أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - عصمت منصور - بخطى طليقة - الرعيل الأول















المزيد.....

بخطى طليقة - الرعيل الأول


عصمت منصور

الحوار المتمدن-العدد: 7401 - 2022 / 10 / 14 - 01:06
المحور: أوراق كتبت في وعن السجن
    


بخطى طليقة
الرعيل الأول
اتسعت رقعة السجون في منتصف السبعينات، فبعد ان كان وجودها مقتصر على سجن عسقلان، أضيف له سجن بئر السبع جنوبي فلسطين وسجن الرملة في منطقة الوسط، كما أن أعداد الأسرى أخذت بالازدياد والتنوع تنظيميا وايديولوجيا وجغرافيا بشكل لافت، وأصبح السير بخطى ثابتة وعلى خط مستقيم متخيل يربط وجود الأسرى بغاية ما، وجسم أكبر، هدفا يضفي على وجودهم معنى ويعطي لتضحياتهم قيمة الأمر الذي يتطلب تطويرأشكال التنظيم الذاتي.
لعبت نخبة من الأسرى دور الكتيبة المؤسسة لهذا الجسم، وذلك لم يأت استجابة للحاجة الموضوعية التي أملتها التطورات داخل السجون كما ونوعا، ولا على شكل صدى عفوي أو استجابة آلية للأحداث الخارجية وتنامي قوة وحضور الثورة فقط، بل لأن تلك الشخصيات المؤسسة امتلكت من الصفات والسجايا الشخصية والقيادية ما مكنها من أن تعي هذا التعقيد في وجودها، واكتشاف الروابط العضوية بين أفراد ومكونات الحركة الاسيرة بعضهم ببعض، وارتباطهم بالحركة العامة للثورة المنطلقة التي ملأ اسمها الآفاق.
السير المستقيم صعودا متعب وبطيء، ومشروط بالتنظيم والتناغم. يحتاج إلى صبر لأنه يقاس بوتيرة خطوة آخر شخص في الجماعة، كما أنه يقتضي تقديم تنازلات غير مفهومة ضمنا ولا تمر دون مقاومة او معارضة من المستفيدين من بعض المزايا التي تهبها العشوائية والعفوية.
الطرق الوعرة والطويلة وغير المكتشفة، تحتاج الى إيمان يقيني مثل إيمان الأنبياء، وتفاني واخلاص التابعين، وقدرة على عدم الالتفات الى الخلف او الانحناء أمام إدارة السجون أو قوة العادة الراسخة لدى القاعدة غير المكتملة التشكيل.
انه نضال تأسيسي مضنٍ خاضته كتيبة مؤسسة بكل جسارة ووعي وبعد نظر، لدرجة أصبح فيها مجرد وجود أفراد الكتيبة شرطا لبقاء هذا النضال وصموده قبل ان يشتد عوده، وينجح هؤلاء القادة المؤسسون في الفصل بين وجودهم الجسدي والنظام الذي اسسوه، من خلال ترجمة رؤيتهم وطريقتهم الى نظام حياة ومؤسسة على شكل لوائح تنظيمية داخلية في البداية، ومن ثم لوائح وطنية تنظم العلاقة بين التنظيمات داخل السجن الواحد، وصولا الى اللوائح الاعتقالية التي أعادت ربط السجون مجتمعة معا في حركة واحدة منظمة ومتماسكة.
تعددت الاسماء التي لمعت في سماء تلك الحقبة الضبابية، وبرز بينها العديد من القادة أمثال فضل طهبوب، وفرحان السلايمة، ويعقوب عودة، ونبيل قبلاني، ورمضان البطة، ويوسف قبلان والاخوين زهير ومحمد الملاعبي، وغيرهم كثيرون ممن أصبحوا يعرفون ليس بأسمائهم او مناطق سكناهم بل بانتماءاتهم التنظيمية وكونهم قادة في الجبهة الشعبية أو الديمقراطية، وحركة فتح وتنظيم الصاعقة وجبهة النضال الشعبي وغيرها من الفصائل.
مع هذه النخبة، لم تعد الخلافات شخصية ولا ذاتية، بل تنافس وصراعات سياسية وايديولوجية، وهو ما أملى الحاجة الى حلول وسط ومساومات، والتوافق على قواسم مشتركة تمت صياغتها على شكل اللوائح الوطنية والاعتقالية التي بدأت بصيغ بسيطة ومرنة لكنها مغرقة في الوصف والتركيز على الأدبيات والجمل الثورية والروح المثالية.
لم تكن هذه اللوائح تركز في بداية عهدها على الضوابط، والأوامر والنواهي وإرساء قواعد سلوكية بقدر تركيزها على الأهداف العامة والغايات النهائية والجوانب المعنوية، وبناء كتلة مترابطة روحيا وفكريا، من خلال إبراز مزاياها التي تجمع أفرادها وصلتها بحركة التاريخ التي تهب عليها رياح الثورات العالمية، والثورة التي ساهموا في انطلاقتها والتأكيد على أنهم على الضفة الآمنة والمتفوقة أخلاقيا وإنسانيا من الصراع، مع عدو يبدأ من السجان الذي يحمل مفتاح الزنزانة، وينتهي مع طغاة عالميين يستعبدون شعوب الأرض التي انقسمت الى معسكرين.
في السجون امتزجت وتوحدت من جديد أطراف القضية الفلسطينية التي تشتت شمل أهلها، وتوزعت على ساحات لكل واحدة منها ظروفها وخصوصيتها وأساليب نضالها.
اجتمع تحت سقف الزنزانة الواحدة مقاتلون من غزة والداخل المحتل في العام 1948، والضفة بما فيها القدس، ومن خارج فلسطين، من جيش التحرير في الأردن وسوريا، كما التحق بهم مقاتلون أمميون أمثال الياباني كوزو اوكوموتو، وحتى اسرائيليين يهود تقدميين أمثال اودي أديب ممن بهرتهم فكرة الثورة.
هذا المزيج المفعم بروح الثورة، والذي نشأ في معسكراتها وتشرب أدبياتها، عبر عن ذاته وأعاد صياغة واقعه بطريقة تشبهه تماما: مثالي، عنيف، شديد الانضباط، منكر للذات الفردية حد الاحتقار، يعلي من شأن العام.
المناخ العالمي الثوري، والتقدم في مسار الثورة كان مثل غيمة تحلق فوق سماء السجون.
ومن بين كل الأسماء القيادية التي لمعت في تلك الحقبة، برز بشكل خاص اسمان اختزلا في خصيهما كل مواصفات ذلك الجيل المؤسس وهما عمر القاسم، المعلم وابن القدس اليساري الصلب والمثقف الثوري العنيد والمقاتل المقدام، وعبد العزيز شاهين (ابو علي شاهين) اللاجئ الغزي المتحدر من "بشيت" قضاء الرملة، ذو الخلفية الاسلامية التي عاشها في بداية مسيرته والانتماء الفتحاوي الثوري المقاتل والمنفتح على التجارب العالمية والمتأثر بالثورات ذات الطبيعة الاشتراكية.
شكل القاسم وشاهين قطبين متكاملين رغم الاختلاف الأيديولوجي بينهما ولعبا دورا محوريا في إعادة صياغة الحركة الاسيرة على النحو الذي أهّلها لان تتحول الى واحدة من أهم التجارب الثورية والنضالية عالميا وليس فلسطينيا فحسب.
على اختلاف تجارب وانتماءات ومشارب الأسرى من الكتيبة المؤسسة في بداية السبعينات، الا أن قواسم مشتركة ومزايا شخصية جمعت بينهم جعلتهم وبشكل خلاق يذوتون ويؤصلون لأفكار وتجارب عالمية ومحلية، قد تبدو متناقضة في ظاهرها، وجمعها من خلال النفاذ الى جوهرها الصلب والتخلي عن قشورها في نظام وطني أخلاقي ثوري فريد من نوعه، يجمع في ملامحه بين الاشتراكية والقومية والقيم الاسلامية والرأسمالية ايضا.
الصفات الشخصية التي تَمتع بها هذا الجيل جمعت بين الوجود ومتطلباته والمهمة والغاية التي وجدوا من اجلها، فكانوا الى جانب كونهم مقاتلين امتشقوا السلاح وخاضوا المعارك واعتادوا على التضحية والانضباط والتعرض الى المخاطر، مفكرين ينهالون على الكتب والكتابة وتعلم اللغات الحية وخاصة لغة العدو العبرية والانجليزية ويحرصون على دراسة التجارب الثورية العالمية واكتساب اكبر قدر من الفائدة منها.
لقد جمعوا بين الصلابة الجسدية والقوة البدنية وتماسك الفكر والعقيدة السياسية والأفكار الثورية، لذا واظبوا على ممارسة الرياضة تماما كما اهتموا وشجعوا على قراءة الكتب، وتطورت لديهم شخصية جريئة غير مساومة عنيدة في مواجهة السجان حاسمة في القضايا الداخلية ومثالية أقرب إلى الطوباوية في البناء الداخلي ونمط الحياة والسلوك اليومي للأفراد الذين وجدوا انفسهم يجمعون بين المعسكر والجامعة معا .
هذا الجو من الانضباط لم يسِر دون مقاومة او معارضة خاصة من قبل بنى سابقة على عهد الفصائل كما بدأت تتبلور، او من متعاونين مع إدارة السجن وأذنابها.
الى جانب كل السمات الايجابية التي ميزت تلك الحقبة ظهرت حالة اطلق عليها اسم "جيش العملاء" وهي مجموعة غير ظاهرة من الأشخاص الذين كانوا يعملون لصالح إدارة السجن ويحاولون إعاقة بناء الحالة الجديدة.
مواجهة "جيش العملاء" تطلب مقدارا من العنف الداخلي، وأشاع حالة من الخوف والهوس الأمني الى درجة أصبح كل أسير يعتقد او يشك ان هناك أسير آخر يقابله ينتمي الى ذلك الجيش.
ما عزز هذا الشعور بالخوف وانتشار حالة الهوس، ارتقاء عدد من أفراد هذه المجموعات الى مراتب قيادية في التكوين الجديد للحركة الأسيرة، ولعبهم دورا تخريبيا قبل ان يتم اكتشافهم ومحاسبتهم بطريقة كانت تصل الى حدّ الإعدام "باسم الثورة" في بعض الحالات، وأصبح كل أسير يخشى ان يلقى قبضة خشنة وقاسية على كتفه تبلغة الجملة التي تحولت الى كابوس "*باسم الثورة تفضل على الدورة".
*الدورة هي المرحاض داخل الزنزانة وقد كان يستخدم للتحقيق وتعذيب الحالات التي يشتبه بتعاملها مع الاحتلال.



#عصمت_منصور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بخطى طليقة - المخاض
- خطى طليقة مرحلة الإنفلاش
- بخطى طليقة - إضراب
- بخطى طليقة.. أزمة التكيف.
- التنافس على ضمّ آيزنكوت في الانتخابات الإسرائيلية القادمة
- حقول الغاز الإسرائيلية اللبنانية المشتركة: فرص ومخاطر
- معايير صفقات تبادل الأسرى وفيديو هشام السيد
- محاولات قتل الشهود في قضية شيرين أبو عاقلة
- إسرائيل والتعامل مع نتائج التحقيقات في اغتيال شيرين أبو عاقل ...
- شيرين ابو عاقلة واختراق الجدار الحديدي
- وهم الفصل بين الساحات
- تهديد الطائرات المُسيّرة وأثرها على المواجهات القادمة
- قانون تجنيد المتدينين مشكلة ائتلافية أم أزمة مجتمع؟
- بعد زيارة جانتس: الأبعاد الأمنية والاستراتيجية للعلاقات المغ ...
- دور المنظمات اليمينية في تصنيف منظمات حقوقية فلسطينية على ان ...
- خطة -الاقتصاد مقابل الأمن في غزة- هل تملأ فراغ غياب الاسترات ...
- سيف القدس وتقنية الجيل الرابع 4G
- الانسحاب الأمريكي من أفغانستان من منظور إسرائيلي
- انفجار عقود من الكبت والتحريض
- -جائزة إسرائيل- ...لليمينين فقط!


المزيد.....




- ميدل إيست آي: يجب توثيق تعذيب الفلسطينيين من أجل محاسبة الاح ...
- بعد اتهامه بالتخلي عنهم.. أهالي الجنود الأسرى في قطاع غزة يل ...
- الوحدة الشعبية يوجه رسالة للمركز الوطني لحقوق الإنسان حول اس ...
- الوحدة الشعبية يوجه رسالة لمركز عدالة لدراسات حقوق الإنسان ح ...
- الوحدة الشعبية يوجه رسالة للمنظمة العربية لحقوق الإنسان حول ...
- هايتي: الأمم المتحدة تدعو إلى تطبيق حظر الأسلحة بشكل أكثر فا ...
- قبيل لقائهم نتنياهو.. أهالي الجنود الإسرائيليين الأسرى: تعرض ...
- هيومن رايتس ووتش تتهم تركيا بالترحيل غير القانوني إلى شمال س ...
- بسبب المجاعة.. وفاة طفل بمستشفى كمال عدوان يرفع حصيلة ضحايا ...
- الأمم المتحدة تحذر: الوقت ينفد ولا بديل عن إغاثة غزة برا


المزيد.....

- في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية * / رشيد غويلب
- الحياة الثقافية في السجن / ضرغام الدباغ
- سجين الشعبة الخامسة / محمد السعدي
- مذكراتي في السجن - ج 2 / صلاح الدين محسن
- سنابل العمر، بين القرية والمعتقل / محمد علي مقلد
- مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار / اعداد و تقديم رمسيس لبيب
- الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت ... / طاهر عبدالحكيم
- قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال ... / كفاح طافش
- ذكرياتِي في سُجُون العراق السِّياسِيّة / حـسـقـيل قُوجـمَـان
- نقش على جدران الزنازن / إدريس ولد القابلة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - عصمت منصور - بخطى طليقة - الرعيل الأول