|
نقض مفهوم الشر لدى غوتفريد لايبنتز
هيبت بافي حلبجة
الحوار المتمدن-العدد: 7152 - 2022 / 2 / 2 - 14:19
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
بعدما إنتقدنا ماري بيكر في إشكالية الشر ، وقبل أن ننتقد ماهية الشر في المعتقد الإسلامي ، نود أن ننتقد مفهوم الشر لدى الفيلسوف الألماني لايبنتز . المقدمة الأولى : لقد أصل لايبنتز منظومته الفكرية الفلسفية على قاعدة مؤتلفة من أربعة إطروحات ، تتضافر وتتعاشق وتتكامل ، الأولى تتعلق بوجود الإله ، الثانية تتعلق بأساس اللاهوت ، الثالثة تتعلق ببنية الكون ، الرابعة تتعلق بالعلاقة مابين ذلك الإله وبنية الكون ، أي كيف يتدخل الإله في موضوع تقرير وتحديد سلوك تلك البنية ومصيرها وعلاقة أجزائها فيما بينهم . الإطروحة الأولى : رغم إنه لايدرك حقيقة رؤيته هذه ، يقرر لايبنتز إن ثمة إله هو الإله ، هو ماهو ، أي ينطلق من موضوع الإله نفسه دون أن يربط ذلك بإشكالية أخرى ، فماذا يعني هذا التصور ، سيما في علاقة هذه الإطروحة بمنظومته الفكرية . فمن جانب هو ينطلق من مفهوم الإله ، من التصور الإلهي ، كإنه مسلمة أكسيوم بدهية ، كإن لايبنتز يعرفه معرفة حقة ، معرفة يقينية . ومن جانب هو ينفي عنه مسبقاٌ دون دراية ، دون إدراك خواصه الإشكالية ، كل مايمكن أن يربك العلاقة البشرية بهذا الإله ، فهو لايهتم بماذا ، ولاكيف ، ولامتى ، لإنه يعرفه كما هو هو ، أو بالأدق بما إنه هو ، هو هو . ومن جانب ثالث ندرك ، الآن بوضوح ، مفهوم لايبنتز عن الخلق ، فهذا الإله قد خلق الكون هكذا ، ولهذا السبب نلتزم مع لايبنتز بمفردة الكون دون سواها ، لإن ، في النهاية ثمة الإله والكون حيث الأول خالق والثاني مخلوق . الإطروحة الثانية : من خلال الإطروحة الأولى يمكننا ان نستشف ونستشرف إن اللاهوت المرتبط بهذا الإله هو مصدر فهمنا لهذا الكون ، أي إن لايبنتز يؤصل درجة المعرفة لدينا ، ليس على أساسها العلمي الجدلي والبحثي ، أو على مضمونها الذاتي والمستقل ، إنما على أساس هذا اللاهوت الإلهي ، لإنه كان يرفض بالمطلق فكرة حلول القواعد العلمية محل فكرة هذا الإله ، وهكذ ، حسبه ، يكون الإله ضرورة ، ضرورة مطلقة ، لكل القواعد والقوانين العلمية . وهذا يفضي بنا إلى نتائج عديدة لكنها خارج سياق موضوعنا الحالي . الإطروحة الثالثة : ومن خلال الإطروحتين السابقتين يتجلى المدلول الفعلي لمفهوم بنية هذا الكون ، إذ يؤكد لايبنتز إن الإله قد خلق الكون على شكل وحدات صغيرة جدا ، وحدات كونية يسميها المونادا ، وهنا ينبغي أن ندرك الأمور التالية : الأمر الأول إنه يؤكد إن الإله قد خلق الكون عبر عدد مأهول من المونادات دون أن يدرك حقيقة التمايز مابين مفهومين ، الأول هو خلقه للمونادا التي شكلت في تآلفها وإئتلافها كوننا هذا ، والثاني هو خلقه للكون من وحدات صغيرة هي المونادا . الأمر الثاني ينبغي ألا نخلط مابين تناهي المونادا في الصغر ومابين الذرات ، فلاعلاقة مابينهما ، ولاتخاطر ولاتماثل ، فإذا كان الكون مؤتلفاٌ من الذرات فإن المونادا هي التي تضفي على الذرات وعلى الأشجار والنباتات وعلى الحيوانات وعلى الإنسان وعلى السماء معناها