أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - عصمت منصور - خطى طليقة مرحلة الإنفلاش















المزيد.....

خطى طليقة مرحلة الإنفلاش


عصمت منصور

الحوار المتمدن-العدد: 7368 - 2022 / 9 / 11 - 04:32
المحور: أوراق كتبت في وعن السجن
    


بخطى طليقة
مرحلة الإنفلاش
لم يكد شهر تموز/ يوليو من العام 1970 يمرّ مثل إعصار، إلا وقد أحدث هزة عميقة عصفت بالحالة، وأودت بالتراتبية العفوية التي استقرت في السنوات الثلاث التي سبقته على وجود الأسرى داخل السجون الاسرائيلية.
الإضراب الذي استمر اسبوعا تقريبا، وشارك فيه أقل من ثلث الأسرى في سجن عسقلان، جعل الأسرى يهتدون أخيرا للبديل عن "السلاح المفقود" الذي لا يعيد لهم الاحساس بكرامتهم فقط، أو يوازن العلاقة بينهم وبين إدارة مصلحة السجون التي استبدّت بهم، بل تطلّب إعادة تنظيمهم، وبناء هرمية جديدة وضوابط حياتية.
السلاح لم يعد قطعة سمراء ساخنة تتدلى على الخصر، بل تناغما في الخطوات، واستسلاما كليا للسكون، والامتناع عن الحركة أو تناول الطعام.
وكما كان السلاح يصنع البشر، ويحوّلهم من رجال عاديين الى مقاتلين بكل ما لهذه الصفة من استحقاقات ومتطلبات وهيبة ونفوذ وحضور، اصبح سلاحُ الإضراب صانع ومنتج الأسير الجديد، وهو الذي رسم معالم هويته وملامح شخصيته والأرض الصلبة التي تحولت من ساحات سجن مُذِلَّة الى ميدان قتال حقيقي.
مع ظهور سلاح الإضراب برزت الحاجة لترويض الأجساد، وتشذيب العنفوان وصقل الإرادة والاحتكام لرموزٍ ولغةٍ وأدوات جديدة، وهذا مخاضٌ عسير تطلب قتل وعدم التأسف على الصيغ القديمة التي منحت السلطة والقوة للرتب العسكرية الأعلى ومفتولي العضلات الذين فرضوا هيبتهم على دائرتهم القريبة او ابناء المنطقة الواحدة الذي تكتلوا ونمت بينهم عصبية مناطقية عبر عنها احدهم.
كسر أسبوع من الإضراب الأغلال غير المرئية، التي كانت تمنع الحديث او الاختلاط في ساحة السجن، ومعها كسرت حالة الصمت والتواطؤ مع الرموز القديمة، بالتزامن مع حالة غامضة ومشاعر متناقضة ممزوجة بالتردد والتوجس تجاه المولود الجديد غير المكتمل النمو، والذي حمل صيغة جديدة للعلاقة بين الأسرى أنفسهم وبينهم مجتمعين في مواجهة مديرية السجون، وهي صيغة تصدّرها أشخاص بمواصفات جديرة بالاحترام ومثيرة للريبة في ذات الوقت، ألا وهي مواقعهم القيادية في التنظيمات التي بدأت تتصدر الساحة وتحتل موقع قيادة النضال التحرري الفلسطيني الذي اخذ زخما، واحتل حضورا أوسع عالميا وعربيا، بكل ما تمتعت به تلك الشخصيات من روح قيادية، وعنفوان قتالي ورغبة في إحكام سيطرتها على واقع بقدر ما كان يكبّلها ويعزلها عن البيئة التي هيأت نفسها لان تنشط بها، بقدر ما فتح أمامها فرصة وإمكانية لأن تستعيد نفسها، وتحول الواقع الذي باتت تعيش في ظله الى حلقة مرتبطة بالساحات الأوسع خارجيا.
هذا الصراع غير المدرك تماما، بين ما كان وما بدأ يتبلور، أصبح أكثر وضوحا بعد الاضراب الأول.
لم يكن بالإمكان اخفاء هذا التطور، وذلك الوضوح عن مصلحة سجون الاحتلال، التي وجدت نفسها منحازة بشكل طبيعي للنموذج الأول والمستقر، فقامت بعزل بعض القيادات المؤثرة، وإقصائها بعيدا عن غرفة الولادة التي احتضت المولود الجديد في أكثر اللحظات حرجا، أي تلك التي سبقت ولادته العسيرة.
لا تضع السلاح قريبا من شخص لديه كل الاسباب لحمله واستخدامه ضدك.
السلاح الجديد لم يهبط من السماء ولا جاء مكتملا ومعدّا للأطلاق، لقد كان عبارة عن قطع متناثرة وكل قطعة تبعد عن الأخرى عشرات الاميال وتحتاج الى أيدٍ ماهرة تفك شيفرتها وتجمع أطرافها كي تصبح صالحة للتجريب ومن ثم الاستخدام.
النَفَس الطويل، لا يظهر أثناء قطع المسافات الطويلة، بقدر ما يتجلى في لحظات الانتظار، والصبر، وترقب اللحظة المناسبة.
اللحظة المناسبة وثمرة الصبر والانتظار لم يكن لها ان تأتي من دون العبور في دهاليز معتمة ورطبة ومنخفضة السقف، عالية التوقعات، وهي الفترة اللازمة لاكتمال المولود وتنفسه بعيدا عن حبل أمه السُرّي.
هذه الفترة من الصبر، التي تخللها عزل نواة القيادة المستقبلية للحركة الاسيرة، والتنكيل بها من قبل مديرية السجون أطلق عليها الاسرى مصطلح فترة (الانفلاش) تجنبا لاستخدام مصطلح "الفوضى" الذي يوحي بالجهل وغياب الأرضية المشتركة والتنافر، وتقرّبا من حالة باتت أقرب الى التشكل وفي طور الولادة.
الانفلاش، رغم الانطباع السلبي الذي يولّده لأول وهلة، اإا أنه كان أقرب الى التعبير عن الانتقالي والمؤقت والتهيؤ لمرحلة وحالة جديدة أكثر رسوخا، وقدرة على الاستجابة للتحديات التي بدأت تفرض نفسها، كما أنها كانت بمثابة فترة تنفيس واستنفاذ للخيار السابق القائم على الولاء الشخصي والفردي وحكم الشلّة والمنطقة الجغرافية.
لأول مرة سار الاسرى في ساحة السجن بعيدا عن التقيُّد بالعدد "اثنين اثنين" وناموا على جلدة مطاطية لم تحمهم من برد أرضية الزنزانة وخشونتها فقط، بل أفسحت لهم حيزا جسديا خاصا ومساحة فردية، وأصبح متاحا لهم الحق في كتابة رسالة بأنبوب قلم حبر أزرق يقدمه السجان لهم، ويسحبه بعد الانتهاء من الكتابة، وباتت عندهم صحيفة يُطلّون من خلالها على ما يجري في العالم الخارجي ويشعرون بحركته، وتزامن هذا مع اشتداد المعارك التي تخوضها فصائل ولدت لتوّها، وتصدرت قمة هرم المقاومة الوطنية، وما نتج عن هذا من ارتقاء وتعالي الخطاب الوطني، وتوافد العشرات من المقاتلين المؤطّرين والمؤدلجين الى السجون، وهذا اكسبهم ثقة أكبر بأنفسهم، وأعاد اللياقة لخلايا دماغهم ومنحهم هامشا للتفكير في الخطوة التالية، وهو ما جعل الصراع يأخذ منحى جماعيا "كتلة آخذة في التشكل تمتد جذورها عضويا بحركة تحرر مقابل إدارة سجون تعبر عن المحتل" لترجح في النهاية كفة التنظيم والاطر النضالية الجامعة والوطنية وتصبغ الواقع بصبغتها.
استمرت فترة الانفلاش التنظيمي على شكل صراع داخلي صامت وغير معلن قرابة الثلاث سنوات، قبل ان تحسم لصالح الصيغة الاكثر رقيّا وتطورا وتعبيرا عن هوية الأسرى وواقعهم.
الخطوات التي كانت تجوب الساحة بارتباك وخوف وبشكل منفرد، بدأت تتسع وتكتسب أهمية ويسمع لها صدى يتردد في النفوس.
أصبحت خطواتهم أثقل، وأكثر ثقة ورسوخا وتركيزا، وباتت تستمد طاقة سحرية من طرف خفي غير ظاهر لكنه طاغٍ ومهيمن هو حركة الشعب وثورته والتي كانت تمدّها بالمادة اللاصقة التي تحمي وتجمع مركباتها المتنافرة ايديولوجيا وجغرافيا.
السلاح والاهتداء اليه هي كلمة السر الأولى التي شكلت الأسير، وأعادته ليهتدي إلى نفسه ويعيد خلقها من جديد على شكل مقاتل أسير واسير مقاتل.
عاصفة مرحلة الانفلاش أعقبت ثلاث سنوات من الهدوء الذي يمكن اعتباره أكثر هدوء مشحون وصاخب في تاريخ الحركة الاسيرة.
هدوء سميك وكثيف هو عبارة عن عملية تعرّف على الذات وتعرّف على حدود القوة، والطاقات الكامنة وبناء اللبنة الداخلية الصلبة اللازمة للانتقال الى الخطوة التالية واعلان الوصول الى نقطة اللاعودة في تأسيس حركة وطنية أسيرة منظمة وموحدة وإرساء أسس بنى وهياكل تنظيمية ووطنية فرضت نفسها وترسخت، وأثبتت قدرتها على إحداث النقلة النوعية المطلوبة التي حددت هوية جماعية للكتلة البشرية المقاتلة التي كانت هائمة دون سلاح وبين عدوها وكيفية تجريده من سلاحه الفتاك، واكتشفت بشكل فذّ الخلطة التي وحدت لأول مرة وبشكل لا يمكن فصله بين المقاتل/ الأسير وسلاحه.
عندما تمتلك ذاتك وتحدد من أنت، سيأتي السلاح اليك، او ستمتشقه من بين ضلوعك ولن يعود شيء قادرا على هزيمتك.
سنوات الهدوء الثلاث التي امتدت من العام 1973-1976 أنتجت واحدا من أطول الإضرابات الجماعية التي خاضها الاسرى عبر تاريخ نضالاتهم الطويل.
انه إضراب الشهر ونصف الشهر.......



#عصمت_منصور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بخطى طليقة - إضراب
- بخطى طليقة.. أزمة التكيف.
- التنافس على ضمّ آيزنكوت في الانتخابات الإسرائيلية القادمة
- حقول الغاز الإسرائيلية اللبنانية المشتركة: فرص ومخاطر
- معايير صفقات تبادل الأسرى وفيديو هشام السيد
- محاولات قتل الشهود في قضية شيرين أبو عاقلة
- إسرائيل والتعامل مع نتائج التحقيقات في اغتيال شيرين أبو عاقل ...
- شيرين ابو عاقلة واختراق الجدار الحديدي
- وهم الفصل بين الساحات
- تهديد الطائرات المُسيّرة وأثرها على المواجهات القادمة
- قانون تجنيد المتدينين مشكلة ائتلافية أم أزمة مجتمع؟
- بعد زيارة جانتس: الأبعاد الأمنية والاستراتيجية للعلاقات المغ ...
- دور المنظمات اليمينية في تصنيف منظمات حقوقية فلسطينية على ان ...
- خطة -الاقتصاد مقابل الأمن في غزة- هل تملأ فراغ غياب الاسترات ...
- سيف القدس وتقنية الجيل الرابع 4G
- الانسحاب الأمريكي من أفغانستان من منظور إسرائيلي
- انفجار عقود من الكبت والتحريض
- -جائزة إسرائيل- ...لليمينين فقط!
- إعادة إنعاش السلطة الفلسطينية مع تقليص وظيفتها
- هل حل الدولتين هو الحل الوحيد الممكن؟


المزيد.....




- احتجاجات أمام سجن محلي في تكساس للإفراج عن طلبة تظاهروا دعما ...
- بالصور..اعتقال عشرات الطلاب في تكساس بسبب مشاركتهم في مظاهرا ...
- تأييدًا لغزة.. طلاب وأساتذة يتظاهرون في جامعة سيدني
- شبح المجاعة لا يغيب.. غزيون يشتكون شح السلع وغلاءها
- الحكم على مغنٍ إيراني بالإعدام على خلفية احتجاجات مهسا
- الإعدام لـ11 شخصا في العراق أدينوا -بجرائم إرهابية-
- تخوف إسرائيلي من صدور أوامر اعتقال بحق نتنياهو وغالانت ورئيس ...
-  البيت الأبيض: بايدن يدعم حرية التعبير في الجامعات الأميركية ...
- احتجاجات أمام مقر إقامة نتنياهو.. وبن غفير يهرب من سخط المطا ...
- الخارجية الروسية: واشنطن ترفض منح تأشيرات دخول لمقر الأمم ال ...


المزيد.....

- في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية * / رشيد غويلب
- الحياة الثقافية في السجن / ضرغام الدباغ
- سجين الشعبة الخامسة / محمد السعدي
- مذكراتي في السجن - ج 2 / صلاح الدين محسن
- سنابل العمر، بين القرية والمعتقل / محمد علي مقلد
- مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار / اعداد و تقديم رمسيس لبيب
- الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت ... / طاهر عبدالحكيم
- قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال ... / كفاح طافش
- ذكرياتِي في سُجُون العراق السِّياسِيّة / حـسـقـيل قُوجـمَـان
- نقش على جدران الزنازن / إدريس ولد القابلة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - عصمت منصور - خطى طليقة مرحلة الإنفلاش