هاله ابوليل
الحوار المتمدن-العدد: 7362 - 2022 / 9 / 5 - 11:44
المحور:
الادب والفن
بينما كان يركب سيارته صباحا , استوقفه بائع جوال يبيع شريحة من عنب ,كان منظر حباته شهيا للغاية ولكن العنب غير مغسول وهو على موعد مهم مع عميل ينتظره
لذا فقد منح البائع ثمن الشريحة من العنب وطلب منه أن يرسلها إلى فيلته
رن البائع الجرس , فخرج له أحد الخدم فأعطاه شريحة العنب
قائلا له :أنها من صاحب البيت ومضى في طريقه
في المساء , وبينما كان يتعشى طلب من زوجته صحنا من العنب الذي احضره صباحا لهم
فقالت له : لم يتبقى منه ولا حبة
دهش الرجل وقال لها: ولماذا لم تحتفظي لي بحصتي
فقالت زوجته وهي تفتح عينيها كسمكة غبية
لقد أكلناها
فقال لرجل مستجوبا زوجته باصرار أكثر , ليس لأنه يحب العنب كثيرا بل ليعرف كيف تفكر
ماذا يعني أكلتوها كلها ,أين حصتي
من الذي أكلها !
فقالت وهي تفتح نفس العينيين تعجبا
أكلناها أنا وأولادك والخدم
منذ متى تهتم بالطعام
فقال لها: أين حصتي! لماذا لم تهتمي بترك حصتي عندما أعود
هل أنفق مالي عليك وعلى أولادك وخدمك وبالنهاية لا أجد قطفا من العنب ينتظرني
فردت الزوجة باستهتار : اعتبر نفسك وكأنك أكلت
كأني أكلت !
نعم , كأنك أكلت ولا داعي لكل هذا الحوار - الذي لا داعي له
كأني أكلت
هزت رأسها بلا مبالاة وخرجت من الغرفة وهي تضرب يديها في الهواء ساخرة من طلبه الغريب
وهي تقول في سرها : سيعمل لنا مشكلة بسبب شريحة من العنب . يا لهذا الرجل البخيل !
لم يكن الرجل بخيلا ولكنها كانت زوجة طماعة وأنانية ولا تهتم سوى ببطنها وحاجاتها وابناءها , وكان سينتهي الأمر لو اعتذرت له
جلس الرجل في فراشه بينما كانت زوجته تشخر
قائلا: انه يتعب ويشقى وينفق ماله على من لا يسأل عنه ولا يهتم لأمره حتى لو كان أهل بيته
اذا كان أهل بيتي لا يهتمون بي ولا يقدمون لي شيئا مما احضره
وصار يردد كلمتها :
وكأني أكلت
وكأني أكلت
ما اصعب الخيال لأني لم آكل العنب وليست القصة قصة عنب ولكنها قصة اهتمام و مراعاة وحب وتقرب
لا أحد يهتم بوجودي أو ملاطفتي
الجميع يحب خزنتي و محفظة مالي
فماذا استفيد ومن حولي يقولون لي " تخيّل أنك مهم وأنك لقيت الاهتمام بصحن عنب نقدمه لك عندما تعود للبيت
عنب اشتريته بمالك ووجدت أن هناك من يهتم بأمرك ويحتفظ بحصتك ويقدمها لك بحب ومودة
ماذا ستقدم لي زوجتي وأولادي في الآخرة
هل سأقول لرب العباد
لقد أطعمتهم وجعلت حياتهم كلها رفاهية
فماذا قدمت لربك ولآخرتك ولحياتك بعد الممات
استيقظ الرجل صباحا من مرقده ولبس ملابسه وركب سيارته فصادف بائع العنب الذي تقدم منه مقدما بضاعته
اشترى الرجل منه الشريحة وطلب منه أن يدخلها لقصره كالعادة
ومضى لعمله
في مجلسه وأثناء تخطيطه مع المهندسين سأل عماله عن ارض كبيرة يملكها أن كان بحاجة لترخيص لبناء مسجد عليها
, وجد تشجيعا كبيرا من موظفيه وبدأ العمل بأخذ الترخيص في نفس اليوم
وقدم للمهندسين مهلة تجهيز المخططات بأسرع وقت ,
عندما عاد لبيته وبينما كان يتعشى كان ينتظر أن تحضر له زوجته صحنا من العنب ولكن لا شيء من ذلك حدث
فصار يحدث نفسه قائلا : كأني أكلت
كأني أكلت
بعد شهر من العمل الحثيث ,بدأت ورشات البناء في العمل
سأله المهندسين والعمال عن اسم المسجد - الذي ينوي تسميته
فقال لهم بدون تفكير "كأني أكلت" وتركهم وعاد للبيت
سال زوجته أن كان يوجد في البيت عنب
فردت عليه كالعادة : لا يوجد, لقد أكلناها كلها بجلسة واحدة
وأردفت : طعم هذا العنب لذيذ جدا لدرجة أننا جلسنا جميعا على الشريحة وأكلناها
فقال لها:" من الذي أكلها !
