الإعلام الموجه

محمد قاسم علي
كاتب
()

الحوار المتمدن-العدد: 7405 - 2022 / 10 / 18 - 16:32
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

في خضم إحتدام المعارك الدائرة في جبهات القِتال ، و الصراعات السياسية التي يقودها السياسيين متأثرين بصورة مباشرة بتحقيق أهداف جيوسياسية وِضِعَت بيد نُخبة تقدمية متطرفة و أخرى رجعية مُتطرفة ، و جب عدم هضم الأخبار و ما يُنشر في وسائل الإعلام على أنها حقائق مٌسلم بها . ففي ظروف الصراعات تكون الحقيقة أبعد و التدليس أقرب الى الحدوث ، الى ان يظهر التدليس للعِيان بطريقته الفجة في غالب الأحيان .
إذاً متى تتكشف الوقائع بالشكل الدقيق ، سيسأل أحدهم؟
الإجابة تكون كالآتي ، حينما تنتهي العمليات العسكرية ، بالشكل الذي يٌمكن من وصول الاقلام الحٌرة الى أماكن الصراعات و الوقوف على وقائع الأحداث حينها تبدأ الجهود الفردية للأشخاص المعنيين بكشف الحقائق ، تأتي أٌكٌلها. فقد علمتنا التجارب بأن الإعلام المٌوجه غالباً ما يٌمثل وجهة نظر الدولة أو الدول أو الكيانات المٌنخرطة في النِزاع على حساب الإلتزام بالمهنية ، حينئذ الحياد و المهنية في نقل الخبر يتضائل الى ان يصل الى الإضمحلال التام في أحيان كثيرة . سيتعين على طرفي النزاع أن يطلقوا على الإعلام الذي يٌمثل و جهة نظر الطرف المُخاصم بـ الإعلام المُعادي .
تُخبرنا التجارب بأن الإستعداد لشن هجوم عسكري يكون مٌصاحباً بتأجيج إعلامي واسع النِطاق يستهدف مواطني الداخل و الخارج . ما حدث للعراق و اُفغانستان و ليبيا في السنوات العشرين الأخيرة يٌعطينا أوضح صورة عن ماهية أغراض الإعلام الموجه . التستر على جرائم الحرب من قِبل وسائل الإعلام كان و اضحاً في قضية غزو العراق ، الى أن تكشفت الكثير من الوقائع رويداً رويداً لإنتهاكات طالت حقوق الإنسان مارسها الجيش الأمريكي و القوى المتحالفة معه بحق المدنيين حسب ما سربته ويكيليكس من أرشيفات أصبحت مٌصورة للعيان و مٌتاحة للملايين . هل يا تٌرى أن العالم الخارجي كان ليكن بمعلومه عن تلك الإنتهاكات لولا تلك الجهود الفردية المبذولة لكشف المستور. أشك في ذلك سيما أن مواطني البلد الواقع عليه الإعتداء في عتمة مُظلمة عما جرى حينها .
في خضم إحتدام المعارك ، فإن تقييد وسائل الإعلام يكون أمر لابد منه لطرفي النزاع ، كُلُ يقيد إعلام الآخر ، ففي الغرب لا نرى الأشياء كما يريدنا الشرق رؤيتها و العكس صحيح . قراءة الأحداث دائماً ستكون متحيزة . لنأخذ الصراع الأوكراني الروسي مثالاً ، منذ بدأ الإجتياح الروسي للأراضي الاوكرانية في شهر شباط من العام الجاري قامت الشركات الأمريكية بحجب القنوات الروسية في يوتيوب و منصات التواصل الإجتماعي و جرى حضر تام على بث القنوات التلفزيونية الروسية في العالم الغربي ، بالتالي سنرى في و سائل الإعلام ما يريد له الغرب بالظهور ، في حين ان قراءة المشهد في الواقع ممكن ان تكون مٌغايرة ، كٌل هذا عدا كون غرض الإعلام سيتحول الى نشر الدعاية التي تدعم توجهات القوى الحليفة . هذا طبعاً يحدث لطرفي النزاع .
