مفهوم العنف الاجتماعي : دلالاته وأشكال تجليه (الحلقة الخامسة عشرة) ما هو التعصب ؟!

ثامر عباس

الحوار المتمدن-العدد: 7396 - 2022 / 10 / 9 - 10:01
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    

(الحلقة الخامسة عشرة) ما هو التعصب ؟!


على الرغم من اختلاف دلالات وتباين انطباعات كل من مفهومي (التعصب) و(التطرف) على المستوى النظري / الفكري ، إلاّ إنهما على المستوى العملي / الواقعي مترابطان ومتلازمان بحيث يستدعي أحدهما الآخر ، للحدّ الذي يصعب معه الحديث عن الأول دون التطرق إلى الثاني وبالعكس ، كما سنرى في الفقرة التالية حين نتطرق لمفهوم (التطرف) .
وبقدر تعلق الأمر بطبيعة مفهوم (التعصب) فان تجلياته الاجتماعية غالبا"ما تحركها بواعث (اعتقادية / مثالية) أكثر مما تستدعيها محفزات (سلوكية / وضعية) ، الأمر الذي يستتبع أن يبني الإنسان مواقفه ويحدد علاقاته على أساس أفكار مسبقة وتصورات منمطة . لذلك (( يعرف التعصب بأنه تشكيل رأي ما دون أخذ وقت كاف أو عناية للحكم عليه بإنصاف ، وقد يكون هذا الرأي ايجابيا"أو سلبيا"، ويتم اعتناقه دون اعتبار للدلائل المتاحة . وينزع الأفراد المتعصبون إلى تحريف وتشويه وإساءة تفسير الوقائع التي تتعارض مع آرائهم المحددة سلفا"، فقد يعتقد الشخص المتعصب مثلا"بأن جميع الأفراد المنتمين إلى سن معين ، أو أصل قومي أو عرق أو دين أو جنس أو منطقة في بلد ما ، كسالى ، أو عنيفون ، أو أغبياء ، أو غير مستقرين عاطفيا"أو جشعون . وقد عرف قاموس لاروس الفرنسي التعصب بأنه ؛ حماس أعمى لعقيدة أو رأي أو مشاعر جارفة نحو شيء ما ))(1) .
وفي إطار تأكيد العلاقة ما بين ظاهرة (التعصب) من جانب ، وطبيعة (المعتقد) الذي يحمله الأفراد والجماعات بدلا"عن الأصول (العنصرية) التي ينحدرون عنها هؤلاء من جانب ثان ، فقد اعتبر أحد الباحثين إن (( التعصب يكون مبنيا"على المعتقدات أكثر من العنصر . فعندما يكون هناك جماعة من الأفراد من أجناس مختلفة لكنهم يشتركون في معتقدات دينية متقاربة (متشابهة) فإنهم يميلون إلى هذا الاعتقاد ويهملون عنصرهم ))(2) . ورغم وجاهة هذا الرأي (النسبي) ، إلاّ أنه - من وجهة نظرنا المتواضعة - لا يمثل كامل حقيقة هذه الظاهرة الاجتماعية المعقدة ، حيث يمكن ل(جنس / عرق) الإنسان أن يشكل – في بعض الأحيان - سببا"أساسيا"لاستثارة مشاعر ومواقف ربما تكون مفرطة في (تعصبيها) ، ولعل تجارب التاريخ وممارسات السياسة تبدو طافحة بالكثير من هذه الحالات اللاانسانية والسلوكيات اللاحضارية .
وعلى أية حال ، يمكن اعتبار ظاهرة (التعصب) بمثابة (عدوانية) كامنة بانتظار حدث ما أو واقعة معينة لإطلاق شرارة تفجرها ضد مصدر إثارتها ، في حين يعد (التطرف) بمثابة (عنف) صريح يكفي لإطلاق آليته وجود الخصم / الضحية في المكان والزمان الخطأ ، حيث تكشر الوحشية عن أنيابها وتسفر البربرية عن مخالبها . وعلى ذلك لسنا نميل صوب وجهة نظر الباحث الفرنسي (دومينيك كولا) ، الذي يعتبر التعصب بمثابة طور (عملي) أو مرحلة (سلوكية) لممارسة العنف المكشوف ، حيث يعرّف الشخص المتعصب بأنه (( من يريد تدمير المجتمع المدني ليقيم مكانه هنا والآن ، ملكوت الله ، والفرق بين المتحمس والمتعصب هو أن الأول يعتقد أنه ملهم من الله بينما المتعصب هو الذي ينتقل باسم هذا الإلهام إلى الفعل ، أي أنه يتحول في هذه المرحلة إلى العنف والإرهاب ))(3) .


الهوامش
1. الدكتور علي أسعد وطفه ؛ التربية إزاء تحديات التعصب والعنف في العالم العربي ، مصدر سابق ، ص28 . هذا ويستشهد (المؤلف) برأي الباحث (عزت سيد إسماعيل) الذي لاحظ إن (( المتعصب شخص يتصف بالتصلب والتمسك الفكري أو العقائدي الشديد (الجمود الفكري) ويميل إلى اقتراف أفعال إرهابية )) . المصدر ذاته ، ص29 .
2. الدكتور فرحان محمد حمزة البيضاني ؛ العنف الجمعي وعلاقته بالتعصب والتسهيل الاجتماعي ، سلسلة أطاريح (2) ، ( بغداد ، المركز العراقي للمعلومات والدراسات ، 2009 ) ، ص190 . مضيفا"ضمن نفس المصدر إلى ذلك قوله (( إن هناك ترابطا"شديدا"بين التعصب والصور النمطية ، وكلا الجانبين يغذي الآخر على نحو ما ، إن التعصب السلبي تجاه جماعة ما يرتبط بشكل آلي بالصورة النمطية السلبية تجاهها والعكس صحيح أيضا". فعندما تظهر أسباب للتصادم مع جماعة خارجية تتغير أفكارنا عنها بمرور الوقت لتصبح سلبية ، إذن التعصب هو نتيجة حتمية لعملية التنميط )) ، ص196 .
3. دومينيك كولا ؛ التعصب ، سيرة كلمة ، مواقف ، العدد 65 (خريف 1991) ، ص132 و135 .

#ثامر_عباس (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل