نحو قطبين للقوة في الفضاء الخارجي : هل هي عودة للحرب الباردة بصيغ جديدة ؟

مرزوق الحلالي
صحفي متقاعد وكاتب
(Marzouk Hallali)

الحوار المتمدن-العدد: 7392 - 2022 / 10 / 5 - 08:32
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    

أصبح الفضاء الخارجي ركحا للتنافسية الاقتصادية وإسقاط القوة، وبالتالي فضاء تنافس بين الدول. وفي هذا النطاق يتموقع البرنامج الأمريكي "أرتميس"(1) - Artémis .
____________________
(1) - برنامج العودة إلى القمر ، وهو أحد أهم أولويات "ناسا"- Nasa - لسنوات عديدة قادمة. تم اختيار اسم "أرتميس" في صدى لبرنامج "أبولو" العامل بين عامي 1969 و 1972. "أرتميس" ، في الأساطير اليونانية ، هي الأخت التوأم لـ "أبولو" و إلهة إغريقية مرتبطة بالقمر. يتضمن البرنامج بناء محطة في مدار حول القمر تسمى - Gateway. من المقرر إطلاق أول عنصرين منها - وحدة سكنية ونظام الدفع - في نهاية 2024 على أقرب تقدير. والهدف النهائي: هو "المريخ"، إنه النجم الذي يقع في قلب برنامج "أرتميس" وليس القمر. تريد "ناسا" اختبار التقنيات اللازمة لإرسال أول البشر إلى الكوكب الأحمر( بدلات جديدة ، ومركبة للالتفاف ، ومحطة طاقة صغيرة ، واستخدام مياه القمر ... ). ومن المتصور إنشاء قاعدة على سطح القمر أولا، وتكمن الفكرة في تعلم كيفية تأسيس وجود بشري دائم في الفضاء السحيق قبل محاولة التجربة على المريخ، لأنه في حالة حدوث مشكلة ، لا يبعد القمر سوى أيام قليلة، في حين يبعد المريخ عن الأرض عدة أشهر على الأقل.
___________________

من المقرر أن تبدأ المهمة الأولى لبرنامج "أرتميس" الأمريكي في نهاية 2022 من مركز "كينيدي" للفضاء في فلوريدا ، بهدف العودة إلى القمر والحفاظ في النهاية على وجود بشري مستمر هناك. إن تحقيق هذا البرنامج يعزز كلاً من مرحلة جديدة في استكشاف الفضاء الخارجي المأهول ، وكذلك إنشاء قطبين للتعاون الدولي في هذه البيئة الاستراتيجية للغاية في "عصر الفضاء" الجديد.

يتجسد ظهور "عصر الفضاء" الجديد (2) – News pace - مع الاهتمام الحقيقي المتجدد باستكشاف القمر والكواكب الأخرى بشكل عام. وأصبحت هذه الظاهرة ممكنة لأول مرة من خلال توسيع دائرة القوى الفضائية المغلقة للغاية. بينما في بداية ستينيات القرن الماضي ، كان لدى الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي لوحدهما فقط قاذفات - أي القدرة على وضع الأجسام في المدار – أما اليوم ، تمتلك 10 دول وسائل إطلاق مستقلة: الولايات المتحدة الأمريكية ، وروسيا ، وأوروبا (3) - عبر قاعدة إطلاق - Kourou - في "غويانا" الفرنسية - واليابان والصين وكوريا الجنوبية والهند وإسرائيل وإيران وكوريا الشمالية.
____________________________
(2) - (أو فضاء رواد الأعمال) هي منطقة ريادية جديدة تستثمر فيها الشركات مساحة منها. بمعنى آخر ، إنه قطاع صناعي وتجاري جديد قائم على الفضاء. ويمثل القطاع الآن سوقًا مستقبلية كبيرة. إنه قطاع صناعي جديد تتطور فيه الشركات التي يرتبط نشاطها الرئيسي بقطاع الفضاء. يتعلق الأمر بشكل أساسي بوصول الشركات الخاصة في استغلال الفضاء. نشأ هذا القطاع في الولايات المتحدة.
(3) - وراء عبارة "أوروبا"، هناك 27 دولة من الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة والنرويج وسويسرا.
_________________________________

على وجه الخصوص ، ضاعف هذا مهام الاستكشاف غير المأهولة إلى القمر: تنضم أوروبا واليابان والهند وإسرائيل وكوريا الجنوبية إلى الولايات المتحدة وروسيا كلاعبين قادرين على إطلاق بعثات إلى القمر. لكن من المهم ملاحظة أن إطلاق المهمة الإسرائيلية كان ناجحًا لكن هبوطها على سطح القمر لم ينجح. تم إطلاق مهمة كوريا الجنوبية في 5 غشت 2022 ، ولا تزال تجربة حديثة العهد لم يتم تقييمها بعد.
أصبح "عصر الفضاء" الجديد هذا ممكنًا أيضًا من خلال بروز فاعلين جدد تم دمجهم في "عصر الفضاء" القديم (4) ( قاذفة فالكون 9 - lanceur Falcon – (5) القابل لإعادة الاستخدام وكبسولة Crew Dragon (6) التي أنتجتها شركة خاصة "سبيس اكس" (7) - SpaceX ). يعتزم هؤلاء اللاعبون الجدد إعطاء دفعة جديدة للاستكشاف بين الكواكب ، بهدف إعادة الإنسان إلى القمر بل وحتى إرساله إلى المريخ بحلول 2035.
_______________________
(4) - صناعة الفضاء كما تم تصورها قبل بضع سنوات. كانت خصائص هذا العصر على النحو التالي: بالنسبة للفاعلين في القطاع ، فقد كانت في البداية الولايات المتحدة ، ثم كانت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي. أما بالنسبة للأهداف التي تم تحديدها ، فقد كانت في الأساس أهدافًا سياسية واستراتيجية وليس نشاطا اقتصادي مفتوح على القطاع الخاص.
(5) - مركبة إطلاق فضائية متوسطة / ثقيلة قابلة لإعادة الاستخدام جزئيًا طورتها شركة "سبيس إكس" الأمريكية.
(6) - مركبة فضائية طورتها شركة SpaceX - نيابة عن وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" - والتي كانت تتولى مهام طاقم محطة الفضاء الدولية منذ 2020.هذه المركبة الفضائية قادرة على حمل طاقم من أربعة رواد فضاء.
(7) - شركة أمريكية متخصصة في مجال الملاحة الفضائية ورحلات الفضاء. تأسست في 6 مايو 2002 من قبل رجل الأعمال "إيلون ماسك" - Elon Musk - الملياردير الأمريكي الجنوب أفريقي الكندي.
_____________________

فيما يتعلق بالاستكشاف المأهول ، يجب على البلدان التي ترغب في إرسال رجال إلى الفضاء، أن تواصل التعاون لأن ثلاث قوى فضائية فقط لديها قدرات طيران الاستكشاف المأهول. إنهم المنافسون الأوائل في سباق الفضاء خلال الحرب الباردة (1947-1990) ، الولايات المتحدة - من مركز كينيدي للفضاء - وروسيا - من قاعدة "بايكونور" المستأجرة في "كازاخستان" منذ عام 1991 - وهما يملكان الاستقلال الذاتي الاستراتيجي. وانضمت إليهما الصين إلى في 2003 ، بقاعدتها في "سيتوشيان".

إن التطور السريع للبرنامج الفضائي الصيني جدير بالملاحظة. ففي أقل من عشرين عامًا ، انتقلت بكين من وضع أول رائد فضاء لها في المدار إلى بناء محطة فضائية خاصة بها ، وتعتزم أن تطأ قدمها القمر. استثنيت من مشروع محطة الفضاء الدولية من قبل الولايات المتحدة ، ولا سيما بسبب سرقة تقنية مزعومة في 1999 والتي طورت الصين بها برنامج محطة الفضاء المأهولة الخاصة بها. بالإضافة إلى ذلك ، صاغت موسكو رغبة مماثلة في بداية غشت 2022 بإعلان انسحاب روسيا من محطة الفضاء الدولية بعد 2024. ويؤكد هذا الإعلان على رغبة روسيا في الحفاظ على استقلالية معينة في وجودها المستمر في المدار. بالإضافة إلى هؤلاء الفاعلين ، يجب ذكر أيضًا مهام "Gaganyaan" الهندية (8) ، والتي ينبغي أن تزود الهند بقدرات طيران مأهولة من قاعدة "Satish Dhawan " بدء من 2024. يمكن لهذه الرحلة المأهولة الأولى أن تتحقق في نهاية المطاف طموحات نيودلهي لإرسال رائد فضاء إلى سطح القمر.
______________________
(8) - كلمة باللغة السنسكريتية ، مركبة فضائية مدارية مأهولة هندية تهدف إلى أن تكون المركبة الفضائية التكوينية لبرنامج رحلات الفضاء البشرية الهندي. يتم تصميم المركبة الفضائية لتحمل ثلاثة أشخاص ، وسيتم تجهيز نسخة مطورة مخططة بقدرة على الالتقاء والالتحام. في مهمتها الأولى المأهولة ، ستدور كبسولة منظمة أبحاث الفضاء الهندية (ISRO) المستقلة إلى حد كبير والتي تبلغ 5.3 طن حول الأرض على ارتفاع 400 كيلومتر لمدة تصل إلى سبعة أيام على متنها طاقم مكون من شخصين أو ثلاثة.
___________________

بعد نصف قرن من إطلاق المهمة الأخيرة لبرنامج "أبولو" ، شرعت الولايات المتحدة في مهمة "أرتميس 1" في سباق فضائي جديد ، لم يعد يواجه الاتحاد السوفيتي ، ولكنه يواجه قطبًا من القوة يتزايد نفوذه، وهو المكونة من الصين وروسيا ، اللتان فضلتا تطوير برنامجها الاستكشافي الخاص. روسيا ، التي كانت مع ذلك تشارك في اتفاقيات "أرتميس" بخبرتها القديمة في بناء محطات فضائية في المدار ، قررت في 2020 اعتماد مسار جديد من خلال التعاون مع الصين ، التي كشفت عن طموحاتها القمرية بوضوح لأول مرة عبر الرحلة المأهولة في 2003.

ويأتي هذا القرار الروسي في سياق المواجهة المتزايدة مع الولايات المتحدة في قطاع الفضاء: صادفت سنة 2020 نهاية اعتماد "ناسا" على وكالة الفضاء الروسية – Roscosmos - لإرسال رواد إلى محطة الفضاء الدولية. في الواقع ، مع وصول شركة الفضاء الأمريكية الخاصة – SpaceX – وكبسولتها - Crew Dragon - استعادت الولايات المتحدة قدرات رحلاتها المأهولة بعد ما يقرب من عشر سنوات من إغلاق مكوك الفضاء. وقد أدى ذلك إلى ظهور التوترات بين موسكو وواشنطن اللتين تدهورت علاقاتهما في كثير من المجالات. وهذا ما حدث أيضا بين روسيا وأوروبا ، فقد أنهت وكالة الفضاء الأوروبية (ESA) تعاونها مع وكالة الفضاء الروسية بعد غزو روسيا لأوكرانيا في 24 فبراير 2022. وقد كان من المقرر أن تقوم الوكالتان بمهام مشتركة غير مأهولة لاستكشاف القمر.

علاوة على ذلك ، فإن البرنامج الصيني الروسي هو أيضًا جزء من هذه المواجهة المتنامية، والتي - في الواقع - تم الكشف عنها في الساعات التي أعقبت إعلان رفض "روسكوزموس" لاتفاقيات "أرتميس". إذ تنظر روسيا والصين إلى هذه الاتفاقيات، بطبيعتها، على أنها هجوم على معاهدة الفضاء الخارجي، علما أن هذه الاتفاقيات - التي تشكل الأساس القانوني للاستكشاف بين الكواكب - تحتوي على بند بشأن إنشاء "مناطق أمان" على القمر. يتم تفسير ذلك من قبل روسيا والصين على أنه وسيلة لخصخصة استغلال الموارد القمرية، وهو أمر محظور تمامًا بموجب معاهدة الفضاء لعام 1967 (9).
_______________________
(9)- معاهدة الفضاء الخارجي أو معاهدة المبادئ التي تنظم أنشطة الدول في استكشاف واستخدام الفضاء الخارجي ، بما في ذلك القمر والأجرام السماوية الأخرى هي معاهدة دولية تم التصديق عليها في عام 1967 تتعلق باستكشاف واستخدام الفضاء الخارجي.
_________________________

وهكذا ، يتعايش برنامجان قمريان متينان. من ناحية ، يوفر برنامج "أرتميس" ، الذي تنفذه الولايات المتحدة والدول الموقعة على الاتفاقيات التي تحمل الاسم نفسه (معظمها غربي) ، قاعدة في مدار القمر(Lunar Gateway - بوابة القمر) ، ولكن أيضًا منشآت في القطب الجنوبي من القمر. وتجدر الإشارة هنا إلى أن وكالة الفضاء الأوروبية تشارك في برنامج أرتميس كمنظمة لكن إن الدول فقط هي التي يمكنها التوقيع على الاتفاقيات. وتشارك الوكالة الأوروبية أيضًا في البرنامج من خلال بناء كبسولة "أوريون" - Orion – المرصودة لعودة رواد الفضاء إلى القمر. من ناحية أخرى ، يم تخطيط مشروع قاعدة القمر العلمية الدولية (ILRS) ، بقيادة الصين وروسيا ، ليتم تنفيذه على القطب الجنوبي للقمر أيضًا. وبالتالي ، فإن تنفيذ برنامجين متوازيين على القمر ينقلان المنافسات بين القوى العظمى إلى الفضاء الخارجي ، على الرغم من كونه "تراثًا للإنسانية" - يجب أن يظل استخدامه "سلميًا" وفقًا لمعاهدة الفضاء لعام 1967 - وهي منافسات القوة التي نعاينها منذ عدة سنوات.

وهكذا ، يصبح الفضاء الخارجي بيئة يتم فيها نقل منطق التنافسية الاقتصادية ، وإسقاط القوة ، وبالتالي التنافس بين الدول. وبهذا المعنى ، فإن إطلاق مهمة Artemis 1 ليس بالأمر الهين ، فهل يوشي هذا بعودة - بعد ثلاثين عاما من نهايتا - إلى الحرب الباردة بصيغ جديدة ؟

#مرزوق_الحلالي (هاشتاغ)       Marzouk_Hallali#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات