داخل حسن جريو
أكاديمي
(Dakhil Hassan Jerew)
الحوار المتمدن-العدد: 7377 - 2022 / 9 / 20 - 06:32
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
لايختلف هيكل الجامعات التكنولوجية عن هياكل الجامعات الاخرى وانما اعتمد هيكلها على النظم التعليمية السائدة في البلدان المختلفة، فهي تضم كليات وهيئات ومعاهد وأقساما" علمية ومراكز بحوث شأنها بذلك شأن الجامعات الاخرى، وهي تختلف عن الجامعات الاخرى في طبيعة نظمها الدراسية وتخصصاتها العلمية وترابطها الشديد مع المؤسسات الصناعية وتركيزها على التدريب العملي لطلبتها اي باختصار تمييز فلسفتها التعليمية التي تجمع بين النظرية والتطبيق والترابط مع حقل العمل في مجال البحث العلمي والاستشارات الفنية، فعليه لايصح أن يتطابق هيكل الجامعة التكنولوجية وهيكل كلية الهندسة ,كلاهما يتألف من أقسام علمية، وهو أمر يجعل من الجامعة عبارة عن كلية هندسة كبيرة وليست جامعة تكنولوجية ذات كليات هندسية وعلمية متداخلة التخصصات.
ولكي تستجيب الجامعة التكنولوجية لمتطلبات الحاضر والمستقبل للاسهام الفاعل في التنمية العلمية والتكنولوجية لبلادنا لابد أن تستكمل بنيتها العلمية على وفق متطلبات العملية التعليمية الجامعية ولاسيما ان العلوم الهندسية والتكنولوجية تشهد تطورات متسارعة يتطلب ملاحقتها أولاً بأول ,أذ لم تعد العلوم الهندسية تقتصر على قسمين علميين هما قسم الهندسة المدنية وقسم الهندسة العسكرية كما كان عليه الحال، بل باتت هذه العلوم تشمل عشرات الاقسام الهندسية, نذكر هنا بعضها على سبيل المثال لا الحصر: هندسة السيراميك وهندسة الطاقة والوقود وهندسة المناجم وهندسة التعدين وهندسة المعادن والهندسة الصناعية وهندسة الانتاج والهندسة البحرية وهندسة بناء السفن وهندسة الانسان الالي وهندسة المعلومات وهندسة الميكاترونكس وهندسة التصنيع وهندسة المنظومات الفضائية وهندسة البوليمرات والهندسة الكيمياوية الاحيائية وهندسة الصوت وهندسة الغزل والنسيج وغيرها الكثير الكثير مما لايتسع هنا المجال لذكرها.ويكفي أن نفحص تخصصاً هندسياً واحدا" بشيء من التفصيل فقسم الهندسة الكهربائية مثلاً كان الى وقت قريب قسماً واحداً يعرف بأسم قسم الهندسة الكهربائية تحول هذا القسم في الوقت الحاضر الى تخصصات عديدة نذكر هنا بعضها : الهندسة الالكترونية وهندسة الالكترونيات الدقيقة وهندسة المنظومات الالكترونية وهندسة المايكروويف والالكترونيات البصرية وهندسة الليزر والهندسة الالكترونية الطبية وهندسة التصنيع الالكترونية وهندسة الدوائر الالكترونية وهندسة الكترونيات الطائرات وهندسة منظومات المعلومات الالكترونية وهندسة المواد الكهربائية وهندسة كهربائية الطائرات وهندسة منظومات الكترونيات القدرة وغيرها، تفضي الدراسة في كل من هذه التخصصات الى شهادة البكالوريوس. وينطبق الشيء نفسه على بقية التخصصات الهندسية التي تشعب كل منها الى تخصصات عديدة.
ولكي تستجيب الجامعات التكنولوجية لمتطلبات التطور العلمي والتكنولوجي لذا أعتمدت على هياكل علمية أساسها الكليات او الهيئات او المدارس التي تجمع اقساماً علمية متداخلة في تخصصاتها على أساس مبدأ التكامل العلمي بأعتبار أن القسم العلمي يمثل الوحدة العلمية الاساسية، ولايصح أبداً أن يحل القسم العلمي محل الكلية لأي سبب من الاسباب. وأدرك الكثير من الجامعات التكنولوجية أن مفهوم التكنولوجيا لم يعد مقتصراًعلى التخصصات الهندسية فحسب بل بات يشمل تخصصات عديدة أخرى منها على سبيل المثال تخصصات التكنولوجيا الاحيائية وتكنولوجيا المعلومات وتكنولوجيا المواد وتكنولوجيا الليزر وغيرها، أضافة الى تداخل العلوم الطبية والهندسية والعلوم الصرف بعضها مع بعض أكثر فأكثر، وهو أمر أدى الى توسيع مهمات الجامعات التكنولوجية وعدم حصرها بالتخصصات الهندسية فقط الى الحد الذي أصبحت فيه الكثير من الجامعات التكنولوجية تضم كليات للطب وطب الاسنان والصيدلة والطب البيطري في كثير من الاقطار العربية وأقطار العالم المختلفة. والعراق الذي كان سباقاً بأستحداث أول جامعة تكنولوجية على صعيد الوطن العربي لأحداث مسارات هندسية وتكنولوجية متطورة أقتدت بتجربته الرائدة أقطار عربية متعددة بعد أن طورتها لتشمل تخصصات علمية وهندسية وتكنولوجية بمفهومها الواسع، لذا حري بالجامعة التكنولوجية أن تطور نفسها لأستيعاب المفهوم الحديث للتكنولوجيا. ولايمكن تحقيق ذلك الاّ بتطوير هيكل الجامعة التكنولوجية الحالي الذي يعتمد على نظام الاقسام العلمية الى هيكل يعتمد نظام الكليات أو الهيئات التي تضم كل منها عدداً من الاقسام العلمية.
وفي أواخر عقد التسعينيات من القرن المنصرم أعددت دراسة من موقعي رئيسا للجامعة التكنولوجية لتطوير هيكل الجامعة إلى كليات بدلا من الأقسام , حيث لاحظت تدني معدلات الطلبة الذين يقبلون في الجامعة مقارنة مع أقرانهم الذين يقبلون في كليات الهندسة ببغداد , برغم أن الجامعة أقدم من هذه الكليات بإستثناء كلية الهندسة بجامعة بغداد , وأن قدراتها العلمية البشرية والمادية أفضل من الكليات الأخرى , حيث أن الكثير من تدريسييها يساهمون بالتدريس في تلك الكليات للنقص بأعداد التدريسيين لديها, كما لاحظت ميل الكثير من الطلبة وذويهم بمن فيهم بعض العاملين في الجامعة , للدراسة في الكليات وليس في أقسام , ربما لشعورهم أن هذه الأقسام لا تختلف عن المعاهد الفنية من حيث الشكل, فضلا عن محاولة الأقسام التشبه بالكليات دون جدوى . تضمنت الدراسة دمج الأقسام لتكوين الكليات الآتية :
كلية العمارة والبناء.
كلية الهندسة الكهربائية والألكترونية.
كلية هندسة الإنتاج والمكائن.
كلية الهندسة الكيمائية والمعادن.
كلية هندسة السيطرة والحاسبات.
كلية العلوم التطبيقية.