دور الإعلام في شيطنة الخصوم و الترويج الى الأكاذيب و بث الكراهية و حشد الرأي العام كان جلياً في الحروب التي خاضها الناتو في السنوات العشرين الاخيرة ، القنوات التلفزيونية التي تدعم توجهات أحزاب مٌعينة و الصحف التي لديها إرتباطات وثيقة بـ صُناع القرار السياسي دائماُ ستحيد عن الموضوعية. ما رٌوِجَ عبر وسائل الإعلام و الصحف العالمية من أكاذيب فيما يتعلق بأسلحة الدمار الشامل في العراق و الهجوم على أفغانستان بداعي أحداث الحادي عشر من سبتمبر، و في واقع الامر لم تكن هنالك مؤشرات على وجود أسلحة دمار شامل كما لم يكن لأفغانستان صلة بهجمات الحادي عشر من سبتمبر. خلال فترة إحتدام الحروب السياسية و الإقتصادية و العسكرية ، الوجوه التي ستظهر على وسائل الإعلام ، هي ذاتها الوجوه المألوفة و الموجهة لغرض التهديد و الوعيد ، لنأخذ على سبيل المثال جون بولتون مستشار الرئيس الأمريكي فيما يتعلق بالأمن القومي ، لا يضع هذا الشخص أي مٌنقي لما تصدر عن شفتيه من تصريحات عدائية . كمثله الكثيرين سيطلون على وسائل الإعلام .
في حين ان صوت العقل مٌغيب تماماً من وسائل الإعلام المؤثرة ، نعوم تشومسكي مثالاً ، لطالما ندد تشومسكي بسياسات الولايات المتحدة الخارجية ، و إعتبر طموحاتها الخارجية تُمثل تهديداً مٌباشراً للأمن و السِلم الدوليين . في إخر لقاء له مٌعقباً فيها عن الصراع الروسي الأوكراني إقتبس تشومسكي كلام سفير الولايات المتحدة السابق في المملكة العربية السعودية و التي جاء فيها "الولايات المتحدة ستقاتل روسيا حتى آخر جندي أوكراني". طبعاً مثل هكذا تصريح لا يظهر بنطاق واسع على وسائل الإعلام الغربية. من الواضح أن تشومسكي يتبنى رؤية أن الناتو هو من يٌحارب روسيا بإستخدام الجنود الأوكران . فهو يندد بـ تمدد حلف الناتو نحو الشرق . ربما يخفى على الكثير بأن تشومسكي من أصول أوكرانية من جهة الأب . هو بلا شك قلق بشأن المواطنين ، خاصتاً أنهم من نوعه .
الإدارة الامريكية: إذا أوقفت روسيا القتال تنتهي الحرب و إذا أوقفت أوكرانيا القتال تنتهي أوكرانيا.
ماذا فعل الغرب لمنع إندلاع الحرب؟
إذا أجبنا على هذا السؤال ، سنرد بالتالي على ما صرحت به الإدارة الامريكية .
في عهد إدارة جورج ووكر بوش كانت الولايات المتحدة تعمل على إستقطاب جورجيا و أوكرانيا الى حلف شمال الأطلسي ، يا تٌرى ما الداعي من هذه الخطوة العدائية تجاه روسيا؟ الأ تٌقوض الولايات المتحدة بهذه الخطوة جهود السلام المٌستدام؟! عوضاً عن جعل دول البلطيق و فنلندا و أوكرانيا تقف على الحياد ، ليٌشكلوا وِسادة تمنع إصطدام الكٌتلتين الشرقية و الغربية ، نرى الولايات المتحدة تزحف بترسانتها العسكرية نحو موسكو. إذاً ، إيقاف روسيا للقتال لا ينهي الحرب ، و تصريح الإدارة الأمريكية عبارة عن دجل إعلامي. حقيقة الأمر إيقاف أمريكا عن مواصلة ضخ الأسلحة و زعزعة الإستقرار ، كفيل بأن يٌنجي المدنيين من الهلاك .
هل جيش بوتين يتعرض الى هزائم ، كما تٌصوره وسائل الإعلام الغربية؟
"خبير: جنود بوتين ليسوا سوى حشو مدافع" هذا ما جاء في صحيفة الإكسبريس السويدية.
بعد أن كشفت الصحيفة بأن التحشيد الآن بلغ 222 الف ، أشارت الى انهم لم يتلقوا التدريب الكافي ، علاوة على ذلك سيتم زجهم في الجبهات الأمامية لساحات القتال . بالنسبة للكريملين الأمر مختلف ، فإن هؤلاء الجنود سيؤدوا غرضاً محدداً لهم. من جهة أٌخرى يبدو أن الصحيفة السويدية تغافلت عن الضحايا في صفوف الجيش الأوكراني ، سيما أنهم يخسروا بشكل يومي الكثير من الأروح في الحرب الدائرة مع ثاني أقوى جيش في العالم . لكن من الواضح أن و سائل الإعلام موجهة بشكل صارخ. الغرب سيٌقاتل روسيا حتى آخر جندي أوكراني ، كلام يبدو منطقياً للغاية . عواقب التصعيد قد تكون كارثية بالشكل الذي يٌصعب على المتابع قراءتها . بعد كٌل هذه الهستيريا في و سائل الإعلام الغربية ، أننتظر من تلك الآلة الإعلامية موضوعية و مهنية في قراءة الأحداث!؟ .

#محمد_قاسم_علي (هاشتاغ)       #          

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل