أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - عصمت منصور - بخطى طليقة- الاوائل















المزيد.....

بخطى طليقة- الاوائل


عصمت منصور

الحوار المتمدن-العدد: 7402 - 2022 / 10 / 15 - 10:17
المحور: أوراق كتبت في وعن السجن
    


تتبلور الحركات التاريخية التي تنبثق من رحم ظروف قاهرة، وتتعمد، عندما تصبح لها ذاكرة جماعية ورموز مجمع عليها، ولا يرقى اليها الخلاف لتكون حالة عابرة للزمن والجغرافيا والحزبية الضيقة، وتكتسب هالة تتشكل منها اللحمة التي توحّد أطراف هذه الجماعة، والروح الحية التي تحركها، بعد ان قطعت معها عهدا سريا ان تمضي على دربها، وبعد ان تحولت سيرة حياتها ومطالبها الى وصية، لا يمكن التخلي عنها دون ان يوصم الشخص الذي يقدم على ذلك بالتفريط.
لا يمكن فصل سيرة وتاريخ أول إضراب عن الطعام خاضه الأسرى في سجون الاحتلال، وفي سجن عسقلان تحديدا عن سيرة أول شهيد للحركة الأسيرة، وهو الأسير الشهيد عبد القادر ابو الفحم، اذ شكلت سيرة الحدثين وتزامنهما معا ما يمكن ان نعتبره سيرة واحدة، والعلامة الفارقة التي ساهمت في بلورة وجدان جمعي وذاكرة مشتركة ومعيار أخلاقي لدى الأسرى في بداية سيرتهم النضالية خلف القضبان.
واجهت مديرية السجون الإضراب الأول بذهول وحالة من عدم التصديق، ترجمتها الى سلسلة إجراءات قمعية وتنكيل جماعي منفلت من أي ضوابط، وكأنها كانت تعي أن نجاح الإضراب لن ينتج عنه تقديم بعض المطالب الحياتية العينية فقط، بل ولادة مارد تململ طويلا داخل القمقم الضيق الذي حشر به وينتظر أقرب فرصة للخلاص، وأن الخسارة او حتى التعادل ستقود الى تدفق سيل جارف لا يعرف التوقف، لذا لجأت الى كل ما كان متاحا من أدوات القمع والتنكيل، والتي كان أبرزها، وبعد ان استنفذت الوسائل العنيفة، هو إكراه الأسرى على تناول الطعام قسرا وبالقوة.
في مختلف المواثيق الأخلاقية التي تحكم ممارسة مهنة الطب، يعد إكراه الأسير على تناول الطعام بالقوة عبر حقن الطعام المذاب عن طريق الأنف من الوسائل الممنوعة قانونيا، والتي تعتبر نوعا من انواع التعذيب الذي يعرض حياة الاسير للخطر، حتى نقابة الأطباء الإسرائيليين تبنت هذا المفهوم بعد سنوات باعتباره جزءا من أخلاقيات المهنة.
عبد القادر ابو الفحم المولود في قرية برير الفلسطينية سنة 1929، والتي هاجر منها قسرا مع أسرته سنة 1948، ليقيم في مخيم جباليا بقطاع غزة والتحق بالقوات المسلحة المصرية سنة 1953.
انخرط ابو الفحم في السلك العسكري، واجتاز عدة دورات عسكرية وتم ترفيعه إلى رتبة عريف ثم الى رتبة رقيب، كما انه اجتاز دورة رقباء أوائل سنة 1960 في مصر وكان الأول على الدورة، فرفّع إلى رتبة رقيب أول.
عندما تشكل جيش التحرير الفلسطيني كان الشهيد أبو الفحم المسؤول عن مركز تدريب خانيونس وخاض حرب 1956 ( العدوان الثلاثي البريطاني الفرنسي الإسرائيلي على مصر على اثر تأميم قناة السويس) وحرب 1967، وكان ضمن كتيبة الصاعقة التي قاتلت بشراسة، وكان من المؤسسين لفصيل قوات التحرير الشعبية، وشارك في تدريب المناضلين عسكرياً كما شارك في عمليات عسكرية عديدة ومميزة نظراً لكفاءاته العسكرية، وقد تولى تجنيد المتطوعين في صفوف قوات التحرير الشعبية ودربهم على حمل السلاح، واعتبر مرجعا عسكريا للتشكيلات العسكرية لقوات التحرير في قطاع غزة.
أصيب ابو الفحم في إحدى العمليات العسكرية في العام 1969 بجراح بليغة وحكم عليه بالسجن المؤبد.