تضم كل كلية عدد من الأقسام العلمية , ويمكن للجامعة إستحداث كليات أخرى حسب حاجة سوق العمل, حيث سعيت حينها لضم كلية طب الكندي المستحدثة حديثا والتي لا يبعد موقعها كثيرا عن موقع الجامعة , إلى الجامعة التكنولوجية من منطلق توسيع مفهوم الجامعة التكنولوجية بوصفها مؤسسة تعليمية جامعة للعلوم التطبيقية والتكنولوجيا من منظور واسع وشامل لمفهوم التكنولوجيا وترابطه مع العلوم التطبيقية حسب التوجهات الحديثة.ولعل معهد ماسستشوشس في الولايات المتحدة الأمريكية الذي يعد أشهر جامعة تكنولوجية في العالم, وكذلك معهد كاليفورنيا ومعهد زوريخ التكنولوجي التي جميعها تتداخل فيها التخصصات التكنولوجية والطبية بعضها ببعض ,وكذا الحال في الكلية الأمبراطورية البريطانية العريقية للعلوم والتكنولوجيا التابعة لجامعة لندن, التي أضيفت إليها كلية طب لتصبح الكلية أحد أهم الصروح الجامعية البريطانية في العلوم والطب والتكنولوجيا , وهناك جامعات تكنولوجية في أرجاء مختلفة من دول العالم تجمع بين التكنولوجيا والعلوم التطبيقية والطب لما لها من ترابط شديد فيما بينها . ضمت كلية طب الكندي لاحقا إلى جامعة بغداد , ليصبح لديها كليتان للطب دون حاجة لذلك.
عرضت الدراسة على مجلس الجامعة التكنولوجية وحظيت بموافقة المجلس , ورفعت إلى الوزارة وحظيت بموافقة هيئة الرأي , رفعت بعدها إلى ديوان الرئاسة الذي قام بتشكيل لجنة برئاسة رئيس المجمع العلمي العراقي ,وأحد المدراء العاميين بديوان الرئاسة ,ورئيس هيئة المعاهد الفنية . لم تتمكن اللجنة من إعطاء رأي قاطع, مما إستدعى الديوان الطلب من الوزارة عرض الموضوع في إجتماع مشترك لهيئة الرأي ومجلس الجامعة التكنولوجية واللجنة لحسمه. أييد المجتمعون توصية الجامعة بتحويل هيكلها إلى كليات .
رفعت التوصية إلى ديوان الرئاسة, إلاّ أنه لم تحصل موافقة الدائرة التربوية بديوان الرئاسة على التوصية, وبذلك أجهض الموضوع وصرف النظر عنه . ولعل من المفيد الإشارة هنا إلى عدم أهلية الدائرة التربوية البت بذلك كونها لا تمثل مرجعية علمية يعتد بها أساسا , فرئيسها شاب حديث التخرج لم يمض على حصوله على شهادة الدكتوراه في القانون من جامعة بغداد سوى بضعة شهور, ولم يمارس التعليم الجامعي ابدا . وهذا يعني تحديا صارخا لقرارات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والجامعة التكنولوجية والمجتمع الأكاديمي برمته.
وبذلك حرمت الجامعة التكنولوجية من فرصة ثمينة لتطوير هيكلها التنظيمي بما يتماشى مع تطورات الجامعات التكنولوجية الحديثة, وتمكينها من الإستجابة بصورة أفضل لمعطيات التكنولوجيا ومستجدات العلوم وتلبية متطلبات التنمية الشاملة المستدامة . وبذلك أحبط مشروع تطوير الجامعة التكنولوجية من كلية هندسية كبيرة يديرها رئيس جامعة ,وهي بوضعها الحالي لا تختلف كثيرا عن كلية الهندسة بجامعة بغداد من حيث الشكل والمضمون والحجم أبدا , إلى جامعة حقيقية ذات أفق واسع نحو التطور والرقي إلى مديات واسعة لمواكبة مستجدات العلوم الحديثة ومعطيات التكنولوجيا المتقدمة دون أية إعاقة يفرضها عليها هيكلها الحالي الذي يجعل منها كلية بدلا من جامعة , لاسيما في بيئة تعليمية تتسم بالصرامة والمركزية الشديدة وفرض التعليمات الجامعية والمناهج الموحدة لعموم جامعات العراق من قبل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي , التي تفترض تشابه الجامعات شكلا ومضمونا .
#داخل_حسن_جريو (هاشتاغ)
Dakhil_Hassan_Jerew#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