مفهوم العنف الاجتماعي : دلالاته وأشكال تجليه (الحلقة الثانية والعشرون) ما هو الاغتصاب ؟!

ثامر عباس

الحوار المتمدن-العدد: 7407 - 2022 / 10 / 20 - 10:03
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    

(الحلقة الثانية والعشرون) ما هو الاغتصاب ؟!


لا يخفى على أحد العلاقة الوطيدة ما بين واقعة (الاغتصاب) الجنسي من جهة ، وبين ظاهرة (العنف) الاجتماعي من جهة أخرى . حيث تعكس هذه العلاقة خاصية الممارسة الجنسية المستهجنة المصحوبة بالإكراه والمقرونة بالعنف ، والتي يباشرها الرجل مع المرأة ضد إرادتها ودون رغبتها ، حيث تتمخض عنها وتترتب عليها جملة من العواقب الاجتماعية والأخلاقية والنفسية غالبا"ما تكون المرأة ضحيتها الأولى ، كما وان تداعياتها تختلف باختلاف المجتمع المعني وتباين القيم التي يدين بها والأعراف التي يتبناها والعادات التي يمارسها . ولذلك (( فالاغتصاب هو أحد نماذج العنف الجنسي الذي يقوم به بعض الذكور لتبتلى به بعض الإناث ، فهو (بالنسبة للأنثى) لا يعتبر مجرد سلوك شاذ عن الطبيعة البشرية يفرضه أحد الذكور بقوته العضلية عليها من أجل إشباع شهوته الجنسية ، بل هو فعل نقيض لكل أنثى . فالضحية سرعان ما ترى أن ذلك قد أهدر قيمتها الإنسانية ، وبالأخص تشعر بأن مصيبتها صارت قصة مثيرة يتحاكى بها المجرم بين الناس أو بين أقرانه . لذا فلا عجب من أن يقوم أحد الذكور باغتصاب أحدى النساء بدافع الانتقام منها وتدمير كيانها . ومعظم من يتعرضن للاغتصاب يلاحظ إصابتهن بفقدان الوعي عقب وقوع الجريمة ، وقد تصاب الواحدة منهن بصدمة إذا ما شاهدت المجرم مرة أخرى ))(1) .

وفي إطار محاولة تقريب الصلة وتوثيق الربطة ما بين عملية (الاغتصاب) كفعل مقترن بمظاهر الاعتداء والإيذاء من جهة ، وبين أنماط (العنف) التي تنجم عنه وتترتب عليه جسديا"ونفسيا"من جهة أخرى ، فقد لاحظ أحد الباحثين العرب انه (( ما من اغتصاب إلاّ ويسود فيه نزيف من الدم ، سواء كان الاغتصاب مع طفل أو امرأة عذراء أو متزوجة ، فالاغتصاب بحد ذاته هو نوع من أنواع العنف والاعتداء الجنسي ، وقد قرأنا الكثير من الآراء الطبية والأمنية والدراسات الاجتماعية والنفسية حول مدى الجرح النفسي المؤلم الذي يتركه الاغتصاب على المرأة فهو يسلبها كرامتها الجسدية والإنسانية ، ويدمرها في أعماق روحها ))(2) . لاسيما وان عملية (الاغتصاب) لا تقتصر أضرارها الجسدية وندوبها النفسية على شخص الضحية (المرأة) وحدها فحسب ، وإنما تطال شريحة واسعة ممن لهم علاقة أسرية أو قرابية أو اجتماعية بالضحية المستهدفة ، ناهيك عن تبعاتها الأخلاقية والأدبية والدينية التي تجلل بعارها شخصية الفاعل وكل من يمت إليه بصلة قريبة أو بعيدة .

ولإظهار بشاعة هذه الممارسة (العدوانية) ضد الجنس الآخر ، ومن ثم تعرية مدى وحشية (العنف) الذي يتمخض عنها ، أشار الباحث السوري (ممدوح عدوان) إلى انه (( بالمقارنة صار يمكن القول إن الحيوان لا يجلب حيوانات أخرى تمسك له أنثاه لكي يغتصبها ، كما أنه لا يقيدها بالحبال أو يخدرها لكي يفعل ذلك . ومن البديهي أن الحيوان لا يمارس الجنس مع الجثث أو مع حيوانات من غير جنسه . وما دمنا في هذا الجانب الجنسي من العنف ، فقد تبين في دراسة عن الاغتصاب نشرت في مجلة (التايم) العدد (5) أيلول / سيتمر 1983) ، ومن خلال بحث بين مرتكبي جرائم الاغتصاب أن الجنس ليس وحده ما يحرك المغتصب ، بل (الاغتصاب هو التعبير الجنسي عن العدوانية) ، وتبين أن معظم هؤلاء المغتصبين ينظرون إلى الفعل الجنسي ليس فقط على أنه مفرج عن الكبت ، بل على أنه يحط من قدر الطرف الآخر . وهم بهذا نتاج لثقافة تؤكد على هذا الرأي . ومن ثم فان المغتصب يستخدم الجنس كسلاح للحط من قدر المرأة (أو قومها) ، أو كما يقول أحدهم : الطريقة الوحيدة التي تجعلني أحس بأنني أفضل منها هي أن أجعلها تحس بأنها أسوأ مني ! ))(3) .
الهوامش
1. يحياوي حسينة ؛ علاقة الغضب بظهور السلوك العدواني لدى المراهقين ، بحث منشور ضمن مجلة العلوم الإنسانية والاجتماعية المغربية ، العدد (12) ، سبتمبر 2012 .
2. تيموثي جولد سميث ؛ الأصول البيولوجية للسلوك البشري : إقامة الصلات بين التطور والسلوك ، ترجمة الدكتور ناظم محروس ومحمد شحات ، الألف كتاب الثاني ، ( القاهرة ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 2009 ) ، ص121 وص122 .
3. بدر عبد الملك ؛ استباحة دم الإنسان في عصر الصورة : دراسة في الدم والقتل والوحشية ، ( بيروت ، المؤسسة العربية للدراسات ، 2012 ) ، ص173 .

#ثامر_عباس (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل