أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - العتابي فاضل - مشهد من فصل حسبها ضحكت له... رواية موطن الخيبات















المزيد.....

مشهد من فصل حسبها ضحكت له... رواية موطن الخيبات


العتابي فاضل

الحوار المتمدن-العدد: 7405 - 2022 / 10 / 18 - 21:02
المحور: الادب والفن
    


ج2
استقلّ الباص المتوقف بالقرب من البار، وهي تقف على حافة الرصيف، تحرك الباص والكلب ظل يركض خلف الباص الذي أقله، شعر أنه يفقد شيئاً من جديد. وصل إلى مكان الإيواء.
تلك الظلمة التي تلفه تشعره بالخوف والفزع من جديد، يمم وجهه صوب الجدار وهو يرسم وجه أمه على ذلك الجدار الباهت.
-لمَ يخذلني زندي ويعجز عن حضنك؟ يا كفي كم تودين أن تنغرسي في الأمس لتجتثي هذا الماضي الذي يحاول سحقي من جديد؟
كلمات ختم بها ليلته المرتبكة، صارع نومه كي يغفو ليبدأ يوماً جديداً يزيد من عزلته وهروبه وخوفه من ذاته.
صحا على صوت يوقظه ويطلب منه أن يستيقظ لأن هنالك من ينتظره ويطلب مقابلته.
تبعه أشعث الشعر، مغمض العينين إلى صالة الاستقبال ليتفاجأ بتلك الأنثى منتصبة أمامه، مرتدية البياض كأنها ملاك نزل من الحلم، هتفت باسمه ودون أي مقدمات استقبلته بحضنة، داهمه الخجل ممزوجا بالرغبة.
بادرته بالكلام: الساعة بعد منتصف النهار وأنت نائم أيها الكسول!
هيا هيا!!
لنخرج في جولة لأعرفك على مدينتك الجديدة.
قال في سره: عن أي مدينة تتحدث هذه المجنونة !
مدينتي هناك تغفو على النهر وتصارع الموت لتنهض من جديد،
أنا هنا في مدينة الغرباء، لا بد لي أن أعود إليها يوما ما.
هزته من كتفه كي توقظه من شروده. سمع صوتا أنثويا آخر، كان صوت المسؤولة عن شؤونه في مكان الإقامة. قالت:
(سامي شنو فيك؟
أنت وين ماشي؟)
التفت جهة الصوت وإذا بها (دليلة)، فتاة من أصول جزائرية، انتبه إلى صوتها وهو يلتفت صوبها، صحا من غيبوبته وهو يقف بين أنثى شقراء فارعة الطول وبين سمراء عربية بينه وبينها حبل مربوط يشده إلى جذوره ونبرة صوتها تناشده أن لا يغادر.
مر كل ذلك والاثنتان تحدق إحداهما بالأخرى في تحد ممزوج بالغيرة، أدار ظهره وتبعه الكلب بقفزات سريعة مرحة، وتبعتهما دليلة وهي ترجوه أن لا يغادر، وتلك الأنثى الفارعة ظلت مسمرة في مكانها وتعول على كلبها،
استأذن دليلة من أجل الذهاب إلى الحمام، والكلب يتبعه، بعد أن فرغ من الاستحمام، غير ملابسه وخرج برفقة الأنثى الفارعة دون وعي منه،
ظلت دليلة تنظر إليه باستغراب وهو يصعد بجانب الأنثى الطويلة، قالت: أريد منك اليوم أن تترك لي نفسك.
انطلقت بهم السيارة في طريق جانبي تحفه الأشجار وهو ساكت لا يقوى على الكلام
لا يعلم لماذا تذكر وجه أمه المخضب بالوجع والقهر وسكوتها الدائم على العذابات التي يسقيها لها ذلك الرجل المسخ، تذكر هجره لهما لشهور دون أن يكلف نفسه السؤال عنهم، حتى حضوره إلى البيت لم يكن يفرحه بل كان يصيبه بالفزع ويدفعه إلى الإنزواء في إحدى زوايا البيت متمنيا أن يغادر على عجل، لخوفه من صياحه المستمر وإهانة أمه حد الضرب والكلام البذيء وهي لا حول لها ولا قوة ولا تملك سوى أن تذرف الدموع...
صحا من شروده على يدها تهز كتفه
اسمها (آنيت)
أمها فرنسية وأبوها بلجيكي
تعمل مديرة في أحد البنوك
هذا ما أخبرته به وهي تقود السيارة بهدوء.
قالت له: شيء ما شدني إليك وأنا أنظر إليك وأنت جالس لوحدك في ذلك المكان
شعرت بك من خلال حركة أصابعك وهي تسمك بالسيجارة، بدأ عليك القلق والخوف وكنت شاردا في الأفق كأنك لا تنتمي إلى هذا المكان ولا إلى هذا الزمان.
كنت تتصفح الكتاب بقلق وارتباك
هل لك أن تخبرني ما بك؟
-ماذا تريد أن يخبرها؟ عن يتمه المبكر، عن أبيه وزوجته التي جرعته المر، عن الأسواق التي كان يجوبها وظهره ينوء بحمل الأثقال، عن الأستاذ عبد الرؤوف وموته تحت يد الجلاد، أم عن شذى واختفائها بعد إرغامها على الزواج من قاتل أبيها، عن صديقه نعمان وتضحياته من أجله، عن الزنازين التي احتوته، عن المنافي التي تشرد بها، عن الجبال التي مر بها، عن مدينته وصباحاتها الندية ورائحة ماء دجلة التي لم يرتوِ منهما، عن ماذا تريد أن يخبرها!
قالت له بمكر: بما أنك لا تود أن تخبرني من أنت
أود أن أسألك بعض الأسئلة إن أمكن؟
أجابها بحركة من رأسه بالموافقة.
-كم من الوقت مر عليك وأنت هنا؟
-عشرة أيام، أجابها
-أين قضيتهم؟ هل قضيت الأيام كلها هنا في مكان الإيواء؟
أجابها: نعم
-وهذه الفتاة السمراء هل هي عربية؟
-نعم هي من الجزائر
-تبدو مهتمة بك! لا أعلم كل الذي أعرفه أنها هي المسؤولة عني هنا، مثلي مثل الآخرين.
-كلا أنا لاحظت غيرتها عليك من خلال كلامها معك ونظراتها لي، حين أتيت اليوم لأسأل عنك أمطرتني بالأسئلة وأشعرتني أني غير مرحب بي هنا.
-كلا، كل ما في الأمر أنها خائفة على حياتي وهي المسؤولة عني
-كلا، أنا لاحظت ذلك من عصبيتها المفرطة وهي تتحدث معك وتتبعك حين ذهبت لتغيير ملابسك.
-لا... لا أعتقد أن تخمينك في محله، إنها مجرد موظفة تقوم بوظيفتها
-يبدو لي أنك محتال ولا تقول الحقيقة
نظر لها باستغراب، فسارعت بتقديم اعتذارها.
قال لها: لا عليك منها، هل يمكن أن أعرف إلى أين نحن ذاهبان؟
أجابته: أَلم أقل لك أن تترك لي نفسك اليوم، وكما ترى الطقس مشمس والنهار رائق والجدير بنا أن نقضي نهاراً رائعاً في أحضان الطبيعة لأعرفك عن قرب.
سألها: ما هو سر الاهتمام الكبير الذي تبدينه نحوي ؟
لم تجبه، بل مطت شفتيها بدلال وغنج الأنثى المبتهجة.
بالرغم أنه ليس خبيراً بأمور النساء لكنه شعر بإحساسها بالفطرة ومن خلال تعابير وجهها.
الكثير من الأسئلة ازدحم بها عقله حول هذه"الآنيت"
سألها، هل أمك موجودة؟
قالت: نعم،
-وهل تقيمان معا أو تزورينها كل يوم؟ أجابته: مرتين بالشهرأو مرة واحدة، وفي بعض الأحيان أغيب عنها وأستفسر عنها وأطمئنّ عليها من خلال اتصالي بها.
سألته- وأمك أين هي؟
قال لها: هي رائحة الجنة وعطرها
قالت: أَلم تشتق لها؟ وهل أبلغتها بأنك هنا؟
أجابها: كلا
قالت: ولماذا لمْ تتصل بها وتخبرها بمكانك؟
أجابها: لأنها ليست معنا، هي تحوم حولي وتحرسني طول الوقت، أحيانا أحملها في حقيبتي، وكل الليالي أتوسدها وأنام، هي معي في كل الزنازين التي أقفلت أبوابها عَليَّ، وفي كل المنافي التي آوتني وكل المحطات التي استوقفتني، وكل الحدود التي عبرتها بعيداً عن عيون الحراس، وجهها لم يفارقني، عطرها الناعس يدغدغ مشاعري ويسمو بي لمنازل لم تطأها قدم من قبل وتحول لحظاتي إلى حديقة وارفة الضلال.
ذلك الوجه الأبيض الموشوم بالأزرق، أحمله في حقيبتي، في كل رحلاتي،
ذلك العطر لا يفارق أنفاسي، وهو في صرة اقتطعتها من تلك العصابة السوداء التي كانت تلف شعرها، ذلك الشعر الذي غزاه البياض قبل الأوان، كلما ضاقت أنفاسي أشم ذلك العطر، وكلما نمت على رصيف أو في محطة قطار أو في كهف من كهوف تلك الجبال التي أرهقتني، أتوسد تلك الصرة من القماش المعقودة بعناية كأنها عقد الحب أو عقد السرة التي كانت تربطني برحمها،
كنت لا أشعر بالراحة والطمأنينة إلا وقطعة القماش المعقودة تلك تحت رأسي، حتى صرت أؤمن أنها تعويذتي التي تحميني وتجنبني المخاطر والمآسي.



#العتابي_فاضل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حسبها ضحكت له... رواية (موطن الخيبات)
- لا شيء
- رب
- السياب يموت من جديد
- من يقول لا رائحة للموت...
- هكذا سرقت صوت الرئيس ج3 الأخير
- هكذا سرقت صوت الرئيس ج2
- هكذا سرقت صوت الرئيس ج1
- عفوا يا وطن
- ٥ مشهد آخر من رواية (موطن الخيبات) فاضل العتابي
- مشهد جديد من رواية (موطن الخيبات) فاضل العتابي
- مشهد من أحد فصول رواية (موطن الخيبات) فاضل العتابي
- سبع حكايات
- مشهد آخر من رواية (موطن الخيبات) فاضل العتابي
- من رواية (موطن الخيبات) فاضل العتابي
- مشهد من رواية (موطن الخيبات) فاضل العتابي
- غرائب الشعراء
- الوزير عراقي
- ضجر
- هَكَذَا أَبْدُو . . . حِينٌ


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - العتابي فاضل - مشهد من فصل حسبها ضحكت له... رواية موطن الخيبات