أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - تجليات سادن العرفان














المزيد.....

تجليات سادن العرفان


سعد محمد موسى

الحوار المتمدن-العدد: 7137 - 2022 / 1 / 15 - 15:41
المحور: الادب والفن
    


ولد (الحسين بن منصور الحلاج) بين أجمات البردي ومن رحم طين الاهوار والواح الصلصال الذي نقش فوقه أبجديات الوجود والحضارة، ومن القصب الذي يبوح للريح روحه، حلقت طفولته التي كانت تحوم مع أسراب الطيور باغانيها هي ترسم الشعر ما بين أزلية الفضاء ونقاء الماء في جنة البطائح حين عمدته بنور الشعر مثل المندائيين وهم يتعمدون بقدسية الماء وضياء الحياة في تخوم الاهوار وعلى ضفاف الرافدين، وفي مملكة القصب في أقاصي جنوب الاهوار التي شهدت أيضاً ولادة الداعية (ماني بن فاتك) أو (ماني البابلي) مؤسس الديانة المانوية ورسالته العرفانية والغنوصية التي بشر بها في مدينة بابل.
أثناء طفولته كان الحلاج يشدو مع تجليات الطائر حين يتوحد في حضرة الاهوار وتناغم القصب مع هفيف الريح، تعلم أيضاً التضحية والحب من البجعة حين تدمي صدرها وتنهش لحمها بمنقارها كي تطعم أفراخها الجياع حين يشح الطعام في زمن القحط، وهنالك شاهد الثوار وهم يختبئون بين غابات القصب ويتنقلون بحذر في مشاحيفهم.
تعلم التمرد من ثورة الزنج في البصرة وفي سباخ تخوم البطائح حين أحتجوا ضد الرق والعبودية وآزرهم بذلك مجاميع من الفراتيين المعدمين والناقمين على تعسف الدولة العباسية فاعلنوا حينها عصيانهم بقيادة الثائر العلوي (عليّ بن محمد) ضد استبداد العباسيين وضد طبقة الاقطاع والاثرياء، فاتخذ الحلاج مبدأ مواجهة السلطة السياسية والدينية الباغية واعلان الدعوة جهراً في التصدي للظالم وكان قريباً للناس ومجالسهم، فاختلف مع النهج الصوفي السائد آنذاك الذي كان يعتمد على السر والكتمان وتجاهل ظلم السلطة.
ومثلما كان سحر الطبيعة وبهائها يتجلى في فراديس الاهوار فقد كانت تلك البطائح أيضاً ملاذا للثوار والمتمردين عبر تأريخ وادي الرافدين وفي كل الازمنة والمراحل.
في سكون ودعة الاهوار ورحابة السماء التي تعانق الماء أدرك الحسين بن منصور الحلاج، أولى أبجديات التأمل الروحي ومن أنين الناي الذي يناجي القمر سبحت روحه في عالم الشعر والجمال والبحث عن المطلق الذي لا تحده جدران المساجد ولا تعبر عنه منابر شيوخ الدين، حينها تجلت اشراقات الحلاج لا سيما بعد ذهابه الى بغداد عاصمة المعرفة وتجمعات المفكرين والمتصوفة.
كان الصوفيّ يحلج المعرفة عند بوابات الشمس ويطوف البلدان حاملاً صليبه وشقائه ما بين الفناء والوجود وما بين هلاك العقل وخلاص الجنون أو حيرة التكوين المعلقة ما بين النقطة والخط.
أبحر الشيخ عميقاً مع الامواج التي توضأت بقداس الضوء وتعقب سراب البحر وضياع الدلالات، وحين تحطمت سفينته تشبث بقطعة خشبية طافية من الحطام فانقذته، ثم جرفته موجة أخرى الى إحدى جزر الله وكان الغريق حينها يعي أن تلك الخشبة التي أنقذته هي ذاتها التي ستقتله بعد أن تستحيل الى صليب!!
ثم بدأت رحلة أخرى وعذاب آخر مع أقوام قساة دون أفق أو معرفة، حملوا سياطهم وسلاسلهم وفرماناتهم متعقبين تجليات الاشراق.
يمر سادن العرفان على دكاكين الوراقين وعلى حلقات محبيه ومريديه في حواري بغداد وهو يمنحهم مفاتيح العبور عبر بوابات الحكمة وسبل الولوج الى عوالم الصفاء والزهد والتأمل في ملكوت السماء ثم الابحار عميقاً في نرفانا الشمس، وحين أدرك مرحلة الكشف الآلهي صرخ: "أنا الحق" تلك العبارة التي قتلته.
ما بين (باب خراستان) على ضفة دجلة وما بين (أورشليم المسيح) شيّد الجلادون تلك الصلبان لفراشات الضوء وعلى ضفاف النهر، نُحر الحلاج كقربان للخلاص وسفك دمه الذي خضب ضفتيّ دجلة.
حينها صرخ دمه في الافاق وعفر بساتين بغداد منشداً المغفرة لجموع القوم التي عميت بصيرتهم والذين التفوا حول الصليب وهم يشتمون ويقذفون بالحجارة شيخ "حلال الدم".
أشرأب الحلاج نحو السماء قبل أن يجتز السيف العباسي رقبته، ثم طلب بدعائه الى الله المغفرة لجلاديه وللقوم الذين تجمعوا على قتله فرتل بحسرةٍ: "هؤلاء عبادك قد اجتمعوا لقتلي تعصباً لدينك وتقرباً إليك، فاغفر لهم فانك لو كشفت لهم ما كشفت لي لما فعلوا ما فعلوا ولو سترت عني ما سترت عنهم لما ابتليت بما ابتليت فلك الحمد فيما تفعل ولك الحمد على ما تريد" !!
كان النهر ينساب بعيداً وينوء باناشيد الصوفي ما بين حزن النخيل ووحشة صريفة الطفولة الغافية فوق هور الحويزة وبكاء النافذة حين غادرها القمر.
وحين قطع جسد سادن الالم والعرفان انتفض من صدره ثمة طائر أبيض ومن عشه الحبيس بين اضلاع الزاهد المعذب بعد أن انعتق من سجن الجسد حلق بعيداً في فضاء الخلاص.
ناح شيخ الصوفية (أبو بكر الشبلي) في أزقة بغداد الآثمة وهام على وجهه في المنافي والامصار مفجوعاً بمقتل خلّه وصاحبه الحلاج، مثلما هام من قبله گلگامش حين فقد صاحبه انكيدو، ورثى الفقراء الفراتيين وزنوج البصرة المظلومين والناجون من مجزرة العباسيين مسيح الصوفية.
أقفلت المدن أبوابها وبات الاسباط والمريدون والطلاب والطواسين يجلسون القرفصاء فوق عتبات الآسى ومحطات التيه والقفار وهم ينتظرون عودة شيخ العرفان فدون عراب العشق والمعرفة ضاعت الخطى مسارها وحل الاستياء والكرب بين الناس.
"في القرن الثالث الهجري الذي صادف صلب الحلاج وقطعت أوصاله في بغداد، صلب أيضاً قبله الداعية ماني في مدينة جندشابور في الاحواز وقطعت أوصاله، وكذلك قتل الثائر العلوي علي بن محمد في مدينة البصرة بعد قمع ثورة الزنج".



#سعد_محمد_موسى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامات الغربة والاسفار
- فراديس الاهوار / الجزء الثالث
- فراديس الأهوار / الجزء الثاني
- فراديس الاهوار
- أوريكة
- مقامات المدن والموسيقى
- مقامات الموسيقى والمدن
- مدينة الرياح وأساطير البحر
- مراكش/ رحلة في أروقة الگناوة
- مراكش وهارمونية الاطياف الحضارية / الجزء الاول
- حكايات من جزيرة الواق واق / الجزء 5
- حكايات من جزيرة الواق واق الجزء/ 4
- حكايات من جزيرة الواق واق / الجزء / 3
- حكايات من جزيرة الواق واق/ الجزء /2
- حكايات من جزيرة الواق واق
- مكابدات الرحّال / الجزء الأخير
- مكابدات الرحّال / الجزء السابع عشر
- مكابدات الرحال / الجزء السادس عشر
- مكابدات الرحال / الجزء الخامس عشر
- مكابدات الرحال / الجزء الرابع عشر


المزيد.....




- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - تجليات سادن العرفان