أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - داخل حسن جريو - وداعا ساوة المحبة... ضحية الإهمال والتسيب















المزيد.....

وداعا ساوة المحبة... ضحية الإهمال والتسيب


داخل حسن جريو
أكاديمي

(Dakhil Hassan Jerew)


الحوار المتمدن-العدد: 7233 - 2022 / 4 / 29 - 11:33
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يبدو أن أوجاعنا نحن العراقيين لا تنتهي , إذ نصحو صباح كل يوم على خبر موجع قادم إلينا من العراق الحبيب , تارة عملية إرهابية تودي بحياة وجرح مئات العراقيين الأبرياء , وتارة صفقات فساد وعبث بالمال العام بملايين الدولارات دون حسيب أو رقيب , وأخرى فيضانات وغرق مدن لمجرد هطول بعض الأمطار , أو العكس تماما جفافها وإنحسار المياه عنها بسبب موجات جفاف حادة وسوء تدبير المسؤولين وعدم تحسبهم لها في ضوء التغيرات المناخية التي يشهدها العالم أجمع منذ مدة بسبب ما يعرف بالإحتباس الحراري , حيث تشير التقارير الدولية إلى أن العراق سيكون ألأكثر تضررا بها . ولا تحرك الحكومات المتعاقبة في العراق ساكنا وكأن الأمر لا يعنيها لا من قريب ولا من بعيد , بينما تتصحر آلاف الهكتارات من الأراضي العراقية الخصبة سنويا بسبب الجفاف وإرتفاع نسبة الملوحة , مما يحولها إلى أراضي بور غير صالحة للزراعة . وفوق هذا وذاك قامت دول الجوارالتي تنبع منها معظم أنهار العراق ( نهري دجلة والفرات وروافدهما ) , سدودا ضخمة لحجز كميات كبيرة من هذه المياه دون مراعاة لحاجة العراق من هذه المياه , بتأمين حصة عادلة للعراق على وفق المعايير الدولية وعلاقات حسن الجوار والمصالح المشتركة , بل أن هذه الدول ذهبت أبعد من ذلك بقيامها تحويل مجارى بعض هذه الأنهار من مساراتها الطبيعية نحو أراضيها وحرمان العراق منها تماما , الأمر الذي تسبب بهلاك المزارع والبساتين العراقية التي باتت تعاني من شح المياه كما هو حاصل الآن في محافظة ديالى , حيث قامت الحكومة الإيرانية بتحويل مجرى نهر الوند الذي يغذي نهر ديالى ليصبح هذا النهر أثرا بعد عين, والتلاعب بمجرى نهر الكارون الذي يصب في نهر شط العرب, ليتسبب بإرتفاع نسبة الملوحة فيه وجعله غير صالح لمياه الشرب وغير مناسب للأغراض الزراعية, ليلجأ العراق لسد حاجاته الزراعية من تلك الدول ,دون أن تحرك الحكومات العراقية ساكنا وكأنها تعيش في عالم آخر.
تشير تقارير وزارة الموارد المائية في العراق إلى إن بناء مرافق تخزين المياه من قبل كل من تركيا وإيران إلى جانب هطول الأمطار غير المنتظمة أدى إلى انخفاض مستوى المياه في الأنهار الرئيسية في العراق بنسبة( 40%) في الأقل.

وقد انخفض مستوى المياه في خزان سد الموصل إلى أكثر من( 3 ) مليارات متر مكعب في عام 2018 مقارنة بمستوياته في العام السابق التي تجاوزت( 8 ) مليارات متر مكعب حسب تصريحات صحفية لمدير سد الموصل ، وأكد أن كمية المياه في السد انخفضت بنسبة( 50%) بعد تشغيل سد إليسو في الأول من حزيران من عام 2008 . وأدت المشاريع التركية إلى تراجع حصة العراق من نهري دجلة والفرات بنسبة( 80 %).
والغريب أن لهذه الدول مصالح إقتصادية واسعة في العراق , لدرجة أن الأسواق العراقية باتت جزءا من أسواق تلك الدول ومنفذا رئيسا لتسويق منتجاتها على حساب المنتجات العراقية , فضلا عن أن لديها أذرعا سياسية في العراق تعمل لمصلحتها دون مراعاة مصلحة العراق ولو بقدر يسير , وترتبط مع العراق بروابط تاريخية وأواصر دينية وثقافية . وبرغم كل ذلك تتصرف حكومات تلك الدول بإستعلاء تجاه الحكومات العراقية , وكأنها ولي أمرها حيث تتدخل بشؤونها الداخلية وتفصيلات عملها بكل حرية , لدرجة أنه يتعذر تشكيل أي من هذه الحكومات التي يقال أنها تنبثق من رحم مجلس النواب ديمقراطيا ,ولو عبر ولادات قيصيرية عسيرة في كل مرة منذ غزو العراق وإحتلاله عام 2003 وحتى يومنا هذا , دون موافقة حكومات تلك الدول ومباركتها لضمان مصالحها في المقام الأول.
لذا فأنه أمرا طبيعيا أن لا تعير تلك الدول وزنا لهذه الحكومات الفاسدة التي لم تحترم شعبها ولم تحفظ كرامته وتصون حرمة بلاده , ذلك أن الأسياد في العادة يأمرون والعبيد ينفذون . رحم الله ابو الطيب المتنبي حين قال : من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلام
فسيادة العراق منتهكة جهارا نهارا , تخترقها القوات المسلحة التركية أو الإيرانية وقصف القصبات والمدن العراقية متى شاءت وكيفما شاءت , بدعوى مطاردة الجماعات المسلحة المعادية لها , وسط صمت مريب من الحكومات العراقية في معظم الأحيان , أو إصدار بيانات شجب خجولة في بعض الأحيان , دون مطالبة حكومات تلك الدول بتعويضات عما يلحق بالعراق من أضرار مادية أو بشرية , كان آخرها القصف الصاروخي الإيراني لمدينة أربيل بدعوى ضرب منشاءات إسرائيلية فيها , ثبت زيفها بحسب تقرير اللجنة التي شكلها مجلس النواب العراقي المكلف بتحري مدى صحة الإدعاءات الإيرانية.
نعود لموضوع مقالنا هذا ونقول لمن لا يعرف بحيرة ساوة وقيمتها التاريخية . تشكّلت البحيرة خلال عصر الهولوسين قبل عشرة آلاف سنة , وتعد بحيرة ساوة من البحيرات الفريدة لما تتصف به من ارتفاع نسبة الملوحة فيها مقارنة بباقي البحيرات والأنهار في العراق, حيث تبلغ هذه النسبة ( 1500) بالمليون وهي نسبة عالية جداً , حيث إنها أعلى ملوحة من مياه الخليج العربي بمرة ونصف. يتراوح عمق المياه في البحيرة بين أربعة إلى خمسة أمتار. يتقلب مستوى المياه في البحيرة بين مواسم الجفاف والرطوبة لكنها لا تجف بسبب التوازن بين الكمية المضافة من المياه الجوفية وكمية الماء المتبخرة . يبلغ طول البحيرة ( 4.74 )كلم وأقصى عرض (1.77 ) كلم , وهي محاطة بحاجز كلسي يبلغ سمكه ( 12.5 ) كلم. تعلو البحيرة بين واحد إلى أربع أمتار عن الأراضي المجاورة، وتعلو عن نهر الفرات القريب منها ما بين خمسة إلى سبعة أمتار .كما ترتفع عن شط العرب والخليج العربي ما بين( 17-20) م. تمتلك البحيرة القدرة على بناء جدران ملحية (تتشكل أساساً من الجبس) تَحيط بالبحيرة من جميع الجهات. تشكل هذه الجدران الملحية حاجزاً يمنع مياه البحيرة من الطفحان على الأراضي المجاورة. وتُبنى الجدران بتبخر المياه المشبعة بالأملاح في الحافات الضحلة للبحيرة وتنمو إلى أعلى بمرور الوقت حتى تصبح أعلى من مستوى البحيرة (يصل ارتفاع الجدران الملحية حتى 6 أمتار) مٌشكّلة أشكال غريبة تشبه القرنبيط . كما تنتشر الترسبات الملحية على طول الشاطئ مُشكّلة معرضاً للمنحوتات الفنية الطبيعية. لا تنمو النباتات داخل البحيرة ولا على ضفافها بسبب ملوحة المياه.. لا تعيش في بحيرة ساوة سوى نوع واحد من الأسماك هو سمكة الجرو العربية التي تتصف بقصر طولها (لا يزيد عن عشرة سنتيمترات) ومظهرها الناعم ولها عيون تختفي بسرعة بعد موت السمكة. كما يعيش في قعر البحيرة نوع من حلزون المياه المالحة ,على عكس الحياة المائية الفقيرة. تزخر البحيرة بأنواع الطُيور المائية حيث تصل أنواع الطُيور إلى( 25 ) نوع، أهمها البط البني والنسر الإمبراطوري الشرقي وطائرالحبار والهدهد العراقي. كما تعيش العديد من اللبائن في الحزام الصحراوي الذي يحيط بالبحيرة منها ثعلب روبل، الضباع، غرير العسل بالإضافة إلى أنواع من الزواحف أهمها ثعبان الماء.
ويعزى جفاف البحيرة إلى الجفاف وشح الأمطارمن جهة ، وحفر الأبار الإرتوازية التي إستنزفت المياه الجوفية التي كانت تغذي البحيرة، والتي حُفرت لإقامة مشاريع صناعية قريبة من البحيرة من جهة أخرى.وقد أعلنت الحكومة عن وجود أكثر من ألف بئر غير قانونية حُفرت لأغراض زراعية مما حول البحيرة إلى أراض جرداء. وتتطلب عودة بحيرة ساوة إلى طبيعتها إغلاق هذه الأبار غير القانونية و كذلك عودة الأمطار الغزيرة.
وصف الرئيس العراقي برهم صالح ,"جفاف بحيرة ساوة، لؤلؤة الجنوب في السماوة، أمر مؤسف وتذكير قاس بخطر التغير المناخي الذي يشكل تهديدا وجوديا لمستقبلنا في العراق والمنطقة والعالم". وأضاف "إن مصير بحيرة ساوة، التي أصبحت الآن أرضا ملحية قاحلة، تذكير بالخطر الذي ينتظرنا " .
وهنا نتساءل أليست مسؤولية الحكومة العراقية الحفاظ على ثروة العراق المائية ومعالمه التاريخية , وإلاّ كيف نفسر تصريحات وزير الموارد المائية ليلة أمس في البرنامج التلفزيوني في قناة العراق الإخبارية بعنوان " بين خطين " الذي أشار فيه إلى عدم إمتثال حكومة محافظة المثنى المحلية لتوجيهات الوزارة المعنية بالموارد المالية , المتمثلة بعدم جواز حفر الأبار الإرتوازية قرب بحيرة ساوة من قبل مستثمرين في مشروع ما يعرف "بمحافظة المثنى عاصمة العراق الزراعية". أين سلطة الوزارة والحكومة المركزية في ذلك , حيث سيؤدي هذا الحفر إلى تجفيف منابع المياه الجوفية التي تغذي البحيرة . هل تقف الوزارة متفرجة على جريمة ترتكب بحق العراق بأسره لصالح حفنة من المنتفعين على حساب الصالح العام ؟.ألاّ يجب محاسبة المقصرين عن ذلك ؟.
ولا يقتصر الجفاف على بحيرة ساوة، فهذا حال كثير من المسطحات المائية في العراق جراء ارتفاع معدلات التصحر وشح المياه خصوصا في أهوار بلاد وادي الرافدين المدرجة على لائحة اليونسكو، وبينها هور الحويزة في الجنوب، وكذلك بحيرة الرزازة في محافظة كربلاء بوسط العراق.وقد نقلت قناة الشرقية التلفزيونية قبل مدة قليلة تقريرا عن واقع هذه البحيرة المزرية , حيث أنها إتخذت مكبا للنفايات وتصريف المياه الثقيلة مما أسهم بهلاك الأسماك فيها وعدم صلاحيتها للأستعمال البشري بوصفها وجهة سياحية كان يقصدها آلاف العراقيين سنويا.
قال الرئيس العراقي برهم صالح مؤخرا إن العراق سيواجه عجزا في المياه يقدر بأكثر من (10) مليارات متر مكعب بحلول عام 2035 , بسبب تراجع منسوبي دجلة والفرات والتبخر في مياه السدود وعدم تحديث طرق الري. أين هي مسؤولية الحكومة العتيدة في كل ذلك ؟.
وأخيرا نقول بأسف شديد , وداعا بحيرة ساوة لقد أوهمك الغزاة بأنك في "أيادي امينة , أيادي تقاة زاهدين, كما أوهموا بذلك ملايين العراقيين بحياة حرة كريمة ,عشتي آلاف السنين بأمن وأمان , بنما تموتين اليوم ضحية العطش والإجحاف جراء إهمال من إئتمنتيهم على حياتك , ودون أن يصلي عليك أحدا منهم صلاة الجنازة في هذا الشهر الفضيل شهر رمضان المبارك , نقول وداعا ساوة الخير والمحبة , مقرونة بكل الإحترام والتبجيل .



