|
نقض حجج الحدوث لدى الغزالي
هيبت بافي حلبجة
الحوار المتمدن-العدد: 7363 - 2022 / 9 / 6 - 04:32
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
بعدما إنتقدناه في مفهوم السببية ، وكذلك في مفهوم العقل ، نود أن ندحض حججه في مسألة حدوث العالم ، ونفند إعتراضاته على قدم العالم . المقدمة الأولى : في نقطة الأصل ، يعترض الإمام الغزالي على حجج الفلاسفة في مسألة قدم العالم ، بحجج أخرى تخص موضوع حدوث العالم لبيان تهافت حججهم ، لذا لامندوحة من البدء بمفهوم قدم العالم لديهم . حيث يؤكد هؤلاء الفلاسفة على أمر مفاده ، إن الحادث لايصدر من القديم وإستحالة الحدوث منه ، ومن القديم لايصدر إلا ماهو قديم . إلى ذلك ، لدينا ، حسب هؤلاء الفلاسفة ، ثالوث متكامل ، الإله والعالم وإرادة الإله ، الإله قديم تعريفاٌ ، وإرادة الإله قديمة بالضرورة ، فلا إله بدون إرادة وطالما إنه قديم فإرادته قديمة مثله ، أي إن كلاهما قديمان أبديان أزليان سرمديان كليان مطلقان ، وأما العالم فيمكن أن يكون قديماٌ مثلهما أو أن يكون حادثاٌ لإنه ، ومن حيث التأصيل ، مستقل وجودياٌ عن الأثنين معاٌ . لكن وحسب هؤلاء ، إن العالم ليس مستقلاٌ عنهما بذاته من حيث إنه هو هو ، من حيث هو في وجوده ، فلقد أصبح مستقلاٌ بعد أن تحقق شرط العلاقة الوجودية مابين الثلاثة ، وجوهر هذه العلاقة يكمن في إرادة الإله ، فإرادته إقتضت منذ القدم حدوث العالم . وأما أن يكون العالم حادثاٌ فهذا أمر مرفوض حسب هؤلاء الفلاسفة ، لإن الحدوث يعني حدوث أمر طارىء ، حدوث ما إستجد بعد قدم الإله وقدم إرادته ، حدوث مافرض نفسه على إرادة الإله وغيرها وبدلها ، وجعلها ترضخ لإرادته الخاصة ، هذا مستحيل أن يحدث لإن إرادة الإله تكون حينها إرادة ناقصة غير كلية ولامطلقة ، إضافة إلى إنبثاق أسئلة مزعجة : من أين صدر هذا الذي إستجد ، وكيف فرض نفسه على إرادة الإله ، وماعلاقته بالإله وجودياٌ . وهكذا لدينا ثلاثة شروط مسبقة في ذهن هؤلاء الفلاسفة : الشرط الأول : إن الإله هو المسؤول عن العالم ، فالعالم لم يكن وماكان ولن يكون لولا الإله نفسه ، فلاوجود لأية لإمكانية أخرى تجعل من العالم وجوداٌ ، لا من غير الإله ولامن العالم نفسه . الشرط الثاني : لقد حلت إرادة الإله محله وجودياٌ ، وكل ما إقتضته هذه الإرادة كان ، وكان منذ كانت ، منذ القدم ، منذ الإله ، منذ المنذ . الشرط الثالث : إن كل مايحدث في هذا العالم كان مرهوناٌ تماماٌ وبالمطلق وبالكلي لهذه الإرادة الإلهية منذ المنذ ، فأنت أنت منذ تلك الإرادة ، وسيدنا إبراهيم هو سيدنا إبراهيم منذ القدم ، إذ لايمكن أن يستجد ما يستجد إلا إذا كان خارج إرادة الإله ، وهذا مرفوض ومنقوض . المقدمة الثانية : وفي نقطة الأصل ، يعترض هؤلاء الفلاسفة على حدوث العالم من زاوية إن الحدوث يعني تقدم الإله على العالم في أمرين ، تقدم في الرتبة ، أوتقدم في الزمن . وأما تقدم الإله في الرتبة ، فهو ليس تقدماٌ في الوجود الإنطولوجي ، إنما هو تقدم في الرتبة الوجودية ، والرتبة الوجودية لاتلغي عن العالم قدمه ، أي إن كلاهما ، الإله والعالم ، قديمان ، وليس