أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - هيبت بافي حلبجة - نقض إشكالية الشر لدى ماري بيكر إيدي















المزيد.....


نقض إشكالية الشر لدى ماري بيكر إيدي


هيبت بافي حلبجة

الحوار المتمدن-العدد: 7052 - 2021 / 10 / 20 - 12:57
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


سنعالج موضوع الشر في حلقة قادمة لدى المعتقد الإسلامي المرتبك مابين الشرك والثنوية والبعيد كل البعد عن مفهوم التوحيد ، الإسلام ديانة لاتوحيدية على الإطلاق ، وأما هنا فإننا نلتزم بحدود ماذهبت إليه ماري بيكر من إطروحات وقضايا وتصورات مزجت مابين محتوى الشر والألم ومضمون الوجود والإتحاد مع الإله .
المقدمة الأولى : لقد إختلط مفهوم الشر ، الشر الكلي ، بمفاهيم جزئية ، الشرور، الآثام ، الخطايا ، الألم ، المرض ، الموت ، الإغتصاب ، القتل ، الأعاصير ، الفيضانات ، الزلازل ، العواصف الرعدية . ولقد عرف الشر على إنه يقابل الخير ، والخير بدوره يقابل الشر ، فإذاٌ لدينا ، من هذه الزاوية ، خير أو شر ، أي إن الفعل والحدث وسيرورة الفعل وصيرورة الحدث لايمكن إلا أن تكون إما هذا أو إما ذاك . لذا قسم البعض الشر إلى فئتين أو إلى نوعين ، والبعض الآخر إلى ثلاثة فئات ، والبعض الآخر إلى أربعة فئات ، ولقد تقبل ماري بيكر الموضوع على النحو التالي : إن كل ماهو ليس خيراٌ هو ، بالضرورة ، شر ، دون أن تحدد ماهو المقصود الأصيل من محتوى الخير ، كإنها إعتبرت إن الخير معقول ومقبول وواضح وإن الشر يقابل هذا المعروف والمعرف والواضح . ومن المستحسن أن نلخص تلك الفئات الأربعة بالشكل التالي : إن كل مايصدر من الطبيعة من عواصف وزلازل وفيضانات ، وحالات تسبب الوجع والألم للإنسان ، هو الشر الطبيعي . وإن كل مايصدر من الإنسان من قتل وإغتصاب وإعتداء على الممتلكات وتجويع وقهر وإذلال ، هو الشر الإجتماعي . وثمة من نسب الشرإلى المزج مابين النوعين ، فهو في جزئية منه سببه الإنسان وفي جزئية أخرى سببه الطبيعة . وإما النوع الرابع فهو الشر الميتافيزيقي ، وينسب عادة إلى لايبنتز ، ويمكننا تلخصيه على الشكل الآتي : إن الوجود يقسم إلى ماهو واجب الوجود وإلى ماهو ممكن الوجود ، فالواجب هو الكامل والكمال ، والممكن هو الناقص والمنقوص ، وكل ماهو ناقص يتضمن الشر بالضرورة . وفي الإصالة توجد حالة إرتباك ، على المستوى التطبيقي الجزئي ، مابين ما هو خير وماهو شر ، ونوضح ذلك من خلال المثال التالي ، الموت هو شر حتى لو كان عمر الشخص المائت مليار سنة .
المقدمة الثانية : في مؤلفها ، العلم والصحة ، وهي تقصد العلم الإلهي والصحة ، مايز ماري بيكر مابين العقل الإلهي والدماغ البشري ، دون أن تتعرض لطبيعة كل منهما ، بل هي لاتكترث بذلك ، مثلما يفهم الإنسان الستاندر المعياري موضوع الشمس ، فالشمس بالنسبة إليه جرم دافىء وديع رائع يبعث الحياة من خلال إشعاعه ، دون أن يدرك هذا الإنسان إن الشمس كلها غازات حارقة تتفاعل بشكل بركاني كبير . ومن هنا هي ترى العقل الإلهي من الزوايا الستة الآتية :
الزاوية الأولى إن العقل الإلهي ليس شيئاٌ من الأشياء ، وليس شيئاٌ في الأشياء ، إنما هو كل شيء ، يحتوي على كل شيء ، يحتوي على كل شيء من زاوية إنه الخير المطلق ، الخير الكلي ، هو الخير ولاخير خارجه .