بسيرته العسكرية الغنية وسلوكه الثوري وعمره المتقدم نسبيا على زملائه من الأسرى، شارك أبو الفحم في الاضراب الأول رغم جراحه البليغة، وطلب زملاؤه منه عدم المشاركة حرصا على حياته، الا أنه أصر على أن يكون من أوائل المشاركين في الاضراب، وتعرض مثل بقية زملائه لسلسلة العقوبات والاجراءات التنكيلية، التي واجهت من خلالها مديرية السجون الأسرى وإضرابهم بهدف كسره.
بجسده المنهك والمريض وجراحه البليغة محمولا على إرادة مقاتل عنيد، اجتاز ابو الفحم كل المراحل الخطرة في الإضراب الى ان وصل الى مرحلة الإكراه على تناول الطعام المذاب عبر الأنف.
كانت إدارة السجون قد أعدت كراسي حديدية ثقيلة جدا، يتسع كل واحد منها الى اربعة او خمس أسرى، يتم تقيدهم بالأصفاد بالكرسي وأيديهم مثبتة الى الخلف، ومن ثم، وبعد ان يجلس أحد السجانين مستعينا بثقله فوق ركبة الاسير ويتم مد انبوب شفاف الى داخل أنف الاسير وسكب الطعام المذاب الى معدته بالقوة.
عملية التغذية القسرية المريعة هذه، تنتج عنها آثار نفسية فظيعة، وشعور بالغثيان والانتهاك، كما انها تخلف جروحا داخل الأنف وفي مجرى التنفس وعلى الوجه، ويصاحبها شعور بالنفور خاصة بعد ان يسكب الطعام المذاب داخل المعدة مباشرة ويتم سحب الانبوب الشفاف وهو مغطى بالمخاط والدماء.
سيقول بعض من عاصروا أبو الفحم ان جسده كان هزيلا، وكان يتنفس عبر فتحة في أسفل عنقه وان مقاومته للتغذية القسرية هي التي سببت استشهاده، بينما يقول آخرون ان الغذاء انحرف بفعل مقاومته ودخل الى رئتيه بدل معدته، وهو ما أدى الى اصابته بالتهابات حادة أفضت الى استشهاده، وربما يعتقد غير هؤلاء واولئك ان ادارة السجون قصدت قتله لكسر الإضراب وانها بدل ان تدخل الطعام عبر الانبوب الذي ادخلته بالقوة في انفه وضعت كمية كبيرة من الملح المذاب في الماء، الثابت أن سلطات الاحتلال وإدارات السجون لم تكم معنية البتة بإجراء أي تحقيق، وربما لم تكن مطالبة بذلك من قبل منظمات حقوق الإنسان، ولعلها أجرت تحقيقا داخليا كان وما يزال حبيس الأدراج باعتباره سرا من اسرار الدولة.
استشهاد عبد القادر ابو الفحم كأول شهيد للحركة الاسيرة في العاشر من تموز من العام 1970 بالتزامن مع خوض أول اضراب عن الطعام شكلا معا مشهدا واحدا لا يمكن الفصل بينمها واعتبرا نقطة اللا عودة في تاريخ نضال الاسرى داخل السجون، واصبح الاسمان اسما حركيا واحدة لمرحلة الصعود وعدم التراجع.
تجرع الاسرى مرارة فقدان زميل لهم أمام اأينهم، وعاشوا لحظات صعبة قرروا من دون تردد أن يحولوها معا إلى ذاكرة جماعية، ونقطة انطلاق لمرحلة أعلى وارقى، ومدرسة تعلي من شأن الفداء والتضحية بالنفس والصمود والإيثار والتمسك بالهدف وعدم الانحراف عن الطريق الذي سيوصل حتما الى التحرير الجماعي والخلاص من ربقة الاحتلال.
لم يتحول استشهاد ابو الفحم الى ثأر شخصي او جماعي، ولا الى مناسبة حزينة، بل تحول الى حجر زاوية، لبنة شُيّد عليها صرح ثوري عظيم، خاصة انه ربط بالمعركة الاولى الجماعية التي يخوضها الاسرى ضد مصلحة السجون.
أصبحت الخطوات الطليقة لا تعرف سوى السير بوتيرة منتظمة وجماعية وفي اتجاه واحد وحيد، نحو الأمام بعد ان فتح الأفق على مصراعيه، لان أي خطوة الى الوراء ستعد وكأنها دوس على جثمان شخص دفع حياته من أجل الجماعة التي انتمى اليها والفكرة التي آمن بها.
عندما بدأ الاسرى يعدون للأضراب الاطول في تاريخهم في العام 1976 كان طيف الإضراب الاول وذكرى الشهيد الاول حاضرين بقوة، مثل علامة على الطريق، وتجربة كل ما سيأتي بعدها مهما علا شأنه وحقق سيبقى يعتبر: التالي بعد أن ظفر عبد القادر أبو الفحم بشرف السبق بأن يكون الأول، وخالدا في ذاكرة عشرات الآلاف من الأسرى بعده.