صدور العالم عن الإله إلا منذ القدم ، إلا منذ كان الإله كان العالم ، فقد كان وقد كان ، والقدم هو عين القدم في ذاته وخاصه . وأما تقدم الإله في الزمن ، هو الآخر باطل ، لإن زمن حدوث العالم يفترض بالضرورة وجود زمن ماقبل زمن الحدوث ، فالزمن ، إذاٌ ، أزلي قديم ، وطالما هو أساس الحركة في الكون ، فإن الحركة تكون آنها هي الأخرى أزلية قديمة ، وكما لاحركة بدون متحرك ، والمتحرك هو أساس وجود العالم ، فالعالم أزلي قديم . المقدمة الثالثة : يعترض الإمام الغزالي على هذا التصور ، قائلاٌ إن الإله ووجوده وإرادته من جانب ، والعالم ووجوده من جانب آخر ، وهما جانبان متمايزان منفصلان ، فالإله وجود والعالم وجود آخر ، فإذا كانا قديمان لدل ذلك على وجود قديم آخر مستقل عن الإله إنطولوجياٌ ، ولدل على إن العالم شريك للآلهة في القدم ، وهذا محال . المقدمة الرابعة : يعترض الإمام الغزالي على موضوع القدم من زاوية ثانية ، وهي إنه يتفق مع الفلاسفة في زعمهم إن الآلهة قديمة لإنها واجبة الوجود ، وإن إرادتها قديمة هي الأخرى ، لتلازمية الثانية مع إنطولوجية الأولى ، ويتفق معهم على إن إرادة الآلهة إقتضت وجود العالم منذ القدم ، منذ إن كانت وكانت الآلهة ، فلا أسبقية مابين هذه القضايا الثلاثة ، لكن ثم أمر يدعي الغزالي إنه غاب عن ذهن هؤلاء وهو : إن إرادة الالهة إقتضت وجود العالم ، وهذا هو شرط الإقتضاء ، شرط قدم الإقتضاء ، لكن بالمقابل ثم شرط آخر ، شرط يتعلق بحين حدوث العالم ، أي بحدوث العالم في إثناء حدوثه ، أي بحين تحقق وجود هذا الحدوث ، أي بحين تحقق موضوع الإقتضاء وهو حدوث وجود العالم . فإرادة الآلهة إقتضت منذ القدم أن ينوجد العالم ، وأن يتحقق شرط وجوده ، شرط حدوثه في عين في ، لاقبل ولابعد . فإرادة الآلهة إقتضت وجود سيدنا إبراهيم منذ القدم ، كقرارين في قرار واحد ، كقرار قديم يتعلق بوجود سيدنا إبراهيم ، وقرار قديم يتعلق بوقت وبحين حدوث هذا الوجود ، وهكذا سيدنا عيسى وموسى ، وأفلاطون وهيجل ، وهو وهي . المقدمة الخامسة : يعترض الإمام الغزالي على قدم العالم في موضوع عدد دورات دوران الكواكب والأجرام السماوية السيارة زاعماٌ ، لو كان العالم قديماٌ لكان عدد دورات دوران الكواكب موازياٌ لقدمها ، وقدمها يعني إن الدورات لامتناهية في عددها ، لكن ومن المعلول أن يكون عدد الدورات إما عدداٌ فردياٌ وإما عدداٌ زوجياٌ ، والحال إننا لانستطيع أن نهي عدد الدورات ، لا عند العدد الفردي ، ولا عند العدد الزوجي ، فهو إذاٌ فردي وزوجي معاٌ ، وهذا هو إجتماع النقيضين ، وهذا محال . المقدمة السادسة : يعترض الإمام الغزالي على قدم العالم في موضوع الشمس تحديداٌ زاعماٌ ، لو كان العالم قديماٌ لكانت الشمس ، شمسنا هذه ، تحولت إلى كتلة لاحياة فيها ، لاضياء ولانور ولاأشعة . لإنها كانت ستفقد كل يوم مقداراٌ ، أي مقدار كان ، من طاقتها ، وبما إننا إزاء أيام لامتناهية في العدد لقدم العالم ، فإنها ولابد أن تفقد كافة طاقتها . والحال إنها مضيئة وتشعشع في سمائنا ، فلامندوحة من قبول فكرة إنها حادثة حدوثاٌ . المقدمة السابعة : يعترض الإمام