الزاوية الثانية إنه كلي الإيجابية ، والإيجابية تتعلق بالمستوى الإنطولوجي ، كما تتعلق بمستوى الدلالة ، كما تتعلق بأساس الفكر ، أي إن العقل الإلهي لايعرف السلبية مهما كانت نوعها أو طبيعتها أو محتوى علاقتها .
الزاوية الثالثة إنه كلي الرحمة ، وفي الفعل إن الرحمة والإيجابية صنوان متلازمان بنيوياٌ لفهم معنى العقل الإلهي ضمن شرطين أثنين . الشرط الأول إن الرحمة ليس فعلاٌ يقوم به العقل الإلهي إنما هي أسم ومصدر ، لإن العقل الإلهي لايقوم بفعل الرحمة ، كما إن البشر ليس أمامهم سوى أمرين ، إما أن يتمتعوا بهذه الرحمة الأبدية وينضوون تحت ظلالها ، أو أن ينتظرون في الخارج . الشرط الثاني إن الإيجابية هي حد وحدود الرحمة كما إن هذه الأخيرة هي حد وحدود الأولى ، فلا رحمة دون إيجابية كما لا إيجابية دون الرحمة ، فلارحمة لا إيجابية ، ولا إيجابية لا رحمة .
الزاوية الرابعة إن العقل الإلهي لايتبضع لاينقسم لايتجزأ ، فإما أن يوجد بكليته أو أن يغيب بكليته ، كما إنه هناك ، هناك في كل مكان ، وماعلى الشخص إلا أن يلج في مجاله .
الزاوية الخامسة إن العقل الإلهي لايتصرف ، لايختار ، لايجتبي ، لايرسل رسلاٌ أو أنبياءاٌ ، كما إنه لايتوعد ولايهدد ولايعذب أحداٌ ، ولايغضب ولايفرح ، ولاجنة لديه ولاجهنم .
الزاوية السادسة إن العقل الإلهي غير محدد وغير محدود ، فهو الماورائي في حدود طبيعته وفي حدود الإنساني ، لذلك هو يرفض أن يعرف وفق مفهوم بشري .
وأما بخصوص الدماغ البشري فهو يتحدد طبقاٌ لجانب واحد يتوازى مع الطبيعة البشرية كما هي ، ويتساوى مع كل تلك الجوانب الستة في حدود ماهو من خواصه ، هو مادي ، وكل ماهو مادي هو منقوص وناقص ، وهذا هو أساس المبنى لدى ماري بيكر في إن العقل الإلهي يذهب إلى الكمال والمكمل وإلى كل البشر ، في حين إن الدماغ البشري يذهب إلى الناقص والمنقوص وإلى ماهو شخصي .
المقدمة الثالثة : إعتماداٌ على التمايز السابق ، المقدمة الثانية ، وطالما إن ماري بيكر لاتدنو من معالجة المصطلحات ولا الأفكار ولا المفاهيم ، لإن ذلك ليس من إختصاصها قطعاٌ ، المقدمة الأولى ، فإنها تحدد العلاقة مابين الإنسان والذات الإلهية بطريقة مميزة وهي إن الإله هو هناك كما هو كماهو العقل الإلهي وأما الشخص فينبغي عليه أن يدخل في المجال الإلهي ، دون أن ندرك من ذلك إن الشخص يرتقي من إلى ، أو ينتقل من مرحلة إلى أخرى ، أو إنه يعبر من مجال إلى آخر ، إنما هو ولوج حقيقي ، إنتماء فعلي ، وهذا يقتضي منا ان نوضح النقاط الأربعة التالية :
النقطة الأولى إن مفردة العلاقة التي ذكرناها قبل قليل لم تعد تتضمن طرفين إنما تغدو نوعاٌ من الذوبان في المجال الثاني ، لإن هذا الأخيرلايبادل الطرف الأول أي رد فعل ، أو أي نوع من التغير ، أي يبقى هو كما هو ، أي إن العلاقة تضمحل لصالح الإنتماء .
النقطة الثانية لايجوز للشخص أن يلتمس العون والمساعدة من الطرف الثاتي أو أي نوع من الدعاء ، أي يقول أللهم ( مفردة كوردية تعني إللهي ) لك الحمد حتى ترضى ، أو أللهم أمنحني المال والجاه والعمر المديد ، لإن هذه الفكرة تدل على الفصل مابين الطرفين ، الفصل مابين الإنسان والإله ، وهذا يحطم المبنى والأسس المعتمد لدى ماري بيكر.
النقطة الثالثة تنتفي كافة المصطلحات العقائدية وجودياٌ ، مثل الجنة والنار والثواب والعقاب ، والوعد والوعيد ، ويوم القيامة ، والصلاة والحج وقيام اللليل ، لإن الإله ليس طرفاٌ في العلاقة ، كما إنه منزه عن أن يطلب ، أو أن يحب ، أو أن يكره ، فكيف له أن يعاقب وهو الخير نفسه ، والإيجابية كلها ، والرحمة بكليتها .
النقطة الرابعة تتحول دالة الإرادة لدى الشخص من إرادة للحياة ورغبة في البقاء ودفاع عن الذات وبحث عن الإختيار ، إلى حالة خاصة تعبر عن حقيقتها في حدود مجال العقل الإلهي ، أي في الأصل تتحول الإرادة إلى جزء من الوجود الإلهي تحديداٌ ، فهي تنتصر على المرض ، تنتصر على الشر ، تنتصر على الألم ، وربما من المستحسن أن نذكر هنا إن ماري بيكر نفسها كانت مريضة وعليلة منذ شبابها الأولى وتعذبت أيما عذاب ، ورغم ذلك ناهزت التاسعة والثمانين من عمرها .
المقدمة الرابعة : من تجربتها الخاصة ، وإنتصارها على المرض والشر ، تؤكد ماري بيكر إن الإنسان يملك طاقات هائلة مخيفة جداٌ ، طاقات في الدماغ وفي الإرادة وفي الجسم بشكل عام إلى درجة إنها لو أستثمرت بصورة دقيقة في مجال العقل الإلهي لدخلنا في مرحلة جديدة في التداوي الذاتي بالذاتي ، وهنا نود أن نشير إلى الحيثيات التالية :
الحيثية الأولى إن إكتشاف هذه الطاقات ليس رهن باللحظة الراهنة إنما كلما تقدم الشخص في هذا المجال كلما أدرك وجود طاقات من نوع جديد ، وفي الأصل إن الجسم كلما إمتلك واقعاٌ جديداٌ كلما أستطاع أن يستثمر طاقات أخرى كامنة فيه .
الحيثية الثانية إن الجسم البشري ، سواء من خلال ذاته ككائن ، سواء من خلال الخلايا كجوهر واع ، سواء من خلال الأعضاء كوحدة خالصة ، سواء من خلال النخاع الشوكي ، يستطيع أن يجدد ذاته من خلال عملية الأوتوفاجي ، عملية التآكل المحمود لخلاياه ، سواء في إعادت تأهيلها من جديد ، سواء في طرحها خارجاٌ .
الحيثية الثالثة إن الولوج في مجال العقل الإلهي ، وحصول الإنتماء الفعلي ، هو شرط ضروري لحدوث قاعدة بنيوية في داخل الجسم : وهي إنه لن يعترف بالمرض والشر بعدها ، لإنه سيحتسب ذلك من أساس المشكلة في الواقع المادي .
المقدمة الخامسة : في أساس التأصيل العقائدي لديها ، تنطلق ماري بيكر من أربعة زوايا متقابلة في إئتلاف متماسك : الزاوية الأولى تخص ماهية الكون ، الزاوية الثانية تخص ماهو الألم ومن ثم ماهو الشر ، الزاوية الثالثة تخص العلاقة مابين أفعال الإنسان والشر ، الزاوية الرابعة تخص العلاقة مابين الخطايا وموضوع الشر .
الزاوية الأولى : ثمت رؤية هندوسية قديمة تقول إن الكون ، العالم ، ليس إلا وهماٌ ، إن الوجود البشري ليس حقيقة إنطولوجية لاقائم بذاته ولاقائم بغيره ، إنه مجرد سراب ( مفردة كوردية ) ، وإن الحقيقة الفعلية الأصيلة هي وجود الإله ، وماعدا هذا الوجود الإلهي ليس وجوداٌ ، ومن روح هذه الرؤية أستمدت ماري بيكر مفهوم إن العالم الحسي والمادي ليس إلا توهماٌ بشرياٌ ، وإن الإنسان يعيش في حالة حلم ومنام .
الزاوية الثانية : من الزاوية الثانية ندرك العلاقة الحميمية مابين الألم واللاألم ، فكلما إقترب الشخص من طبيعته المادية الحسية كلما إزداد قوة شعوره بالألم وبالتالي كلما أحس بوجود شيء أسمه الشر ، وكلما دخل الشخص في مجال العقل الإلهي كلما إنتفى أحساسه بالألم ومن ثم أدرك موضوع الشر بطريقة مغايرة . أي إن ما يعتقد الشخص إنه يحس به من آلام مرده تصور باطل لإدراك حقيقة وجوده ، وفعلية العلاقة مابين هذا الوجود الوهمي وذاك الألم المفترض .
الزاوية الثالثة : ثمت رؤية هنوسية قديمة تقول إن موضوع الشر هو خاص بالإنسان فقط ، وإن الإنسان هو مبعث الشر ، ومصدر الشرور كلها ، فالإله هو الخير كله ، والإنسان هو أساس تأصيل حيثيات الشر . من هذه الرؤية إستمدت ماري بيكر فكرة إن الشخص الذي يخطىء يصيب نفسه بخلل مواز ومتطابق ، بمعنى إن مايعانيه الإنسان ليس إلا نتيجة سلبية لما يقترفه من أخطاء تحدث آثاراٌ ضارة بحجم تلك الأخطاء ، وبالتالي فإن الآلم ، أو الإحساس بالألم ، او الإعتقاد بوجود ألم ، هو المعطى المباشر لحالة حدوث مبنى الشر المواكب لتلك الأخطاء .
الزاوية الرابعة : وهي العلاقة مابين مجال العقل الإلهي والخطايا ، وكلما إرتكب الشخص خطايا ، وإقترف آثاماٌ وشروراٌ ، كلما إبتعد عن مجال العقل الإلهي ، كلما إبتعد عن الرحمة الإلهية ، كلما إبتعد عن الإيجابية الإلهية ، كلما إبتعد عن الخير الإلهي . ومن إبتعد عن هذه المواضيع ، إبتعد كلياٌ عن مجال الحقيقية الإلهية ، تلك الحقيقة الوحيدة ولاحقيقة بعدها . وتؤكد ماري بيكر إن كلما أقترف الشخص خطيئة حدثت قاعدة : وهي إنه سوف يرى اللاواقع واقعاٌ ، وسوف يرى الواقع لاواقعاٌ ، بمعنى كلما إقترف الشخص خطايا كلما إقترب من الوهم الكوني ، حيث الكون ليس إلا وهماٌ ، وإبتعد عن الحقيقة الإلهية ، حيث هي الحقيقة الوحيدة .
نكتفي بهذا القدر ونبدي إعتراضاتنا على النحو التالي ، مع إعترافنا المسبق إن ماري بيكر ، ورغم عدم معرفة الكثيرين في العالم بها ،هي ، بالنسبة إلي ، تعد من بين أقوى الشخصيات الفكرية في العالم كله ، قديماٌ وحديثاٌ . وهذا الموضوع يستحق أبحاثاٌ جادة في محاولة إدراك العلاقة مابين مايسمى بالإنسان ، ومابين مايسمى بالطبيعة أو الكون أو العالم أو الوجود ، ومابين مايسمى جهلاٌ بالإله :
أولاٌ : في تأصيل النقطة الحرجة لدى ماري بيكر ، من الضروري أن ندرك سيرورة العلاقة مابين هذا التثليث ، الإنسان كما هو ، الإله المفترض المزعوم كما هو في ذهن البشر والذي لاوجود له ، الطبيعة كما هي . في هذا التثليث ينبغي أن نفقه النقاط الثلاثة التالية :
النقطة الأولى إن ماري بيكر كانت تؤمن إيماناٌ جذرياٌ وعميقاٌ بوجود الإله ، وكانت تعشق فكرة الإله ، ومن يصل هذا المستوى في فكره ووجدانه ، تغدو المقولات المقابلة لفكرة الإله قليلة الأثر ، عديمة المعنى ، وهكذا فقدت الطبيعة مفهومها وحقيقتها لدى ماري بيكر لصالح الوجود الإلهي ، وتحولت تلك العلاقة في ذلك التثليث ، الإنسان الإله الطبيعة ، إلى علاقة وحيدة وواحدة ، مابين الإله والإنسان .
النقطة الثانية إن موضوع ماري بيكر يتجاوز محتوى الإرادة ، ومحتوى الوعي ، ومحتوى الإدراك ، ، ويتجاوز الثلاثة معاٌ ، ودعوني أسمي ذلك بمحتوى ومفهوم ، الإنتماء الحر ، درجة الإنتماء الحر ، وهو الولوج في مجال العقل الإلهي لدى ماري بيكر . وهنا لايهم إذا كان ذلك إله ، أم كوناٌ ، أم الطبيعة ، أم شمساٌ ، أم شجرة . إنما الذي يهم هو حقيقة الإنتماء الحر في مجال ذلك الشيء .
النقطة الثالثة في تعريف الخوف الطبيعي ، يعتقد الكثيرون إن الخوف هو الخوف من ، لكن في التأصيل البنيوي هو الخوف على ، والفرق جسيم للغاية ، فلولا إنك تخاف على ، لما ولد لديك الخوف من . فحينما نخاف من الذئب ، فنحن لانخاف منه لإنه ذئب إنما لإنه يشكل خطراٌ على ما نخاف عليه ، والتغبير الأدق لإن لدينا فكرة منذ البداية وحسب الموروث إنه قد يشكل خطراٌ على مانخاف عليه . وحينما ينتفي لدينا ما نخاف عليه ، ينتفي الجانب الآخر من المعادلة وهو إننا لن نخاف من .
والآن ما الذي حدث لدى ماري بيكر : لقد كانت عليلة مريضة وهي في البدايات ، وكابدت مآسي قاسية كادت تودي بحياتها . وفي لحظات معينة ، إكتشفت وكإن أيامها الحالية هي هبة ربانية ، منحة إلاهية ، وكإنها رجعت من العدم ، فلم تعد تخاف على ، ولم تعد تخاف من . وكونها إمرأة مؤمنة حتى النخاع الشوكي ، تولدت لديها حالة إستثنائية وهي : إن الطاقة الإيجابية في جسدها أصبحت في المستوى الأعظم ، والطاقة الإيجابية تولد إمكانات جديدة في الجسد وفي الخلايا وفي البنية . وهكذا أصبحت ماري بيكر إزاء حالة الشفاء الذاتي ، حالة الشفاء الذاتي مع الإنتماء إلى مصدر التكامل في مبنى الوجود والكون ، وهذا المصدر ، هنا وحسب إيمانها ، هو الإنتماء إلى العقل الإلهي .
لكن الإشكالية الكبرى إنها نسبت هذه الحالة ، وهي حالة صحية سليمة وصادقة ، إلى الوجود الإلهي ، وإعتقدت إن هذا هو الإتحاد مع الإله . وهذا هو مبعث النقد : لنعود إلى التثليث السابق ، ونراه على ضوء الحيثيات الأخيرة ، سوف نتأكد من التالي ، فمن جانب إن الشخص هو المركز وليس الإله كما تعتقد ماري بيكر ، إن كل ما طرحته ماري بيكر من أفكار هي مقدمات للحالة الشخصية أو عوامل تنطبق وتتطابق مع حالة الشخص نفسه في إئتلافه مع ذاته ، فحتى حسبها ، ينبغي على الشخص الولوج في مجال العقل الإلهي ، هي تسمي تلك الحالة بالمجال الإلهي ، لكن ماذا لو كان ذلك حالة الشخص نفسه ، أو ماذا لو كان ذلك إندماج الشخص مع الطبيعة ، الأم التي كونته . ومن جانب إن الشفاء الذاتي هو تجسيد لحالة الشخص في حده وحدوده فقط ، ولادخل لأي إله بموضوعه ، أي إن الشخص نفسه ينبغي أن يحايث موضوعة الشفاء الذاتي ، فلو لم يلج الشخص في مجاله الخاص ، الشفاء الذاتي ، لما ساعده في ذلك أي إله مزعوم . ومن جانب إن موضوعة الإنتماء الحر التي أشرنا إليها ينبغي أن يصحح مسارها على النحو التالي : كون الشخص قد تكون في ومن أحضان الطبيعة ، وكونه ينتمي بنفس الضرورة وبنفس المبنى إلى الخاصية الحقية للطبيعة ، فهو إذا ماتجاوز محنة الخوف ، ولم يعد يخاف على ، كما تفعل الطبيعة ذلك ، فإنه ينتمي إلى روح الطبيعة ، إلى عقلها ، إلى إدراكها ، إلى وعيها ، أي تتحقق حالة : هي القدرة على تخطي ماهو يهدد ماخططته الطبيعة لنفسها ولنا وللأشياء وللكون ، ولقد أشرنا سابقاٌ إنها قد فشلت في مجال الدينوصورات ، وفي موضوعات أخرى ، من بينها الإنسان ، رغم إن هذا الأخير هو، على الظاهر ، أرقى ما أنتجته الطبيعة . ومن جانب إن كل ماذهبت إليه ماري بيكر لايتوائم مع الحقيقة الوهمية للإله . فإذا وجد إله ، وهذه حالة فرضية ، فإنه لايمكن إلا أن يكون خالقاٌ للكون ، وخلق الكون لايتم بهذه الصورة السخيفة ، ولاتكون العلاقة مابين الخالق والمخلوق بهذا الشكل التافه ، ومن المستحيل أن يكون ثمة خالق للكون . لذلك نرى لدى الكثير من الفلاسفة ، لكي يتجاوزا هذه المحنة ، يلتجأوون إلى فكرة وحدة الوجود ، أو فرضية الفيض الإلهي ، وغيرها ، وهي كلها فرضيات عقيمة بليدة .
ثانياٌ : تؤكد ماري بيكر إن لدى الإنسان قدرات وطاقات عظيمة خارقة ، وهي تظهر وتتجسد في أشكال كلما تقدم الشخص في مجال العقل الإلهي ، وهذا التصور تتناقض من حيث هي مع ما تبقى من إطروحاتها في الدلالات التالية : الدلالة الأولى إن هذه الطاقات والقدرات ، وهي سليمة في تأصيلها الإنساني ، أي إن الإنسان يمتلك فعلاٌ طاقات لامثيل لها ، لكن هذه الطاقات هي مرهونة بعمقها الداخلي الباطني فقط ، ولاترتهن في تمظهرها لأي سبب خارجي ، فإلإنسان هو الذي ينمي ويطور وينشأ هذه الطاقات ، ينشؤها منه وفيه ومن خلال ذاته ، فلاعلاقة لأي إله بظهورها . الدلالة الثانية إن محتوى هذه الطاقات تدل على جانبين اثنين ، الجانب الأول إن الشفاء هو شفاء ذاتي ، والجانب الثاني إن الولوج في العقل الإلهي هو ولوج في الحالة البشرية البحتة . أي في الأصل ينبغي كي تتحقق حالة ماري بيكر أن يحقق الشخص حالته الخاصة ، فبدون تحقق ذلك لايمكن الحديث عن أي علاقة مابين الإنسان ومابين الإله ، وكون هذه الخاصية هي إنتماء باطني وإنساني بحت فإن ماذهبت إليه ماري بيكر وكإن الإله هو الذي يحقق هذه الحالة ، مرفوض من حيث هو ماهو ، ومن حيث إن الفعل عملية شفاء تنطلق من الشخص ، تتخمر في الشخص ، وتتحقق في الشخص . الدلالة الثالثة إن تجربة ماري بيكر هي تجربة ذاتية ودائرية مغلقة ، ولقد نجحت في ذلك ليس لإيمانها بما يسمى الإله ، إنما قد أفلحت لتحررها من الخوف الباطني ، وإستنادها على طاقات جسمها ، ووعي خلاياها ، وبحث تلك الخلايا عن منافذ الدفاع عن ذاتها . وحتى لو صدقنا فرضية إن الإله هو سبب تحقق هذه الحالة ، مع العلم إنه لايوجد إله بالأصل ، فإن رد فعل ذلك الإله المزعوم ماكان لولا تحرر ماري بيكر من الخوف الباطني ، ولولا وعي جسدها لحالته ومحاولته في الدفاع غن ذاته .
ثالثاٌ : في أساس تأصيل معضلة الشر والألم والمرض من زاوية إن العالم ليس إلا وهماٌ وتوهماٌ ، توجد عدة تناقضات عديمة الإدراك : التناقض الأول إذا كان هذا الكون ليس إلا وهماٌ فكيف أدرك الوهم تلك الإطروحات التي أشار إليها ماري بيكر . كيف أدركت ماري بيكر ، وهي ليست إلا وهماٌ ، حقيقة الذات الإلهية ، وأدركت إن الإله هو الحقيقة الوحيدة ، ربما يوجد وجود آخر ، وجود ما ، فكيف تمكنت ماري بيكر من إدراك نفي هذا الوجود الآخر ، الوجود الثالث . التناقض الثاني إذا كان هذا الكون ليس إلا وهماٌ ، فهو لاوجود له . ومن لاوجود له ، كيف يمكن أن تنبني عليه إطروحات جوهرية تؤكد طبيعته ، وتؤكد طبيعة وجود ما ، تؤكد وجود إله ، تنفي وجود وجود ثالث . ومن لاوجود له ، كيف يمكن أن يلج في مجال العقل الإلهي ، ولماذا يلج هذا الوهم الوجودي، أصلاٌ ، في مجال العقل الإلهي . التناقض الثالث إذا كان هذا الكون وهماٌ ، فكيف أنوجد هذا الوهم . فمن جانب لايمكن لأي إله أن يخلق وهماٌ . ومن جانب لايمكن لهذا الوهم ان يتحقق خارج إرادة الإله المفترض ، حينها نكون إزاء مقدمات أخرى ذات إشكاليات قاتلة تحطم الأسس التي إعتمدت عليها ماري بيكر . ومن جانب أين هي القاعدة الأصلية التي أشارت إلى أو التي دلت على حالة وجود هذا الوهم ، هل هو الإله ، لايمكن ، هل هو الكون ، لايمكن ، كيف يمكن للوهم أن يشير إلى حالة وجوده ، هل هو وجود ثالث ، لايمكن ، كيف أدركت ماري بيكر هذا الوجود الثالث . التناقض الرابع إذا كان هذا الكون ليس إلا وهماٌ ، فإننا نكون إزاء : من جانب لايمكن أن توجد غاية وراء الوجود كله . ومن جانب ينعدم مفهوم المسؤولية في الوجود . ومن جانب ينعدم مضمون وجود إله ، فلاوجود له ، ولاقيمة لوجوده إذا أرغمنا جدلاٌ على الإعتراف بوجوده ، أي سيتحول هذا الإله الغائب إلى إله غائب مطلق ، ولن يكون إلهاٌ لنا ولم يكن إلهاٌ لنا ، إلهأ لمن ، لوجود ثالث ، وإذا وجد هذا الثالث إنتفت حقيقة كل ما ذهبت إليه ماري بيكر .
رابعاٌ : إن الإشكالية الكبرى التي تنبنى على معضلة الشر لدى ماري بيكر ، إن الشر لم يعد شراٌ ، إن القتل لم يعد قتلاٌ ، إن الجريمة لم تعد جريمة ، إن الإحساس لم يعد إحساساٌ ، إن الجوع لم يعد جوعاٌ ، إن الجنس لم يعد حاجة هرمونية ، إن اللذة بالأشياء لم تعد أبداٌ لذة إنما توهماٌ . وإذا كانت المعطيات هي من هذا النوع فلماذا سعت ماري بيكر إلى التحرر من آلامها ، وعذابها ، طالما ما كان من المفروض أن يحس بها .
خامساٌ : إن الإشكالية الكبرى الثانية التي تنبنى على معضلة الشر لديها ، إن المعرفة البشرية لم تعد معرفة حقيقية ، وإن الربط مابين الظاهرات ليس إلا كذبة كبرى ، وبالتالي لايوجد أي معنى فعلي لنا ، ولا لوجودنا ، ولا لمعرفتنا ، ولا لتجربتنا ، ولا لكوننا ، وبالتالي لايوجد أي معنى لوجود أي إله ، ولماذا يوجد إله بالأصل . نكتفي بهذا القدر ، وإلى اللقاء في الحلقة الواحدة والعشرين بعد المائة .



#هيبت_بافي_حلبجة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نقض المرحلة الدينية لدى كيركجارد
- نقض النسق الفكري لدى شوبنهاور
- نقض الأحكام القبلية لدى كانط
- نقض الروح الكلية لدى هيجل
- نقض مفهوم الخلق الإلهي
- نقض مفهوم التأويل في النص الإلهي
- نقض محتوى العقل لدى أبو بكر الرازي
- نقض مفهوم النص لدى نصر حامد أبو زيد
- نقض مفهوم السببية لدى الغزالي
- نقض وحدة الوجود الشخصية لدى كمال الحيدري
- النص الإلهي لايحرم الخمر
- نقض المنظومة الفكرية لدى جون لوك
- نقض النظرة الإيمانية لدى بيركلي
- نقض مفهوم الجدل لدى محمد شحرور
- نقض مفهوم الحق لدى محمد شحرور
- نقض نظرية المعرفة لدى أفلاطون
- نقض قدم النص الإلهي لدى أحمد بن حنبل
- نقض نظرية المعرفة لدى إبن تيمية
- نقض اللاتعارض مابين العقل والنقل لدى إبن تيمية
- نقض الكمال الإلهي لدى ديكارت


المزيد.....




- وزير الدفاع الأميركي يجري مباحثات مع نظيره الإسرائيلي
- مدير الـ -سي آي إيه-: -داعش- الجهة الوحيدة المسؤولة عن هجوم ...
- البابا تواضروس الثاني يحذر من مخاطر زواج الأقارب ويتحدث عن إ ...
- كوليبا: لا توجد لدينا خطة بديلة في حال غياب المساعدات الأمري ...
- بعد الفيتو الأمريكي.. الجزائر تعلن أنها ستعود بقوة لطرح العض ...
- السلاح النووي الإيراني.. غموض ومخاوف تعود للواجهة بعد الهجوم ...
- وزير الدفاع الأميركي يحري مباحثات مع نظيره الإسرائيلي
- مدير الاستخبارات الأمريكية يحذر: أوكرانيا قد تضطر إلى الاستس ...
- -حماس-: الولايات المتحدة تؤكد باستخدام -الفيتو- وقوفها ضد شع ...
- دراسة ضخمة: جينات القوة قد تحمي من الأمراض والموت المبكر


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - هيبت بافي حلبجة - نقض إشكالية الشر لدى ماري بيكر إيدي