فقالت بتعجب : أنا والأولاد والخدم
فقال لها : كأني أكلت
فلم تفهم
جاءه أتصال , وعندما رد على هاتفه, كان أحد المهندسين يستشيره في أمر ما بخصوص المسجد
فسمعت زوجته ذلك , فاقتربت منه وقالت له بعجب وبنفس العينيين المفتوحين كسمكة غبية
: هل تبني مسجد!
لماذا لم تخبرني بذلك من قبل , ولم تستشيرني قبل بنائه
فقال لها :" منذ متى تهتمين, بماذا ابني ؟, وبماذا افعل؟
بماذا آكل !
وردد أمامها ساخرا كلمتها : " كأني أكلت"
فقالت : هذا لا يهم
المهم , بناء هذا المسجد كم سيكلف؟
وهل هذا سينقص ذلك من ميزانية البيت
فأولادي أولا , أنت تعرف أن ما يحتاجه البيت يُحَرّمْ على الجامع .
فقال لها : لا يا عزيزتي هذا لن ينقص مما تحتاجونه , وستظل تأتيكم شريحة العنب يوميا وهي والكثير من الفاكهة
ولكنني استثمر لنفسي حصة في الجنة
لم تفهم الزوجة الطماعة الأنانية مقصده, فقد كان همها الأول أن يبقى ماله في جيبها ولأبنائها.
فقالت بسخرية :" وماذا ستسميه!
فصمت وهو ينظر لها وشبح ابتسامة على شفتيه
فأردفت :" لماذا لا تسميه باسمي , فاتسعت ابتسامته الساخرة
شعرت بها , فعدلت مقولتها : لماذا لا نسميه باسم ولدنا البكر
فضحك ضحكة ممتدة ساخرا :" ولماذا لا أسميه باسمي !
لقد بنيته بمالي الخاص .
شهقت الزوجة وهي ترفع حاجبيها عجبا , فقد كانت تلك أول مرة تشعر فيها
أن زوجها أناني ويفضل نفسه عليها وعلى أولادها .
ولكنه طمأنها قائلا:" سأسميه "كأني أكلت " .
"بتصرف "
ملاحظة
هذا المسجد موجود حاليا في تركيا
اطلقوا على الجامع اسم (جامع صانكي يدم) أى "كأنى أكلت".
مسجد كأني أكلت أو Sanki Yedim Camii (باللغة التركية)، جامع صغير في إسطنبول وتحديدا في منطقة فاتح، اكتسب شهرته من اسمه الغريب، ويعود تاريخ إنشاء الجامع إلى القرن الثامن عشر في عهد الدولة العثمانية، ويتسع مصلى الحرم لنحو (200) مصل.
قصة بناء الجامع وسبب تسميته
قصة المسجد هي أنه كان يعيش في منطقة " فاتح" شخص اسمه "خير الدين كججي أفندي"، وكان عندما يمشي في السوق، وتتوق نفسه لشراء فاكهة، أو لحم، أو حلوى، يقول في نفسه:"صانكي يدم"، أي بمعنى "كأنني أكلت " ثم يحفظ ثمن ذلك الطعام في صندوق له.
وبعد مرور عدة سنوات من توفير معظم دخله ويكتفي بما يقيم أوده فقط، إزدادت النقود في صندوقه شيئا فشيئا، حتى استطاع بهذا المبلغ والذي وفره في بناء مسجد صغير في محلته، ولما كان أهل المحلة يعرفون قصته، وكيف استطاع أن يبني هذا المسجد أطلقوا على الجامع اسم (جامع صانكي يدم) أي "كأنى أكلت".
تاريخ الجامع
تعرض الجامع لأضرار كبيرة خلال الحرب العالمية الأولى، وبعد الحرب بعشرين عاما، تدمر الجامع تقريبا بفعل حريق نشب فيه، وفي عام 1959م، تم اصلاح المسجد بعد تبرعات من السكان.
الإرث
يقول “عبد الصمد آيدن” - نائب مفتي منطقة الفاتح في إسطنبول: “إن الحكمة من مسجد “كأني أكلت” هو الحث على التوفير الممكن وعدم التبذير والاقتراض والاقتصاد قدر المستطاع بكل المواد، خاصة أننا نعيش في مجتمعات استهلاكية كبيرة، وهذا المسجد يمثل درسًا ممتازًا لكل إنسان، درس للرجل في إدارة أعماله والمرأة في منزلها وحتى الشباب والأطفال”.
وحول تاريخ بناء المسجد يقول آيدن: “المسجد بني بواسطة “كتشيجي خير الدين” أو “محمد شوقي أفندي” ولم يثبت التاريخ في الاسم، إن هذا الرجل عانى الفقر وامتلك تلك القدرة الجبارة على لجم النفس البشرية، فحرمها كل مشتهياتها بمساندة عبارة “كأني أكلت”. واستطاع التوفير من أموال هذه الحياة المتقشفة مما رفع به على مر سنوات جدران هذا المسجد”.
قصيدة "صنكي يدم" للشاعر سعيد عبيد
كتب – محمد عبد الشكور :
مسجد "كأني أكلت" من أعظم المساجد الأثرية في تركيا
وقصة هذا المسجد هى أنه كان يعيش في منطقة " فاتح" شخص ورع اسمه "خير الدين كججي أفندي"، وكان صاحبنا هذا عندما يمشي في السوق ، وتتوق نفسه لشراء فاكهة ، أو لحم، أو حلوى، يقول في نفسه :"صانكي يدم" ، "كأنني أكلت " ثم يضع ثمن تلك الفاكهة أو اللحم أو الحلوى في صندوق له .
ومضت الأشهر والسنوات ،وهو يكف نفسه عن كل لذائذ الأكل ،ويكتفي بما يقيم أوده فقط ،وكانت النقود تزداد في صندوقه شيئا فشيئا ،حتى استطاع بهذا المبالغ والذى تم توفيره القيام ببناء مسجد صغير في محلته، ولما كان أهل المحلة يعرفون قصة هذا الشخص الورع
الفقير، وكيف استطاع أن يبني هذا المسجد أطلقوا على الجامع اسم (جامع صانكي يدم) أى "كأنى أكلت".
كم من المال سنجمع للفقراء والمحتاجين وكم من المشاريع الإسلامية سنشيد في مجتمعنا وفي العالم وكم من فقير سنسد جوعه وحاجته وكم من القصور سنشيد في منازلنا في الجنة - إن شاء الله - وكم من الحرام والشبهات سنتجنب لو أننا اتبعنا منهج ذلك الفقير الورع وقلنا كلما دعتنا أنفسنا لشهوة زائدة على حاجتنا:"كأنني أكلت" .
https://alwafd.news/%D8%AF%D9%86%D9%8A%D8%A7-%D9%88%D8%AF%D9%8A%D9%86/569088-%D9%82%D8%B5%D8%A9-%D9%85%D8%B3%D8%AC%D8%AF-%D9%83%D8%A3%D9%86%D9%8A-%D8%A3%D9%83%D9%84%D8%AA
#هاله_ابوليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