أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - العتابي فاضل - مشهد آخر من رواية (موطن الخيبات) فاضل العتابي














المزيد.....

مشهد آخر من رواية (موطن الخيبات) فاضل العتابي


العتابي فاضل

الحوار المتمدن-العدد: 7048 - 2021 / 10 / 15 - 16:29
المحور: الادب والفن
    


مشهد من أحد فصول رواية (موطن الخيبات)
فاضل العتابي

ذات ظهيرة قائضة في (بار جوزيف) مقابل (Radisson Blue Hotel) في مقاطعة (أنتويربن) البلجيكية،
جلس الكلب تحت ظل شجرة وارفة وهو يمد لسانه وينظر ببلاهة لذلك الرجل المسن وهو يحرك مؤخرته ذات اليمين وذات الشمال بحركة سريعة على إيقاع النغم المغاربي المنبعث من جهاز التسجيل الذي يعلقه على رقبته مع الكثير من الأشياء وهي تتدلى فوق صدره.
كرع ما تبقى بقاع الكأس وشرع بمغادرة يومه ليطعم ذاته الخيبة والتعاسة الملازمتين له وهو الغريب في أرض جديدة مليئة بالوجوه المشرقة، دائمة الضحكة وهو الذي لم يعرف ذلك قطّ، هو جاء من بلاد القهر والحروب، بلاد الزنازين المقفلة والسياط الملتهبة وهي تلامس أجساداً أدمنت الألم، ولدت تحت ركامه وتنبعث من بقايا رماده.
تحرك الكلب متوجها نحوه وهو يهز ذيله وراح يقترب أكثر حتى لامست رقبة الكلب ساقه وصار يحتك بها وكأن هناك ألفة وصداقة قديمة، شعر براحة تامة وانتابه شعور افتقده منذ زمن، شعور الركون إلى كائن صادق.
قرفص بقرب الكلب وراح يداعب رقبته بحنو! داهمه فجأة شعور الألفة بالمكان.
لا يعلم لماذا تذكر وجه أمه، شعر أن ذاكرته شاخت وهرمت، تذكر كرهه لأبيه ووجهه الذي تغيب عنه ملامحه، وكثيرا ما كان يراه مشوها ومسخاً.
انتبه إلى يد حطت على كتفه من الخلف، رفع رأسه ليواجه أنثى فارعة الطول تبتسم له والكلب فرح وهو يهز ذيله بحركة سريعة ويتقافز من حولها،
صحا من شروده على صوت تلك الأنثى بلغة لا يفهمها.
وهي تدعوه إلى مشاركتها طاولتها القريبة، كلمها بالإنكليزية لأنه لا يفهم لغتها.
سبقته وهي تتمايل في مشيتها مثل خيط البخور ودخان سيجارتها يتبعها مثل ذلك الخادم الغيور
وقف مندهشا أمام ما يحدث وهو يتذكر وقوفه في ذلك الطابور الطويل أمام بوابة تختلف عن تلك التي كانت تغلق وتفتح هناك، كان يقف مثل متسول بانتظار حساء الصباح منذ أيام...
والآن في حضرة أنثى تدعوه أن يشاركها طاولتها، دعته إلى الجلوس ونادت نادل البار وسألته عما يود شربه، وقبل أن يرد بالاعتذار أخبرت النادل أن يحضر كأسين من النبيذ الأحمر، وقالت: لا بد أنه يعجبك، رأيتك وأنت تحتسيه بمرارة من قبل.
قدمت له سيجارة وقبل أن يتناولها أشعلتها ووضعتها بين شفتيه.
بادرته بالسؤال: هل أنت أسبانيولي أَم لاتيني أَو، دعني أحزر أنت أسبانيولي؟ هز رأسه بالنفي بأنه لا ينتمي إلى أي من الذين ذكرتهم .
قال لها: أنا من بلاد القهر والفجيعة والزنازين وعويل الأمهات وبكائهن كل مساء وهن ينتبذن ركن الهوان ليستذكرن موتاهن بعذوبة الحزن.