#داخل_حسن_جريو (هاشتاغ)       Dakhil_Hassan_Jerew#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غزو العراق وإحتلاه عام 2003 ... وقفة إستذكار
- الديمقراطية في العراق ... ديمقراطية مأزومة
- النظام الملكي في العراق ... قراءة موضوعية
- إعترافات متأخرة لا قيمة لها
- النشاط الإسرائيلي في إقليم كردستان العراق... حقيقة أم إفتراء ...
- نظرة موضوعية في العلاقات العراقية الإيرانية
- عالم ما بعد غزو أوكرانيا
- صبرا يا عراق... إنها لعبة الأمم لن تدوم
- ويبقى الأمل يا عراق
- لا لتفصيخ العراق
- المال العام ودعاوى مجهولية المالك
- المجمع العلمي العراقي ... شهادة للتاريخ
- ورقة إصلاح التعليم التقني عام 2002...شهادة للتاريخ
- كيف واجهت الجامعة التكنولوجية ... تداعيات الحصار الظالم شهاد ...
- جامعة الصرة... شهادة للتاريخ
- حديث في متاهات السياسة العراقية
- المجمع العلمي العراقي... جدير بالإهتمام والرعاية
- أصالة عروبة الإنتماء العراقي
- العراق ضحية الطيش السياسي
- إصلاح حال العراق ... كيف وأين يبدأ ؟


المزيد.....




- سياسة جديدة للمنظومة التربوية في الجزائر
- ارتفاع عدد ضحايا هجوم العصابات في هايتي إلى أكثر من 50 قتيلا ...
- استقطاب يهيمن على المشهد السياسي في تونس قبل انتخابات الرئاس ...
- واشنطن بوست تكشف: إيران نجحت في تجاوز الدفاعات الإسرائيلية و ...
- السود في نيويورك يواجهون حرج دعم إريك آدامز المتهم بالرشوة و ...
- رئيس الاستخبارات الألمانية يحذر من اضطرابات في 7 أكتوبر
- بوريل يحذر من دخول روسيا ودول أخرى في صراع الشرق الأوسط إذا ...
- باكستان.. إغلاق إسلام آباد وتعليق خدمات الهاتف لمنع تجمع حاش ...
- القاذفة الروسية -سو-34- تدك معقلا لقوات كييف في كورسك بقنابل ...
- بيان سوري عن قصف إسرائيل -الوحشي- للطريق الدولي الرابط بين ل ...


المزيد.....

- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .
- الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ / ليندة زهير
- لا تُعارضْ / ياسر يونس
- التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري / عبد السلام أديب
- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - داخل حسن جريو - وداعا ساوة المحبة... ضحية الإهمال والتسيب