أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - حكايات من جزيرة الواق واق / الجزء 5














المزيد.....

حكايات من جزيرة الواق واق / الجزء 5


سعد محمد موسى

الحوار المتمدن-العدد: 6845 - 2021 / 3 / 19 - 22:54
المحور: الادب والفن
    


العودة الى غابة الجبل
تأمل ساحر الصخور الطريق الجبلي الضيق المتعرج، الذي قطعه قبل سنوات حين صعدت العربة سفح الجبل نحو مدينة ملبورن، وهو يغادر مسكنه، ومشغله، ومنحوتاته، وذكرياته بعيون دامعة، أما اليوم، فعاد بعجلة أحد المزارعين القادمين، منحدرةً من ملبورن إلى غابة الجبل، كان يراوده إحساساً بأن داره، ومشغله، ومنحوتاته لم تزل باقية، وعند اقترابه من مكانه شعر بالسعادة، بعد أن لمح الدار، والمشغل، واستغرب أيضاً من وجود الحديقة التي كانت عامرة بالزهور، ثم عرج على منحوتة أكارا فوجدها بانتظاره.
حين ولج إلى البيت، تفاجأ بترتيبه، ونظافته فلم يكن المكان يوحي بأنه كان مهجوراً !! أدرك حينها أن هنالك شخصا ما كان يزور الدار ويهتم بالمنحوتات، وحتى الحديقة الكائنة أمام الدار، شعر باسترداد الألفة مع المكان، ومع ذكريات أكارا، ثم خلد إلى نوم عميق حتى انبلاج الصباح، استيقظ فوجد ماء للاغتسال والشرب، ثم فتح الشوال الذي كان يحتوي على خبز، وفاكهة مجففة، وعسل ، جلبهم من تلك القرى التي مر بها إلى غابة الجبل، تناول إفطاره، وتفقد مشغله، وأزاميله، وصخوره، والمنحوتات التي تركها قبل اكتمالها، ثم برح الدار متجولاً بأطراف الغابة القريبة من الدار ، وبحث عن شجيرات التوت البري، والتين، وتطلع من وراء الأشجار إلى أكواخ قبيلة أكارا المنتشرة فوق سفح الجبل.
بينما كانت غصة السؤال، والحيرة عن مصير أكارا لم تبرح وجدانه منذ فراقها، ولكن عند عودته، وأثناء الغروب لمح شبحاً يولج الدار فجفل مستغرباً، وحين ولج للدار بحذر مترقباً الشبح لم يصدق ما شاهد في الدار ... انها أكارا !!؟؟ صرخ مصدوما: بحق السماء هل هذه حقيقة أم خيال؟!... انهارت الفتاة هي الأخرى مصدومة بمفاجأة اللقاء، ثم أمسك يدها، وأجلسها فوق الأريكة الخشبية، وكان كلاهما يرتجفان من صدمة اللقاء،
- كان لديّ شعور بأنك ستعود إلى غابة الجبل مرةً أخرى.
نطقت أكارا بصوت مرتعش.
- أخبريني عن اختفائكِ، وعن زواجكِ من أدونا، وماذا حصل؟ أريد معرفة كل أخبارك.
تسائل ساحر الصخور بشغف.
- كانت ظروف صعبة مررت بها، وكذلك ضغوط القبيلة التي مورست ضدي؛ لغرض قبولي بالزواج من أمادو، وأن أنزح معه إلى ما وراء الجبل بعيداً.
ردت عليه أكارا، ثم أردفت بعد هنيهة صمت، وكأنها تسترجع صدى ذاكرتها مع الأيام الحزينة التي قضتها بعيداً عن جبل الغابة:
- كان يتهمني دائماً بأن روحي مازالت تحن إليك، هذا ما كان يغضبه.. لا سيما حين كنت انكفئ بالصمت، وانزف بالبكاء، كانت الخلافات تزداد يوماً بعد آخر، وبعد أن تيقن أنك غادرت غابة الجبل أطمأن من عدم عودتي إليك مرة أخرى، فشعر بالزهو، وهو يثأر لكرامته المجروحة بعد أن طلقني، وهجرني وارتحل الى ولاية "كويزلاند"، وعلمت فيما بعد أنه تزوج فتاة من إحدى قبائل الجنوب.
استرسلت أكارا بحديثها الذي كان يفيض بالشجن:
- ثم عدت إلى قبيلتنا، أسكن في كوخ أمي وأهتم بها، منذ فراقنا وأنت لم تبرح روحي.
همست أكارا باكية فاحتضنها ساحر الصخور:
- ولا أنا ... يا حبيبتي، كنتِ معي في أحلامي ورحلاتي.
أشار ساحر الصخور مبتسماً نحو القمر الفضولي الذي تسلل إلى النافذة، وكأنه يرحب بعودة عشاق جبل الغابة مرةً أخرى،
ثم أطلق طائر الكوكابورا ضحكته السعيدة، فارتسمت ابتسامة خجولة على شفاه أكارا وهي تتذكر القبلة الأولى ما بين الشجرة، والقمر ... في تلك الليلة التي حلقت فيها الأحلام العارية، في فضاءاتِ الذاكرةِ، مثل منحوتة تبارك بها سادن معبد "الكاما سوترا"... فاستحال الحنين مثل بلبل ٍ، حلق بأجنحةٍ وردية، وثمل ببقايا الخمرة التي تعتقت في جوف التينة، ثم رتل البلبل منشداً: قد تمرّ كل الليالي دون أن ُتخلف في الذاكرةِ وشمٍ، أو تمسَ وترَ الروح، لكن هذه الليلة التي لن تشبه سواها يبوح العاشق ترنيماته، إشتهاءاته دون أية مسافات بين الرغبة والحلم و الأغنية والنافذة.
استحمت الاجساد العارية بشلالات ضوء القمر، بينما العاشق يبوح للحبيبة: في تلك الليلة كان هوس الرغبة يخضب ثغرك
بالأشواق المحمومة، ويعجُّ الوجد بجمراته في ثناياك تائهاً بين المدارات، وشبقِ العشق، فيتناسل لاهثاً عبر المحطات الناعسة، بأنفاسٍ ذابت بنشوةِ الزنابق، والندى الذي يتألق فوق بهاء المرمر، يا سحر القداس، وسطوة الحضور، وأنت تسلم رايتك لشهوةِ المهادنة، وحوار الروح، والجسد، شربنيّ هذا الليل نديماً حتى النهايات، وكل الأشياء ‘انشدت لهذا الوسن اللذيذ، ليس هناك سوى صمتٍ، يوشي أحيانا بهمساتٍ تتصاعد عبر فضاءاتِ اللوعة كل السدود، انهارت بعنفوانِ السيل، وانعتاق الأمواج الوحشية، ونزفت الغيمة أحشائها فوق الزهور البرية، لم تعد هناك اتجاهات، بعد أن تهشمت البوصلة، وضاع ربان السفينة في هذا التيه، وخلعتْ الرغبات، وشاحَ التوجس، وأحترق الوجد بألقِ اللحظات على أسرةِ البنفسج، وتوجت النجمة، بإكليلِ الضوء فكانت ليلة لن تعد تشبه سواها.



#سعد_محمد_موسى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حكايات من جزيرة الواق واق الجزء/ 4
- حكايات من جزيرة الواق واق / الجزء / 3
- حكايات من جزيرة الواق واق/ الجزء /2
- حكايات من جزيرة الواق واق
- مكابدات الرحّال / الجزء الأخير
- مكابدات الرحّال / الجزء السابع عشر
- مكابدات الرحال / الجزء السادس عشر
- مكابدات الرحال / الجزء الخامس عشر
- مكابدات الرحال / الجزء الرابع عشر
- مكابدات الرحال/ الجزء الثالث عشر
- مكابدات الرحّال/ الجزء الثاني عشر
- مكابدات الرحّال/ الجزء الحادي عشر
- مكابدات الرحّال/ الجزء العاشر
- مكابدات الرحّال / الجزء التاسع
- مكابدات الرحال/ الفصل الثامن
- مكابدات الرحّال ظ
- مكابدات الرحّال/ الجزء السابع
- مكابدات الرحّال / الجزء السادس
- مكابدات الرحّال - الجزء الخامس
- مكابدات الرحّال القمر ورحلة البغّال الجزء الرابع


المزيد.....




- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - حكايات من جزيرة الواق واق / الجزء 5