#عصمت_منصور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بخطى طليقة - الرعيل الأول
- بخطى طليقة - المخاض
- خطى طليقة مرحلة الإنفلاش
- بخطى طليقة - إضراب
- بخطى طليقة.. أزمة التكيف.
- التنافس على ضمّ آيزنكوت في الانتخابات الإسرائيلية القادمة
- حقول الغاز الإسرائيلية اللبنانية المشتركة: فرص ومخاطر
- معايير صفقات تبادل الأسرى وفيديو هشام السيد
- محاولات قتل الشهود في قضية شيرين أبو عاقلة
- إسرائيل والتعامل مع نتائج التحقيقات في اغتيال شيرين أبو عاقل ...
- شيرين ابو عاقلة واختراق الجدار الحديدي
- وهم الفصل بين الساحات
- تهديد الطائرات المُسيّرة وأثرها على المواجهات القادمة
- قانون تجنيد المتدينين مشكلة ائتلافية أم أزمة مجتمع؟
- بعد زيارة جانتس: الأبعاد الأمنية والاستراتيجية للعلاقات المغ ...
- دور المنظمات اليمينية في تصنيف منظمات حقوقية فلسطينية على ان ...
- خطة -الاقتصاد مقابل الأمن في غزة- هل تملأ فراغ غياب الاسترات ...
- سيف القدس وتقنية الجيل الرابع 4G
- الانسحاب الأمريكي من أفغانستان من منظور إسرائيلي
- انفجار عقود من الكبت والتحريض


المزيد.....




- واشنطن تريد -رؤية تقدم ملموس- في -الأونروا- قبل استئناف تموي ...
- مبعوث أمريكي: خطر المجاعة شديد جدا في غزة خصوصا في الشمال
- بوريل يرحب بتقرير خبراء الأمم المتحدة حول الاتهامات الإسرائي ...
- صحيفة: سلطات فنلندا تؤجل إعداد مشروع القانون حول ترحيل المها ...
- إعادة اعتقال أحد أكثر المجرمين المطلوبين في الإكوادور
- اعتقال نائب وزير الدفاع الروسي للاشتباه في تقاضيه رشوة
- مفوض الأونروا يتحدث للجزيرة عن تقرير لجنة التحقيق وأسباب است ...
- الأردن يحذر من تراجع الدعم الدولي للاجئين السوريين على أراضي ...
- إعدام مُعلمة وابنها الطبيب.. تفاصيل حكاية كتبت برصاص إسرائيل ...
- الأونروا: ما الذي سيتغير بعد تقرير الأمم المتحدة؟


المزيد.....

- في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية * / رشيد غويلب
- الحياة الثقافية في السجن / ضرغام الدباغ
- سجين الشعبة الخامسة / محمد السعدي
- مذكراتي في السجن - ج 2 / صلاح الدين محسن
- سنابل العمر، بين القرية والمعتقل / محمد علي مقلد
- مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار / اعداد و تقديم رمسيس لبيب
- الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت ... / طاهر عبدالحكيم
- قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال ... / كفاح طافش
- ذكرياتِي في سُجُون العراق السِّياسِيّة / حـسـقـيل قُوجـمَـان
- نقش على جدران الزنازن / إدريس ولد القابلة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - عصمت منصور - بخطى طليقة- الاوائل