الفعلي الأصيل والأصلي . الأمر الثالث إن الكون برمته مؤتلف من المونادا ، الإنسان والحيوان والنبات والجماد ، إذا كل مانراه من الأشياء مكون من المونادا . الأمر الرابع رغم إن هذه المونادات متماثلة ومتضاهية فإنها منفصلة ومستقلة ، ويشبه لايبنتز الأمر بوجود عدد رهيب من الساعات ، فإنها لا تتداخل فيما بينها ، كما لا تؤثر على بعضها البعض ، لكنها عند تمام الساعة ، السابعة مثلاٌ ، فإنها جميعها تدق في ذات الثانية . الإطروحة الرابعة : يرفض لايبنتز فكرتين جوهريتين ، الأولى مفهوم العلل العرضية ، والتأثير المتبادل سواء مابين الأشياء وسواء مابين هذه الوحدات الكونية ، المونادات . الثانية مفهوم إن الإله يتدخل في شؤونها في كل لحظة . لذلك إعتقد إن الإله قد أودع في تلك الوحدات الكونية برنامجها الخاص بها ، برنامج يحدد سلوكها ، يعين خواصها ، يمنحها كينونتها الأصلية ، أي إن كل مونادا تتصرف تماماٌ وتطابقاٌ مع ما أوحى إليها الإله منذ الأزل ، وهذا هو جوهر فرضية الإرتساق المسبق المودع في كل وحدة كونية . المقدمة الثانية : في موضوع نظرية المعرفة لديه ، ينسجم مع إطروحاته الأصيلة ، فطالما إن ثمت إله ، هو ماهو ، وإنه قد خلق الكون من مونادات ، نظام وحدة الوجود الأولية ، أو قد خلق المونادات لتؤتلف الكون ، ولقد أودع فيها بما تعرف بفرضية الإنسجام المسبق أو قانون الإنسجام المسبق ، فإنه وفي خصوص نظرية المعرفة البشرية ، لم يجار ديكارت العقلاني ، ولم يساير جون لوك الحسي ، إنما تمايز عنهما معاٌ : ليؤكد إن الإله قد أودع في الفكر البشري مايجعله يدرك القضايا والأمور كما ينبغي لكن هي لاتظهر كما من المفروض أن تكون إلا بشرط التجربة ، فبها تتجلى كافة تلك الأفكار والإطروحات والتصورات المغروسة في الفكر البشري . والآن ، وعلى ضوء ما تقدم ، يمكننا أن ندرك بصورة أدق مفهوم الشر لديه وكيف عالج إطروحاته الفعلية بصدد العلاقة مابين الإله الخير والصالح بالمطلق ومابين الشر كمحتوى منقوص وناقص . المقدمة الثالثة : كما إعتقد بوجود الإله هناك ، يعتقد بحدوث الشر وبوجود الشر ، ويرى إن حدوث الشر و وجوده يتعارضان من حيث الفهم الأولي البسيط مع منطق هذا الإله الذي هو بالضرورة ، كامل الخير ، مطلق القدرة ، كلي العلم ، كمال الرحمة ، تام الإدراك مابين السبب والنتيجة ، فكيف ، وهذا هو السؤال المحوري ، كيف خلق هذا الإله الشر ، وكيف يسمح بحدوثه ، وكيف يسمح بماهو ناقص أن يطعن في كماله . لكي ندرك كيف صاغ لايبنتز إطروحته في هذا الشأن ، دعونا نرى في البداية ، ماهي أنواع الشر لديه . يقسم لايبنتز الشر إلى ثلاثة أنواع : الشر الأخلاقي ، الشر المادي ، الشر الميتافيزيقي . الشر الأخلاقي : هو الشر الذي يحدثه الإنسان ، ويرتكبه في حدود الأذى للآخرين ، من قتل وإغتصاب وإعتداء وسرقة ، وشهادة الزور وإستلاء على الممتلكات والحرمان من العيش بكرامة وإضطهاد وظلم وجور . يقترفه الشخص في حدود الإرادة ، وفي حدود النفس ، في حدود النفوذ والسلطة والقوة ، ويصادر بذلك المعنى والمفهوم الحقيقيين للحياة لدى الآخرين . وربما هذا النوع من الشر هو الذي يختزل موضوعات الجريمة في إشكالية التاريخ البشري . الشر المادي : وهو الشر الذي ينتج ، من حيث الأصل ، من عوامل الطبيعة ، الزلازل الفيضانات الكوارث البيئية الأعاصير البراكين . وهنا لامناص من الذكر إن لايبنتز حينما يفارز مابين هذه الأنواع الثلاثة ، فإنه يفارز مابينها من حيث المصدر المسبب وليس من حيث النتيجة ، كما توهم البعض ، فالشخص قد يسبب أضراراٌ مادية لكن نوع الشر هو الشر الأخلاقي ، كما إن الطبيعة قد تقتل هذا وذاك لكن نوع الشر هو الشر المادي . الشر الميتافيزيقي : وهذا الشر هو المنسوب إليه تاريخياٌ ، ويتلخص في المضمون الآتي : ثمت نوعان من الكينونة ، كينونة تامة كاملة مطلقة كلية ، وكينونة ناقصة . النوع الأول هو الذي لايسمح ، من حيث التأصيل والمبنى ، أن يحدث الشر ، أن يقترف الشر ، تماماٌ ، ومن حيث التشبيه فقط ، إن النور لايمكن أن يسمح بحضور الظلام ، الظلام لايمكن أن يكون في حضور النور . وأما النوع الثاني فهو الذي ليس فقط يسمح بحضور الشر إنما يرتكب الشر . وهنا المفصل الجوهري : إن الشر كما هو ، كما هو لدى لايبنتز ، يتعاشق ويتعانق بالضرورة مع الكائن الذي يمتلك كينونة ليست كاملة ، مامعنى هذا المفصل ، معناه إن الإله كما هو ، هو كامل الكينونة ، والإله كخالق لايمكن إلا أن يكون كلي الكينونة ، وإما ما تبقى فبحكم إنها مخلوقات فإنها بنفس الضرورة ناقصة الكينونة ، محدودة الكينونة ، متناهية الكينونة ، أي هو مصدر الشر . المقدمة الرابعة : وهنا لابد من تأصيل مفهوم الشر : الخطوة الأولى : حسب لايبنتز ، هناك الإله وهنالك المخلوقات ، والمخلوقات لايمكن أن تكون تامة وكلية الكينونة ، لإنها لو كانت كذلك ، فستكون بالحتمية إما جزء من الإله وإما إله مستقل وهذا مرفوض من حيث الطابع الوجودي . الخطوة الثانية : هل يستطيع الإله أن يخلق كائناٌ تام الكينونة ، هل يمتنع ذلك عن الذات الإلهية ، يجيب لايبنتز إن من يخلق ماهو تام الكينونة كإنه يخلق ماهو شبيه به ، مماثل لذاته ، يضاهيه في كل شيء ، أي سيكون مطلق العلم ، كلي القدرة ، كامل الخير ، تام الإدراك في العلاقة مابين السبب والنتيجة ، وهذا مستحيل بطبعه لإنه ، حينها ، نكون إزاء إله جديد . الخطوة الثالثة : هل بمقدور الإله أن يخلق إلهاٌ ، أي لكي يمكن لهذا الإله أن يخلق كائناٌ كامل الكينونة ، لابد أن يخلق إلهاٌ ، وهذا هو التناقض بعينه ، إذ كيف يمكن أن ينوجد إله مخلوق من قبل إله آخر ، إذ كيف يمكن أن يكون المخلوق بدرجة الخالق ، هذا هو حكم الإستحالة بعينه ، أي نحن في النهاية إزاء خالق ومخلوق ، ولابد للخالق من أن يكون تام الكينونة ولابد أن يكون الآخر منقوص الكينونة لإنه مخلوق . وهكذا نكون إزاء النتيجة النهائية : الإله الخالق هو تام الكينونة فهو تام الخير ، والكائن المخلوق هو ناقص الكينونة فهو ناقص الخير ، فهو مصدر الشر . نكتفي بهذا القدر ، ونبدي إعتراضنا على النحو التالي : أولاٌ : في المقام الأول ثمة مغالطة جسيمة تتعلق بموضوع الكينونة التامة والكينونة الناقصة ، فحسبه إن الإله ، هو الكينونة التامة قد خلق مخلوقات هي بالضرورة كينونات ناقصة ، وإن كل كينونة ناقصة هي بالأصالة مصدر الشر . إذن إن الإله قد خلق مصدر الشر ، وهو هنا لايخلق مصدر الشر فقط إنما يرتكب الشر نفسه ، لإن فعله ، وهو الخلق ، ينصب في خلق الشر ذاته . أي إن الكينونة التامة تقترف أيضاٌ الشر ، فالشر ليس متوقفاٌ على الكينونة الناقصة . أي إن الإله الذي خلق الكينونة الناقصة قد إقترف الشر بعينه . ولتقريب المفهوم للأذهان نأتي بالأية التالية في النص الإلهي : والشمس وضحاها . والقمر إذا تلاها . والنهار إذا جلاها ، والليل إذا يغشاها . والسماء ومابناها . والأرض وما طحاها . ونفس وما سواها . فألهمها فجورها وتقواها . قد أفلح من زكاها ، وقد خاب من دساها . سورة الشمس 1 – 10 . إن هذا النص الإلهي يؤكد على موضوعة الوجوديا في الأشياء ، وعلى إن الإله قد زرع في النفس فجورها وتقواها ، ومن الواضح والمعلوم إن التقوى لايمكن أن يتحقق ضد تلك الحالات النفسية إلا من خلال العقل ، فإله الكون يلوم ذلك المزارع في ضواحي شنغهاي على عدم إستخدام عقله في تزكية نفسه بينما لايلوم نفسه في عملية خلقه أساس ومصدر الفجور ، فمن يخلق منبت الفجور هو الذي يقترف الشر بعينه ، بل شره أعظم بمليارات المرات من شر ذلك المزارع المسكين الذي قد لايفلح في تزكية نفسه ، سيما وإنه ليس أساس خلق مصدر الفجور في الأنفس ، أي إن الإله يرتكب الحماقات ، الحماقات والشر بعينها ، ويطلب من المزارع البسيط أن يكون حصيفاٌ رصيناٌ . ثانياٌ : في المقام الثاني ، إن الحديث عن الكينونة الكاملة والكينونة الناقصة هو منطق سخيف وتافه للأسباب التالية : السبب الأول : إن الكينونة لايمكن أن تتحقق إلا إذا تحققت كما هي ، فهي إما أن توجد أو ألا توجد ، إما أن تكون أو ألا تكون . مثلها مثل الرقم الواحد ، على سبيل المثال ، فالواحد كي يكون لابد أن يكون هو هو . فإذا نقص لم نعد إزاء الرقم واحد ، كنا إزاء صفر فاصلة تسعين ، صفر فاصلة ستين . وإذا زاد لم نعد كذلك إزاء الرقم واحد ، كنا إزاء واحد فاصلة عشرة ، واحد فاصلة ثلاثين . السبب الثاني : إن الكينونة ليست شيئاٌ مستقلاٌ ، الكينونة مرتبطة بنيوياٌ بالكائنية وكلتاهما مرتبطتان بالذات ، أي لاكينونة بدون كائنية كما لاكائنية بدون كينونة ، ولاذات بدونهما ولاهما بدون ذات . من هنا ينبغي أن تكون الكينونة كما هي ، كما هي ، كي يتحقق الشرط الموضوعي للكائنية ، كي يتحقق الركن الجوهري للذات . فالإنسان كي يكون إنساناٌ لامندوحة من التطابق المطلق للكينونة مع الكائنية ، ومن تطابقهما مع الذات البشرية ، وإلا أحدثنا خللاٌ في مفاهيم عديدة ، مثل مفهوم الأخلاق ، ومضمون المسؤولية وحتى فحوى التسلسل المنطقي وحتى محتوى البراهين . السبب الثالث : إذا كان الإله ، حسب لايبنتز ، هو الخالق وهو تام الكينونة ، فلايمكن أن يخلق كائناٌ ناقص الكينونة ، إن عندها لن يكون الشيء هو ذات الشيء المقصود في أساس الخلق . مثلها مثل قولنا إن هذا هو مربع الشكل ، ومن المعلوم إن المربع له أربعة أضلاع متعامدة فيما بينها بصورة قائمة بحيث أن تكون زواياها الأربعة قائمة فيما بينها ، فيأتي شخص ويقول هذا مربع ناقص ضلع هنا ، وهذا الزاوية لم تعد قائمة لإن هذا الضلع قد إنحرف نحو الداخل ، فبدون شك هذا لم يكن مربعاٌ من الأصل والأساس . ثالثاٌ : إن نظرة لايبنتز ، في هذا الخصوص ، تنطلق من محتوى مبدأ الهوية ، هو هو ، هو الأبدي هو ، بغض النظر عن نمو هذا الشيء ، عن حالة التطور لديه ، فالإله هو هناك ، هو هو ، والشخص هو ذاته من يوم التلقيح إلى لحظة الوفاة ، إلى أبد الآبدين ، لذلك فإن لديه كينونة ثابتة وكائنية ثابتة وذات ثابتة ، في حين إن هذه العناصر الثلاثة هي متحركة ، على الأقل ، في خواصها . وهذه الخواص وهذه الكينونة ليست فقط متحركة إنما هي ، حسب حالة النمو والتطور ، قابلة للتغيير . فالحيوان المنوي يمتلك خواصه وكينونته ، وكذلك البويضة تملك خواصها وكينونتها ، وآن التلقيح تنتج بويضة ملقحة تمتلك هي الأخرى خواصها وكينونتها ، في حين تذوي خواص وكينونة كل من الحيوان المنوي والبويضة الأنثوية . لذلك من المغالطة أن نؤصل مفهوم الشر على أساس الكينونة ، وإذا كان لابد من كل ذلك : فإن إله لايبنتز كما إله الإسلام هو أساس الشر ، هو الذي أقترف كل الشرور والآثام والخطيئة الكبرى . بل إن إله الإسلام هو أكثر شراٌ من إله لايبنتز ، فإذا كان الشيطان هو مصدر الشرور ، كما سنرى في الحلقة القادمة ، فإن خالقه هو أساس كل تلك الشرور ، فالله ، إله الإسلام ، هو يخلق الإشكالية كما في محنة إبليس ، وحين يتصرف إبليس تماماٌ كما ينبغي ، يزعم هذا الإله ، الله ، إن إبليس قد عصى أمره ، فيحوله إلى مصدر الشر ، رغم إن ذلك الأمر خاطىء ومغالط ومعوج ، وإن تصرف إبليس كان قويماٌ صحيحاٌ . رابعاٌ : في مسألة أنواع الشر ، الشر الأخلاقي ، الشر المادي ، الشر الميتافيزيقي ، وتأصيل محتوى الشر على قاعدة الشر الميتافيزيقي والكينونة الناقصة . ثمة مغالطة بشعة في هذا التأصيل : فإذا دققنا وتأملنا في الشر المادي ، وهو الشر القادم من الطبيعة ، بتعبيراته هو ، الكوارث الطبيعية ، البراكين ، الزلازل ، الفيضانات ، الإنهيارات الثلجية ، الحرائق الطبيعية ، نرى إن هذه الحيثيات تمارسها الطبيعة بحكم قواعدها وقوانينها وأصولها الفيزيائية وغيرها ، وهي تمارسها وتطبقها لإنها ينبغي أن تكون على تلك الشاكلة وإلا فإن الطبيعة كاذبة غير صادقة ، وهي لايمكن إلا أن تكون صادقة في قوانينها وأصولها ، وهذه ليست له أية علاقة بمفهوم الكينونة الناقصة أو الكينونة الكاملة . بل بالعكس لإت كينونة الطبيعة على تلك الصورة ، هي تمارس ذاتها . وإذا دققنا وتأملنا في الشر الأخلاقي ، وهو الشر القادم من الإنسان ، من قتل وتدمير وسرقة ونصب وإحتيال وإغتصاب ، وكل أنواع الجريمة ، نرى إن ، ماعدا حالات خاصة ، إن الإنسان يقوم بها بصورة مقصودة ومتعمدة وهو يدرك تماماٌ بما يقوم به ، هو يقوم بها ليس لإته كامل الكينونة أو ناقص الكينونة ، إنما لإنه يريد إرادة أن يقترف هذا الشر ويمارسها بكامل كينونته . خامساٌ : وفي المقام الأخير ، إن إله الكون سواء هو كامل الكينونة أم ناقصها ، لايستطيع أن يخلق من هو ناقص الكينونة أو من هو كامل الكينونة ، بل هو لايستطيع أن يخلق أي كان ، لإن مجرد أن يخلق كائناٌ من كان فهو ناقص الكينونة ، فهو ناقص في ذاته ، فالخلق يوازي ويماثل النقص في الأس والأساس . فإذا وجد إله ، حسب فكرة الأديان ولايبنتز ، وللجدل ، فإنه لايستطيع أن يخلق أي شيء ، أو أن يقوم بأي شيء ، أو أن يتصرف ضمن أي شيء ، هو إله مائت ، إله جامد تماماٌ ، إله جاف بالمطلق ، إله لاكينونة له ، ولاكائنية له ، ولاذات له . زد على ذلك ، هو لايستطيع أن ينتحر كما ينتحر الإنسان ، لايستطيع أن يتزوج كما يتزوج الإنسان ، لايستطيع أن يضحك أن يبكي أن يأكل ويشرب كما يفعل الإنسان . هو لايستطيع أن يقوم بأي شيء على الإطلاق . فهو ليس هو ، فهو معدوم ، فهو السلب المطلق . وإلى اللقاء في الحلقة الثانية والعشرين .
#هيبت_بافي_حلبجة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نقض إشكالية الشر لدى ماري بيكر إيدي
-
نقض المرحلة الدينية لدى كيركجارد
-
نقض النسق الفكري لدى شوبنهاور
-
نقض الأحكام القبلية لدى كانط
-
نقض الروح الكلية لدى هيجل
-
نقض مفهوم الخلق الإلهي
-
نقض مفهوم التأويل في النص الإلهي
-
نقض محتوى العقل لدى أبو بكر الرازي
-
نقض مفهوم النص لدى نصر حامد أبو زيد
-
نقض مفهوم السببية لدى الغزالي
-
نقض وحدة الوجود الشخصية لدى كمال الحيدري
-
النص الإلهي لايحرم الخمر
-
نقض المنظومة الفكرية لدى جون لوك
-
نقض النظرة الإيمانية لدى بيركلي
-
نقض مفهوم الجدل لدى محمد شحرور
-
نقض مفهوم الحق لدى محمد شحرور
-
نقض نظرية المعرفة لدى أفلاطون
-
نقض قدم النص الإلهي لدى أحمد بن حنبل
-
نقض نظرية المعرفة لدى إبن تيمية
-
نقض اللاتعارض مابين العقل والنقل لدى إبن تيمية
المزيد.....
-
محكمة إيطالية تعتزم محاكمة أربعة ضباط مصريين غيابيا بتهمة قت
...
-
البيت الأبيض لـCNN: نجرى مناقشات مع إسرائيل وقطر ومصر لإطلاق
...
-
اكتشاف علاقة ثنائية الاتجاه بين فرط نشاط المثانة والنوم السي
...
-
فرنسا -تبعد- مسؤوليها الحكوميين عن -واتس آب- و-تليغرام-
-
الكشف عن ملامح خطة أميركية لمستقبل غزة بعد الحرب
-
البنتاغون: الحوثيون ربما لا يستهدفون السفن الحربية الأميركية
...
-
حماس ترفض -أكاذيب- اتهامها بالعنف الجنسي بهجومها على إسرائيل
...
-
لجنة فلبينية تزور الكويت لبحث استئناف استقدام العمالة
-
الجيش الإسرائيلي: مقابل كل قتيل من -حماس- يُقتل مدنيان اثنان
...
-
الولايات المتحدة.. الديمقراطي والجمهوري يفشلان في التوصل لات
...
المزيد.....
-
فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال
...
/ إدريس ولد القابلة
-
المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب
...
/ حسام الدين فياض
-
القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا
...
/ حسام الدين فياض
-
فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
يوميات على هامش الحلم
/ عماد زولي
-
نقض هيجل
/ هيبت بافي حلبجة
-
العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال
...
/ بلال عوض سلامة
-
المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس
...
/ حبطيش وعلي
-
الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل
...
/ سعيد العليمى
-
أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم
...
/ سعيد زيوش
المزيد.....
|