترآى بيوت القرويين وتمتد حقولهم ومزارعهم المشهورة بزراعة الخضروات، بينما المزارعون الامازيغ ينحدرون كرادلة من سفوح الجبال في موسم قطاف الجوز وهم يحملون على ظهورهم أكياس القنب المملوءة بثمار الجوز التي يفترشوها على ضفتي النهر ويرتزقون من بركات قطافها.
تمتد مزارع الجوز في منطقة (آسني) في الاطلس الكبير على مساحات شاسعة وقد بقيت علاقة المزارعين متجذرة ومتوارثة مع شجرة الجوز منذ زمن (الفينيقيين) الذين كان لهم الفضل في غرس تلك الاشجار للمرة الاولى في أرض المغرب وشمال أفريقيا وتشكل هذه الاشجار مصدر رزقهم الاساسي.
كان جميع أهالي قرى آسني ينتظرون بفرح غامر هطول موسم القطاف والبركة في شهر أيلول، ومن هذه الاشجار التي استظلوا بكرمها وعطائها واستوحوا حكاياتهم وأساطيرهم وتجذرهم في الارض.
لدى سماعي للمرة الاولى كلمة (گرگاع) لم أعرف ما هو المقصود بها ولكن بعد حين علمت أن الگرگاع تعني الجوز في المغرب وللامازيغ تسمية خاصة أيضاً حيث يطلقون عليه (تقايين) ومثلما تتنوع أسماء أخرى للجوز في بعض البلدان العربية... فمثلا يسمى (عين الجمل) في مصر (زوزع) في تونس (لوز خزايني) في ليبيا وگعگع في السعودية.
على مقربة من بائعيّ الگرگاع كان باعة الاعشاب البرية والطبية والعطرية والزينة النادرة مثل (المُران الاطلسي والمكاك البربري) يعرضون باقات الاعشاب والزهور فوق الضفاف أو يحملوها على صدورهم في سلال بين الاسواق وأمام السواح لا سيما من المهتمين باقتناء الاعشاب والشتلات النادرة، أما بائعي الحليّ والمصوغات الفضية والاحجار الثمينة هم الاخرون يعرضون أيضاً بضاعتهم ويصيحون على المارة والمتسوقين ليجلبوا إنتباههم لشراء القلائد والخواتم والاكسسوارات الاخرى، بينما النسوة الامازيغات في الوادي مشغولات بغسل الملابس في النهر وهُنّ يدعكن ويجففن أكوام الملابس المتراكمة فوق صخور ضفتي نهر أوريكة وتحت أشعة الشمس، حيث تتجلى هنا عفوية الحياة الطبيعة والمحافظة على عذريتها ونقاوتها، بينما فوق الصخور الاخرى وبين حافات المياة تستقر أواني غداء الطواجن الساخنة والشهية التي يعرضها الباعة من أمام المطاعم والمقاهي المنتشرة على طول النهر.
وفي آخر الوادي تترآى عن بعد حقول الزعفران وأشجار التين البري والصبار الملتصق بتجاويف السطوح الصخرية والارض المطرزة بالوان الزهور والمزروعات في (الحديقة العطرية العضوية) فيتجمع عشاق (التوابل) هناك في موسم قطاف وتجميع الاعشاب والزهورات في أبهى كرنفال يوحي بعنفوان البهجة وبالنسائم المشبعة بأريج وشذى الاعشاب والزهور البرية.
ما بين ربوع طبيعة أوريكة الساحرة أختار مصمم الازياء الشهير العالمي (ايف سان لوران) حدائقه في وادي أوريكة على مشارف جبال أطلس فجلب اليها أنواع مختلفة من الاشجار والزهور والشتلات من أجل استخلاص المستحضرات الجمالية وتصنيع العطور فغرس زهور (الاذريون والنرجس والزعفران والورد) أضافة الى عشرات الانواع الاخرى من الزهور والاعشاب العطرية وأشجار الليمون والزيتون.
وقد استوحى لوران تصاميم الازياء من التكوينات البصرية والهندسية والتناقضات اللونية والتناغمات الحادة من روحية الفن المغربي والاندلسي لدى فن (الزليج) والزخارف الشرقية والبلاط الفسيفسائي ومن النقوش وتطريز الجلاليب وقفاطين النساء المغربيات.
لقد بات التجلي الجمالي في حدائق (ماجوريل) المدهشة في مراكش والحدائق الجمالية في أوريكة مصدر الهامه وتوهج إبداعه، ومنذ الوهلة الاولى شعر لوران بانتمائه الروحي والفني في تلقائية الحياة وبساطتها ما بين أسلوب العيش العفوي للناس وما بين سحر الطبيعة ودهشة المكان بعيداً عن صخب باريس.
على مقربة من شلالات قرية (ستي فاطمة) كان رجلاً أماريغيا متربعاً على الارض يعزف على آلة الرَّبابَة التي يقترب تصميمها من الشكل الكمثري أو البيضوي وقد لاحظت أن تكوين الربابة لدى أمازيغ المغرب مختلف عن شكل الربابة في العراق ودول الخليج العربي والتي عادة ما تكون قاعدتها مستطيلة مصنوعة من الخشب ومغلفة بجلد الماعز أو تكون دائرية كما متعارف عليها في مصر وتركيا، أما أوتار القوس والربابة فيعملان من شعر ذيل الحصان ويسمى(السبيت) وعلى أنغام تلك الآلة إرتحلت ذاكرتي الى ضفاف الطفولة البعيدة وأنا أتذكر الغجر وهم يعزفون ويغنون في أيام العيد أمام عتبات بيوت وبعد نهاية الوصلة الغنائية يقدم أصحاب الدور هدايا أو مساعدات مادية، وكذلك تذكرت البدو في مرابعهم وتحت خيامهم يدقون (المهباش) ويشعلون نار القهوة والسمر، ثم يتناول العازف القوس والربابة التي ينعتوها بصوت البادية لما لها من حضور وأعتزاز ورمزية لا سيما في رحلات القنص وسمر ليالي الصحراء، فيشرع البدوي بالعزف فتنساب الالحان الشجية وينشد غناء البادية ( الهجيني) باوزان شعرية تفيض بها لواعجه واشواقه في وصف الحب العذري، أو في القاء القصائد الحماسية والمدح وحتى إذا هاج الطرب بالحاضرين تقوم مجموعة منهم تؤدي رقصة السامر أو الدحية.
بعد أن بحثت عن أصول وتاريخ وجود الربابة علمت أن تلك الآلة ذات الوتر الواحد ترجع أصولها الى الامازيغ في جهة (سوس) في المغرب الى ما قبل الميلاد ثم انتقلت فيما بعد الى الاتراك والعرب والفرس وبعد دخول المسلمين الى بلاد الاندلس انتقلت الى بعض بلدان أوربا، وبدأ تناغمها مع بقية الآت الموسيقية الاخرى واطلقوا عليها تسميات مختلفة فمثلا الاسبان يسموها (رابيل أو أربيل) وفي ايطاليا (ريبك) أما في فرنسا فيسموها (رابلا).



#سعد_محمد_موسى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامات المدن والموسيقى
- مقامات الموسيقى والمدن
- مدينة الرياح وأساطير البحر
- مراكش/ رحلة في أروقة الگناوة
- مراكش وهارمونية الاطياف الحضارية / الجزء الاول
- حكايات من جزيرة الواق واق / الجزء 5
- حكايات من جزيرة الواق واق الجزء/ 4
- حكايات من جزيرة الواق واق / الجزء / 3
- حكايات من جزيرة الواق واق/ الجزء /2
- حكايات من جزيرة الواق واق
- مكابدات الرحّال / الجزء الأخير
- مكابدات الرحّال / الجزء السابع عشر
- مكابدات الرحال / الجزء السادس عشر
- مكابدات الرحال / الجزء الخامس عشر
- مكابدات الرحال / الجزء الرابع عشر
- مكابدات الرحال/ الجزء الثالث عشر
- مكابدات الرحّال/ الجزء الثاني عشر
- مكابدات الرحّال/ الجزء الحادي عشر
- مكابدات الرحّال/ الجزء العاشر
- مكابدات الرحّال / الجزء التاسع


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - أوريكة