أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - العزلة في يلوا / الجزء الاول















المزيد.....

العزلة في يلوا / الجزء الاول


سعد محمد موسى

الحوار المتمدن-العدد: 7311 - 2022 / 7 / 16 - 01:35
المحور: الادب والفن
    


تقع مدينة (يلوا) أو يالوفا في الشمال الغربي من تركيا ويعود تأريخ تأسيسها الى الألف الثالث قبل الميلاد، وقد توالت على احتلالها عدة حضارات منذ بداية وجودها واستيطانها ابتداءً من: الحثيين، الى الفريجيين، ثم الرومان، وبعدهم البيزنطيين، حتى عهد الدولة العثمانية.
وقد توالت على يلوا الهجرات في العقديين الأخيرين من قوميات مختلفة لا سيما من: البلقان، والقرم، وبلغاريا، ويوغسلافيا، وداغستان، ورومانيا، واليونان، والشركس.
أما في السنوات الأخيرة ومن باب الدعابة كنت أطلق على يلوا المحافظة العراقية التاسعة عشرة، وذلك لكثرة تواجد العراقيين بها سواء للاقامة والاستيطان أو للسياحة، وقد أقام العراقيون في تلك المدينة الكثير من المشاريع التجارية والاستثمارية وتملك العقارات.
حتى أن ثقافة المطبخ العراقي التقليدي من جميع الأكلات وتنوع المطاعم انتشرت في تلك المدينة الساحلية الصغيرة إضافة الى توفر أطباق الفطور العراقي الشهي مثل القيمر العراقي الاصلي والخالص والمستخلص من حليب الجاموس، وتعد مدينتي (باليكسير .. وأورفا) معروفتان في تربية الجواميس، وهنالك بعض الآراء تشير الى أن العثمانيين قد جلبوا بعض الجاموس من أهوار العراق الى جنوب تركيا حيث المناخ الملائم والبيئة الدافئة في حقبة احتلالهم، وقد توارثت العوائل هناك مهنة تربية الجاموس وعملوا على انتاج مشتقات الالبان ومنها القيمر أو (الكيماك) كما هي تسميته في اللغة التركية.
في فترة الحظر والعزلة وأثناء تفشي وباء كورونا أقمت في شقة تقع في الطابق السادس داخل مجمع سكني لمدة عام ونصف، وغالباً ما كنت أتطلع من الشرفة التي تطل على سواحل بحر (مرمرة) الى عبارات ميناء مدينة (يلوا) والتي تبحر نحو سواحل اسطنبول أو الابحار المعاكس من سواحل اسطنبول الى ميناء يلوا.
كانت شرفة شقتي تطل على (الايدو) ميناء السفن ومن جهة اليسار يقع سوق ( البزار) وتحت المجمع يوجد سوق لبيع الاسماك وعلى الضفة الاخرى تترآى أطراف اسطنبول الآسيوية وأسراب النوارس وسفن الصيد والقوارب الراسية أو المبحرة.
كنت أشاهد المسافرين وهم يهمون بصعود سطح السفينة وشحن سياراتهم ودراجاتهم أيضاً، أما رحلة العبارة فتستغرق زهاء الساعة وبضعة دقائق الى ميناء (ينيكابي) الواقع في اسطنبول الاوربية، وبحدود الساعة الى ميناء (بانديك) في اسطنبول الآسيوية.
عادة ما كنت أراقب النوارس في تحليقها وهبوطها ما بين سواحل يلوا وما بين سطح البناية المحاذية لسكني وقد أرتأت النوارس أن تختار المكان المفضل الذي يطل على سوق الاسماك البحرية الطازجة التي يجيء بها الصيادون كل صباح.
وكان هنالك نورس أعرج بساق واحدة يحط على حافة الجدار ربما فقد إحدى ساقيه بحادث بين أسلاك الكهرباء ..بقيّ يتردد بضعة أيام ثم أختفى دون أن يعود مرة أخرى الى رفاقه !!
لدى افتتاح أكشاك بيع الاسماك منذ الصباح وحتى الساعة الثامنة مساءً كنت أسمع أحد باعة السمك يصيح بصوت عالي "بالك.. بالك" في الأيام الاولى بعد استئجاري الشقة لم أكن أعرف ماذا تعني هذه الكلمة التي يرددها طيلة اليوم بين الحين والآخر ولكن بعد حين عرفت إنه ينادي المارة ويثير انتباهم لغرض بيع أسماكه وتعني سمك ... سمك!!!
بينما (الطائر الحزين) المنزوي وحيداً كان يتجنب الاختلاط مع بقية الطيور، أنه البلشون أبن الماء وحارس ضفاف الانهار والمواسي لجفاف البحيرات يحط على حافة سقيفة أكشاك السمك .. أما مجاميع النوارس فكانت تتزاحم حول بائعي الاسماك الذين يقوموا بالقاء أحشاء الاسماك في حاويات الفضلات.
في المساء تختفي النوارس ربما تعود الى (جزيرة الاميرات) القريبة من اسطنبول والتي تتجمع وتتكاثر بها طيور النوارس، فأجلس متأملاً مصابيح اسطنبول، بينما رائحة البحر تغازل الليل وسط صمت يتخلله تلاطم الامواج التي تتلألأ تحت ضوء القمر.
أما في الصباح الباكر فعادة ما أستفيق على نعيق النوارس أو زعيق صافرة العبارة عندما تطلقها أثناء مغادرتها الميناء نحو تخوم اسطنبول.
وكالعادة تحط النوارس التي تتجنبها بقية فصائل الطيور على سطح (ستار مول ) وهي تتثائب حين تفرج مناقيرها على سعتها ثم تغلقها أو تراقب أفراخها أثناء تعلمها الطيران، ليست طيور النوارس دائماً حالمة ووديعة وتوحي بالرومانسية كما يتصورها ويكتب عنها الشعراء والعشاق فهي أيضاً لديها سلوكيات شرسة وطباع تتسم بالأنانية إضافة الى إنها سلطوية تحاول فرض سيطرتها على بقية الطيور.
بينما كنت أشاهد أحد النوارس يزعق طارداً طيور الحمام والعصافير والغربان من مكانها المفضل فوق سطح البناية، تذكرت حينها قصة العصفور المسكين والتي حدثت قبل عدة سنوات على مقربة من إحدى سواحل مدينة (ملبورن) في (استراليا) أثناء تناول غدائي المكونة من شرائح السمك مع بطاطا مقلية، فخيم فوق رأسي سرباً من النوارس الجائعة مترصداً فرصة لخطف الطعام، بينما نعيقهن كان يتعالى أيضاً حول الناس الذين يتناولون غدائهم قرب ساحل البحر، ثم القيت ببضعة قطع من أصابع البطاطا الى النوارس التي كانت تتصارع مع بعضها بغية الاستحواذ عليها، وفي خضم هذا العراك بين النوارس شاهدت عصفور صغير وخائف جلبه قدره التعيس أو جوعه بين النوارس فرثيت لحاله وحاولت أن أبعد النوارس التي كانت سريعة بالتقاط غنائمها بمناقيرها القوية وحين القيت قطعة بطاطا صغيرة للعصفور هجم عليه نورس غاضب وشرس كان يزعق بشدة، كنت أظن أن يلتقط قطعة البطاطا من منقار العصفور الخائف وهو بدون شك سيتخلى عنها.. لكن النورس عض العصفور في منقاره القويّ واختطفه وطار به عالياً وسط صدمتي من شراسة النورس وتعاطفي مع العصفور المختطف!!
النوارس لديها الاستعداد أيضاً على مهاجمة الطيور الاخرى والحيوانات وحتى ضد الأنسان إذا ما تعرضت أعشاشها أو أفراخها للخطر فهي طيور قوية وتمتاز بأجنحة كبيرة ولها مناقير حادة ومعقوفة وبعض النوارس الضخمة من الممكن أن يصل طولها الى 85 سنتمراً.
تخفي النوارس أعشاشها وبيوضها من الطيور الأخرى ومن الحيوانات في الرمل أو بين الشقوق الصخرية وتجاويفها أو بين الأعشاب.
تمتلك تلك الطيور نظام في غاية الذكاء والتعقيد والتشفير يستخدم في الاتصالات والتخابر عن طريق أطلاق مقاطع صوتية وغنائية ترافقها حركات خاصة للأجنحة والجسم وبالتالي فان سرب النورس بوسعه أن يتعرف على بعضه البعض عن طريق الغناء والنطق الخاص بهم.



#سعد_محمد_موسى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تجليات الأبواب
- القبر المنسي في أنقرة
- رحلة الموت وفجيعة البحر/ الجزء الثاني
- رحلة الموت وفجيعة البحر
- أبوذية الغناء وصوفية العشق
- إحفيظ ومملكة الاساطير والخوف/ الجزء الاول
- تجليات الالوان والرموز في مقامات السجاد
- مقامات هجرة السنونو
- تجليات سادن العرفان
- مقامات الغربة والاسفار
- فراديس الاهوار / الجزء الثالث
- فراديس الأهوار / الجزء الثاني
- فراديس الاهوار
- أوريكة
- مقامات المدن والموسيقى
- مقامات الموسيقى والمدن
- مدينة الرياح وأساطير البحر
- مراكش/ رحلة في أروقة الگناوة
- مراكش وهارمونية الاطياف الحضارية / الجزء الاول
- حكايات من جزيرة الواق واق / الجزء 5


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - العزلة في يلوا / الجزء الاول