قطبت حاجبيها وهي مستغربة!
سألته:
من أي قهر وفجيعة أنت قادم؟
أجابها: أنا من بلاد الحرف ومسلة القوانين، من بلاد الجنائن المعلقة من بلاد الزقورة المدورة،
أنا سومري من بلاد الحضارات التي أبهرت الكون، من بلاد الدكتاتوريات الحاضرة، من بلاد الزنازين والمعتقلات، بلاد المغيبين، بلاد النفط المهدور، بلاد الحرف والقصيد
هل عرفتِ من أين أنا؟
أجابت بطريقة شعرية
أنت من بلاد المشاحيف
من بلاد الذهب
من بلاد الأهوار والقصب والبردي
أنت سومري الملامح
أنت فارس الحضارات
أنت كلكامش
أنت الذي تبحث عن عشبة الخلود في ذاكرة البلاد،
سحب نفسا عميقا من سيجارته ونفثه في سماء الطاولة المشتركة، راحت تحلق حلقات الدخان فوق رأسها وفوق أنفها وفمها وهي تشهقها بلذة.
أخبرها بعد أن شرب كأسه حتى القاع علي أن أغادر الآن، وتمتم يشكرها على دعوتها.
سألته الى أين؟
إلى مكان يأوينا، نحن مشردي الديار، مدمني المنافي.
ظلت مندهشة تحلق في وجهه، قالت: أين هذا المكان؟ أجابها: منذ أسبوع وأنا أقيم فيه، قريب من هنا بأطراف المدينة.
ولأنني جديد ولا أعرف القوانين يجب علي أن أكون هناك قبل حلول المساء.
عرضت عليه أن تقله بسيارتها.
أجابها: كلا علي أن أعرف الطريق ليتسنى لي الرواح والمجيء ومعرفة الأماكن بلا دليل كما تعودت من قبل في كل محطاتي.
رجته أن يتريث قليلا لمواصلة تبادل الحديث.
شكرها على الدعوة اللطيفة.
قالت: لا بد أن تعود إلى هنا، أو أعطني رقم هاتفك لكي أتصل بك وأطمئنّ عليك.
أخبرها بأنه لا يملك هاتفا.
-إذن، أعطني العنوان كي أزورك وأتفقدك قالت له.
أخرج لها الأوراق كي تدون العنوان.
بان الفرح على محياها وهي تقرأ العنوان، قالت: إنه لا يبعد عن هنا كثيرا، هز رأسه بالإيجاب.
ودّعته وهي تشد على يده بحنان وملامحها حزينة لمغادرته السريعة.
أدار ظهره دون أن يلتفت إليها.
استقلّ الباص المتوقف بالقرب من البار، وهي تقف على حافة الرصيف، تحرك الباص والكلب يركض خلف الباص الذي أقله، شعر أنه يفقد شيئاً من جديد.



#العتابي_فاضل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من رواية (موطن الخيبات) فاضل العتابي
- مشهد من رواية (موطن الخيبات) فاضل العتابي
- غرائب الشعراء
- الوزير عراقي
- ضجر
- هَكَذَا أَبْدُو . . . حِينٌ
- بَيْتُ جَدَّتِي
- تَرَاتِيل مِنْ اَلْعِشْقِ اَلرَّجِيمِ
- سلسلة أدباء العراق وإبداعهم
- رواد الرواية العراقية الخالدون
- زنوبة العراق
- سلسلة مبدعي العراق في الغربة
- خارج المألوف
- منْ فَتحةِ الكوةِ
- أدباء وفنانو العراق في الغربة / ج1 سلسلة تعريفية
- أدباء وفنانو العراق في الغربة
- سلة الفقير
- الشعب يقوم بثورته الجديدة
- ملحمة العدس
- حوار مدفوع الثمن مسبقا


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - العتابي فاضل - مشهد آخر من رواية (موطن الخيبات) فاضل العتابي