الغزالي على قدم العالم في موضوع حدوث الأشياء والقضايا على الأرض فيؤكد ، أو ليس من الغريب أن ننكر الحدوث وهو يتحقق أمام أعيننا في الأشياء ، أو ليس الحدوث أمر طبيعي حقيقي في الكون والطبيعة . المقدمة الثامنة : يعترض أبو حامد الغزالي على قدم العالم في موضوع الزمن ، فإذا كان العالم قديماٌ فهذا يستلزم قدم الزمن ، فلاعالم بدون زمن ولازمن بدون عالم ، وإذا كان الزمن قديماٌ ماكنا ، نحن زمنياٌ ، في هذه اللحظة ، أي مابلغنا هذا الزمن الذي نحن فيه ، لوجود زمن لامنتهي قبل هذا الزمن وقبل هذه اللحظة ، وطالما إننا ، الآن ، في زمن هذا التوقيت الفعلي والحقيقي فإن الزمن ينبغي أن يكون بالضرورة حادثاٌ ، وحدوث الزمن يعني حدوث العالم ونفي قدمه . المقدمة التاسعة : ويعترض الغزالي على ذلك من المفهوم الديني والعقائدي البحت ، في موضوع العلاقة مابين الخالق والمخلوق ، مابين الإله والعالم ، فحسب الرؤية الإسلامية لايمكن للآلهة إلا أن يخلق العالم ، يخلقه تحت ضرورة شرطين تامين ، شرط الإرادة الحرة ، وشرط الخلق من العدم ، مع إدراك تام ألا يرتبط الشرط الأول بشرط الضرورة ، وألا يرتبط الشرط الثاني بشرط ينفي عن العدم شرط وجوده الخاص . وهذا ينم عن ثلاثة أمور متفاضلة : الأمر الأول : إن صدور العالم عن الآلهة كما يعتقد أصحاب قدم العالم ، لايمكن أن يدرك إلا من خلال مفهوم الضرورة ، والضرورة شرط يلغي الإرادة الحرة لإن الصدور هو صدور الضرورة . الأمر الثاني : إن صدور العالم عن الآلهة كما يعتقد أصحاب قدم العالم ، لايمكن أن يصدق إلا إذا صدق غياب صورة العالم من الزاوية الوجودية عن ذهن هذه الآلهة ، لإن العالم قد كان ، قد تحقق من الوجود الإنطولوجي للآلهة وليس من مفهوم الإرادة والإختيار . الأمر الثالث : إن العدم هو شرط وجودي يسبق شرط الوجود ، شرط حدوث العالم نفسه ، فوجود العالم هو من وجود العدم ، وهكذا يغدو العدم شرط وجود العالم . نكتفي بهذا القدر من الحجج لإن الحجج الأخرى هي إما ضعيفة وإما تافهة ، ونعترض على فكر أبو حامد الغزالي ، وعلى حدوث العالم وعلى قدمه على النحو التالي : أولاٌ : سواء في قدم العالم ، سواء في حدوثه ، فإن الفريقين قد أصلا للفكرة من خلال قدم الآلهة ، وقدم الآلهة يستلزم قدم إرادتها ، وقدم إرادتها يستلزم بنفس الدرجة من الضرورة قدم قرارات الإرادة وقرارات الآلهة ، وقدم القرارات يشمل كافة القرارات دون أي أستثناء ، قرار حدوث العالم ، قرار ولادة أفلاطون في نفس اللحظة ووفاته في عين اللحظة ، فكل مايحدث وماحدث وماسيحدث في العالم منذ حدوثه إلى حيث لاوجوده الإفتراضي قد تقرر منذ القدم . فإلى ثم ماذا : من ناحية : إن مفهوم القدم لايمكن إلا أن يكون بشرياٌ ، حسب المنطق البشري ، حسب العقل البشري ، حسب ماهو بشري ، ولايمكن لأي شخص أن يزعم إنه يدرك محتوى القدم خارج سياق حدود ذاتية الفهم البشري ، والقدم بشرياٌ كذبة فلسفية ومضمون لامضمون فيه وليس له ، إنما هو تعبير إستدراكي في تفادي مدلولات الحدوث ، فالإنسان حينما إبتكر محتوى الألهة لم يستطع أن يدرك خواصه إلا من خلال المفهوم المعاكس للحدوث ، إذ كيف يمكن أن تكون آلهة وهي حادثة . وإلإشكالية دقت في الفهم الأولي للوعي البشري ، فالشيء إما قديم وإما حادث ، ولاشكل ثالث لهذه الإطروحة ، وإستدام هذا الفهم السخيف بديمومة القصور العقلي لمحتوى إنطولوجية الوجود ، سيما إن الفلاسفة إستندوا في فهم الطبيعة من خلال العقل النظري المقارن . والآن إذا قال أحدهم إن الآلهة قديمة ، ففي الحقيقة إنه يكذب ، لإن هذه الجملة لاتعني شيئاٌ ، تماماٌ مثل قولهم إن الألهة أزلية أبدية كلي القدرة كلي اللاتناهي ، فهذه مفردات خادعة ، لايدركها الإنسان لا في المبنى ولا في المعنى ناهيكم عن المضمون . فالقديم هو قديم إما داخل السياق البشري أو خارج السياق البشري ، وفي الفرضين نحن إزاء تورط بشري في دلالات الإسطورة ، وإلا ، وكان هذا هو السؤال الأساسي ، ماهو القدم ، إنه سؤال في ( ...) ، سؤال مكون من أحرف فقط . وينطبق الأمر بالتمام ، من حيث فهم أساس المشكلة ، على موضوع الحدوث ، وكإننا ندرك موضوع الحدوث ، وكيفية الحدوث ، وماهو الحدوث ، لذلك فإن المعتقد الإسلامي إستنجد بأكذوبة عقائدية أخرى لتفادي محتوى الحدوث والقدم فزعم : إن الآلهة إذا أرادت شيئاٌ فتقول له : كن فيكون . ومن ناحية ثانية : إن مفهوم القدم يلغي خاصية السؤال ، متى ، فلاقبل قبل متى ، ولاقبل بعد متى ، ولامتى إذ متى ، لإلغاء محتوى الحضور الوجودي ، إذ لايمكن تعيين متى في الحضور الوجودي ، ولا تعيين الحضور الوجودي في متى . وهنا قد ينبري أبو حامد الغزالي للدفاع عن نفسه ، إن متى هي خاصية وجودية في محددات الزمن الإنطولوجي البشري ولاعلاقة لها ، أي لمتى ، بموضوع ماهو خارج السياق البشري ، فنقول له : أحسنت لكن كيف أدركت ذلك ، والقدم هو خارج السياق البشري ، فسيزعم لإن الآلهة موجودة ، ولا آلهة حادثة إنما هي قديمة بالضرورة . فنقول له : وهذه هي جذور الإشكال ، الجذور الفعلية لمعضلة الفلسفة والمنطق وحدود العقل وللفكر الإسطوري ، وهل تدرك ماهي الآلهة . ومن ناحية ثالثة : إذا وجد ماهو قديم ، الآلهة مثلاٌ ، لأنتفى بالضرورة وجود قديم آخر ، أو حادث آخر ، إذ ، ومن المستحيل ، طبعاٌ نحن نعتمد على منطق تفكيرهم ، وجود قديم موازي لماهو قديم أصلاٌ ، أو وجود حادث له أو به ، فالقديم ينبغي بالتعريف وبالمحتوى وبالإنطولوجيا أن يكون هو الوجود ، كل الوجود ، لاوجود قبله ، لاوجود بعده ، أي القدم هو القدم ، أي القديم هو القديم ، أي القديم كما هو فلا حادث ولا حدوث ولا قديم ولا قدم آخر . وهذا يفضي إلى توضيح أمرين أثنين : الأمر الأول : إذا وجدت الآلهة من حيث مفهومها المعتمد ، لأنتفت أية صيغة في موضوع الخلق والخالق والمخلوق ، أي من المستحيل أن يقوم هذا القديم بعملية خلق مهما كان نوعه ، فالآلهة إذا كانت آلهة فهي لاتخلق ، ولن تكون الخالقة ، ولامخلوق بها أو بأمرها . الأمر الثاني : إذا وجدت الآلهة ، فمن المستحيل أن تكون لها إرادة موازية لها في القدم مهما حاولنا أن نبرر ذلك من خلال مثال الشمس وأشعتها ودفئها . ومن ناحية رابعة : إذا وجد ماهو قديم ، الآلهة مثلاٌ ، فمن المستحيل أن يكون له إرادة ، لإن الإرادة هي دلالة على النقص ، دلالة على البحث عن شيء يسعى إليه القديم ، فلا إرادة للآلهة إن وجدت . وإذا زعم الإمام الغزالي ، إن الإرادة هي من خاصية الكمال المطلق وليس للبحث عن شيء ينقص الآلهة ، فنقول عندها : إن هذه الإرادة عاقرة كإنها غير موجودة لغياب جوهر تحقق موضوعها ، فإرادة بلا موضوع هي لا إرادة . ومن ناحية خامسة : إذا وجد ماهو قديم ، الآلهة مثلاٌ ، فماهو علة وجود قراراتها ، ولماذا تتخذ قرارات ، وماهو موضوع قراراتها ، طالما هي قديمة . وإذا زعم البعض ومن بينهم الإمام الغزالي ، إن قراراتها تتعلق بحدوث العالم ومكوناته ، فهذه أضحوكة فلسفية ومصادرة على المبنى وتأصيل الفكرة ، لسبب بسيط ، إعتمده الإمام الغزالي نفسه ، إن العالم لم يكن وسوف يكون ، فلماذا سوف يكون ، أو ليست القرارات ، هنا ، تسبق الوجود . ومن ناحية سادسة : لنفرض صدق فرضية وجود الآلهة وقدمها ، ووجود إرادتها وقدمها ، ووجود قراراتها وقدمها ، فما هي القيمة الموضوعية لوجود العالم ، والقيمة الفعلية للوجود البشري ، إذا كانت قرارات الآلهة قديمة مثلها ، وماقيمة قولها : إذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ، وماهي قيمة الفعل البشري إذا كنا محكومون بقرارات أبدية أزلية قديمة . ثانياٌ : يزعم الإمام الغزالي إن إرادة الآلهة إقتضت حدوث العالم بعد بعد ، بعد حين ، وهذا الحدوث حدث من العدم الذي سبق الوجود ، حسب تعبيره ، فكانت الآلهة وكان العدم في البداية ، ثم إنبثق وجود العالم من وجود العدم ، وهنا نحن إزاء إحتمالين ، الإحتمال الأول أن يكون العدم مجرد تصور بشري ، والإحتمال الثاني أن يكون العدم وجود فعلي . في الإحتمال الأول ، إذا كان العدم مجرد تصور بشري ، فلاوجود فعلي له ، فمن المستحيل إن يسبق العدم الوجود إنطولوجياٌ ، لإن الأول تصور بشري والثاني تحقيق فعل الإرادة الإلهية ، ومن المستحيل أن ينبثق الوجود من العدم بنفس الدرجة كما زعم أبو حامد الغزالي . وفي الإحتمال الثاني ، إذا كان العدم وجود فعلي ، فهو وجود إقتضته الإرادة الإلهية ، أي إقتضت حدوثه ، بنفس درجة الإقتضاء لحدوث العالم ، وبالتالي لدينا أربعة مفارقات : المفارقة الأولى ، يؤكد الغزالي إن العدم والوجود نقيضان ، فالعدم نقيض الوجود والوجود نقيض العدم ، فكيف إنبثق الوجود من العدم ، كيف ينبثق النقيض من نقيضه . المفارقة الثانية ، نحن إزاء تناقض تام ، وكإن الآلهة ، حسب الغزالي ، قد خلقت الوجود من وجود سابق ، وكإن ثم شرط مقيد على القدرة الإلهية ، فبدون وجود سابق لايمكنها خلق العالم . المفارقة الثالثة ، ماهو وجه ضرورة وجود العدم ، طالما هو العدم بعينه ، طالما هو اللامحدد واللامعين ، طالما هو مثل الغياب المطلق بالنسبة للإنسان . المفارقة الرابعة ، هل وجود العدم تحقق بالإرادة الإلهية أم بخارجها ، ولايمكن أن يتحقق بدون تلك الإرادة لإنه آنها يلغي خاصية الألوهية عن الآلهة ، وإذا قد تحقق بفعل الإرادة ، فكيف تصورت الآلهة وجود العدم ، وكيف إقتضت إرادتها خلقه ، وأين وجود العدم الآن ، هل مازال حيثما كان ، أم . ثالثاٌ : يزعم أبو حامد الغزالي إن إرادة الآلهة إقتضت حدوث العالم بعد بعد ، بعد حين ، وهذا البعد بعد يفرض علينا إحتمالين ، الإحتمال الأول إن الآلهة إكتمل لديها تصور العالم بالتمام والكمال ، الإحتمال الثاني لم يكن لدى الآلهة أي تصور عن العالم . في الإحتمال الأول ، إن مجرد إكتمال تصور العالم في الذهن الإلهي ، في مجال الإرادة الإلهية ، فلابد ، وبالضرورة الأبدية الأزلية والمطلقة ، أن يتحقق الفعل الإلهي حال الوجود الإنطولوجي ، فمن المستحيل أن يكتمل التصور لدى الآلهة ويتحقق الفعل الوجودي لاحقاٌ . لإن الفعل الوجودي لايمكن أن يتأخر حال إكتمال التصور . أي ، وهذه حالة فرضية ، لو وجدت الآلهة لكان العالم قديماٌ ، لإمتناع الحدوث في الطبيعة الإلهية . في الإحتمال الثاني ، أي لم يكن لدى الآلهة أي تصور عن العالم ، فمن المستحيل أن تتجه إرادتها إلى خلقه لا في القدم ولا في الحدوث ، لإمتناع الوجود غير المعروف من التحقق ، لإمتناع موضوع الفعل الوجودي الإلهي ، للاوجود موضوع الإرادة ، فالإرادة بدون موضوعها هي لا إرادة بالمطلق . وإلى اللقاء في الحلقة الثالثة والثلاثين بعد المائة .
#هيبت_بافي_حلبجة (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نقض المسألة الأساسية في الفلسفة
-
نقض سماوية النص الإلهي
-
نقض مفهوم الوجدان المتأله لدى العرفاء
-
نقض المنطق الأرسطوي والمنطق الهيجلي
-
نقض برهان الحركة والزمن لدى أرسطو
-
نقض إرادة ومشيئة إله الكون
-
نقض قصة الإسراء والمعراج في النص الإلهي
-
النص الإلهي يبيح الزنا
-
نقض مفهوم الإله لدى إسبينوزا
-
نقض قصة آدم في النص الإلهي
-
نقض ماهية الشر في الإسلام
-
نقض مفهوم الشر لدى غوتفريد لايبنتز
-
نقض إشكالية الشر لدى ماري بيكر إيدي
-
نقض المرحلة الدينية لدى كيركجارد
-
نقض النسق الفكري لدى شوبنهاور
-
نقض الأحكام القبلية لدى كانط
-
نقض الروح الكلية لدى هيجل
-
نقض مفهوم الخلق الإلهي
-
نقض مفهوم التأويل في النص الإلهي
-
نقض محتوى العقل لدى أبو بكر الرازي
المزيد.....
-
مشاهد تخطف الأنظار لأشجار معمرة على قمة جبلية في سلطنة عُمان
...
-
هل وافقت إيران على إنهاء الحرب مع إسرائيل؟
-
-بعدما وبخها-.. ترامب: إسرائيل لن تهاجم إيران وطياروها سيلقو
...
-
هكذا فاجأ ترامب كبار مسؤوليه بإعلان وقف إطلاق النار بين إيرا
...
-
قمة لحلف الناتو لرص صفوف الحلف واسترضاء ترامب
-
ترامب -يفجّر مفاجأة- بوقف لإطلاق النار بين إيران وإسرائيل..
...
-
أكثر فعالية وأقل كُلفة من القُبة الحديدية: ما هي منظومة الشّ
...
-
إيران: تزايد القمع خلال الحرب تحت غطاء -مطاردة الجواسيس-
-
بلدة قصرنبا اللبنانية.. موطن الورد ومائه
-
التحول العظيم في العالم ونظرية النهايات
المزيد.....
-
الآثار العامة للبطالة
/ حيدر جواد السهلاني
-
سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي
/ محمود محمد رياض عبدالعال
-
-تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو
...
/ ياسين احمادون وفاطمة البكاري
-
المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة
/ حسنين آل دايخ
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|